الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ تَفَاضُلِ أَهْلِ الإِيمَانِ فِيهِ وَرُجْحَانِ أَهْلِ الْيَمَنِ فِيهِ
[51]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح، وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي. ح، وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، كُلُّهُمْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ. ح، وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ- وَاللَّفْظُ لَهُ- حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: سَمِعْتُ قَيْسًا يَرْوِي عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: أَشَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ: نَحْوَ الْيَمَنِ، فَقَالَ:((أَلَا إِنَّ الإِيمَانَ هَا هُنَا، وَإِنَّ الْقَسْوَةَ وَغِلَظَ الْقُلُوبِ فِي الْفَدَّادِينَ عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الإِبِلِ، حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ فِي رَبِيعَةَ، وَمُضَرَ)).
[52]
حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، أَنْبَأَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((جَاءَ أَهْلُ الْيَمَنِ، هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً، الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالْفِقْهُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ)).
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ. ح، وَحَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْرَقُ، كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِهِ.
وَحَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، وَحَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ- وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ- حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنِ الأَعْرَجِ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ، هُمْ أَضْعَفُ قُلُوبًا، وَأَرَقُّ أَفْئِدَةً، الْفِقْهُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ)).
قوله: ((هَا هُنَا))، يعني: أشار إلى جهة اليمن وجهة تهامة.
وقوله: ((الفَدَّادِينَ)) بتشديد الدال جمع فداد، وهو من الفديد، وهو الصوت الشديد، فهم الذين تعلو أصواتهم في حروثهم ومواشيهم ونحو
ذلك، أو الذين لهم جلبة وصياح عند سوقهم
(1)
.
وقوله: ((وَإِنَّ الْقَسْوَةَ وَغِلَظَ الْقُلُوبِ فِي الْفَدَّادِينَ عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الإِبِلِ، حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ فِي رَبِيعَةَ، وَمُضَرَ))، يعني: في قبائل المشرق، قبائل نجد وغيرها، فهؤلاء عندهم غلظةُ أصحابِ الإبلِ الفدادين.
وقوله: ((أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ، هُمْ أَضْعَفُ قُلُوبًا، وَأَرَقُّ أَفْئِدَةً)) المراد بـ (اليمن): تهامة، وكل ما كان عن يمين الكعبة، ومِن ذلك سمي الركن اليماني، كما أن المراد بجهة تهامة: كل تهامة، وليس المراد الجهة الجغرافية المعروفة.
والمراد بأهل اليمن في الحديث: خصوصُ من كانوا في ذلك الوقت، أما من جاء بعدهم فقد توجد الرقة فيهم إذا سلموا من الشبهات والشهوات وقبلوا الحق، وقد توجد فيهم القسوة، إذا لم يسلموا من ذلك، وأَبَوا قبول الحق واتباعه.
وقد اختُلف في تحديد المقصود من ذِكر النبي صلى الله عليه وسلم لأهل اليمن في الحديث، من حيث إن مبدأ الإيمان من مكة، ثم من المدينة، على عدة أقوال:
الأول: أنه أراد بذلك مكة؛ لأن مكة من تهامة، وتهامة من أرض اليمن.
الثاني: أن المراد: مكة والمدينة؛ فإنه يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا الكلام وهو بتبوك
(2)
، ومكة والمدينة حينئذٍ بينه وبين اليمن، فأشار إلى ناحية اليمن وهو يريد مكة والمدينة، فقال:((الإيمَانُ يَمَانٍ))، ونسبهما إلى اليمن؛ لكونهما حينئذٍ إلى ناحية اليمن، كما قالوا: الركن اليماني، وهو بمكة؛ لكونه إلى ناحية اليمن.
الثالث: ما ذهب إليه كثير من الناس، أن المراد بذلك: الأنصار؛ لأنهم يمانيون في الأصل، فنسب الإيمان إليهم لكونهم أنصارَه، ويرده قوله صلى الله عليه وسلم ((أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ))، والأنصار من جملة المخاطبين بذلك؛ فهم إذًا غيرهم.
