المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أي نعم: في التأني السلامة - جمهرة مقالات أحمد شاكر - جـ ١

[أحمد شاكر]

فهرس الكتاب

- ‌الإِهْدَاءُ

- ‌طلائع الجَمْهَرة

- ‌العلّامة أحمد محمد شاكرحياته الشخصيّة ومسيرته العلميّة

- ‌المبحث الأول: اسمه ونسبه وولادته وأسرته

- ‌إلماعة عَجْلى عن أسرة أحمد شاكر

- ‌المبحث الثاني: حياته ورحلاته وصلاته

- ‌رحلاته:

- ‌صلاته وصداقاته:

- ‌1 - مصطفى صادق الرافعي:

- ‌2 - محمد خميس هيبة:

- ‌3 - الدكتور زكي مبارك

- ‌4 - الشيخ محمد نور الحسن، والشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد:

- ‌5 - لويس سركيس:

- ‌6 - السيد محمد السنوسي الأنصاري:

- ‌7 - الشيخ محمد نصيف:

- ‌8 - الشيخ محمد حامد الفقي:

- ‌9 - عبد العزيز الميمني:

- ‌10 - عبد الوهاب عزام:

- ‌11 - عبد السلام هارون

- ‌12 - السيد أحمد صقر

- ‌13 - الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي:

- ‌14 - الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي

- ‌15 - أبو السمح:

- ‌16 - محمد أفندي محمد عبد اللطيف:

- ‌17 - أحمد علي الطاهر:

- ‌18 - أحمد أمين:

- ‌19 - فوزان السابق:

- ‌20 - عبد الله المراغي:

- ‌21 - الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي:

- ‌22 - الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة:

- ‌23 - أبو محمد عبد الحق بن عبد الواحد الهاشمي

- ‌24 - محب الدين الخطيب

- ‌25 - عبد الرحمن الكواكبي:

- ‌26 - محمد أحمد الغمراوي:

- ‌27 - محيي الدين رضا:

- ‌28 - محمد عبد الله دراز:

- ‌المبحث الثالث: شيوخه وأساتيذه

- ‌ الشيوخ والأساتذة

- ‌1 - الشيخ عبد السلام الفقي:

- ‌2 - الشيخ محمود أبو دقيقة:

- ‌3 - الشيخ محمد شاكر:

- ‌4 - الشيخ محمد مصطفى المراغي

- ‌5 - الشيخ إبراهيم الجبالي

- ‌6 - الشيخ عبد الستار بن عبد الوهاب الدهلوي

- ‌7 - العلّامة عبد الله بن إدريس السنوسي

- ‌8 - الشيخ محمد بن الأمين الشنقيطي

- ‌9 - الشيخ أحمد بن الشمس الشنقيطي

- ‌10 - العلّامة طاهر الجزائري

- ‌11 - الشيخ جمال الدين القاسمي

- ‌12 - أبو الوفاء بن أحمد بن شرقاوي

- ‌13 - الشيخ محمد رشيد رضا:

- ‌14 - الشيخ بسيوني بن بسيوني بن حسن عسل:

- ‌15 - الشيخ عبد الوهاب النجار:

- ‌16 - الأستاذ علي الجارم:

- ‌17 - الشيخ عبد الحيّ الكَتَّاني:

- ‌18 - الدكتور منصور فهمي:

- ‌تلاميذه:

- ‌المبحث الرابع:‌‌ مذهبه الفقهيوعقيدته

- ‌ مذهبه الفقهي

- ‌ عقيدته:

- ‌المبحث الخامس: آثاره العلمية

- ‌أولًا: آثار الشيخ في القرآن وعلومه:

- ‌1 - تفسير الطبري المسمى (جامع البيان عن تأويل آي القرآن):

- ‌2 - عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير:

- ‌3 - تفسير الجلالين: جلال الدين المحلي وجلال الدين السيوطي:

- ‌4 - جامع البيان في تفسير القرآن:

- ‌5 - هداية المستفيد في أحكام التجويد للشيخ أبي ريمة:

- ‌6 - منجد المقرئين ومرشد الطالبين للإمام محمد بن محمد الجزري:

