الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ حُكْمِ عَمَلِ الْكَافِرِ إِذَا أَسْلَمَ بَعْدَهُ
[123]
حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَرَأَيْتَ أُمُورًا كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، هَلْ لِي فِيهَا مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ))، وَالتَّحَنُّثُ: التَّعَبُّدُ.
وَحَدَّثَنَا حسن الحلواني، وَعَبْدُ بْنُ حميد، قَالَ الْحُلْوَانِيُّ: حَدَّثَنَا، وَقَالَ عَبد: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ- وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ- حَدَّثَنَا أَبِي عَن صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ ابْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ أُمُورًا كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صَدَقَةٍ، أَوْ عَتَاقَةٍ، أَوْ صِلَةِ رَحِمٍ، أَفِيهَا أَجْرٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْر)).
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَعَبْدُ بْنُ حميد قَالَا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الإِسْنَادِ. ح، وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَشْيَاءَ كُنْتُ أَفْعَلُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، قَالَ هِشَامٌ، يعني: أَتَبَرَّرُ بِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ لَكَ مِنَ الْخَيْرِ))، قُلْتُ: فَوَاللَّهِ لَا أَدَعُ شَيْئًا صَنَعْتُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِلَّا فَعَلْتُ فِي الإِسْلَامِ مِثْلَهُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ، أَعْتَقَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِائَةَ رَقَبَةٍ، وَحَمَلَ عَلَى مِائَةِ بَعِيرٍ، ثُمَّ أَعْتَقَ فِي الإِسْلَامِ مِائَةَ رَقَبَةٍ، وَحَمَلَ عَلَى مِائَةِ بَعِيرٍ، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِهِمْ.
وقوله: ((أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ))، يعني: إذا أسلم الكافر وكان هناك أعمال صالحة يعملها في كفره، يقصد بها التقرب إلى الله، يكتب له أجرها في إسلامه، بشرط أن يكون قاصدًا بها التقرب إلى الله، فإذا كان يعتق الرقاب في الجاهلية، أو ينصر المظلوم، وينوي بهذه الأعمال التقرب إلى الله، فإنه تكتب له كل تلك الأعمال، ويحرزها بإسلامه، هذا المعنى الظاهر للحديث وهو الراجح، وإليه ذهب ابن بطال
(1)
.
وقيل في معناه أقوال أخرى:
قال النووي رحمه الله: ((وقال الإمام أبو عبد الله المازري رحمه الله: ظاهره خلاف ما تقتضيه الأصول؛ لأن الكافر لا يصح منه التقرب، فلا يثاب على طاعته، ويصح أن يكون مطيعًا غير متقرب، كنظيره في الإيمان، فإنه مطيع فيه من حيث كان موافقًا للأمر والطاعة عندنا موافقة الأمر ولكنه لا يكون متقربا لأن من شرط المتقرب أن يكون عارفا بالمتقرب إليه وهو في حين نظره لم يحصل له العلم بالله تعالى بعد فإذا تقرر هذا علم أن الحديث متأول وهو يحتمل وجوها أحدها أن يكون معناه اكتسبت طباعا جميلة وأنت تنتفع بتلك الطباع في الإسلام وتكون تلك العادة تمهيدا لك ومعونة على فعل الخير والثاني معناه اكتسبت بذلك ثناء جميلا فهو باق عليك في الإسلام والثالث أنه لا يبعد أن يزاد في حسناته التي يفعلها في الإسلام ويكثر أجره لما تقدم له من الأفعال الجميلة وقد قالوا في الكافر إذا كان يفعل الخير فإنه يخفف عنه به فلا يبعد أن يزاد هذا في الأجور))
(2)
.
قلت: قوله: الكافر لا يصح منه التقرب، مراده: أنه لا يعتد له به في أحكام الدنيا، وليس فيه تعرض لثواب الآخرة، فإن أقدَمَ قائل على التصريح بأنه إذا أسلم لا يثاب عليها في الآخرة رُدَّ قوله بهذه السنة الصحيحة.
(1)
شرح صحيح البخاري، لابن بطال (7/ 51 - 52).
(2)
شرح مسلم، للنووي (2/ 140 - 141).
وقال النووي رحمه الله: ((قال القاضي عياض رحمه الله: وقيل معناه ببركة ما سبق لك من خير هداك الله تعالى إلى الإسلام وأن من ظهر منه خير في أول أمره فهو دليل على سعادة آخره وحسن عاقبته هذا كلام القاضي وذهب بن بطال وغيره من المحققين إلى أن الحديث على ظاهره وأنه إذا أسلم الكافر ومات على الإسلام يثاب على ما فعله من الخير في حال الكفر واستدلوا بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أسلم الكافر فحسن إسلامه كتب الله تعالى له كل حسنة زلفها ومحا عنه كل سيئة زلفها وكان عمله بعد الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف والسيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله سبحانه وتعالى ذكره الدارقطني في غريب حديث مالك ورواه عنه من تسع طرق وثبت فيها كلها أن الكافر إذا حسن إسلامه يكتب له في الإسلام كل حسنة عملها فى الشرك قال بن بطال رحمه الله تعالى بعد ذكره الحديث ولله تعالى أن يتفضل على عباده بما يشاء لا اعتراض لأحد عليه قال وهو كقوله صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام رضي الله عنه أسلمت على ما أسلفت من خير والله أعلم))
(1)
.
هذا الحديث فيه: أن الأعمال الصالحة التي كان يعملها العبد في الجاهلية تكتب له في إسلامه بعد الإسلام.
وفيه: بيان همة حكيم بن حزام رضي الله عنه العالية، فمائة رقبة أعتقها في الجاهلية، وحمل على مائة بعير، وقال:((فَوَاللَّهِ لَا أَدَعُ شَيْئًا صَنَعْتُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِلَّا فَعَلْتُ فِي الإِسْلَامِ مِثْلَهُ)).
(1)
شرح مسلم، للنووي (2/ 141 - 142).