الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ عَدَدِ شُعَبِ الإِيمَانِ، وَأَفْضَلِهَا، وَأَدْنَاهَا، وَفَضِيلَةِ الْحَيَاءِ، وَكَوْنِهِ مِنَ الإِيمَانِ
[35]
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ وَعَبْدُ بْنُ حميد قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ)).
في هذا الحديث: بيان أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، وأنها بضع وسبعون شعبة، وفي رواية ((بِضْعٌ وَسَبْعُونَ، أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ))، والأصل أن كل ما زاد عن العدد فإنه يؤخذ بالزائد، ورواه البخاري بلفظ:((بِضْعٌ وَسِتُّونَ)) دون شك
(1)
، وفي رواية أخرى:((الْإِيمَانُ أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ بَابًا، أَرْفَعُهَا وَأَعْلَاهَا قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ))
(2)
.
وهذه الشُّعب كلها من الإيمان، ففيه: الرد على المرجئة القائلين بأن الأعمال لا تدخل في مسمى الإيمان، وأنها شرط في كماله
(3)
.
وجعل النبي صلى الله عليه وسلم أعلى شعب الإيمان وأفضلَها كلمةَ التوحيد، وهي من قول اللسان، وجعل لأدناها إماطة الأذى عن الطريق، وهي عملٌ بدني، ومثَّل بالحياء، وهو عملٌ قلبي، وهذا يدل على ما هو مقرر عند أهل السنة والجماعة من أن الإيمان يشمل الاعتقاد والقول والعمل.
وفيه: أن بين أعلاها وأدناها شعبًا متفاوتة، منها ما يقرب من شعبة الشهادة، ومنها ما يقرب من شعبة الإماطة، فالصلاة شعبة من شعب
(1)
أخرجه البخاري (9).
(2)
أخرجه أحمد (8926)، والترمذي (2614).
(3)
مقالات الإسلاميين، لأبي الحسن الأشعري (1/ 114).
الإيمان، والزكاة شعبة، والصوم شعبة، والحج شعبة، والأمر بالمعروف شعبة، والنهي عن المنكر شعبة، والجهاد في سبيل الله شعبة، وبر الوالدين شعبة، والإحسان إلى الجار شعبة، وإطعام الطعام شعبة، وإفشاء السلام شعبة، وهكذا، حتى إن البيهقي رحمه الله ألَّف كتابًا سماه:(شعب الإيمان) جمع فيه ما جاء في النصوص الشرعية أنه من الإيمان.
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ، أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ)).
قال النووي رحمه الله: ((قال الإمام الحافظ أبو حاتم بن حبان: تتبعت معنى هذا الحديث مدة، وعدَّدت الطاعات فإذا هي تزيد على هذا العدد شيئًا كثيرًا، فرجعت إلى السُّنن، فعدَّدت كل طاعة عدَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإيمان، فإذا هي تنقص عن البضع وسبعين، ورجعت إلى كتاب الله فقرأته بتدبر، وعدَّدت كل طاعة عدَّها الله تعالى من الإيمان، فإذا هي تنقص عن البضع والسبعين، فضممت الكتاب إلى السنن، وأسقطت الْمُعاد، فإذا كل شيء عدَّه الله تعالى ونبيه صلى الله عليه وسلم من الإيمان تسعٌ وسبعون شعبة، لا يزيد عليها ولا تنقص، فعلمت أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا العدد في الكتاب والسنن))
(1)
.
ونقل النووي- أيضًا- عن أبي حاتم رحمه الله قوله: ((إن رواية من روى: ((بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً)) - أيضًا- صحيحة؛ فإن العرب قد تذكر للشيء عددًا، ولا تريد نفي ما سواه، وله نظائر كثيرة))
(2)
.
(1)
شرح مسلم، للنووي (2/ 4).
(2)
شرح مسلم، للنووي (2/ 5).
وأما تعريف الحياء فهو: ((الخلق الذي يبعث ويحمل على ترك القبيح من الصفات والأفعال والأقوال، ويمنع من التقصير في حق الله المتفضل المنعم سبحانه، والتقصير في حق ذي الحق))
(1)
.
أما الخلق الذي يمنع الإنسان عن السؤال عما أشكل عليه، أو عن تعلم دينه، والتفقه فيه، أو يمنعه عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعن الدعوة إلى الله سبحانه- فهذا ليس بحياء، وإنما هو في الحقيقة جبنٌ وخَوَر وضعف؛ فأم سُليم رضي الله عنها لم يمنعها الحياء من التفقه في الدين، فقد جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ، فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:((نَعَمْ، إِذَا رَأَتِ المَاءَ))
(2)
؛ ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها: ((نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ))
(3)
.
[36]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ سَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ، فَقَالَ:((الْحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ)).
حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ: مَرَّ بِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ يَعِظُ أَخَاهُ.
قوله: ((مَرَّ بِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ يَعِظُ أَخَاهُ))، يعني: يعظه في ترك الحياء، كأنه يقول له: إن الحياء قد أثر عليك، فنهاه النبي صلى الله وسلم، يعني: لا تنهَه عن الحياء؛ فإن الحياء خيرٌ كله، فدعه، فإن الاتصاف بخلق الحياء من الإيمان.