- ‌ثانيًا: آثار الشيخ في الحديث وعلومه

- ‌1 - المسند للإمام أحمد بن حنبل

- ‌2 - جامع الترمذي:

- ‌3 - صحيح ابن حبان:

- ‌4 - مختصر سنن أبي داود للحافظ المنذري مع معالم السنن لأبي سليمان الخطابي وتهذيب الإمام ابن قيم الجوزية:

- ‌5 - صحيح البخاري بشرح الكرماني:

- ‌6 - الأربعون النووية:

- ‌7 - السمع والطاعة:

- ‌8 - العمدة في الأحكام:

- ‌9 - أربع رسائل حقق فيها ثمانية أحاديث من جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي:

- ‌10 - حكام الأحكام شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد:

- ‌11 - نزهة النظر شرح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر العسقلاني:

- ‌12 - الخراج ليحيى بن آدم القرشي:

- ‌13 - شرح ألفية السيوطي في علم الحديث:

- ‌15 - الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث:

- ‌16 - ضبط وتصحيح ألفية العراقي:

- ‌17 - خصائص مسند الإمام أحمد للإمام أبي موسى المديني

- ‌18 - المصعد الأحمد في ختم مسند الإمام أحمد لابن الجزري:

- ‌19 - التحقيق في أحاديث الخلاف لابن الجوزي:

- ‌ثالثًا: ما يتعلق بالفقه وأصوله:

- ‌1 - المحلي لابن حزم:

- ‌2 - الروض المربع للبهوتي بشرح زاد المستنقع لأبي النجا الحجاوي:

- ‌3 - أخصر المختصرات في فقه الإمام أحمد:

- ‌4 - مختصر المقنع في فقه الإمام أحمد للحجاوي:

- ‌5 - الرسالة للإمام الشافعي:

- ‌6 - جماع العلم للشافعي:

- ‌7 - الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم:

- ‌8 - قواعد الأصول ومعاقد الفصول (مختصر تحقيق الأمل في علمي الأصول والجدل) لصفي الدين عبد المؤمن الحنبلي:

- ‌9 - نظام الطلاق في الإسلام

- ‌10 - كلمة الفصل في قتل مدمن الخمر:

- ‌11 - رسالة في شروط الصلاة لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب:

- ‌12 - أوائل الشهور العربية هل يجوز شرعًا إثباتها بالحساب الفلكي

- ‌13 - الروضة الندية شرح الدرر البهية للعلامة صديق حسن خان:

- ‌14 - المسح على الجوربين للعلامة محمد جمال الدين القاسمي:

- ‌15 - مذكرة في قضية الوارثين الشرعيين المحرومين من حقوقهم في أوقاف أهليهم مؤيدة بفتوى الإمام محمد بن عبد الوهاب:

- ‌16 - أبحاث في أحكام (فقه وقضاء وقانون):

- ‌رابعًا: ما يتعلق بالعقيدة:

- ‌1 - كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد لشيخ الإِسلام محمد بن عبد الوهاب:

- ‌2 - الأصول الثلاثة وأدلتها لشيخ الإِسلام محمد بن عبد الوهاب:

- ‌3 - القواعد الأربع لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب:

- ‌4 - العقيدة الواسطية لشيخ الإِسلام ابن تيمية

- ‌5 - المناظرة في العقيدة الواسطية بين شيخ الإسلام ابن تيمية وعلماء عصره

- ‌6 - لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد للإمام ابن قدامه المقدسي:

- ‌7 - التدمرية لشيخ الإِسلام ابن تيمية:

- ‌8 - الفتوى الحموية الكبرى لشيخ الإِسلام ابن تيمية

- ‌9 - عقيدة أهل السنة والجماعة للحافظ أبي الفرج بن الجوزي

- ‌10 - شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي

- ‌11 - الكتاب والسنة يجب أن يكونا مصدر القوانين في مصر

- ‌خامسًا: ما يتعلق بالأدب واللغة:

- ‌1 - الشعر والشعراء لابن قتيبة:

- ‌2 - إصلاح المنطق لابن السكيت

- ‌3 - كتاب المفضليات للمفضل الضبي:

