الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خطاب مفتوح إلى شيخ الأزهر
(*)
حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أتشرف بأن أرفع إليكم مع كتابي هذا مقالًا منشورًا في مجلة (السوادي) في العدد 93 الصادر يوم الجمعة 9 رمضان سنة 1367 (16 يوليو سنة 1947).
وهذا المقال بعنوان (الرقص فن وعبادة. بقلم الفنان أحمد البيه).
وستجدون فيه فضيلتكم أن الكاتب يكتب بروح وثنية أوربة قبل أن تدخلها النصرانية دخولًا شكليًّا، بل هي وثنية أوربة الآن. ويكفي أن يزعم هذا الكاتب الذي سماه أهله باسم إسلامي: أن رقص النساء العاريات عبادة، وأن يقول:(إن الراقصة تتعرى لتتجرد من مظاهر الدنيا، ولتكن أكثر انطلاقًا وأكثر روحانية وهي تؤدي صلاة الجسد في خضوعه للروح). وأن يختم مقاله بقوله: (هذا الفن الذي يحترمه الإحساس ويمجده العقل، وتتعبد في محرابه الروح، قبل أن تسجد له العواطف).
ولست أزعم أن هذا المقال أكثر من غيره فحشًا وفجورًا مما
(*) مجلة الهدي النبوي، المجلد الثالث عشر، العدد الرابع، ربيع ثاني 1368 هـ.
امتلأت به مجلات مصر وصحفها، كلا بل لعله من أخفها وأهونها، إنما أنكر فيه الروح الوثني الملعون، روح عبادة الجسد كعبادة الأصنام، بل هو أقبح، وهو الروح الذي قضى على الرومان واليونان القدماء، والذي سيقضي على أوربة وأمريكا قريبًا إن شاء الله، وهو الروح الذي بدأ يتغلغل في بلادنا، فيملأ عقول شبابنا وشيابنا ورجالنا ونسائنا، ونخشى أن يقضي علينا أيضًا من سبيل قبلنا.
وما رميت بكتابي هذا إلى أن أستعدي مولانا الأستاذ الأكبر بما له من سلطان على الكاتب الذي كتب، ولا على المجلة التي نشرت، ولا أن أستعدي سلطان الدولة عليهما، فما أيسر هذا عليَّ إن أردته.
ولكني أرمي إلى أعلى وأشرف، إلى العمل على حفظ عقائد هذه الأمة البائسة التي تتردى في مهاوي الإلحاد والكفر والوثنية وهي لا تشعر .. أستغفر الله. بل إن كثيرًا من كبرائها وعظمائها ومثقفيها يشعرون ويقصدون، ثم لا يستحون! ! وإلَّا فتكون أمة مسلمة: الأمة التي لا تحكم إلَّا بقوانين بنيت على عقائد وثنية مصبوغة بصبغة مسيحية، هي أبعد ما تكون عن المسيحية، وعن كل عقيدة من عقائد التوحيد، وعن كل خلق فاضل من أخلاق الأديان السماوية. قوانين تبيح الفسوق والفجور، وتعرف كل منكر، وتنكر كل معروف، وما قصة القانون الذي ضرب علينا أخيرًا ببعيدة، القانون الذي فرض على بلد إسلامي في عهد استقلاله بشؤونه، وبعد رفع نير الأجانب له من عنقه.
هذا القانون الذي جعل أساسه ما نسب إلى جستنيان (الإمبراطور
الوثني) والذي لم يستحيوا أن يسموا مجموعة ما نسب إليه (مدونة جستنيان) تشبيهًا باسم (مدونة الإمام مالك) بل استهزاءً بها وتحقيرًا.
وها نحن أولاء في فترة من أخطر الفترات التي تمر بالأمم، فترة الجهاد بالسيف لرد عدوان المعتدين على بلادنا وديننا من أعداء الله اليهود، وهو جهاد ديني لا شك فيه، له ما بعده من أخطر النتائج في مصائر الأمم العربية، والأمم الإسلامية، ومن أظهر الأحكام الإسلامية المنصوصة في القرآن: أحكام الغنائم، وقد أبى الله إلَّا أن يحكم فيها بنفسه في كتابه حكمًا واضحًا مفسرًا، فلم يتركها لاستنباط العلماء واجتهاد المجتهدين، ومع ذلك فإننا نرى أن قد وضعت لها أحكام أخيرة تخالف أحكام الله وآياته، وشكلت له محكمة خاصة تحكم فيها بما وضع لها من أحكام، تحكم صريحًا بغير ما أنزل الله.
