الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جرأة عجيبة على تكذيب القرآن
(*)
وددت لو استطعت وصف ما صنع الأستاذ سليم بك حسن بغير هذا العنوان القاسي، ولكن ما صنع كان أشد تهافتًا وأسوء وقعًا مما يدل عليه العنوان:
فإنه أخرج في هذا العام الجزء السابع من كتابه (مصر القديمة)، ولست الآن بصدد نقد كتابه هذا، وكشف ما ينطوي عليه من الإشادة بوثنية قدماء المصريين، ومن تقديس الأحجار والأوثان، ولو بالقول دون العقيدة، بل من وصف أحد الفراعين الوثنيين بصفة النبوة (ص 590 من هذا الجزء). ولكنه عرض في هذا الجزء (قصة خروج بني إسرائيل من مصر) عرضًا عجيبًا جريئًا، فوق حدود العجب، وفوق حدود الجرأة (ص 106 - 138). كذَّب فيه التوراة تكذيبًا صريحًا تارة، وتكذيبًا ملتويًا تارة، وكذب فيه القرآن تكذيب (العلماء الأفذاذ في هذا العصر! )، الذين يتأولون القرآن تأولًا لا يَمُتُّ إلى لفظه ولا إلى معناه بسبب، يخرج به على كل دلالة، وعلى كل عقل، إلا عقولهم الجبارة المتوفزة للهدم! وكان في عمله هذا مقلدًا، لم يتقن الصنعة كما أتقنوا، وكذبه تكذيبًا آخر غير مباشر؛ بتقرير (حقائق! ) تُنافي ما أثبت القرآنُ وتناقضه، يقررها بعظمة العالم
(*) مجلة الهدي النبوي المجلد الخامس عشر، العدد الأول محرم 1370 هـ.
المتثبت! الذي لا يثبت صحة خبر في القرآن إلا أن تؤيده الأحجار (المقدسة) التي كتبها وثنيون مجهولون، من عبّاد الفراعنة، وعبّاد العجول، وعبّاد الأوثان.
ومن قرأ هذا الفصل الذي كتبه هذا (العالم المتثبت) عن قصة بني إسرائيل وخروجهم من مصر (ص 106 - 138) لا يخالجه شك في أن الأستاذ رضي على مضض أن يسلم بوجود شيء في مصر في عهد الفراعين اسمه "بنو إسرائيل"، وبخروجهم من مصر بقيادة رجل منهم اسمه "موسى" وأن ما عدا ذلك من التفاصيل إن هو إلا أساطير وأكاذيب إلى أن تظهر أدلة أخرى تثبت شيئًا منها.
إن شئتم فاقرؤوا قوله (ص 114): "ولكن ليس لدينا أي أثر يبرهن على وجود احتلال جدّيّ لأيّ صقع مصري تكون من نتائجه حدوث مأساة كالتي مثلت في كتاب الخروج، وإلى أن يظهر في الأفق براهين تختلف في شكلها عن التي في متناولنا الآن، فإني أومن بأن تفاصيل القصة يجب أن تُعدّ أسطورة، مثلها كمثل قصة بدأ الخليقة المذكور في سفر التكوين. وعلينا أن نسعى في تفسير هذه التفاسير، [كذا وصحتها التفاصيل] على فرض أنها أسطورة)! !
وما أظن أحدًا يشك بعد هذا في أن الأستاذ المؤلف ينكر كل التفاصيل التي في قصة خروج بني إسرائيل. والبقية تأتي! !
إن المؤلف - فيما أرى - يستغل الروح الوطني القومي الذي تغلغل في مصر للإشادة بقدماء المصريين وفراعينهم وأوثانهم، على النحو الذي نراه في الصحف والمجلات والمؤلفات، تقليدًا لأوربة من
جهة، ونتيجة لما رسمت أوربة ومبشروها ومستعمروها من محاولة هدم الإسلام في بلاده، بتربية الأمة تربية تستبطن الإلحاد مع مظهر التدين، أو تعلن الإلحاد ما وجدت الفرصة لذلك.
وأكبر ظني أن المؤلف لم يقرأ قصة بني إسرائيل في القرآن قط، أو هو على الأقل لم يتأملها تأمل المؤمن المستيقن بصدق هذا القرآن، وبأنه وحي من الله لرسوله لفظًا ومعنى، وبأنه أصدق مصدر تاريخي؛ لأنه ليس من علم البشر، بل هو من قول خالق الكون، الذي يعلم ما تقدم وما تأخر، وبأنه الكتاب المهيمن على ما سبقه من كتب الأنبياء، وبأنه لا يجوز لمسلم يؤمن بالله ورسوله أن يعقد مقارنة بينه وبين الكتب السابقة، فضلًا عن أن يعقد مقارنة بينه وبين نقوش على أحجار، أو كتابة في أوراق كتبها وثنيون مجهولون، مداحون متملقون، يمدحون ملوكهم بالحق تارة، وبالباطل تارات. إلى أن هذه النقوش والكتابات لم يتبين إلى الآن معناها على سبيل القطع واليقين، بل هو الظن والاجتهاد، بما بلغت إليه أسباب دارسيها.
أنا لا أدافع عن التوراة الموجودة الآن بين يدي اليهود، ولا عن نسختها الأخرى التي بين يدي النصارى باسم "العهد القديم"؛ فإني أعرف أنها لم تصل إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء بطريق يقيني أنها هي "التوراة" التي أنزل الله على نبيه موسى عليه السلام بل أكاد أجزم أنها تاريخ كتب بعد موسى بدهر طويل، فيها شيء من التوراة الصحيحة، وفيها تزايد كثير، لم يعرفه موسى ولا هارون. وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما لم يثبت من أخبارهم وأحكامهم في القرآن، ولم
نجد في كتاب الله ما ينفيه، أن نقف منهم موقف الحياد، فلا نصدقهم ولا نكذبهم، ونقول:{آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (1)[العنكبوت: 46].