- ‌4 - الأصمعيات للأصمعي:

- ‌5 - لباب الآداب للأمير أسامة بن منقذ:

- ‌6 - المعرّب للجواليقي:

- ‌7 - الكامل في اللغة والأدب للمبرد:

- ‌سادسًا: ما يتعلق بالسير والتراجم:

- ‌1 - جوامع السيرة لابن حزم:

- ‌2 - ترجمة الإمام أحمد من تاريخ الإسلام للذهبي:

- ‌3 - ترجمته لوالده الشيخ محمد شاكر

- ‌سابعًا: ما يتعلق بالأنساب:

- ‌1 - جمهرة أنساب العرب لابن حزم:

- ‌2 - نسب قريش للمصعب الزبيري:

- ‌ثامنًا: ما يتعلق بالردود العلميّة والمقالات الصحفية:

- ‌1 - الشرع واللغة:

- ‌2 - بيني وبين الشيخ حامد الفقي:

- ‌3 - تعليقات في أبحاث دقيقة على دائرة المعارف الإسلامية:

- ‌4 - مقالات أحمد شاكر في الصحف والمجلات:

- ‌تحقيق التراث

- ‌النسخة اليونينية من صحيح البخاري

- ‌التقي اليونيني الكبير وأولاده:

- ‌الحافظ شرف الدين اليونيني:

- ‌النسخةُ اليُونينيَّةُ:

- ‌الطبعة السلطانية:

- ‌نسختي الخاصة من الطبعة السلطانية:

- ‌تصحيح الكتب

- ‌سير أعلام النبلاء - ترجمة عائشة أم المؤمنين

- ‌مقدمة الرسالة للإمام الشافعي

- ‌التحقيق لابن الجوزي

- ‌(وصف النسخة):

- ‌(وصف الكتاب):

- ‌التعريف بالكتب

- ‌تفسير القرآن الحكيم

- ‌قصص القرآن

- ‌المذاهب الإسلامية في تفسير القرآن

- ‌ثمار المقاصد في ذكر المساجد (*) ليوسف بن عبد الهادي

- ‌لمحة من سيرة الملك عبد العزيز

- ‌نقد الكتب والمقالات

- ‌أي نعم: في التأني السلامة

- ‌كلمة

- ‌الانتقاد على المنار وتفسيره

- ‌ديوان أبي فراس الحمداني

- ‌الفتح المبين في طبقات الأصوليين

- ‌نِحَل عبر النَّحْل

- ‌مقتل مالك بن نويرة وموقف خالد بن الوليد

- ‌أسامة بن منقذ

- ‌الخطيب البغدادي

- ‌دراسات عن مقدمة ابن خلدون

- ‌عصر النبي عليه السلام وبيئته قبل البعثة

- ‌فقه القرآن والسنة

- ‌باب المراسلة والمناظرة

- ‌تَحْقِيقُ سِنِّ عَائِشَة

- ‌صَدَى النقد

- ‌تصحيح القاموس

- ‌ابن محيصن

- ‌بين أحمد شاكر وحامد الفقي

- ‌بيني وبين الشيخ حامد الفقي

- ‌حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ محمد حامد الفقي رئيس جماعة أنصار السنة ورئيس تحرير مجلة (الهدي النبوي)

- ‌أبرأ إلى الله من سوء الظن بشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ورضي عنه

- ‌التعقيب على مقاله

- ‌بيني وبين أخي الشيخ أحمد شاكر

- ‌تعقيب لفضيلة الشيخ أحمد محمد شاكر

- ‌الدفاع عن الحق

- ‌كلمة الحق

- ‌صُحُف الهِلَال والدّعَاية ضِد الإسلام

- ‌عبد العزيز فهمي باشا وعداؤه للعربية

- ‌الإيمانُ قَيْدُ الفَتْكِ

- ‌على الطريقة الأمريكية

- ‌ خمارة حقيقية

- ‌حضور المسلمين الصلاة في الكنائس

- ‌خطاب مفتوح إلى شيخ الأزهر

- ‌خواطر

- ‌1 - في التعليم

- ‌2 - في المحاضرة الحمقاء

- ‌3 - في الأعراض

- ‌4 - لصوص الثياب

- ‌5 - هل في شعائر الإسلام وثنية

- ‌6 - بحث في تاريخ السيد البدوي

- ‌7 - مقاطعة الملحدين

- ‌8 - الكشف الطبي على راغبي الزواج

- ‌9 - تعليم الدين في المدارس

- ‌10 - الجامعة المصرية

- ‌جرأة عجيبة على تكذيب القرآن

الفصل: ‌أي نعم: في التأني السلامة

‌أي نعم: في التأني السلامة

(*)

