الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سير أعلام النبلاء - ترجمة عائشة أم المؤمنين
(*)
تأليف الحافظ الذهبي. قدم له وعلق عليه الأستاذ سعيد الأفغاني بدمشق (1)
الحافظ الذهبي (673 - 748) من أكبر مؤرخي الإِسلام وأوثقهم، ومن شيوخ حفاظ الحديث في عصور النور في الإسلام، وهو حجة العلماء بعده في نقد الرجال وتراجم العلماء والرواة، وهو أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي. ومؤلفاته في التاريخ والتراجم كانت ولا تزال عمدة المؤرخين في عصره وبعد عصره، ولو لم يكن له إلَّا "تاريخ الإسلام" لكفاه مجدًا وفخرًا، ولعلي واصفهُ في كلمة خاصة قريبًا إن شاء الله. ومن أجل كتبه وأعظمها هذا الكتاب الذي نشرت منه هذه الترجمة، وهو "سير أعلام النبلاء". وهو كتاب كبير عظيم، في عشرين مجلدًا تقريبًا، سمعنا به كثيرًا ولم نره، بما عرض لكتب المسلمين من أحداث الزمن، حتى ضاع منها الكثير النفيس، ثم عرفت نسخة منه لدى حضرة صاحب الجلالة الإمام يحيى ملك اليمن حفظه الله. واستنسخ بعضه صديقنا الكبير العلامة السيد محمَّد بن حسين نصيف، أحد نبلاء الحجاز وأعلامها بمدينة "جدة"، وتفضل حفظه الله فيسر للأستاذ سعيد الأفغاني نسخ هذه الترجمة "ترجمة عائشة" ومن قبلها "ترجمة ابن حزم" فنشر ترجمة ابن حزم سنة 1941 ثم نشر هذه الثانية التي نصف.
(*) مجلة الكتاب، صفر 1365 هـ، فبراير 1946 م.
(1)
88 صفحة من القطع الكبير. مطبعة الترقي. دمشق 1945.
والمحدثون هم أئمة علم التاريخ وأساطينه، وهم الحفَظة عليه بما وضعوا من قواعد دقيقة متقنة لنقد الرواية والراوي، وعلى مناهجهم سار من قلدهم من المؤرخين وغير المؤرخين، حتى إنا لنجد الأقدمين كانوا يروون الشعرَ ومتن اللغة وكثيرًا من القواعد في العلوم الأخرى على طريقة المحدثين، وإن كان تقليد هؤلاء لم يبلغ شأوَ أولئك ولا قاربه، وأقرب مثال لذلك كتاب "الأغاني" وكتاب "مصارع العشاق"، وهما أبعد ما يكون عن صناعة الحديث، ولكنّ مؤلفيهما رويا القصص والشعر فيهما بالأسانيد على طريقة المحدثين، وإن لم ينقدا الأسانيد ولم يتحريا في الرواية كما يصنع المحدّثون. وسأدع وصف هذا الجزء "ترجمة عائشة" ليصفه ناشره ومحققه الأستاذ سعيد الأفغاني بقلمه في مقدمته قال:
"ترجم للسيدة عائشة كثيرون من أعلام المؤرخين، إلا أن هذا المصدر (سِيرَ أعلام النبلاء) يتفرد بمزايا ليست في مصدر آخر: إنها ترجمة فنية من الوجهة (الحديثية)، ونحن نعلم أن التاريخ في الحضارة العربية ولد في أحضان علم الحديث، وتعهده المحدّثون حتى نشأ وترعرع وبلغ أشده واستقل قائمًا بنفسه، وأعاظم المؤرخين الأولين هم كبار أئمة الحديث، وقد تفنن فيه هؤلاء فنونًا كثيرة تستعصي على الحصر، واتسعوا فيه اتساعًا استطاع معه (مغلطاي) أن يقول: "رأيت من مَلك نحوًا من ألف تصنيف في التاريخ". بل إن الحافظ السخاوي مؤرخ المئة التاسعة قرأ خط الذهبي: يذكر فنون
التاريخ التي تدخل في تاريخه الكبير
…
فأوصلها إلى الأربعين فنًّا، ثم قال:"ولم أنهض له، ولو عملته لجاء في ستمائة مجلد". اهـ. قلت: لقد أمعنتُ أنا في عناوين هذه الفنون مسرودة في كتاب السخاوي (1)، فرأيت (مشروع) الذهبي أشبه بموسوعة (دائرة معارف) كبرى في التاريخ".