ولا أرى لمسلم أن يستغل عداء اليهود للمسلمين، منذ قديم الزمان، وعدوانهم علينا في عصرنا هذا، فيكذب أخبار الله عنهم في القرآن، ويطعن في الأنبياء السابقين، كما يفعل بعض الناس في هذه الأيام.
والأستاذ سليم بك حسن يكاد يفعل هذا أو يقاربه فيقول في (ص 108): "وكان موسى من الوجهة المصرية أقل شأنًا من يوسف، فقد كان كما تقول التوراة لقيطًا في قصر فرعون، ثم هاربًا من وجه العدالة، ثم متكلمًا عن عبيد غرباء"! !
ووجهة (النظر المصرية) هذه لا يجوز لمسلم أن يحكيها إلا ليردها بما يكذبها في القرآن، إن كان أحد من المصريين قالها من قبل، فالله سبحانه يقول:{نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)} (2).
وكلمة "لقيط" التي سمح المؤلف لنفسه أن يصف بها نبيًّا من
(1) رواه البخاري 13/ 282 من فتح الباري، وانظر: تفسير ابن كثير 6/ 399.
(2)
القصص: 3 - 6.
أولي العزم من الرسل - ولا أظنه يرضاها لبعض من يعرف أو يحبّ - كلمة خارجة على كل الحدود، لا توافق دينًّا ولا خلقًا ولا أدبًا.
ثم نعود إلى الكلام من أوله:
يذكر الأستاذ المؤلف (ص 106 - 107): أن ذِكْرَ بني إسرائيل لم يعثر عليه في الآثار المصرية إلا مرة واحدة في "القصيدة الرائعة التي نقشها مرنبتاح تخليدًا لذكرى انتصاراته على أقوام لوبيا والبحار" وأنه لم يجدهم "يُذكرون بعد ذلك على الآثار إلّا بعد انقضاء أربعة قرون من ذلك التاريخ".
وهو من قبلُ ذكَرَ هذا الشيءَ الذي يسميه "القصيدة الرائعة" وترجم معانيها إلى عربيته (ص 96 - 101)، وقدمها إلى قراء كتابه بأنها "قصيدة عن انتصار مرنبتاح" وهو اسم أحد فراعينه الذي يزعم أن خروج بني إسرائيل كان على عهده! وقال:"هذه القصيدة منقوشة على لوحة تذكارية من الجرانيت الأسود، وهي المسماة: لوحة إسرائيل، وقد أقيمت في معبد الملك الجنازي". ثم يقول في التمهيد لمتنها: "وفي ختام هذه القصيدة الرائعة يعدّد لنا الشاعر القبائل أو الأقاليم التي أخضعها مرنبتاح، ومن بينها قبيلة بني إسرائيل. وهذه أول مرة ذكر فيها هؤلاء القوم في المتون المصرية؛ ولذلك سميت هذه اللوحة باسمهم. وكذلك قيل عن مرنبتاح إنه فرعون موسى الذي ذكر في القرآن وغيره من الكتب المقدسة. وهذا طبعًا لا يرتكز على حقائق تاريخية"! !
واعجبوا أيها الناس، إن هذا الشيء الذي لا يرتكز على حقائق تاريخية، يرتكز عليه المؤلف في تكذيب التوراة والقرآن! !
والجملة الوحيدة التي في قصيدته هذه، والتي بنى عليها بحثه المهلهل المتهافت، هي قول شاعره (الرائع):"وإسرائيل خربت وليس لها بذر". وقد علّق المؤلف هنا في الهامش على كلمة (إسرائيل) بقوله: "هذا هو أول عهدنا ببني إسرائيل، بل هي المرة الأولى التي ذكر فيها الاسم في نص مصري، وبموازنته بأسماء أخرى نجد أن كلمة إسرائيل كتبت لتدل على شعب لا على بلد، وعلى ذلك فإن الكاتب قد عدَّ الإسرائيليين قبيلة بدوية في فلسطين". وعلَّق على كلمة (بذر) بقوله "تشبيه كثير الاستعمال لبلدة خربت".
فهذه الجملة وحدها هي التي أقنعت المؤلف الأستاذ بأن إسرائيل كانوا في مصر وخرجوا أو أُخرجوا منها، وبها وحدها صَدَّق أصل القصة في القرآن والتوراة، وأنكر بعد ذلك كل التفاصيل التي في التوراة واعتبرها أساطير صراحة، كما نقلنا من كلامه آنفًا، وأنكر كل التفاصيل التي في القرآن ضمنًا، كما يفهم من مجموع كلامه، ومن بعض نصوصه التي سنذكر، ثم انتظر أن يظهر في الأفق براهين تختلف في شكلها عن التي في متناوله الآن، ليؤمن بما تثبته البراهين المنتظرة! !