بهذا العنوان نشرت جريدة (الوفد المصري) مقالًا للأستاذ المحدث الشيخ أحمد محمد شاكر يرد على كلمة الأستاذ العقاد التي نشرها في مجلة الرسالة بعنوان (في التأني السلامة) ردًا - زعم - على نقد الأستاذ الشيخ شاكر لكلمة جانبت الصواب، وتجافت عن الحق في موضع من مواضع كتابه (الصديقة بنت الصديق) وهذا النقد نشرناه في العدد الماضي من (الهدي النبوي) وها نحن أولاء نطرف القراء بهذا المقال القيم، حتى يعرفوا الفرق بين تهور الباطل، ورزانة الحق.

ولقد قدمت جريدة الوفد لهذا المقال العلمي النفيس بتقدمة بارعة جاء فيها:

(ونحن يسرنا أن ننشر هذا النقد القويم، ويسرنا أن يتصدى لذلك أستاذ محقق له علمه ورأيه مثل الأستاذ أحمد محمد شاكر؛ لأن المسألة ليست مسألة العقاد وما يكتب، بل ليست مسألة أشخاص الذين كتب عنهم في حدودهم الذاتية، ولكنها مسألة تاريخ حافل طويل، وما يتصل به من تشريع للناس، وقدوة يأخذون أنفسهم بها، وتحقيق فرغ له الثقات من العلماء والمحققين).

كتبتُ كلمة للأخ الأديب الأستاذ (قاف) نقدًا لخبر حكاه الكاتب الجريء، الأستاذ عباس العقاد في بعض كتبه، ونقدت طريقه وطريق

(*) مجلة الهدي النبوي، السنة الثامنة، العدد 3، ربيع الأول 1363، ومجلة الثقافة، العدد 267، 8/ 2/ 1944.

ص: 195

أمثاله، في الجرأة على السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي بالإثبات والنفي من غير دليل ولا حجة، إلا ما يرضي آراءهم. ونشر الأستاذ (قاف) كلمتي في العدد 264 من الثقافة وعلق عليها برأيه فيما نقدت، فثارت ثائرة الكاتب الجريء وكتب مقالًا طويلًا في العدد 551 من الرسالة، يدعي فيه أن الحقد عليه هو دافعي إلى النقد، وأني تتبعت كتبه التي نشرها في العبقريات فلم أجد إلَّا هذه الغلطة الواحدة (وإن كان لا يسلِّم بأنها غلطة) ثم فخر فخرًا عجيبًا بما حكم على الروايات الصحيحة من الكذب أو الخطأ، في أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة وهي بنت ستة سنين، وبنى بها وهي بنت تسع سنين، فَكذّب عائشة أو خطأها فيما حكت عن نفسها، مما ثبت عنها بالأسانيد الصحاح، التي ادعى أننا نجهل ما وراءها "من الزور الأثيم والبهتان المبين"، ثم ملأ مقاله بعد بما نعرض عنه، بل نعفو ونصفح، وأحب أن يعلم (الأستاذ عباس محمود العقاد) أن (أحمد محمد شاكر) لا يحمل في قلبه ضغنا ولا حقدًا على أحد من الناس، كائنًا من كان، صغر أو كبر، وأنه جرى على الطريقة التي نعيبها عليه وعلى أمثاله من الجرأة في الاستنباط من غير حجة ولا دليل؛ إذ ادعى أن كلمتي تشهد عليَّ وعلى طويتي وبواعث نقدي، وأن ما نقله منها كاف للدلالة على دخائل الصدور وكوامن النيات، فبهتني بما لا دليل عليه في شيء من كلمي، وبما ليس من سجيتي وخلقي، وسواء عليَّ بعد ذلك أرَضي أم سخط، آمن أم لم يؤمن، وإنما أنا رجل أكتب في العلم، وأجتهد في البحث لله وفي سبيل الله.