أفتظن يا سيدي الأستاذ - أن أمة تصنع هذا، وهي تلجأ إلى الله تلتمس منه النصر والعون، وقد رمتها الأمم الوثنية المسيحية المتعصبة عن قوس، وليس لها أمل في النصر إلا من عند الله وحده، أتكون أمة هذا أملها وهذا ملجؤها أمة مسلمة وهى تخرج على دينها، وعلى ربها هذا الخروج الواضح الصريح؟ !
سيدي الأستاذ:
إن المسألة أخطر من أن تعالج بمحاكمة كاتب، أو مصادرة مجلة، أو الرد على كتاب يؤلفه معتد يعتدي على الدين.
المسألة مسألة الأزهر وهو سياج الإسلام في هذا الزمن، ومنه يرجى العلاج إن كان لذلك علاج، وهو المسؤول عن تعليم المسلمين دينهم، وبث عقائده الصحيحة فيهم على الوجه الصحيح الذي يأخذ الناس إلى النهج الواضح والصراط المستقيم، قبل أن يكون مسؤولًا عن التبشير بين أمم غير إسلامية، أو الدعاية إلى شرائعه وآدابه في بلاد غير بلاده.
وبيدكم سلطة واسعة، تستطيعون بها أن تجندوا كثيرًا من العلماء الأفذاذ الذين تثقون بهم، وتطمئنون إلى غيرتهم وعصبيتهم، وحميتهم؛ ليقروا ما ينشر ويبث من العقائد والنظريات والمبادئ الهدامة، في الصحف والمجلات والكتب وغيرها، ثم ينقبوا عن مصادرها العقلية والثقافية، وعن الدوافع لها في نفوس هؤلاء الهدامين، حتى يشخصوا العلة وأسبابها، ويصلوا إلى مصادرها في النفوس والعقول. ثم تأتي مهمتهم الكبرى، وواجبهم الأعظم، فيصفون العلاج الحكيم، ويضعونه موضعه، في خطط دقيقة حكيمة، خطط الجماعات الرشيدة، لا الأفراد الموزعة القوى، وبذلك قد يكون العلاج ناجعًا موافقًا للداء، بإذن الله.
هذا رأيي أرفعه إلى مولانا الأستاذ الأكبر، لا أريد إلا وجه الله والعمل على أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن تنجو الأمة من الخطر المحيق بها، وفقنا الله وإياكم للعمل الصالح، ووفق المسلمين جميعًا إلى إعلاء كلمة التوحيد وإلى إحاطة المسلمين بما يحفظ عليها دينهم وعقائدهم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(الهدي النبوي):
هذا الخطاب عندنا من يوم أن أرسله فضيلة كاتبه إلى فضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر، وقد كنا نتربص بنشره حتى يأتي جواب فضيلة الشيخ الأكبر وننشرهما معًا، ليكون لذلك الأثر الصالح المرجو لخير هذه الأمة التي تعمل معاول التفرنج والنظريات الخطرة، والمبادئ الهدامة في هدم كل مقوماتها جاهدة، وهي مستسلمة لذلك في استخذاء ومذلة، لا سبب لهما إلَّا اتباع الأهواء والشهوات ثم التواكل، والفرار من ميادين الجهاد والعمل لنصرة الحق ومحاربة الفساد والبغي، وأغلب الظن أن فضيلة الأستاذ الأكبر قد أعطى هذا الموضوع ما ينبغي له من العناية، ولكن كثرة مشاغله بما يحمل من الأعباء الإدارية الجأته إلى إرجاء الجواب، وإنا لفي انتظار جواب الشيخ على ذلك وهو سيكون إن شاء الله جوابًا عمليًّا أكثر منه قوليًّا، والله يوفقنا وإياه لما يحبه ويرضاه، ويجعلنا ممن قال الله فيهم {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)} (1).
* * *
(1) الحج: 41.