وما هذه البراهين؟ وما ذلك البرهان؟
أما البرهان فهو ما سماه "القصيدة الرائعة"! وقد قرأنا ترجمتها التي ذكرها المؤلف، ولا أستطيع أن اسميها "قصيدة" فإن لي رأيًا في
الشعر قد لا يرضاه المؤلف، وقد لا يرضاه أكثر المتعلمين على المناهج الإفرنجية، ولا يهمني رضاهم ولا سخطهم، ولا أعبأ بموافقتهم ولا بمخالفتهم، ولكن المعاني التي قرأتها والبحث التاريخي الذي عرّفنا إياها به المؤلف، يدل على أنها كمثل غيرها، من النقوش الفرعونية الوثنية، كلام لناس مجهولين، مجهولةٍ أشخاصُهم، ومجهولةٍ صفاتُهم، ومجهولةٍ درجاتُهم من الصدق أو الكذب. ولكنها في مجموعها كلام أحد المدّاحين الكاذبين المتملقين، الذين نعرف لون كلامهم، ودرجة اعتقاد قائله في صحة ما يقول، ففيها من الغلوّ في مدح فرعونه ومعبوده ما يكاد يدل على أنه يهزأ به، أو يريد - على الأقل - بمغالاته أن يعرف القارئ أنه شاعر كاذب أو كاتب كاذب.
وفيها من الصفات التي يسبغها على فرعون ما هو كذب قطعًا، من وجهة نظرنا الإسلامية الثابتة في القرآن، والتي لا أظن أن للمؤلف من الشجاعة ما يجرئه على أن يكذبها صراحة، وإن كذبها ضمنا في لحن القول! ! فإنه حين لَخَّص قصيدته هذه (الرائعة) قال فيما قال (ص 96):"يضاف إلى ذلك أن الشاعر، وسط هذه المدائح وتلك الأعمال الجسام التي قام بها مرنبتاح للزود عن حياض بلاده وتخليصها من غارات اللوبيين وكسر شوكتهم -: لم يفته أنْ وصف الفرعون بالاستقامة والعدل، فهو يعطي كل ذي حق حقه"!
فرعون "مستقيم عادل يعطي كل ذي حق حقه"! ! والله سبحانه
وتعالى يقول في كتابه الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)} (1). ويقول: {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ} (2). ويقول في قذف موسى في اليم: {فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ} (3). ويحكي عن موسى أنه دعاه حين خرج خائفًا: {قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (4)، ويقول آمرًا موسى:{اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (24)} (5)، ويقول:{فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} (6). ويقول: {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} (7). ويقول: {وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ} (8)، ويقول:{ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (75)} (9).
(1) القصص: 4.
(2)
القصص: 8.
(3)
طه: 39.
(4)
القصص: 21.
(5)
طه: 24، النازعات:17.
(6)
النمل: 12.
(7)
القصص: 32.
(8)
غافر: 37.
(9)
يونس: 75.
ويقول: {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99)} (1). ويقول: {وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (42)} (2). ويقول في شأن فرعون وقومه: {وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} (3).
هذا بعض ما أنزل الله علينا في كتابه في شأن فرعون، ومن أصدقُ من الله حديثًا؟ هذا الذي لعنه الله في القرآن، وأمرنا بلعنه بما أمرنا من تلاوة آياته مؤمنين بها مصدّقين. أفيجوز لمسلم بعد ذلك أن يحكي وصفه "بالاستقامة والعدل" عن كاتب وثني مجهول دون أن يعقب عليه بما يرفع به الشبه التي قد تخالج بعض قارئي كلامه، حتى ولو كان من علماء الآثار؟ !
هذا الفرعون الذي استجارت امرأته من جبروته وعمله؛ إذ آمنت بربها وبالرسول الذي أرسله إليهم، وهو موسى، فقالت فيما حكى الله عنها:{رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (4).
هذا الذي ملأه الكبر والغرور، حتى قال ما حكى الله عنه في
(1) هود: 97 - 99.
(2)
القصص: 42.
(3)
غافر: 52.
(4)
التحريم: 11.
سورة القصص: {يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} (1)! ! والذي دمغه موسى بالكبر والكفر والظلم كما قال الله: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26) وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (27)} (2).
وما أظن بعد ذلك ما قلنا إلَّا بيِّنًا واضحًا، لا يرتاب فيه مسلم.
ولم يسلك المؤلف في الشك في صحة ما ثبت في التوراة مسلك علماء الإسلام؛ فإن هذا ضعف لا يليق بعلماءٍ عظامٍ! فالمسلمون يعتقدون اعتقادًا معلومًا من الدين بالضرورة، مؤيدًا بنصوص القرآن الصريحة، أن الله أنزل التوراة على موسى، ولكنهم يشكون في صحة هذه النصوص التي في أيدي القوم، لما اعتورها من التحريف والتبديل، ولما أدخل عليها من أكاذيب اليهود وغيرهم، فلا يصدقون منها إلّا ما وافق القرآن الذي أنزل {مصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} (3). ولا يكذبون إلّا ما ثبت كذبه بالدليل القطعي. وأما المؤلف الأستاذ فإنه يرتاب في تاريخ بني إسرائيل كله، سواء ما ثبت منه في التوراة مما يخالف القرآن، أو مما لم يذكر في القرآن، أو مما وافق القرآنَ، واعتقد المسلمون صحته؛ لأنه ينظر إلى تاريخهم من
(1) القصص: 38.
(2)
غافر: 26، 27.
(3)
المائدة: 48.
"وجهة النظر المصرية"! ! حوادث تافهةً لا تستحق ذكرًا أو تدوينًا! !