ص: 196

ومهما يقل أو يفعل فما هو بمستطيع أن يثير حفيظتي عليه أو أن يخرجني عن جبلتي، وعما رسمت لنفسي من حدود.

وليعلم - غير معلم - أن المطبعة العربية تخرج للقراء من الكتب والكتابة ما يعجز أسرع القارئين، وإنا نقرأ الكثير منه، إن لم يكن أكثره، وإنا لو شئنا أن ننقد مواضع النقد فيما نقرأ لنفد العمر قبل أن ينفد النقد، وإنا قرأنا ما كتب في العبقريات ولم نرض عنه كله، ولم نسخط عليه كله، وإنا رأينا له أغاليط، وأعاجيب، لعلنا لم ننشط إلى تتبعها عليه، وقد نفعل إن شاء الله. ولكنني أحب أن يثق بأن ما وصفته به إجمالًا عن خطته في البحث حق كله: أعجبه رأيي أو لم يعجبه.

وبعد؛ فسنعود إلى ما نحن بسبيله من البحث العلمي في القصة التي روى، والشعر الذي نسب إلى عروة وإلى المصدر الذي أشار إليه في رده؛ ليعرف مبلغ ما في قوله وروايته من قوة وضعف، ومن صحة وبطلان، ولنظهر على ما في كتبه من طرق البحث والتحري والتوثق، حتى يقدرها الناس قدرها.

فقد روى الكاتب الجريء هذه القصة ثلاثة مرات، نحكيها عنه بلفظها أولًا، ثم نذكر المصدر الذي أشار إليه، ثم ما رأينا في مصادر أُخر.

قال في كتاب (عبقرية الصديق) ص 209 - 210 ما نصه بغلطه:

(فمن ذلك أنه كان عليه السلام يصلح نعله في يوم قائظ، فتندى جبينه، وتحدر العرق على خده، وهي تلحظه من قريب، وكان بها وجدًا عليه، فسألها:"ماذا دهاك؟ " فقالت: لو رآك الشاعر

ص: 197

لكنت المعنيّ بقوله يا رسول الله. فعاد يسألها: "أي قوله؟ "

فأجابت: حين يقول:

فلو سمعوا في مصر أوصاف خده

لما بذلوا في سور يوسف من نقد

لوامى زليخا لو رأين جبينه

لآثرن بالقطع القلوب على الأيدي

فقام النبي إليها يقبل ما بين عينيها ويقول لها: "سررتني يا عائشة سرك الله".

وأعترف للأستاذ العقاد وللقارئين الكرام أني قرأتها في ذلك الكتاب عقيب صدوره، فلم ألق لنقدها بالًا وإن وقع في نفسي إذ ذاك أنها تشبه ما نقرأ من الأحاديث الموضوعة، بما يدركه عقل رجل اشتغل بعلوم الحديث أكثر من ثلاثين سنة، وصارت له فيها فطرة خاصة، وملكة غالبة، يفقهها أهل العلم.

ثم رأيته أعادها بشكل آخر في كتابه (الصديقة) ص 52 - 53 فقال:

(وكانت - يعني عائشة - تحفظ من شعر عروة بن الزبير نفسه، وتسوق الشاهد منه في موقعه، كما قالت وهي ترى النبي عليه السلام تندى عرقًا في يوم قائظ، وقد جلس يصلح نعله: لو رآك عروة لكنت المعنيَّ بقوله: (وذكر البيتين) ولكنه ذكر في الأول كلمة (سوم) على الصواب بدل كلمة (سور) التي هي خطأ مطبعي واضح، وذكر في البيت الثاني كلمة (لواحي) بدل (لوامى)، ولست أدري أيتهما في روايته أصل، وأيتهما تحريف، ثم عاد إليها في الكتاب

ص: 198

نفسه ص 71 فقال: (وتقدم أنها رأته في يوم قائظ وقد توهج خده، فقالت تتمثل بكلام عروة بن الزبير) وأعاد البيتين. فحين قرأت هذا مع ذكر عروة لفت نظري الخطأ الواضح البديهي، إذ لا يجهل أحد ممن يعرف رواة الحديث أن عروة بن الزبير من التابعين، وليس من الصحابة، فمن المحال عقلًا أن يكون له شعر في حياة رسول الله تنشده إياه عائشة إذ لم يكن وجد بعد، سواء أصحت نسبة الشعر إليه أم بطلت، فبحثت وحققت ثم كتبت نقدي.