"ولكي يخرج القارئ بفكرة مجملة عجلى عن المجهود العظيم المعجز، الذي قام المحدّثون، وخاصة الذهبي في (سير أعلام النبلاء) أذكر أن الإمام الزركشي في كتابه عن السيدة عائشة (الإصابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة)(2) ذكر من الرواة عنها اثنى عشر راويًا، وإني أضفت عليهم نحوًا من ثمانين راويًا، جمعتُ أسماءهم في أعوام متطاولة، بعد الاطلاع على كتب الطبقات المخطوطة والمطبوعة، وعلى مصادر كثيرة جدًّا، حتى التي لا يظن أن يكون فيها شيء عن السيدة عائشة، فأوصلت - بعد هذا العناء - عدد الرواة عنها إلى التسعين، وأنا أرى أني أتيت بما لم يأت به الأولون ولا الآخرون، لكنني لم أكد أقرأ هذه الرسالة للذهبي وأراه قد زاد على هؤلاء التسعين نحو المئة، وأدهشني أنه أورد أسماءهم مرتبة على
(1) يعني كتاب "الإعلان بالتوبيخ لمن ذم أهل التواريخ" المطبوع بمطبعة الترقي 1349 هـ.
(2)
محفوظ نادر حققه الأستاذ سعيد الأفغاني ونشره في المطبعة الهاشمية بدمشق 1358 هـ.
الحروف
…
أقول: لم أكد أجد ذلك حتى انطفأ فيَّ ذلك الزهو المنتفخ، وعرفتُ أني وألوفًا من أمثالي مهما جهدنا لا نبلغ أن نكون من أصغر تلاميذ مؤرخينا من أهل الحديث: لقد وقفوا أنفسهم على خدمة العلم فأخلصوا له الخدمة، فآتاهم الله في ذلك المعجزات".
"وأمر آخر تمتاز به هذه الرسالة: وهو أن كثيرًا من مؤرخي الحركة العلمية والأدبية في عصرنا هذا الحديث، إذا بلغوا الكلام على المحدّثين والمؤرخين العرب، تابعوا المستشرقين فقرروا: "أن العرب عُنوا عناية بالغة بالنقد الخارجي (نقد السند) فبذّوا بذلك غيرهم من الأمم، إلا أنهم وقفوا عاجزين دون النقد الداخلي:(نقد المتن). ونقلوا هذه الشبهة التي لا تستند إلى أدنى اطلاع: لاحق عن سابق، نقلًا أعمى دون تحقيق أو بذل عناء. ففي هذه الرسالة التي ننشرها، يورد الذهبي روايات وأخبارًا يشبعها نقدًا: تعديلًا وتجريحًا، ويضع عيوننا على شواهد محسوسة في النقد الداخلي: نقد المتن، فنوقن حينئذ أننا لم يكفنا جهلنا و (سطحيتنا) وحتى (ببغاويتنا) وإصدارنا الأحكام دون إعداد العدة اللازمة لها من درس جادّ، وصدر واسع، ودؤوب طويل، وعلم غزير
…
لم تكفنا هذه (القَعَدية) بل نستطيل بجهلنا، أو بعلمنا الناقص المترجَم - وهو شر من الجهل - على من بلغوا في إحكام أعمالهم حدّ الإعجاز" ....
"الحق أن (الترجمة التاريخية) فنّ العرب الخالص، برعوا فيه براعة خالدة، وأن الذهبي أحد نوابغهم العظام في هذا الفن".
وهذا الذي قاله الأستاذ سعيد الأفغاني من تقليد بعض الباحثين للمستشرقين في زعمهم أن المحدّثين والمؤرخين من العرب كان همهم نقد السند في الرواية دون المتن، قد أصاب فيه كلّ الإصابة، فإن أهم شيء في تعليل الرواية عند المحدثين هو البحث في علل المتون وأخطاء الرواة فيها، وهو الأساس الذي بني عليه الأئمة الحفاظ نقدهم الأحاديث، يعرف ذلك كل من مارس هذه الفنون الجليلة "علوم الحديث".