(1)
النهاية، لابن الأثير (3/ 419)، لسان العرب، لابن منظور (3/ 330).
(2)
فتح الباري، لابن حجر (6/ 532).
والصواب: أن المراد بأهل اليمن: الوفود الذين وفدوا عليه في ذلك الوقت من اليمن، وهم أهل تهامة كلها، وليس المرادُ بلادَ اليمن الواقعة بين الحدود الجغرافية المعروفة الآن.
ولا منافاة بين هذا الحديث، وبين قوله صلى الله عليه وسلم:((الإِيمَانُ فِي أَهْلِ الحِجَازِ))؛ لأن المرادَ بهؤلاء: الموجودون منهم حينئذٍ، لا كل أهل اليمن في كل زمان؛ فإنه لا يقتضيه، وهذا هو الحق- إن شاء الله- في هذه المسألة، ونحمد الله تعالى على هدايتنا له، والله أعلم.
وقوله: ((الْفِقْهُ يَمَانٍ)) الفقه هنا عبارة عن الفهم في الدين، ثم اصطلح بعد ذلك الفقهاء والأصوليون على تخصيصه بـ: إدراك الأحكام الشرعية العملية بالاستدلال على أعيانها
(1)
.
وقوله: ((الْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ)) في المراد بالحكمة أقوالٌ كثيرة، وقد اقتصر كل قول على بعض صفات الحكمة، وقد صفي لنا منها: أن الحكمة عبارة عن العلم المقرون بالعمل، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث:((لا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا))
(2)
.
وقال النووي رحمه الله: ((قال أبو بكر بن دريد: كل كلمة وعظتك وزجرتك، أو دعتك إلى مكرمة، أو نهتك عن قبيح، فهي حِكمة وحُكْمٌ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً))
(3)
، وفي بعض الروايات ((حُكْمًا))
(4)
، والله أعلم))
(5)
.
وفي الحديث- أيضًا-: منقبة لأولئك الذين قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم.
(1)
شرح مسلم، للنووي (2/ 33).
(2)
أخرجه البخاري (73)، ومسلم (816).
(3)
أخرجه البخاري (6145).
(4)
أخرجه أحمد (2424)، وأبو داود (5011)، والترمذي (2845)، وابن ماجه (3756).
(5)
شرح مسلم، للنووي (2/ 33).
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((رَأْسُ الْكُفْرِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ فِي أَهْلِ الْخَيْلِ وَالإِبِلِ الْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ، وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ)).
وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَقُتَيْبَةُ، وَابْنُ حُجْرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ ابْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْعَلَاءُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((الْإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالْكُفْرُ قِبَلَ الْمَشْرِقِ، وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ، وَالْفَخْرُ وَالرِّيَاءُ فِي الْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْخَيْلِ وَالْوَبَرِ)).
وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((الْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ فِي الْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ، وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ)).
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ، وَزَادَ: الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ.
في هذه الأحاديث: بيان أن السكينة في أهل الغنم، وهذا ملاحظ خاصة عند رعاة الغنم، وأما أهل الإبل وأهل الخيل فعندهم- في الغالب- كبر وخيلاء واستعلاء على عباد الله؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:((وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ فِي أَهْلِ الْخَيْلِ، وَالإِبِلِ الْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ، وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ)).
فتخصيص الخيلاء بأصحاب الإبل، والوقار بأهل الغنم، يدل على أن مخالطة الحيوان مما يؤثر في النفس، فتنتقل إليها هيئاتُ وأخلاقُ وطباعُ ذلك الحيوان المخالَط، فكلٌّ يرث من صفاتِ وطباعِ ما يرعاه ويخالطه؛ فلأجل ذلك ورث رعاة الغنم من صفاتها: الدعة والسكينة، وورث رعاة الإبل من صفاتها: الخيلاء والفخر.