وأعترف للأستاذ العقاد مرة أخرى أني لم أُراجع (شرح الشمائل للعلامة محمد بن قاسم جسوس) حينذاك؛ لأني أسقطته من حسابي دائمًا في المراجعة، وأعرف قيمته العلمية، ولكني راجعت فيما راجعت (شرح الشمائل) للعالم المحدث الحقيقي العلامة (ملا علي القاري).

ولرجوعي إلى هذا المصدر الذي طار به الأستاذ فرحًا قصة صغيرة: ففي يوم الجمعة 21 يناير 1944 زارني الأخ محمد أفندي فؤاد عبد الباقي، وفيما جرى بيننا من الحديث سألني عن شروح (سنن الترمذي)، فذكرت له ما حضرني منها: شرح ابن سيد الناس الذي أتمه العراقي، ولم يطبع، وشرح القاضي أبي بكر بن العربي، وقد طبع بمصر، وشرح العلامة المباركفوري، وقد طبع بالهند - وهما عندي ومن مراجعي والحمد لله - ثم شرحي أنا على قسم منه، وقد طبع منه جزآن يعرفهما الأخ محمد أفندي فؤاد، فأعاد إليَّ القول؛ أنه سُئل عن شرح آخر معين اسمه (الجاسوس)، فضحكت

ص: 199

وفهمت ما يريد، وأخبرته أنه لا يسمى (الجاسوس) وإنما هو (جسوس)، وأنه ليس شرحًا على سنن الترمذي، وإنما هو شرح على (شمائل الترمذي)، ثم فهمت منه أنه سئل عن هذا الكتاب من أجل الأستاذ العقاد، فظننت أنه لعله رأى القصة فيه ونقلها منه، وأنه إن أخطأ فإنما أخطأ في ذكر (عروة بن الزبير) فيها؛ لأنه محال أن يذكره على هذا الوجه رجل يعرف الحديث، أو التاريخ، مهما يكن مبلغه من العلم، ثم أحضرت له الكتاب فوجدنا النص الذي يشير إليه الكاتب الجريء، فوجدنا في (ج 1 ص 29) النص الذي سأكتبه، فأسفت حين قرأته، خشية أن يذكره الأستاذ العقاد فيقيم حجة أخرى على أنه يعجل ولا يتأنى، وأنا أثق أن الأستاذ خُدع به على لسان غيره، وأنه لم يقرأه حين كتب مقاله يحجني ويسبني، وينفي عن نفسه الاختراع والاعتماد على كتب الأسمار، وأنا لم أتهمه بالاختراع بل نفيته عنه، ولكنني ظننتُ أنه أخذ من كتب السمر. وهذا نص ما ذكر في شرح (سيدي محمد بن قاسم جسوس على شمائل الترمذي)، لم أزد فيه حرفًا ولم أُنقص منه حرفًا:

(ومما ينسب لعائشة رضي الله عنها:

فلو سمعوا في مصر أوصاف خده

لما بذلوا في سوم يوسف من نقد

وصحب زليخا لو رأين جبينه

لآثرن بالقطع الفؤاد على الأيد)

فأين من هذا النص القصة الطويلة التي حكى الأستاذ في كتابه؟ وأين ذكر عروة فيه؟ فهذا جسوس ينشد البيتين على رواية غير رواية

ص: 200

الأستاذ، وهو أمرٌ هينٌ، ولكنه ينسبهما لعائشة نفسها، وإن كان لا يوثق بهذا الكتاب ولا بما ينقله، ثم هو لا يذكر شيئًا قبلهما ولا بعدهما مما قص الكاتب الجريء.! !