فما جاء في هذا الجزء من "سير أعلام النبلاء" من نقد الحديث بنوعي النقد، اللذين يريد هؤلاء المعاصرة أن يسموهما تبعًا لغيرهم "النقد الداخلي" و"النقد الخارجي": أن الحافظ المؤلف نقل (في ص 55) عن مسند الإمام أحمد بن حنبل حديثًا رواه أحمد عن عثمان بن عمر عن يونس الأيلي عن أبي شداد عن مجاهد عن أسماء بنت عميس قالت: كنت صاحبة عائشة التي هيَّأتها وأدخلتْها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي نسوة، فما وجدنا عنده قرًى إلا قدحًا من لبن، فشرب منه ثم ناوله عائشة، فاستحيت الجاريةُ، فقلت: لا تردّي يد رسول الله، خذي منه، فأخذت منه على حياء، فشربت، ثم قال: ناولي صواحبك. فقلنا: لا نشتهيه! فقال: "لا تجمعن جوعًا وكذبًا". فقلت: يا رسول الله إن قالت إحدانا لشيء تشتهيه لا أشتهيه أيعدُّ ذلك كذبًا؟ قال: إن الكذب يكتب حتى تكتب الكُذَيبة كذيبةً". وهذا الحديث في مسند أحمد (ج 6 ص 438) وفيه هناك خطأ مطبعي: كتب "شداد" وصوابه "أبو شداد"، وقال الحافظ الذهبي بعد أن نقله: "هذا
حديث منكر، لا نعرفه إلَّا من طريق أبي شداد وليس بالمشهور، قد روى عنه ابن جُريج أيضًا". فهذا هو "النقد الخارجي" نقد السند. ثم قال:"ثم هو خطأ، فإن أسماء كانت وقت عرس عائشة بالحبشة مع جعفر بن أبي طالب، ولا نعلم لمجاهد سماعًا من أسماء، ولعلها أسماء بنت يزيد، فإنها روت عجُزَ هذا الحديث". فهذا هو "النقد الداخلي" نقد المتن؛ إذ أبان الحافظ أن التي نسب إليها الحديث لم تكن وقت زفاف عائشة بالمدينة، فظهر أن هذا الراوي أخطأ، فنسب واقعة روتها أسماء بنت يزيد بن السكن إلى أسماء بنت عميس التي لم تروها ولم تشهدها، وقد ذكر الأستاذ الأفغاني مصحح الكتاب رواية أسماء بنت يزيد عن مسند أحمد.
فهذا مثال من النقد الداخلي الصحيح. وهناك مثالٌ آخر من النقد الداخلي، ظاهره الصحة وهو غير صحيح، قلد فيه الأستاذ الأفغاني عالمًا كبيرًا من المتقدمين، قلد عالمًا كبيرًا قبله، فإن المؤلف الحافظ نقل حديث الإفك بطوله، وهو حديث معروف عن إفك المنافقين وبعض الضعفاء على عائشة رضي الله عنها حتى نزلت براءتها في القرآن، ورواية المؤلف منقولة عن البخاري، وفيها (ص 37) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عليَّ بن أبي طالب وأسامة ابن زيد يستأمرهما في فراق أهله، قالت عائشة: "فأما أسامة فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم [لهم](1) في نفسه من الودّ،
(1) هذه الزيادة من صحيح البخاري.
فقال: يا رسول الله أهلُك ولا نعلم عنهم إلا خيرًا، وأما علي فقال: لم يضيّق الله عليك والنساء سواها كثير، واسأل الجارية تصْدُقك. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال: أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك؟ قالت [بريرة](1): لا والذي بعثك بالحق". إلى آخر الحديث. و"بريرة" بفتح الباء: أمة كانت بالمدينة اشترتها عائشة وأعتقتها فكانت مولاتها. فعلَّق الأستاذ الأفغاني هنا في الهامش بما نصه: "كون الجارية بريرة: وهمٌ قد نبه عليه الإمام الزركشي قال: تنبيه جليل على وهمين وقعا في حديث الإفك في صحيح البخاري: أحدهما؛ قول علي: "وسل الجارية تصدقك". فدعا رسول الله بريرة
…
إلخ. وبريرة إنما اشترتها عائشة وأعتقتها بعد ذلك. ويدل عليه أنها لما أعتقت واختارت نفسها، جعل زوجها يطوف وراءها في سكك المدينة ودموعه تتحادر على لحيته، فقال لها صلى الله عليه وسلم:"لو راجعتيه". فقالت: أتأمرني؟ فقال: "إنما أنا شافع". فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا عباس ألا تعجب من حب المغيث لبريرة وبغضها له! " والعباس إنما قدم المدينة بعد الفتح. والمخلص من هذا الإشكال: أن تفسير الجارية ببريرة مدرج في الحديث من بعض الرواة، ظنًّا منه أنها هي. وهذا كثيرًا ما يقع في الحديث من تفسير بعض الرواة، فيظن أنه من الحديث. وهو نوع غامض لا ينتبه له إلا الحذاق". فهذا أيضًا من "النقد الداخلي" وإن كان نقدًا غير صحيح، ولم يكن الزركشي بابن
(1) هذه الزيادة من صحيح البخاري.