انظروا إليه يقول في (ص 107) من كتابه:
"وتاريخ بني إسرائيل في مصر لم نجده في النقوش خلافًا للإشارة التي جاءت في الجملة السابقة، ولكن تاريخ هؤلاء القوم كما ذكره مؤلف التوراة - وهو إسرائيلي المنبت - قد أضفى على حوادثه أهمية لم يخطر ببال مؤلف مصريّ أن يسبغها عليه في هذا العهد بعينه، بل ربما كان لا يعرف شيئًا عنها، وحتى إذا كان يعلمها فإنها كانت في نظره من الحوادث التافهة التي لا تستحق ذكرًا أو تدوينًا، إذ أن كل ما كان يهم المؤرخ المصري في عصوره التاريخية كلها هو تدوين انتصارات الفرعون ومفاخره، وما قام به للآلهة الذين كانوا يؤازرونه وينصرونه في المواقع كلها"! !
هكذا - والله - يقول (المؤرخ الأستاذ المسلم)، وينسى أن تاريخ بني إسرائيل ختم بحادثة ضخمة زلزلت البلاد، وزلزلت عرش فرعون، وأثارت غضبه وكبرياءه، حتى خرج عن طوره، وحتى نسي وقار الملك، ولم يذكر إلا البطش والجبروت والطغيان. وقد قص الله علينا قصته في القرآن مرارًا كثيرة، بصور تضفي على هذا الحادث أكبر أهمية تهم البلاد وملكها، وتنفي نفيًا باتًّا قاطعًا ما ادعاه المؤلف العلامة! أن المؤرخ المصري في ذلك العهد لم يخطر بباله أن يسبغ عليها أهمية، وأنه "ربما كان لا يعرف عنها شيئًا" وأنه إذا كان يعرفها "فإنها كانت في نظره من الحوادث التافهة التي لا تستحق ذكرًا أو تدوينًا"!
وما أظن أن الأستاذ سليم بك يستطيع أن ينفي صحة ما ورد في القرآن، ولا أن يشكك نفسه ويشكك الناس في أنه كتاب أنزله الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
إذن فاقرؤوا قول الله سبحانه في سورة النازعات: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (16) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19) فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى (20) فَكَذَّبَ وَعَصَى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22) فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (25)} (1).
واقرؤوا قوله سبحانه يحكي جدال فرعون لموسى: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (25) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28) قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29)} (2). ثم ذكر اجتماع السحرة وغلبة موسى إياهم ثم إيمانهم به وتوعد فرعون إياهم بتقطيع الأيدي والأرجل وبالصلب، وثباتهم في وجهه على الإيمان، ثم قال سبحانه:{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55)} (3).
(1) النازعات: 15 - 25.
(2)
الشعراء: 23 - 29.
(3)
الشعراء: 52 - 55.
واقرؤوا في نحو هذه المواقف قول الله تعالى: {قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَامُوسَى (57) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (58) قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (60)} (1).
إلى أن غلب السحرة فآمنوا وتوعدهم فرعون، فلم يعبئوا بوعيده:{قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72)} (2).
يا سليم بك:
أفهذه حوادث تافهة في نظر المؤرخ المصري في ذلك العهد؟ أم هي من الحوادث التي لا يعرفها ذلك المؤرخ؟ أم هي من الحوادث التي إذا عرفها لم يسبغ عليها أهمية؟ ! ألا ترى أنك تستدل بدليل سلبيّ على نفي ما أثبته الله في القرآن؟ ! كل ما لديك أنه لم توجد أحجار من أحجار الوثنيين، أو كتابات مما يكتبون، تسرد هذه الأحداث الخطيرة التي هزَّت المُلْكَ وأخرجت المَلِكَ عن طوره، ثم أخرجتْه من هذه الحياة فأسلمتْه إلى مصيره، وأَوْرَدَتْه نارَ جهنم! وبينك وبين أولئك الناس آلافُ السنين، وأحداثُ الدهر. أفلا يمكن أن يكون (المؤرخ المصريّ الوثني) الذي تثق به ثقةً عمياء، كَتب هذه الأحداث مفصلةً أو مجملةً، ثم ضاعت فيما ضاع من آثارهم، بتكسير الأحجار، أو بحرق
(1) طه: 57 - 60.
(2)
طه: 72.
أوراق البَرْدِيّ؟ ! ثم أنتم لا تزالون تجدون من أحجارهم وكتاباتهم ما لم تعلموا. فما يُؤْمِنُك أن يوجد من قريب أو بعيد ما يسجل هذه الأحداث؟ فلا تكون قد أَفَدْتَ إلّا أن كَذَّبت القرآنَ، ثم كذّبتْك الأحجارُ والأوثان! ! ولا أزال أعتقد أنك أعقلُ من هذا.
وبعد: فإن الأستاذ سليم بك حسن كتب بعقب ما نقلناه عنه ما يكاد يفهم منه أنه لا يعتقد بنبوة موسى عليه السلام ولا رسالته، أو أنه لا يعرف هذه النبوة ولم يسمع بها، وأنا لا أجرؤ أن أتهمه بهذه التهمة الخطيرة، إني أخاف الله. ولكن ماذا أصنع وماذا يصنع القارئ في قوله (ص 107) ما مثاله حرفًا بحرف:
"وما ذكره لنا كتاب التوراة (1) عن إقامة بني إسرائيل في مصر ينحصر في العهدين اللذين شملا حياة كل من يوسف وموسى. وإذا كان موسى هو المؤلف لهذا التاريخ، كما يدّعي كل من الأستاذ نافيل والأستاذ سايس، فإنه من الطبيعي أن تكون محتويات هذا الكتاب كما هي"! !
ماذا أقوال في هذا الكلام؟ رجلان من (علماء! ) أوربة لا يؤمنان بالأديان، ولا يسلمان بأن هناك كتبًا منزلة من عند الله، يبحثان في تاريخ التوراة - كما يفهم من سياق ما نقل عنهما الأستاذ سليم بك - فيرجح لديهما أن هذه التوراة التي في أيديهم هي توراة موسى نفسه، لا كتابة أحد من بعده، فيزعمان أن موسى هو مؤلفها! ولكن الأستاذ
(1) يريد (مؤلف التوراة؛ وهو إسرائيلي المنبت) كما قال آنفًا.