ويبدو لي أنه قد عجز عن البحث عن مصدر قصته، أو عجز الذين يبحثون له، فلم يجدوا إلَّا هذا المصدر، وهي خطوة لا بأس بها، عرفنا منه شيئًا عن البيتين، سواء أكانا صحيحين أم باطلين، وسواء رواهما على الوجه الذي رواهما به جسوس أو تصرف فيهما، وإن كان لا يفيده شيئًا في مصدر القصة التي حكى، ولا في نسبة الشعر إلى عروة، ولا في موضع احتجاجه بالقصة والشعر على شيء معين وهو (أن عائشة كانت تحفظ من شعر عروة بن الزبير نفسه وتسوق الشاهد منه في موقعه)؛ لأن ذكر البيتين في مصدره منسوبين إلى عائشة نفسها، نسبة صحيحة أو باطلة، لا يكون أبدًا حجة على أن الشعر لعروة، وعلى أن عائشة كانت تسوق الشاهد منه على موقعه! ولا أدري ماذا يُسمَّى من طرق البحث والنقد من يدعي القضية، ثم إذا طولب بدليلها، أتى بدليل ينفيها أو ينقضها؟ .

ولكن الأمانة العلمية توجب عليّ أن أخطو بالكاتب خطوة أُخرى في سبيل البحث لعلها ترشده إلى ذكر المصدر الذي نقل منه ما نقل، فأذكر له مصادر أُخر لم يهتد إليها، وإن كان ما سأذكر لا يؤيد دعواه ولا قصته.

فقد نقل الحافظ السيوطي في شرح شواهد المغني (ص 82) ما نصه:

ص: 201

(أخرج أبو نعيم في الدلائل والخطيب وابن عساكر بسند حسن عن عائشة قالت: كنت قاعدة أغزل والنبي صلى الله عليه وسلم يخصف نعله، فجعل جبينه يعرق، وجعل عرقه يتولد نورًا، فبهت، فقال:"مالك بهت؟ "

قلت: جعل جبينك يعرق، وجعل عرقك يتولد نورًا، ولو رآك أبو كبير الهذلي لعلم أنك أحق بشعره حيث يقول:

ومبرأ من كل غبر حيضة

وفساد مرضعة وداء مغيل

وإذا نظرت إلى أسرة وجهه

برقت بروق العارض المتهلل

وهذه الرواية نقلها البغدادي في خزانة الأدب (ج 3 ص 473) عن السيوطي، وذكر قبل ذلك ص 469، أن البيتين من أبيات لأبي كبير في حماسة أبي تمام، وفي الشعراء لابن قتيبة، وأنهما من قصيدة طويلة في أشعار الهذليين، ونقل بعض المؤلفين القصة أيضًا فاختصرها ولم يزد عليها، فإن الاختصار إذا لم ينقص أصل المعنى جائز، وأما الزيادة فلا تجوز؛ لأنها في عرف المحدثين، تكون من باب الوضع؛ إذ هي تنافي الصدق، فنقلها عماد الدين يحيى بن أبي بكر العامري في كتاب (بهجة المحافل ج 2 ص 186) بلفظ:(وقالت عائشة: بأبي وأُمي أنت، لو رآك الشاعر لعلم أنك أحق بقوله). وذكر بيتي أبي بكر الهذلي على الصواب.

وكذلك فعل الشيخ حسين عبد الله باسلامه عضو مجلس الشورى بمكة، فنقلها كما نقلها العامري مختصرة في كتاب (حياة سيد العرب) المطبوع بجدة سنة 1353 (ج 4 ص 206)

ص: 202

فأين هذه النصوص مما زعمه العقاد؟ الذي أظنه أن الكاتب الجريء، قرأ شيئًا هنا وشيئًا هناك، ثم اختلطت هذه النصوص وغيرها في رأسه واضطربت، فخرجت كما ترى، شيئًا ليس بالجديد البديع ولا بالقديم الصحيح، بل هي كما قلت من قبل (سواد في بياض).

ولكن بقي بعد هذا كله شيء واحد، هو أصل دعواه: أين موضع عروة بن الزبير؟ وأين موضع شعر عروة من هذه النصوص؟ هنا حلقة مفقودة، على الأستاذ العقاد أن يبحث عنها في مواضع علمه أو في حيث شاء.