بجدته، وإن ظن الأستاذ الأفغاني ذلك، إنما قلد فيه الإمام الحافظ ابن القيم، كما أثبت ذلك الحافظ ابن حجر في (فتح الباري شرح البخاري ج 8 ص 358 من طبعة بولاق) وكلام ابن القيم في هذا في كتابه (زاد المعاد ج 2 ص 116 من طبعة المطبعة المصرية) وابن القيم، على علمه وجلالة قدره، لم يستطع الجزم بهذا النقد كما استطاعه الزركشي، وإنما ساقه إشكالًا نسبه إلى مبهم، ثم قال:"وهذا الذي ذكره إن كان لازمًا فيكون الوهم من تسمية الجارية بريرة، ولم يقل له علي: سل بريرة. وإنما قال: فسل الجارية تصدقك. فظن بعض الرواة أنها بريرة فسماها بذلك، وإن لم يلزم، بأن يكون طلب مغيث لها استمر إلى بعد الفتح ولم ييأس منها، زال الإشكال". وليس في الأمر إشكال، إنما هو اعتراض عن انتقال نظر، حكاه العلامة ابن القيم وأجاب عنه إجابة مجملة، فجزم به الزركشي وجعله من دقائق العلم التي لا يتنبه لها إلا الحذاق! وأعجب به الأستاذ الأفغاني أيما إعجاب. ولو كان المدرج في الحديث، أي؛ المزاد، اسم "بريرة" وحده لكان الأمر قريبًا، ولكن في لفظ الحديث أن رسول الله قال لها "أي بريرة" فنادها باسمها، والإدراج في مثل هذا قد ينافي الثقة بالراوي، والحديث رواه أئمة كبار، الزهري يحدث به عن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيَّب وعلقمة بن أبي وقاص وعبيد الله بن عبد الله، ثم يرويه عن الزهري الثقات الأثبات من أصحابه! فنسبة هذا الوهم إليهم ليست مما يقبل على علاته، وبريرة لم تظهر في المدينة فجأة حتى ينكر المعترض
وجودها حين وقعت قصة الإفك. وإنما كان الذي بعد الفتح بعد أن جاء العباس بن عبد المطلب إلى المدينة هو شراء عائشة إياها وعتقها لها، فإن بريرة جاءت إلى عائشة فقالت:"إن أهلي كاتبوني على تسع أواق في تسع سنين كل سنة أوقية، فأعينيني". فقالت لها عائشة: "إن شاء أهلك أن أعدلها لهم عدةً واحدة وأعتقك ويكون الولاء لي فعلتُ". (صحيح مسلم ج 1 ص 440 طبعة بولاق) فهذه جارية مكاتبة، أي؛ باع سادتها نفسها لها، تعمل وتؤجر، حتى تجمع الثمن الذي اتفقوا عليه، فإذا أدته إلى سادتها ملكت نفسها وعتقت. فأين في الحديث ما يدل على أنها حين وقعت قصة الإفك كانت مملوكة عائشة أو عتيقتها؟ أليس الأقرب أنها كانت تمتهن الخدمة في البيوت تسعى في جمع بدل المكاتبة، ومن القريب جدًّا أن تكون ممن يخدم السيدة عائشة في بيتها وتكثر، حتى لتقع في نفس عائشة فتشتريها من أهلها وتعتقها!