سليم بك حسن المسلم، الذي يعرف من دينه ومن قرآنه أن الله أنزل التوراة على موسى، يتردد في أن هذا الكتاب الذي في أيدي الناس هو الأصل، أو هو كتاب آخر صنع من بعده؟ أما إذا رجح أنه ليس هو الأصل كما نرجح نحن لأدلة غير التي يعلمها، فموقفه أقرب إلى السلامة، وأما إذا رجّح أنه هو الأصل، أو احتمل أن يكون كذلك عنده، فإنه لا يجوز له - في دينه دين الإسلام - أن يعبّر بأن "موسى هو المؤلف لهذا التاريخ" حتى لو كان مقلدًا لغيره من علماء أوربة الملحدين، أيًّا كان العذر، وأيًّا كان السبب. وأظن أن هذا من الوضوح بحيث لا يكون موضع ريبة أو تردد أو تأويل.
ثم أما بعد مرةً أخرى: فإني لم أكن أريد لأُسْهب القولَ في هذا الموضوع، مخالفًا ما رسمتُ لنفسي في "كلمة الحق" أن تكون كلماتٍ موجزةً في دقة وإحكام، لولا أنْ رأيت كلام المؤلف هذا، وما فيه من تكذيب القرآن صراحة وضمنًا، بل ما فيه من سخرية واستهزاء بما أثبته القرآن بالنص الواضح الصريح! ! فإن المؤلف الأستاذ رضي لنفسه أن يُعَبِّر بعبارة نابية عن أضخم حادث وقع في تاريخ بني إسرائيل، بل في تاريخ مصر كله فيما نعلم، وعن أكبر معجزة لنبي الله "موسى" عليه السلام، فسماه "خرافة غرق الفرعون"! ! ثم تناسى كل ما ورد عن هذا الحدث العظيم في القرآن الكريم، وذكر آيةً واحدةً لعب بتفسيرها وتأويلها لعبًا لم يضرَّ به إلَّا نفسه؛ فإنه قفا ما ليس له به علم، فكشف عن ذات نفسه في معرفته بقرآنه ودينه.
وهذه الجرأة من المؤلف الأستاذ، تصويره غرق فرعون الثابت في القرآن بأنه "خرافة" هي التي دعتني للكتابة في هذا الموضوع، على كراهتي للجدال وإعراضي عنه، ولكني لم أستجز لنفسي أن أسكت على مثل هذا التهجم على القرآن، أيًّا كان كاتبه أو قائله.
والمؤلف الأستاذ يضطرب في هذا البحث ويتردد، فيثبت شيئًا ثم ينفيه، أو يشكك فيه! فإنك تراه يقول في (ص 114) بعد الذي نقلنا من قوله آنفًا في أن عليه أن يسعى في تفسير التفاصيل عن قصة بني إسرائيل على فرض أنها أسطورة -:"وعلى ذلك فإني بعيد عن القول بأن كل قصة الخروج خرافية. وقد أوضحت وأكدت بكل صراحة اعتقادي بأن القصة في مجموعها تعكس لنا صورة حادثة تاريخية معينة، وهي طرد الهكسوس من مصر"! وانظروا واعجبوا إلى قوله "اعتقادي"، كأن له اعتقادًا أو رأيًا ثابتًا! ! وهو الذي يقول قبل ذلك بقليل (ص 113):"على أن كل ما ذكرناه هنا عن تاريخ خروج بني إسرائيل ومكثهم في أرض مصر لا يرتكز على حقائق تاريخية تشفي الغُلة [يريد الحجارة والأوثان ونحوها] إذ على الرغم من كل ما استعرضناه في هذا الموضوع، فإن بعض علماء الآثار لا يزالون ينظرون إلى موضوع خروجهم وأنه حقيقة تاريخية تنطبق على بني إسرائيل - بعين الحذر والحيطة، ونخص من بينهم الأستاذ جاردنر" إلخ. فهو يريد أن يستقل بالرأي تارة، ويغلبه الضعف والتقليد في الموضوع نفسه تارة أخرى، فلا يستطيع أن يثبت على رأي واحدٍ! إلا أن يكون في "خرافة غرق فرعون"! فإنه كان شجاعًا ثابت الرأي،
لم يتردد في نفي هذا الغرق، وفي وصفه بأنه (خرافة)! ..
وسنسوق في هذه المسألة الخطيرة كلامه بالنص، على طوله وتهافته ليظهر مرماه واضحًا غير محتمل لتأويل أو تحريف، وقد ذكر المؤلف أسماء المدن والأماكن التي سار فيها بنو إسرائيل "كما ذكرت في التوراة"، ثم تناولها بالبحث "واحدًا فواحدًا على حسب ترتيبها الطبيعي"(ص 121 - 135) مما لا يهمنا بشيء؛ لأنه كله تخرص من غير دليل ولا حجة، وهو عندنا إلى البطلان أقرب منه إلى الصحة.
