الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
كِتَاب الطَّهَارَةِ
بَاب فَضْلِ الْوُضُوءِ
[223]
حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ، حَدَّثَنَا أَبَانٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى أَنَّ زَيْدًا حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا سَلَّامٍ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ- أَوْ: تَمْلَأُ- مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَالصَّلَاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ، أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو، فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا، أَوْ مُوبِقُهَا)).
الطهارة لغة: النظافة، والطهارة من الأقذار
(1)
، وشرعًا: استعمال الماء، أو ما يقوم مقامه عند عدمه، أو العجز عَنْ استعماله على صفة خاصة بنية
(2)
.
وكتاب الطهارة قصد به الإمام مسلم أن يذكر ما يتعلق بالطهارة في الوضوء والغسل من الجنابة، أو من الحيض والنفاس، وكذلك التيمم؛ لأنه طهارة، وكل ما يتعلق بها من أحكام.
وهذا الحديث الذي صدر به كتاب الطهارة حديث عظيم، كل جملة منه تحتوي على معانٍ عظيمة، وقاعدة من قواعد الشرع.
(1)
شرح النووي على مسلم (3/ 99).
(2)
المجموع، للنووي (1/ 798)، المغني، لابن قدامة (1/ 7).
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الطهور شطر الإيمان)) الطُّهور بالضم: اسم للفعل، والطَّهور بالفتح: الماء الذي يُتطهر به، هذا هو المشهور، وقيل: يطلق كل منهما على الآخر، ومنه الوُضوء والوَضوء؛ فبالضم اسم للفعل، وبالفتح اسم للماء المتطهَر به، والشطر: النصف، ومعنى الطهور نصف الإيمان: أن الإيمان ينقسم إلى قسمين:
طهارة ظاهرة، وطهارة باطنة؛ فالطهارة الباطنة هي سلامة المعتقد بالإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، والسلامة من البدع والشرك.
والطهارة الظاهرة هي استعمال الماء في تطهير الجسد والأعضاء، ولا يلزم من كونهما نصفين التساوي بينهما.
((والحمد لله تملأ الميزان)) هو الميزان الذي توزن به الأعمال يوم القيامة، وهو ميزان حسي له كفتان أعظم من السموات والأرض، وله لسان، خلافًا للمعتزلة وأهل البدع القائلين أن المراد بالميزان ميزان معنوي وهو العدل؛ فأنكروا الميزان الحسي، وقالوا: لا يحتاج للميزان إلا البقال والفوال، أما الله فلا يحتاج إلى ميزان، هكذا أوّلوا النصوص بآرائهم وعقولهم وزبالة أذهانهم وأفكارهم، وهذا من أبطل الباطل؛ لأن المعتزلة دينهم مبني على العقل، حتى فسر بعضهم قوله تعالى:{وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا} قال: الرسول هو العقل.
والصواب أنه ميزان حسي توزن فيه الأعمال، ويوزن فيه الأشخاص على حسب أعمالهم، قال الله تعالى عن الكفار:{فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنًا} ، وقال تعالى:{ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئًا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين} ،
وفي الحديث: ((إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة، لا يزن عند الله جناح بعوضة))
(1)
، وثبت- أيضًا- في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالسًا ومعه بعض أصحابه فقام عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فكشفت الريح عن ساقيه فإذا هما دقيقتان، فضحك الصحابة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((مم تضحكون)) قالوا: يا نبي الله، من دقة ساقيه، قال:((والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أحد))
(2)
.
((الحمد لله تملأ الميزان)) أي: أجرها وثوابها يملأ الميزان، وفي الحديث دليل على عظم هاتين الكلمتين ((الحمد لله)) و ((سبحان الله))؛ فجميع أنواع المحامد ملك لله، وهو المستحق لها دون غيره، بخلاف المخلوق فإن له من المدح ما يليق به.
((تملآن - أو: تملأ - ما بين السماء والأرض)) شك من الراوي.
((والصلاة نور)) أي: للعبد تنهاه عن الفحشاء والمنكر، وتمنعه من المعاصي والموبقات، فالصلاة إذا أداها صاحبها كما أمر الله، وكما أمر رسوله صلى الله عليه وسلم تنير للعبد الطريق، وتمنعه من الفحشاء والمنكر؛ ولذلك قال تعالى:{وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر} .
((والصدقة برهان)) أي: حجة ودليل على إيمان صاحبها، والبرهان هو الدليل القوي.
((والصبر ضياء)) يستضيء به صاحبه حتى يؤدي ما أوجب الله عليه، وينتهي عما حرم الله عليه فلا يتسخط قضاء الله وقدره.
والضياء: نور فيه حرارة؛ كالشمس فيها نور وحرارة، والقمر فيه نور بلا حرارة، فالصبر قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم ((والصبر ضياء))؛ لما يجده الإنسان الصابر من حرارة الصبر حيث
(1)
أخرجه البخاري (4729)، ومسلم (2785).
(2)
أخرجه أحمد (3991).
يجد قوة ومشقة؛ لأن الصبر يحتاج إلى القوة والتحمل، ولا بد فيه من مجاهدة النفس، ومجاهدة النفس فيها مشقة وتعب، كالضياء الذي فيه حرارة، بخلاف الصلاة، قال عنها نور، كالقمر له نور بلا حرارة.
((والقرآن حجة لك، أو عليك)) القرآن حجة لك إن عملت به، وحجة عليك إن أعرضت عنه، وأهملته ولم تعمل به.
((كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها، أو موبقها)) يعني: كل الناس يذهبون ويروحون ويتعامل بعضهم مع بعض؛ فمنهم من يبيع نفسه لله فيعتقها من النار فتسلم، ومنهم من يوبقها ويهلكها بعذاب الله فيبيعها للشيطان والهوى، فالناس نوعان: أناس يغدون في هذه الحياة يعملون ويكدحون ليكون عملهم لله، وأناس يبيعون أنفسهم للهوى وللشيطان ويهلكونها بالمعاصي، فيكون مصيرهم العذاب في النار- نسأل الله السلامة والعافية.