وقد بذل الأستاذ سعيد الأفغاني جهدًا مشكورًا في تصحيح هذا الجزء، ويبدو لي أن النسخة التي وقعت له لم تكن أصلًا جيدًا، فعانى كثيرًا من المشقة في تصحيحه، ولست أدري آلخطأ الكثير من الناسخ الذي نسخ في السمن أم من أصل النسخة؟ وليت الأستاذ الأفغاني رجع في تصحيح بعض الأحاديث إلى مواطنها من كتب السنة المعروفة، وهي في متناول اليد، فإني رأيته - مثلًا - غير في إسناد حديث عائشة عن قصة الإفك كلمة "عن" فجعلها "من" وذكر ذلك في هامش الصفحة، ظنًّا منه أن ما كان في الأصل خطأ (ص 33)
فإن الإسناد فيه هكذا: "يونس عن ابن شهاب: أخبرني عروة وابن المسيب وعلقمة بن أبي وقاص وعبيد الله بن عبد الله من حديث عائشة حين قال لها أهل الإفك ما قالوا" وكتب في الهامش على قوله "من حديث عائشة": "في الأصل: عن" والذي في الأصل هو الصواب؛ لأن الحديث نقله الذهبي عن صحيح البخاري، وهو فيه:"عن حديث عائشة"(ج 8 ص 343 من فتح الباري وج 6 ص 101 من صحيح البخاري الطبعة السلطانية ببولاق) ومثل صنيعه في الحديث نفسه (ص 40) في قول عائشة "إني والله لقد علمت أنكم سمعت هذا الحديث" وكتب في الهامش (في الأصل: لقد علمت لقد سمعت هذا الحديث. والتصحيح عن كتب الحديث، وانظر السمط الثمين ص 67) وما في الأصل خطأ، وما أثبته عن العقد الثمين خطأ، والصواب في البخاري "لقد علمت لقد سمعت هذا الحديث" فتح الباري 8: 364 والبخاري 6: 104). وما كانت نسخة "العقد الثمين" المطبوعة حجة، وكلمة "التصحيح عن كتب الحديث" مجملة، البيانُ والتحديد خير منها وأوثق.
ورأيت للأستاذ في صدر الجزء (ص 9) تنبيهًا فيه شيء من الإبهام، إن لم يكن من الخطأ، قال:"جرى المؤلف على عادة المحدثين فحذف كلمة (حدثنا) أو (روى) من أول السند، مبتدئًا باسم الراوي رأسًا، فعلى القارئ أن يلاحظ ذلك ويضيف بذهنه (حدثنا) أو نحوها في رأس كل سند".
صحيح أن كثيرًا من المحدثين يفعلون ذلك، ولكن المؤلف، الحافظ الذهبي، لم يحذف في هذا الجزء كلمة "حدثنا" من أول إسناده هو؛ إذ رَوَى الحديث بإسناده، وهو قد روى فيه ثمانية أحاديث بإسناده، في (ص 48، 58، 65 مرتين، 66، 79 مرتين، 80) وهو يقول في أكثرها: "أخبرنا" فلان، وفي اثنين منها:"قرأت على" فلان.
وإنما الأسانيد التي حذف المؤلف أولها هي الأسانيد التي علقها عن كتب السنة، اكتفاءً بمعرفة المحدّثين إياها، فيذكر بعض الإسناد من أعلاه، كأن يقول:"يونس عن ابن شهاب""سفيان بن عيينة عن أبي سعيد""معمر عن الزهري""مالك عن عبد الرحمن بن القاسم"، فمثل هذه الأسانيد، لا يجوز للقارئ أبدًا أن "يضيف بذهنه حدثنا" في رأس السند، إذ يكون محالًا أن يقول الحافظ الذهبي "حدثنا يونس""حدثنا مالك"
…
إلخ. وإنما يقدر المحدّثون في مثل هذا: "روينا بإسنادنا أو بالإسناد المتصل عن يونس، أو عن سفيان، أو عن معمر" أو نحو ذلك المعنى. وهو شيء معروف لا يحتاج إلى بيان.
وبعد: فإن موسوعتي الذهبي "تاريخ الإسلام" و"سير أعلام النبلاء" من الدواوين الكبار، من مفاخر أئمة العرب والإسلام، ومن أوثق مصادر التاريخ للباحث المحقق، وللمؤرخ المتوثق: فمن التقصير الشديد أن يظلا مطويين مهجورين في دور الكتب. أفيقدم على نشرهما رجل موفق حازم، يكونان في ميزانه أجرًا وذكرًا؟ نرجو إن شاء الله.