وتكلم أثناء ذلك (ص 127 - 128) في شأن (بحر سوف) فقال:
"بحر سوف (يام سوف، أو يمّ البوص): يعتقد كثير من الكتاب الذين تناولوا موضوع خروج بني إسرائيل، أن (بحر سوف) هذا هو البحر الأحمر، بيد أن الحقائق التاريخية والبحوث الحديثة تكشف عن غير ذلك، وسنتحدث هنا عن كل ذلك ببعض الاختصار. كتبت التوراة في الأصل باللغة العبرية، وفي خلال القرن الثالث قبل الميلاد أمر بطليموس الثالث - على ما يقال - بترجمة هذا الكتاب إلى اللغة الإغريقية، وهذه الترجمة تعرف بالترجمة السبعينية نسبة إلى الكهنة السبعين الذين ترجموها، ومما يؤسف له جدّ الأسف؛ أنه لم تصل إلينا نسخة واحدة من الأصل القديم الذي ترجم عنه، وأقدم نسخة لدينا بالعبرية يرجع عهدها إلى القرن العاشر الميلادي، وبالموازنة بين النسختين وجد أنه لم تحدث اختلافات كبيرة بين نسخة القرن الثالث قبل الميلاد المترجمة، ونسخة القرن العاشر بعد الميلاد. وحيثما
وُجدت فروق فإنها أتت عن طريق المترجمين الذين أرادوا أن يتصرفوا في ترجمتهم بدلًا من تتبع الترجمة الحرفية، ومن ذلك أنهم وضعوا بدلًا من عبارة (يام سوف)(بحر سوف) عبارة (البحر الأحمر) أو (بحر القلزم) ولا نزاع في أن هذا التغيير كان ذا أثر بين فيما كتبه أولئك الذين فحصوا هذا الموضوع، كما ظهر أثره كذلك في بحوث علماء الآثار الذين قاموا بأعمال الحفر في خرائب وادي طميلات"
…
ثم قال المؤلف (ص 134 - 136) في ختام خروج بني إسرائيل:
(اليوم الرابع: وكان موسى حذرًا؛ لأنه على الرغم من أنه قد حصل على إذن من فرعون بالخروج من البلاد مع أتباعه، كان يخاف أن يغير رأيه، ولذلك سلك طريقًا غير الطرق المعتادة، فلم يأخذ طريق الفلسطينيين على الرغم من أنها كانت قريبة كما شرحنا ذلك من قبل. وعلى الرغم من حذره فإن الفرعون غيّر رأيه فعلًا وتبع موسى وقومه في ستمائة عربة من خيرة عرباته يسوقها نخبة من فرسانه، وقد لحق المصريون بالإسرائيليين في معسكرهم بالقرب من (يام سوف) ومعناها العبري حرفيًّا (بحيرة البوص). واليم بالعربية: البحر، وخُصَّ بنيل مصر كما جاء في لسان العرب ج 5 ص 104 (ويمكن الإنسان أن يراها على المصور) وتشغل منخفضًا قد بقي حتى الآن تحت مستوى البحر، وقد كتب عليه في مصور المساحة المصرية: يمكن ملؤه بالماء إذا احتاج الأمر، أي أنه إذا عمل قطع في الشاطئ الشرقي من قناة السويس، فإن ماء البحر يملؤه. وقد منعت قناة
السويس مياه مصرف بحر البقر القديم من إمداده بمياه النيل مما منع نمو البوص فيه. ويمكن أن يؤخذ منه الملح كما كانت الحال أيام الكاتب (بيبسا). وقد أصبح موسى بهذا الموقف في مأزق حرج، فقد كانت بحيرة البوص على يمينه، وحصن مجدول بما فيه من حامية أمامَه، سادًّا الطريق من جهة الشمال، وعلى يساره مستنقعات فرع النيل البلوزي، وخلفه الفرعون وجنوده، فلم يكن لديه أي وسيلة غير طلب العون والرحمة من الله، وقد نالهما، وأشار بعصاه نحو البحيرة على يمينه، ثم أرسل اللهُ ريحًا شرقيةً، وقد جاء في التوراة أنها ريحٌ شرقية عاتية ظلت تهب طول الليل، وهذه هي المعجزة، فكان الريح يهب في الاتجاه الصحيح في الوقت المناسب وكان هبوبه شديدًا حتى جفف الأرض، وبذلك سار موسى وقومه على اليابس:"ومد موسى يده على البحر فأرسل الربّ على البحر ريحًا شرقيةً شديدة طول الليل حتى جعل البحر جفافًا وانشق الماء"(راجع الخروج 14 - 21)(1) ولا يزال منسوب الماء حتى الآن متأثرًا بدرجة عظيمة بالريح في بحيرة المنزلة والبرلس، ويلاحظ أن الطريق من بلطيم حتى برج البرلس تُغَطَّى بالماء عندما يَهُبُّ الهواءُ غربًا ثم تصبح جافة عندما يهب الهواء من الشرق ويمكن الإنسان أن يسير عليها بالعربة (2) ".
(1) يريد (سفر الخروج) مما يسمونه (التوراة) أو (العهد القديم).
