الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَاب الإِيتَارِ فِي الِاسْتِنْثَارِ وَالِاسْتِجْمَارِ
[237]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ جَمِيْعًا، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((إِذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَجْمِرْ وِتْرًا، وَإِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلِيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً، ثُمَّ لِيَنْتَثِرْ)).
وفيه الأمر بالإيتار في الاستجمار، والأمر بالاستنشاق، ثُمَّ الاستنثار، والاستنثار غير الاستنشاق، فالاستنشاق هو أن يجذب الماء بطرف أنفه، والاستنثار هو أن يخرج الماء بيده اليسرى.
أما الإيتار في الاستجمار فمحمول على الاستحباب؛ لما في الحديث الآخر: ((من استجمر فليوتر، ومن فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج))
(1)
، والاستجمار: هو مسح محل القبل أو الدبر بعد الغائط أو البول بالأحجار، والمراد بالإيتار: أن يكون عدد المسحات ثلاثًا أو خمسًا أو فوق ذلك من الأوتار.
فإذا أراد أن يكتفي بالأحجار دون الماء فلا بد أن تكون ثلاثة أحجار فأكثر، بشرط أن تكون منقية، سواء كانت بالأحجار أو بالطين المتحجر أو بمناديل الورق، وأما الأثر اليسير الذي لا يزيله إلا الماء فهذا يعفى عنه، بشرط ألا يتجاوز الخارج موضع العادة، فلا ينتشر البول إلى حشفته، ولا ينتشر الغائط إلى الصفحتين، فإذا استجمر وأنقى بثلاث كان ذلك، وإن لم ينق بثلاث زاد رابعًا، فإن أنقى بالرابع فيستحب أن يزيد خامسًا حتى يستجمر وترًا، فإن لم ينق زاد حجرًا سادسًا فإن أنقى فيستحب أن يوتر،
(1)
أخرجه أحمد (8838)، وأبو داود (35).
ويأتي بحجر سابع، وإن لم يفعل فلا حرج.
وأما إذا تجاوز الخارج موضع العادة، أو كان حجران فأقل فإنه لا يكفي الاستجمار بحجرين، ولا بد من الماء، وإن جمع بين الحجارة والماء فهو أفضل.
قال النووي: ((وقال بعض أصحابنا: يجب الإيتار مطلقًا؛ لظاهر هذا الحديث))
(1)
.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ أَحَادِيثَ، مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَسْتَنْشِقْ بِمَنْخِرَيْهِ مِنَ الْمَاءِ، ثُمَّ لِيَنْتَثِرْ)).
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((مَنْ تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ، وَمَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ)).
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ. ح وحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَأَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، يَقُولَانِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ.
((فَلْيَسْتَنْشِقْ)) فيه الأمر بالاستنشاق، وتمسك به القائلون بوجوب الاستنشاق في الوضوء والغسل، وهم الحنابلة.
في هذا الحديث أمران نبويان: لكن أحدهما محمول على الاستحباب، وهو
(1)
شرح صحيح مسلم (3/ 126).
الاستجمار كما تقدم، والثاني: استدل به الظاهرية على وجوب الاستنثار.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((فليجعل في أنفه ماءً، ثُمَّ لينتثر)) ففيه دلالةٌ ظاهرةٌ على أن الاستنثار غير الاستنشاق.
قوله: ((لينتثر)) فيه متمسك لأحمد وإسحاق على وجوب الاستنشاق في الوضوء والغسل، والجمهور على أن ذلك من السنن فيهما متمسكين فيه بأن فروض الوضوء محصورة في آية الوضوء، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي:((فتوضأ كما أمرك الله))
(1)
وليس في الآية ذكر الاستنشاق، وبدليل أنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اقتصر في وضوئه على الأعضاء الأربعة، ولم يزد عليها، وذلك يدل على أن غيرها من الأعضاء ليس فعله بواجب، وبدليل أن المأمور به حقيقةً في قوله:((ثم لينتثر)) هو الاستنثار، وليس بواجب بالاتفاق.
واستدل الموجبون- أيضًا- بالرواية الأخرى ((إذا توضأ فليستنشق بمنخريه من الماء، ثُمَّ لينثر))
(2)
وفيها دلالةٌ ظاهرةٌ على وجوب الاستنشاق، ولكن حمله على الندب محتملٌ؛ ليجمع بينه وبين الأدلة الدالة على الاستحباب، والله أعلم.
وهذا عمدة أحكامنا في قولهم بحصر الوضوء في ستة، فإن النية مفهومة من قوله تعالى:{إذا قمتم} أي: إذا أردتم القيام، والماء المطلق في قوله:{ولم تجدوا ماء} ، والأربعة الأعضاء نص عليها في الآية، وما عدا ذلك من أحكام الوضوء فمأخوذ من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها متأكَّد ويسمى سنةً، وغير متأكد ويسمى فضيلة، كما هو معروف في كتب أصحابنا.
(1)
أخرجه أبو داود (861)، والترمذي (302) وحسنه.
(2)
فتح الباري (1/ 263).
[238]
حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ الْعَبْدِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ- يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ- عَنِ ابْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ، فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيَاشِيمِهِ)).
[239]
حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، قَالَ ابْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُوتِرْ)).
وهذا فيه أمر بالاستنثار ثلاثًا عند الاستيقاظ من نوم الليل؛ لقوله: ((فإن الشيطان يبيت على خياشيمه))، والبيتوتة تكون بالليل، والأمر هنا للوجوب.
مسألة: هل هذه الثلاث قبل الوضوء، أم في الوضوء؟
والجواب: ظاهره أنها قبل الوضوء وخارجة عن ماهيته، وقال بعضهم: لعل المراد بها الاستنثار في الوضوء إذا استيقظ، وقد يقال للحائض والنفساء إذا قامت من نومها لا تريد الصلاة حسن لها أن تستنثر ثلاثًا.
وفيه أن الشيطان يبيت على خيشوم الإنسان على حقيقته، وما قاله بعضهم: إنه عبارة عن جراثيم وغير ذلك فهذا تأويل، والأصل الحقيقة، والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، والخيشوم منفذ من المنافذ، كما ورد في الحديث:((يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب كل عقدة عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطًا طيبَ النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان))
(1)
.
(1)
أخرجه البخاري (1142)، ومسلم (776).