الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإيمانُ قَيْدُ الفَتْكِ
(*)
روع العالم الإسلامي والعالم العربي، بل كثير من الأقطار غيرهما باغتيال الرجل، الرجل بمعنى الكلمة، النقراشي الشهيد غفر الله له، وألحقه بالصديقين والشهداء والصالحين.
وقد سبقت ذلك أحداث، قدم بعضها للقضاء وقال فيه كلمته وما أنا الآن بصدد نقد الأحكام، ولكني كنت أقرأ كما يقرأ غيري الكلام في الجرائم السياسية وأتساءل: أنحن في بلد فيه مسلمون؟
وقد رأيت أن واجبًا عليَّ أن أبيِّن هذا الأمر من الوجهة الإسلامية الصحيحة؛ حتى لا يكون هناك عذر لمعتذر، ولعل الله يهدي بعض هؤلاء الخوارج المجرمين؛ فيرجعوا إلى دينهم قبل أن لا يكون سبيل إلى الرجوع.
وما ندري من ذا بعد النقراشي في قائمة هؤلاء الناس.
إن الله سبحانه توعد أشد الوعيد على قتل النفس الحرام. في غير آية من كتابه {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)} [النساء: الآية 93].
(*) الأساس 2/ 1/ 1949.
وهذا من بديهيات الإسلام التي يعرفها الجاهل قبل العالم، وإنما هذا في القتل العمد الذي يكون بين الناس في الحوادث والسرقات وغيرها (القاتل يقتل وهو يعلم أنه يرتكب وزرًا كبيرًا).
أما القتل السياسي، الذي قرأنا جدالًا طويلًا حوله، فذاك شأنه أعظم، وذلك شيء آخر.
القاتل السياسي يقتل مطمئن النفس، راضي القلب يعتقد أنه يفعل خيرًا؛ فإنه يعتقد بما بث فيه من مغالطات أنه يفعل عملًا حلالًا جائزًا، إن لم يعتقد أنه يقوم بواجب إسلامي قصر فيه غيره، فهذا مرتد خارج عن الإسلام يجب أن يعامل معاملة المرتدين، وأن تطبق عليه أحكامهم في الشرائع، وفي القانون هم الخوارج كالخوارج القدماء الذين كانوا يقتلون أصحاب رسول الله ويدعون من اعترف على نفسه بالكفر، وكان ظاهرهم كظاهر هؤلاء الخوارج بل خيرًا منه، وقد وصفهم رسول الله بالوحي قبل أن يراهم، فقال لأصحابه:
"يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية". حديث أبي سعيد الخدري في صحيح مسلم ج 1 ص 292 - 293) وقال أيضًا "سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البرية، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدِّين كما يمرق السهم من الرمية، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم عند الله يوم
القيامة". حديث علي بن أبي طالب في صحيح مسلم ج 1 ص 293. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة متواترة، وبديهيات الإسلام تقطع بأن من استحل الدم الحرام فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه.
فهذا حكم القتل السياسي، هو أشد من القتل العمد الذي يكون بين الناس، والقاتل قد يعفو الله عنه بفضله، وقد يجعل القصاص منه كفارة لذنبه بفضله ورحمته، وأما القاتل السياسي فهو مصر على ما فعل إلى آخر لحظة من حياته، يفخر به ويظن أنه فَعَلَ فِعْلَ الأبطالِ.
وهناك حديث آخر نص في القتل السياسي، لا يحتمل تأويلًا فقد كان بين الزبير بن العوام وبين علي بن أبي طالب ما كان من الخصومة السياسية، التي انتهت بوقعة الجمل، فجاء رجل إلى الزبير بن العوام فقال: أقتل لك عليًّا؟ قال: لا، وكيف تقتله ومعه الجنود؟ قال: أَلْحَقُ بِهِ فأَفْتِكُ به. قال: لا؛ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الإيمانَ قَيْدُ الْفَتْكِ، لا يَفْتِكُ مُؤْمِنٌ". (حديث الزبير بن العوام رقم 1429 من مسند الإمام أحمد بن حنبل: بتحقيقنا.
أي أن الإيمان يقيد المؤمن عن أن يتردى في هُوَّةِ الرَّدَّة، فإن فعل لم يكن مؤمنًا.
أما النقراشي فقد أكرمه الله بالشهادة، له فضل الشهداء عند الله وكرامتهم، وقد مات ميتة كان يتمناها كثير من أصحاب رسول الله، تمناها عمر بن الخطاب حتى نالها فكان له عند الله المقام العظيم والدرجات العلى.
وإنما الإثم والخزي على هؤلاء الخوارج القتلة مستحلي الدماء، وعلى من يدافع عنهم، ويريد أن تتردى بلادنا في الهُوَّةِ التي تردت فيها أوربة بإباحة القتل السياسي، أو تخفيف عقوبته؛ فإنهم لا يعلمون ما يفعلون، ولا أريد أن أتهمهم بأنهم يعرفون ويريدون.
والهدى هدى الله.
* * *