(2)
يلاحظ هنا أن المؤلف لم يستطع أن يصبر على ما جعله (المعجزة لموسى)، =
ثم كشف المؤلف عن ذات نفسه فقال بعقب ذلك:
"أما موضوع غرق فرعون فهو أمر قد فهم خطأ على حسب ما جاء في الكتب السماوية (1)، والواقع أنه لا يمكن الإنسان أن يتصور غرق الفرعون وعربته ومن معه في ماء ضحضاح لا يزيد عمقه على قدمين أو ثلاثة. بل المعقول أن خيل الفرعون وعرباته قد صاخت في الأوحال وسقط بعض ركابها مغشيًّا عليه، وهذا يفسر ما جاء في سفر الخروج 14 - 25: "وخلع دواليب المراكب فساقوها بمشقة" ومما سبق نعلم أن خرافة غرق الفرعون في البحر الأحمر وموته لا أساس لها من الصحة، وقد جاء كل ذلك الخلط من ترجمة (يام سوف) "بالبحر الأحمر أو ببحر القلزم" هذا فضلًا عن أن ما جاء في القرآن
= وهو هبوب الريح (في الاتجاه الصحيح في الوقت المناسب) فيكاد ينكره أيضًا، ويجعله شيئًا طبيعيًّا معتادًا ويكاد يجعل الإعجاز أن دعاء موسى صادف الوقت المناسب فقط، فسواء أدعا أم لم يدع فإن هذا هو الشيء المتوقع الذي سيكون في ذلك الوقت وهي خطة لم ينفرد بها المؤلف ولم يخترعها بل كل الذين لا يؤمنون بالغيب وبالمعجزات، الذين يرونها شيئًا محالًا يخالف سنن الكون، يتأولون معجزات الأنبياء السابقين الثابتة في القرآن على النحو الذي توافق به السنن الطبيعية، حتى تخرج عن معنى الإعجاز، إلى الشيء الطبيعي المعتاد، خشية أن يهزأ بهم الأوربيون، فيروهم متأخرين جامدين يؤمنون بما لا يوافق عقولهم.
(1)
هذا تعبير ملتو، عجيب في التوراة فما نكاد نفهم: أيريد المؤلف أن الناس قد فهمته خطأ في الكتب السماوية، حتى لو كانت صريحة اللفظ، أم يريد أن الكتب السماوية هي التي فهمته خطأ لا ندري، والكلام بين يدي القارئ، فليفهم وليحكم، ثم الله يحكم ويعلم وهو أحكم الحاكمين.
لا يشعر بأن الفرعون الذي عاصر موسى قد غرق ومات، بل على العكس نجاه الله ببدنه ليكون آية للناس على قدرة الخالق. والتعبير:{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ} يعادل التعبير العامي "خلص بجلده" هذا ويلاحظ أن كلمة "البحر" في اللغة العربية كما جاء في لسان العرب ج 5 ص 103 "تطلق على الماء المالح والعذب على السواء" وقد سبق أن قلنا أن اليم يطلق على النيل، وعلى ذلك يمكن فهم الآية القرآنية التي جمعت القصة كلها في اختصار رائع على حسب ما ذكرنا من إيضاحات وبراهين سابقة:{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)} (1).
فأنت ترى - أيها القارئ الكريم - أن المؤلف الأستاذ سليم حسن أحال أن يتصور الإنسان غرق الفرعون وعربته ومن معه في ماء لا يزيد عمقه على قدمين أو ثلاثة، وأنه جزم بأن "خرافة غرقه وموته لا أساس لها من الصحة" ولقد كذَب على القرآن وافترى في قوله:"إن ما جاء في القرآن لا يشعر بأن الفرعون الذي عاصر موسى قد غرق ومات"، وأقولها صريحة وواضحة غير متردِّد ولا متأول، أنه "كذب وافترى على القرآن"، وأنا مسؤول عما أقول وأحمل تبعته أمام
(1) يونس: 90 - 92.
المؤلف، وأمام العالم كله، وأمام أية جهة شاء أن يحتكم إليها، وأنا أعرف ما أقول، وأقصد إلى معناه بالدقة، وأعرف كيف أقيم الدليل القاطع من القرآن على صحته، وأنه أضاف إلى جريمة الكذب والافتراء على القرآن، جريمة التلاعب بألفاظه وتفسيره تفسيرًا، لا أقول إنه خطأ، بل أقول: إنه نزول به - والعياذ بالله - إلى أحقر المعاني العامية المبتذلة، بجعل قول الله سبحانه:{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ} . يعادل التعبير العامي: "خلص بجلده"، ثم في إشارته إلى أن الآية التي أشار إليها الله سبحانه في قوله:{لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} . بأن الله نجاه ببدنه "ليكون آية للناس على قدرة الخالق"! ! .
وليت شعري: أين الآية والمعجزة في نجاة فرعون وجنده كلهم من ماء ضحضاح لا يزيد عمقه على قدمين أو ثلاثة؟ ! وماذا في هذا من الدلالة على قدرة الخالق؟ ! إلا أن يريد المؤلف السخرية بعقول الناس! !
وقبل أن أسوق الأدلة على كذب المؤلف على القرآن وافترائه، أحب أن أسأله سؤالًا واحدًا واضحًا، وأحب أن يجيبَ جوابًا واضحًا، لا يلتوي فيه ولا يتأول ولا يجادل، إذْ هو - أعني السؤال - بطبيعته لا يصلح موضعًا للجدال. وهو:
إنك ذكرتَ في (ص 127 - 128) أن التوراة كُتبت في الأصل بالعبرية، وذكرتَ ما شئتَ عن ترجمتها، وأن المترجمين "وضعوا بدلًا من عبارة "يام سوف" (بحر سوف) عبارة "البحر الأحمر" أو
"بحر القلزم" وجعلتَ في أول ذلك الكلام أن كلمة (يام سوف) توازي "يمّ البوص". والقرآن الكريم لم يذكر في قصة غرق فرعون "البحر الأحمر"، ولا "بحر القلزم"، ولكنه ذكر كلمتي "اليمّ" و"البحر"، فهل تريد بهذه الإشارات الملتوية إيهام الناس أن القرآن نُقِل عن التوراة التي حرف المترجمون ترجمتها؟ !
