الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}
[204]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالَا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} ، دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُرَيْشًا، فَاجْتَمَعُوا، فَعَمَّ، وَخَصَّ، فَقَالَ:((يَا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي هَاشِمٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا فَاطِمَةُ، أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا)).
وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَحَدِيثُ جَرِيرٍ: أَتَمُّ وَأَشْبَعُ.
قوله: ((غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا))، يعني: سأصلها بصلتها، شبَّه قطيعة الرحم بالحرارة، وشبه صلة الرحم بالماء الذي يخفف هذه الحرارة، وهو دليل على امتثاله عليه السلام لقول الله تعالى:{وأنذر عشيرتك الأقربين} .
وهذا الحديث فيه: دليل على أنه عليه الصلاة والسلام لا يملك أن يخرج أحدًا من النار، ولا أن يدخل أحدًا الجنة، وأن هذا ليس بيده، بل بيد الله عز وجل، ولهذا قال:((لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا)) حتى أقرب الناس إليه فاطمة رضي الله عنها قال فيها كما في رواية أخرى: ((يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ، سَلِينِي بِمَا شِئْتِ، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا))، فأنقذي نفسك من النار.
وفيه: الرد على من عبد الرسول صلى الله عليه وسلم، وظنوا أنه يملك شيئًا من هداية القلوب، وتفريج الكروب، وهذا كله بيد الله تعالى، كما قال تعالى:{إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي} فهو نبي كريم صلى الله عليه وسلم يوحى إليه، وهو مبلغ عن الله، لكن ليس بيده شيء من هداية القلوب، وليس باستطاعته أن يخرج أحدًا من النار، ولا يدخل أحدًا الجنة، وإذا شفع عليه الصلاة والسلام فإن الله يحدُّ له حدًّا.
[205]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، وَيُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ قَالَا: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَت: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} ، قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الصَّفَا، فَقَالَ:((يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، يَا صَفِيَّةُ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، سَلُونِي مِنْ مَالِي مَا شِئْتُمْ)).
قوله: ((لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، سَلُونِي مِنْ مَالِي مَا شِئْتُمْ))، يعني: اسألوني الدنيا، أما الآخرة فلا أستطيع أن أنقذكم فيها من النار.
وهذا الحديث فيه: الرد على الغلاة القائلين: إن الرسول صلى الله عليه وسلم يملك الدنيا والآخرة، كما يقول البوصيري يخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم
(1)
:
يَا أَكْرَمَ الخَلْقِ مَا لِي مَنْ أَلُوذُ بِهِ
…
سِوَاكَ عِنْدَ حُدُوثِ الحَادِثِ العَمَمِ
يقول: ما لي إلا أنت إذا عمَّ الحادثُ العمِمُ، وهو يوم القيامة.
ويقول
(2)
:
فَإِنَّ مِنْ جُودِكَ الدُّنْيَا وَضَرَّتَهَا
…
وَمِنْ عُلُومِكِ عِلْمُ اللَّوْحِ والقَلَمِ
وهذا من أعظم الشرك! يقول: من جودك- يا محمد صلى الله عليه وسلم الدنيا
(1)
البردة، للبوصيري (ص 22).
(2)
البردة، للبوصيري (ص 22).
وضرتها، وهي الآخرة، فأنت تملك الدنيا والآخرة، فماذا أبقى لله؟ ! لم يُبقِ شيئًا لله، فإن كان له الدنيا والآخرة، ومن علومه علم اللوح المحفوظ، والقلم الذي يكتب! وكيف يقال هذا والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:((لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا))، ويقول الله تعالى:{وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين يوم لا تملك نفس لنفس شيئًا والأمر يومئذٍ لله} ، ولكنه عمى البصيرة- والعياذ بالله!
[206]
وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ الْمُسَيَّبِ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} : ((يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللَّهِ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ، سَلِينِي بِمَا شِئْتِ، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا)).
وَحَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ذَكْوَانَ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ هَذَا.
[207]
حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ، وَزُهَيْرِ بْنِ عَمْرٍو قَالَا: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} ، قَالَ: انْطَلَقَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى رَضْمَةٍ مِنْ جَبَلٍ، فَعَلَا أَعْلَاهَا حَجَرًا، ثُمَّ نَادَى:((يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافَاهْ، إِنِّي نَذِيرٌ، إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ رَأَى الْعَدُوَّ، فَانْطَلَقَ يَرْبَأُ أَهْلَهُ، فَخَشِيَ أَنْ يَسْبِقُوهُ فَجَعَلَ يَهْتِفُ: يَا صَبَاحَاهْ)).
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ عَمْرٍو وَقَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِهِ.
[208]
وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} وَرَهْطَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ، خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا، فَهَتَفَ:((يَا صَبَاحَاهْ))، فَقَالُوا: مَنْ هَذَا الَّذِي يَهْتِفُ؟ قَالُوا: مُحَمَّدٌ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ:((يَا بَنِي فُلَانٍ، يَا بَنِي فُلَانٍ، يَا بَنِي فُلَانٍ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا، قَالَ: فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ))، قَالَ: فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ أَمَا جَمَعْتَنَا إِلَّا لِهَذَا؟ ! ثُمَّ قَامَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} وَقَدْ تَبَّ، كَذَا قَرَأَ الأَعْمَشُ، إِلَى آخِرِ السُّورَةِ.
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وأَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ- بِهَذَا الإِسْنَادِ- قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ الصَّفَا، فَقَالَ:((يَا صَبَاحَاهْ))، بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ نُزُولَ الآيَةِ:{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} .
قوله: ((إِلَى رَضْمَةٍ مِنْ جَبَلٍ))، أي: إلى صخرة من صخور عظام بعضها فوق بعض.
قوله: ((يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللهِ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا))، يعني: اشتروا أنفسكم بالتوحيد والأعمال الصالحة التي ينقذكم الله بسببها من النار، ولا تقولوا: إن قُرْبَنَا من محمد صلى الله عليه وسلم سينقذنا من النار، فلن ينقذكم قربكم مني إلا بالعمل الصالح.