وقد ورد وصف أهل الخيل وأهل الإبل بروايتين: الأُولى: ((وَالْفَخْرُ
وَالْخُيَلَاءُ))، والثانية:((والْفَخْرُ وَالرِّيَاءُ))، وكلٌّ من هاته الصفات- أعني: الفخر والخيلاء والرياء- موجود- في الغالب- عند أهل الخيل وأهل الإبل.
وقوله: ((أَهْل الْوَبَرِ)) المرد بهم: أهل الإبل؛ لأن ما يؤخذ من الإبل يسمى وبرًا، وما يؤخذ من الغنم يسمى صوفًا وشَعرًا.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ عَنْ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((جَاءَ أَهْلُ الْيَمَنِ، هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً، وَأَضْعَفُ قُلُوبًا، الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ، السَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ، وَالْفَخْرُ، وَالْخُيَلَاءُ فِي الْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ قِبَلَ مَطْلِعِ الشَّمْسِ)).
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ، هُمْ أَلْيَنُ قُلُوبًا، وَأَرَقُّ أَفْئِدَةً الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ، يَمَانِيَةٌ، رَأْسُ الْكُفْرِ قِبَلَ الْمَشْرِقِ)).
وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالَا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يَذْكُرْ: رَأْسُ الْكُفْرِ قِبَلَ الْمَشْرِقِ.
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ. ح، وَحَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ- يَعْنِي: ابْنَ جَعْفَرٍ- قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَ حَدِيثِ جَرِيرٍ، وَزَادَ: وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ فِي أَصْحَابِ الْإِبِلِ، وَالسَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فِي أَصْحَابِ الشَّاءِ.
قوله: ((قِبَلَ مَطْلِعِ الشَّمْسِ))، أي: الشرق، والمقصود: جهة الشرق كلها.
وقوله: ((الشَّاء))، أي: الغنم.
[53]
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ الْمَخْزُومِيُّ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((غِلَظُ الْقُلُوبِ وَالْجَفَاءُ فِي الْمَشْرِقِ، وَالإِيمَانُ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ)).
في هذا الحديث: بيانُ أنَّ الإيمان في أهل الحجاز، والحديث الأول فيه أن الإيمان في أهل اليمن، ولا مانع من أن ينطبق هذا الوصف على أهل الحجاز، وأهل اليمن، ومكة، والمدينة؛ لأن الحجاز من اليمن.
وفيه: أن الفتن تأتي من قِبَل المشرق، وفي اللفظ الآخر:((أَلَا إِنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا))
(1)
، وأشار بيده إلى المشرق، حيث يطلع قرنا الشيطان.
والمشرق يشمل: المشرق الأعلى، والمشرق الأدنى.
فأما المشرق الأدنى: فهو نجد، ومنه جاءت الفتن؛ فارتد العرب، وارتدت بنو حنيفة- وهم من نجد-، وخرج منهم مسيلمة الكذاب، وصار لهم شوكة قوية، حتى كسرها أبو بكر ومن معه من الصحابة رضي الله عنهم يوم اليمامة
(2)
، وكذلك ارتد طليحة الأسدي، وسجاح وادعيا النبوة وصار لهما أتباع، ولا شك أن هذا من أعظم الفتن.
وأما المشرق الأقصى: فهو العراق وخراسان وما وراءها، وقد حصلت فيها فتن عظيمة، كفتن الفرق الضالة، من الجهمية، والمعتزلة وغيرهما، وكلهم خرجوا من هناك، وكذلك- أيضًا- الدجال يخرج من هناك، ويأجوج ومأجوج، كلهم من جهة المشرق، فكل هذا يشمل فتنة المشرق وداخل فيها.
(1)
أخرجه البخاري (7093)، ومسلم (2905).
(2)
السيرة النبوية وأخبار الخلفاء، لابن حبان (2/ 436).
وليس معنى ذلك أن بقية الجهات سالمة من الفتن، بل قد تكون الفتن في المغرب، وفي الشمال، وفي الجنوب، لكن ما ورد في هذه الأحاديث يدل على أن هذا هو الأغلب والأكثر، وهو أن تكون الفتن من جهة الشرق.