(1)
فتح الباري، لابن حجر (10/ 522)، شرح مسلم، للنووي (2/ 6)، مشارق الأنوار، للقاضي عياض (1/ 218)، النهاية، لابن الأثير (1/ 470).
(2)
أخرجه البخاري (282)، ومسلم (313).
(3)
أخرجه مسلم (332).
[37]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ- وَاللَّفْظُ لِابْنِ الْمُثَنَّى- قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا السَّوَّارِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: ((الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ))، فَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ: إِنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي الْحِكْمَةِ أَنَّ مِنْهُ وَقَارًا، وَمِنْهُ سَكِينَةً، فَقَالَ عِمْرَانُ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتُحَدِّثُنِي عَنْ صُحُفِكَ؟
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ إِسْحَاقَ- وَهُوَ ابْنُ سُوَيْدٍ- أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ حَدَّثَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي رَهْطٍ مِنَّا، وَفِينَا بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ، فَحَدَّثَنَا عِمْرَانُ يَوْمَئِذٍ قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ))، قَالَ: أَوَ قَالَ: ((الْحَيَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ))، فَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ: إِنَّا لَنَجِدُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَوِ الْحِكْمَةِ أَنَّ مِنْهُ سَكِينَةً وَوَقَارًا لِلَّهِ، وَمِنْهُ ضَعْفٌ، قَالَ: فَغَضِبَ عِمْرَانُ، حَتَّى احْمَرَّتَا عَيْنَاهُ، وَقَالَ: أَلَا أُرَانِي أُحَدِّثُكَ عَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتُعَارِضُ فِيهِ؟ قَالَ: فَأَعَادَ عِمْرَانُ الْحَدِيثَ، قَالَ: فَأَعَادَ بُشَيْرٌ، فَغَضِبَ عِمْرَانُ، قَالَ: فَمَا زِلْنَا نَقُولُ فِيهِ: إِنَّهُ مِنَّا يَا أَبَا نُجَيْدٍ، إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ.
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ، حَدَّثَنَا أَبُو نَعَامَةَ الْعَدَوِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ حُجَيْرَ بْنَ الرَّبِيعِ الْعَدَوِيَّ يَقُولُ: عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ.
قوله: ((حَتَّى احْمَرَّتَا عَيْنَاهُ)) جاء على لغة: أكلوني البراغيثُ، وهي لغة حي من أحياء العرب، ومذهبهم: أنهم يلتزمون إلحاقَ الفعل علامةً تدل على التثنية مع فاعله المثنى، وعلامةً تدل على الجمع مع فاعله المجموع، تمامًا كما يجردونه من هذه العلامة مع فاعله المفرد، فيقولون: قاما الزيدان، وقاموا الزيدون، وقمن الهندات، كما يقولون: قام زيد.
فالأصل- على اللغة المشهورة- أن يقول: حتى احمرت عيناه، بإفراد الفعل ولو كان فاعله مثنى، أو مجموعًا، وقد خُرِّج على هذه اللغة قوله تعالى:{وأسروا النجوى الذين ظلموا} ، وقوله صلى الله عليه وسلم:((يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ))
(1)
.
وفي هذا الحديث: أن عمران بن حصين رضي الله عنه حدث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ))، فقال بشير بن كعب:((إِنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي الْحِكْمَةِ: أَنَّ مِنْهُ وَقَارًا، وَمِنْهُ سَكِينَةً))، فغضب عليه عمران رضي الله عنه، وقال:((أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتُحَدِّثُنِي عَنْ صُحُفِكَ؟ ))، يعني: أنه ينبغي للمرء إذا ذُكر له حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ألَّا يعارضه بكلام غيره، ما دام الحديث ثابتا عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وفيه: الغضب لأجل السُّنة النبوية إذا ما قُوبلت برأي غيره صلى الله عليه وسلم، أو عورضت بكلام غيره، حتى ولو كان ذلك صادرا ممن هو معروف بالخير، وقد حدث مثل هذا مع عدد من الصحابة رضوان الله عنهم، فمن ذلك ما حَدَث لابن عمر رضي الله عنهما لما قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لَا تَمْنَعُوا النِّسَاءَ مِنَ الْخُرُوجِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِاللَّيْلِ)) فَقَالَ ابْنٌ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: لَا نَدَعُهُنَّ يَخْرُجْنَ فَيَتَّخِذْنَهُ دَغَلًا. قَالَ فَزَبَرَهُ ابْنُ عُمَرَ وَقَالَ: ((أَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَتَقُولُ: لَا نَدَعُهُنَّ))
(2)
، ومن ذلك- أيضًا-: أَنَّ قَرِيبًا لِعَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ خَذَفَ، قَالَ: فَنَهَاهُ، وَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْخَذْفِ، وَقَالَ:((إِنَّهَا لَا تَصِيدُ صَيْدًا، وَلَا تَنْكَأُ عَدُوًّا، وَلَكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ، وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ))، قَالَ: فَعَادَ، فَقَالَ: أُحَدِّثُكَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهُ، ثُمَّ تَخْذِفُ، لَا أُكَلِّمُكَ أَبَدًا
(3)
.
(1)
أخرجه البخاري (555)، ومسلم (632).
(2)
أخرجه مسلم (442).
(3)
أخرجه مسلم (1954).