الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَاب صِفَةِ الْوُضُوءِ وَكَمَالِهِ
[226]
حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ، قَالَا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَزِيدَ اللَّيْثِيَّ أَخْبَرَهُ، أَنَّ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله عنه، دَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمِرْفَقِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)).
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَكَانَ عُلَمَاؤُنَا، يَقُولُونَ: هَذَا الْوُضُوءُ أَسْبَغُ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ أَحَدٌ لِلصَّلَاةِ.
هذا الحديث في ذكر أسبغ وأكمل وضوء؛ لأن فيه غسل الأعضاء كلها ثلاث مرات فيغسل الكفين ثلاثًا، ثُمَّ يتمضمض ثلاثًا، ويستنشق ثلاثًا، ثُمَّ يغسل وجهه ثلاثًا، ثُمَّ يغسل يده اليمنى ثلاثًا، ثُمَّ يغسل يده اليسرى ثلاثًا، ثُمَّ يمسح رأسه مرة، وأذنيه مرة، ثُمَّ يغسل رجله اليمنى ثلاثًا، ثُمَّ يغسل رجله اليسرى ثلاثًا.
والمراد بالغسلة: التعميم، فإذا عمم العضو بغرفة فتعتبر هذه واحدة، وإذا لم يعممه بغرفة يأخذ غرفة ثانية فتكون غرفتين غسلة، وهذه تعتبر مرة واحدة.
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ: ثلاثًا ثلاثًا، وجاء عنه أنه توضأ: ثنتين ثنتين، غسل وجهه مرتين، ويده اليمنى مرتين، ويده اليسرى مرتين، ورجله اليمنى مرتين، ورجله اليسرى مرتين، وجاء نوع ثالث أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ: مرة مرة، غسل وجهه مرة، ويده اليمنى مرة، ويده اليسرى مرة، ورجله اليمنى مرة، ورجله اليسرى مرة، أما الرأس فيمسح مرة واحدة ولا يكرر، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم نوع رابع أنه توضأ مُخالِفًا، يعني: غسل وجهه ثلاثًا، وغسل يده اليمنى مرتين وغسل رجله مرة، كل هذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا الحديث دليل على أن من توضأ وأسبغ الوضوء، ثُمَّ صلى ركعتين يُقبل فيهما بقلبه على ربه ولا يحدث نفسه بشيء من الوساوس من أمور الدنيا يُغفر له ما تقدم من ذنبه، لكن هذا مشروط باجتناب الكبائر على الصحيح من أقوال أهل العلم، فإذا أدى الإنسان الفرائض واجتنب الكبائر كفرت الصغائر، وإن لم يجتنب الكبائر تبقى عليه الصغائر والكبائر، ويعطى حسنات بفعله هذا، ويبقى تحت مشيئة الله، كما قال تعالى:{إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} .
والكبائر هي التي توعد الله عليها بالنار، أو اللعنة، أو الغضب، أو وجب فيها حد في الدنيا؛ كالزنا والسرقة وشرب الخمر وعقوق الوالدين وقطيعة الرحم والغيبة والنميمة، فهذه لا بد فيها من توبة، يقول الله تعالى:{إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلًا كريمًا} ، وقال عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة الذي سيأتي: ((الصلوات الخمس،
والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبَ الكبائر))، وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم:((ما لم تصب المقتلة))
(1)
، والمقتلة: الكبيرة.
وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ، أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ دَعَا بِإِنَاءٍ، فَأَفْرَغَ عَلَى كَفَّيْهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الإِنَاءِ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)).
فيه استحباب غسل الكفين ثلاثًا قبل الوضوء، كما في حديث عثمان أن النبي صلى الله عليه وسلم غسل كفيه ثلاث مرار
(2)
، ومن المستحب قبل أن يتوضأ أن يسمي الله، والتسمية جاءت في أحاديث فيها ضعف
(3)
ولهذا ذهب الجمهور إلى أن التسمية مستحبة، وذهب الإمام أحمد إلى أنها واجبة مع التذكر؛ لأن أحاديث الباب يقوي بعضها بعضًا، فينوي- والنية محلها القلب- ثم يسمي، ثُمَّ يغسل كفيه ثلاث مرات، وهذا مستحب.
أما إذا استيقظ من نوم الليل فهذا يتأكد فيه غسل الكفين، كما سيأتي تفصيله في بابه.
وفيه استحباب تقديم المضمضة والاستنشاق قبل غسل الوجه، ولكن لو
(1)
أخرجه الطبراني في الكبير (6051)، وقال الهيثمي في المجمع (1/ 300): ورجاله موثّقون.
(2)
أخرجه البخاري (159)، ومسلم (226).
(3)
أخرجه أحمد (11371)، وأبو داود (101)، وابن ماجه (399)، وحسنه الألباني في الإرواء (81).
غسل وجهه، ثُمَّ تمضمض واستنشق فلا حرج.
وفيه: أن مسح الرأس لا يكرر، فيمسح مرة واحدة وما جاء أنه ثلَّث فضعيف
(1)
، ويجزئه تعميم الرأس بالمسح على أي وجه، والسنة أن يبدأ بمقدم الرأس، ثُمَّ يرده إلى القفا، ثُمَّ يردهما إلى المكان الذي بدأ منه
(2)
.
وفيه أنه إذا صلى ركعتين بعد هذا الوضوء الذي أسبغه يقبل فيهما بقلبه على الله، ولا يحدث نفسه فيهما بشيء من أمور الدنيا، وفي لفظ آخر:((مقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا غفر الله له))
(3)
، أي: مع اجتناب الكبائر، كما سيأتي.
(1)
أخرجه أحمد (436)، وأبو داود (107)، وقال الألباني في صحيح أبي داود (95): حسن صحيح.
(2)
أخرجه البخاري (185)، ومسلم (235).
(3)
أخرجه مسلم (234).