لا مناص لك من أن تجيب، ولن أدع لك فرصة للحيدة أو التخلف، فسأرسل لك نسخة من هذا المقال بالبريد المسجَّل، وسأودع لك منه نسخة أخرى في المكتبة التي أعاملها وتعاملها، حتى لا يكون هناك شك في وصوله إليك. ثم نرى ماذا أنت قائل؟
وسأقرأ جوابك عن سؤالي، وردَّك - إن رددت - على مقالي وسأنشره كاملًا إذا أرسلته إليَّ بعنوان هذه المجلة (الهدي النبوي 8 شارع قولة بعابدين) وأرجو أن تثق بأني لن أغضب من شيء مما ستقول، وإني سأقرّ الحق إن أظهرتني على خطأ في مقالي وسأشيد بك إن أقررتَ بخطئك ورجعتَ. وإن أبيتَ وسكتَّ فهذا شأنك وهذا حسبي، هدانا الله وإياك.
ثم نعود إلى ما نحن بصدده. فها هي ذي آيات القرآن الكريم الواردة في غرق فرعون، ليقرأْها المؤلف الأستاذ سليم حسن وليقرأْها الناس، ليرى ويَرَوْا مقدار ما جنى فيما كتب، حتى يحدّد موقفه من ربه يوم الحساب، وموقفه من دينه، وموقفه من العقول السليمة:
قال الله تعالى مخاطبًا بني إسرائيل: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ
فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50)} (1).
وقال: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَامُوسَى مَسْحُورًا (101) قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102) فَأَرَادَ أَنْ
(1) البقرة: 50.
(2)
الأعراف: 134 - 136
(3)
الأنفال: 54.
(4)
يونس: 90 - 92.
يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103)} (1)
وقال: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) فَلَمَّا
(1) الإسراء: 101 - 103.
(2)
طه: 77 - 79.
(3)
الشعراء: 52 - 66.
(4)
القصص: 39 - 40.
آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ (56)} (1).
وقال في دعاء موسى: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (22) فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (24)} (2).
أفبعد هذه الآيات البينات يجوز للمسلم مهما يكن مبلغه من العلم أو الجهل، أن يدعي أن غرق فرعون "قد فهم خطأ على حسب ما جاء في الكتب السماوية".
وأنه "خرافة لا أساس لها من الصحة"؟ !
أَوَلَا يكون كاذبًا مفتريًا على القرآن من يدعي مع هذه النصوص الواضحة الصريحة في "أن ما جاء في القرآن الكريم لا يشعر بأن الفرعون الذي عاصر موسى قد غرق ومات"؟ !
أيستطيع الأستاذ سليم حسن، أو أي شخص أجرأ منه ممن ينتسب إلى الإسلام أن يقرأ قول الله تعالى:{فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63)} [الشعراء: 63]. وقوله تعالى: {ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66)} [الشعراء: 66]. ثم يجني عليه لسانه
(1) الزخرف: 54 - 56.
(2)
الدخان: 22 - 24.
(3)
الذاريات: 38 - 40.
فيزعم أن (الواقع أنه لا يمكن الإنسان أن يتصور غرق الفرعون وعربته ومن معه في ماء ضحضاح لا يزيد عمقه على قدمين أو ثلاث"؟ ! أفيحسن في العقول، حتى عقول علماء الآثار - أن يكون "كل فرق" من الماء، أي كل جزء منفصل منه عن الآخر، "كالطود العظيم" أي كالجبل العظيم المرتفع إلى السماء، في ماء "لا يزيد عمقه على قدمين أو ثلاثة"؟ ! أم هي كلمة يقولها القائل (لا يرى بها بأسًا فتهوي به سبعين خريفًا في النار؟ ! (1).
وماذا هو قائل في قول الله سبحانه: {فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا} . وفي قوله: {فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} . بهذا التوكيد الشديد، الدال على أن فرعون وجنده هلكوا جميعًا غرقى لم ينج منهم أحد؟ أيستقيم معه لرجل يعقل دينه، ويؤمن بربه، وبأن هذا القرآن أنزله الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن يشك فيه، فضلًا على أن يجعله مما لا يمكن الإنسان تصوره؟ ! .
إن أحسن حالات المؤلف الأستاذ أن يدعي أو يدعي له أحد من الناس أنه لم يقرأ هذه الآيات ولم يسمع بها! ! ولا يعذر مسلم يجهل مثل هذا من دينه وقرآنه، فضلًا عن رجل قارئ مطلع مثل الأستاذ سليم حسن! وأنا أعرف أن لديه مكتبة حافلة بالكتب والمراجع، وما أظنها تخلو عن مصحف ولو من طبعة المستشرق فلوجل! التي معها فهرس أبجدي لمفردات القرآن. إن خفي عليه هذه الآيات من
(1) إشارة إلى حديث صحيح رواه الترمذي، وابن ماجه، والحاكم، ورواه البخاري ومسلم أيضًا بنحو معناه.
القرآن، إنَّ شأنه لعجب! !
أيها الأستاذ المؤلف سليم بك حسن:
ارجعْ إلى ربك، واقبل موعظة رجل مخلص، لا يريد إلا أن يبصَّرك موقع قدميك إذا ما تقدمت إلى ربك يوم القيامة، ولا تأخذك العزَّة إذا قيل لك:(اتق الله). فالأمر جد لا هزل، واعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال:"وهل يَكُبُّ الناسَ في النارِ على وجوهِهِم إلَّا حصائدُ ألسنتِهم"(1).
* * *
تَمَّ الجزءُ الأوَّلُ من جمهرة مقالات الشيخ أحمد شاكر
ويليه إن شاء الله الجزء الثاني، وبه تمام المقالات
والحَمْدُ للَّهِ حَقَّ حَمْدِهِ
(1) حديث صحيح، رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي:"حديث حسن صحيح".