وأما ادعاء الكاتب الجريء، على قاعدته المعروفة، أن يصدق ما يريد ويكذب ما يريد؛ إذ يستبعد أن يكون عروة ولد في سنة 23 أو بعدها، فهذا إفساد للتاريخ العربي، وما هو بتحقيق، وإنما هي محاولة لستر موقفه، مبينة عن زيف حجته، وما هي بسبيل ما نحن فيه، فإنه إذا صح أن تاريخ ولادة عروة خطأ فليس ذلك بنافعه في موضوعه، فلئن كان الخطأ في سنة أو في عشر سنين لكان عروة مولودًا بعد وفاة رسول الله، بل لو كان الخطأ في عشرين سنة، لكان عروة طفلًا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم (1) ولم يكن شاعرًا (تحفظ عائشة من شعره وتسوق

(1) الهدي النبوي: روى البخاري في صحيحه أن الزبير أصيب يوم اليرموك بضربتين على عاتقه، بينهما ضربة ضُربها يوم بدر قال عروة:(كنت أدخِل أصابعي في تلك الضربات ألعب وأنا صغير). (ص 76 ج 5 طبعة بولاق). فهذا دليل جديد ثابت في أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى باتفاق أهل العلم على أن عروة كان طفلًا صغيرًا في زمن وقعة اليرموك، وليس أمام العقاد إذا =

ص: 203

الشاهد منه في موقعه) في حياة رسول الله تخاطبه به! !

وقد تعب أئمة الحديث ومؤرخو الرجال في التنقيب عن تراجمهم، وحصر ما أمكنهم حصره، وتركوا لنا ثروة ضخمة من العلم الغزير لا يضيعه ولا ينقضه غضبة من الكاتب الجريء يدفع بها خطأه، ولم يذكر أحد منهم قط أن عروة كان صحابيًّا، وإنما ذكروه في التابعين، بل إن الحافظ ابن حجر لم يذكره في (الإصابة) في الأطفال الذين ولدوا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وأين العقاد من هؤلاء العلماء؟

لقد غضب العقاد إذ ظننت له أنه نقل قصته من كتب السمر، وليت ظني كان صادقًا، إذن لكان أكرم له وأجدر به، ولكان كل خطئه أنه اعتمد على رواية تحمل دليل بطلانها في نصها، وأنه قصر في البحث عن ترجمة عروة في أي مصدر من مصادر التاريخ الجمة بين يديه، وما طالبناه قط بأن يعرف الزيف من الصحيح من روايات الحديث والأثر، فما هو بسبيل هذا، وما هو من عمله ولا من فنه، ولم يزعم أحد قط أن العقاد درس علوم الحديث أو عرف منها شيئًا.

أما الذي تبين لنا من صنيعه بعد ذكره المصدر الذي قيل له: إن النص موجود فيه، وبعد أن ذكر لنا نص مصدره ونص مصادر أُخر، فليس هذا من صنيع أهل العلم بالحديث، ولا هو من عمل الثقة في الرواية والنقل، ولو قرأ العقاد شيئًا من علم مصطلح الحديث لعرف

= أصر على صحة دعواه إلَّا أن يكذب البخاري، أو يدعي أن وقعة اليرموك كانت في حياة رسول الله! ! وكلاهما ليس بالكبير على الكاتب الجريء.

ص: 204

أن صنيعًا دون هذا يسقط الراوي ورواياته أجمع، ويرفع الثقة بنقله كله، وليسخط بعد ذلك أو ليرض.

وبعد؛ فإن القول يطول لو شئنا نقض كل ما رد به الكاتب الجريء، وليس في طول الجدل فائدة علمية، فلذلك أعرضنا عنه.

وإن لنا لكلمة في نفيه حديث عائشة عن سنها حين تزوجها رسول الله، أو تخطئته إياها في معرفة سنها إذ ذاك، ولعلنا نجد فرصة مواتية في نقض ما ذهب إليه إحقاقًا للحق ودفعًا عن الأحاديث الصحيحة، إن شاء الله.

* * *

ص: 205