المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌نحل عبر النحل - جمهرة مقالات أحمد شاكر - جـ ١

[أحمد شاكر]

فهرس الكتاب

- ‌الإِهْدَاءُ

- ‌طلائع الجَمْهَرة

- ‌العلّامة أحمد محمد شاكرحياته الشخصيّة ومسيرته العلميّة

- ‌المبحث الأول: اسمه ونسبه وولادته وأسرته

- ‌إلماعة عَجْلى عن أسرة أحمد شاكر

- ‌المبحث الثاني: حياته ورحلاته وصلاته

- ‌رحلاته:

- ‌صلاته وصداقاته:

- ‌1 - مصطفى صادق الرافعي:

- ‌2 - محمد خميس هيبة:

- ‌3 - الدكتور زكي مبارك

- ‌4 - الشيخ محمد نور الحسن، والشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد:

- ‌5 - لويس سركيس:

- ‌6 - السيد محمد السنوسي الأنصاري:

- ‌7 - الشيخ محمد نصيف:

- ‌8 - الشيخ محمد حامد الفقي:

- ‌9 - عبد العزيز الميمني:

- ‌10 - عبد الوهاب عزام:

- ‌11 - عبد السلام هارون

- ‌12 - السيد أحمد صقر

- ‌13 - الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي:

- ‌14 - الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي

- ‌15 - أبو السمح:

- ‌16 - محمد أفندي محمد عبد اللطيف:

- ‌17 - أحمد علي الطاهر:

- ‌18 - أحمد أمين:

- ‌19 - فوزان السابق:

- ‌20 - عبد الله المراغي:

- ‌21 - الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي:

- ‌22 - الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة:

- ‌23 - أبو محمد عبد الحق بن عبد الواحد الهاشمي

- ‌24 - محب الدين الخطيب

- ‌25 - عبد الرحمن الكواكبي:

- ‌26 - محمد أحمد الغمراوي:

- ‌27 - محيي الدين رضا:

- ‌28 - محمد عبد الله دراز:

- ‌المبحث الثالث: شيوخه وأساتيذه

- ‌ الشيوخ والأساتذة

- ‌1 - الشيخ عبد السلام الفقي:

- ‌2 - الشيخ محمود أبو دقيقة:

- ‌3 - الشيخ محمد شاكر:

- ‌4 - الشيخ محمد مصطفى المراغي

- ‌5 - الشيخ إبراهيم الجبالي

- ‌6 - الشيخ عبد الستار بن عبد الوهاب الدهلوي

- ‌7 - العلّامة عبد الله بن إدريس السنوسي

- ‌8 - الشيخ محمد بن الأمين الشنقيطي

- ‌9 - الشيخ أحمد بن الشمس الشنقيطي

- ‌10 - العلّامة طاهر الجزائري

- ‌11 - الشيخ جمال الدين القاسمي

- ‌12 - أبو الوفاء بن أحمد بن شرقاوي

- ‌13 - الشيخ محمد رشيد رضا:

- ‌14 - الشيخ بسيوني بن بسيوني بن حسن عسل:

- ‌15 - الشيخ عبد الوهاب النجار:

- ‌16 - الأستاذ علي الجارم:

- ‌17 - الشيخ عبد الحيّ الكَتَّاني:

- ‌18 - الدكتور منصور فهمي:

- ‌تلاميذه:

- ‌المبحث الرابع:‌‌ مذهبه الفقهيوعقيدته

- ‌ مذهبه الفقهي

- ‌ عقيدته:

- ‌المبحث الخامس: آثاره العلمية

- ‌أولًا: آثار الشيخ في القرآن وعلومه:

- ‌1 - تفسير الطبري المسمى (جامع البيان عن تأويل آي القرآن):

- ‌2 - عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير:

- ‌3 - تفسير الجلالين: جلال الدين المحلي وجلال الدين السيوطي:

- ‌4 - جامع البيان في تفسير القرآن:

- ‌5 - هداية المستفيد في أحكام التجويد للشيخ أبي ريمة:

- ‌6 - منجد المقرئين ومرشد الطالبين للإمام محمد بن محمد الجزري:

- ‌ثانيًا: آثار الشيخ في الحديث وعلومه

- ‌1 - المسند للإمام أحمد بن حنبل

- ‌2 - جامع الترمذي:

- ‌3 - صحيح ابن حبان:

- ‌4 - مختصر سنن أبي داود للحافظ المنذري مع معالم السنن لأبي سليمان الخطابي وتهذيب الإمام ابن قيم الجوزية:

- ‌5 - صحيح البخاري بشرح الكرماني:

- ‌6 - الأربعون النووية:

- ‌7 - السمع والطاعة:

- ‌8 - العمدة في الأحكام:

- ‌9 - أربع رسائل حقق فيها ثمانية أحاديث من جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي:

- ‌10 - حكام الأحكام شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد:

- ‌11 - نزهة النظر شرح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر العسقلاني:

- ‌12 - الخراج ليحيى بن آدم القرشي:

- ‌13 - شرح ألفية السيوطي في علم الحديث:

- ‌15 - الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث:

- ‌16 - ضبط وتصحيح ألفية العراقي:

- ‌17 - خصائص مسند الإمام أحمد للإمام أبي موسى المديني

- ‌18 - المصعد الأحمد في ختم مسند الإمام أحمد لابن الجزري:

- ‌19 - التحقيق في أحاديث الخلاف لابن الجوزي:

- ‌ثالثًا: ما يتعلق بالفقه وأصوله:

- ‌1 - المحلي لابن حزم:

- ‌2 - الروض المربع للبهوتي بشرح زاد المستنقع لأبي النجا الحجاوي:

- ‌3 - أخصر المختصرات في فقه الإمام أحمد:

- ‌4 - مختصر المقنع في فقه الإمام أحمد للحجاوي:

- ‌5 - الرسالة للإمام الشافعي:

- ‌6 - جماع العلم للشافعي:

- ‌7 - الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم:

- ‌8 - قواعد الأصول ومعاقد الفصول (مختصر تحقيق الأمل في علمي الأصول والجدل) لصفي الدين عبد المؤمن الحنبلي:

- ‌9 - نظام الطلاق في الإسلام

- ‌10 - كلمة الفصل في قتل مدمن الخمر:

- ‌11 - رسالة في شروط الصلاة لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب:

- ‌12 - أوائل الشهور العربية هل يجوز شرعًا إثباتها بالحساب الفلكي

- ‌13 - الروضة الندية شرح الدرر البهية للعلامة صديق حسن خان:

- ‌14 - المسح على الجوربين للعلامة محمد جمال الدين القاسمي:

- ‌15 - مذكرة في قضية الوارثين الشرعيين المحرومين من حقوقهم في أوقاف أهليهم مؤيدة بفتوى الإمام محمد بن عبد الوهاب:

- ‌16 - أبحاث في أحكام (فقه وقضاء وقانون):

- ‌رابعًا: ما يتعلق بالعقيدة:

- ‌1 - كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد لشيخ الإِسلام محمد بن عبد الوهاب:

- ‌2 - الأصول الثلاثة وأدلتها لشيخ الإِسلام محمد بن عبد الوهاب:

- ‌3 - القواعد الأربع لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب:

- ‌4 - العقيدة الواسطية لشيخ الإِسلام ابن تيمية

- ‌5 - المناظرة في العقيدة الواسطية بين شيخ الإسلام ابن تيمية وعلماء عصره

- ‌6 - لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد للإمام ابن قدامه المقدسي:

- ‌7 - التدمرية لشيخ الإِسلام ابن تيمية:

- ‌8 - الفتوى الحموية الكبرى لشيخ الإِسلام ابن تيمية

- ‌9 - عقيدة أهل السنة والجماعة للحافظ أبي الفرج بن الجوزي

- ‌10 - شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي

- ‌11 - الكتاب والسنة يجب أن يكونا مصدر القوانين في مصر

- ‌خامسًا: ما يتعلق بالأدب واللغة:

- ‌1 - الشعر والشعراء لابن قتيبة:

- ‌2 - إصلاح المنطق لابن السكيت

- ‌3 - كتاب المفضليات للمفضل الضبي:

- ‌4 - الأصمعيات للأصمعي:

- ‌5 - لباب الآداب للأمير أسامة بن منقذ:

- ‌6 - المعرّب للجواليقي:

- ‌7 - الكامل في اللغة والأدب للمبرد:

- ‌سادسًا: ما يتعلق بالسير والتراجم:

- ‌1 - جوامع السيرة لابن حزم:

- ‌2 - ترجمة الإمام أحمد من تاريخ الإسلام للذهبي:

- ‌3 - ترجمته لوالده الشيخ محمد شاكر

- ‌سابعًا: ما يتعلق بالأنساب:

- ‌1 - جمهرة أنساب العرب لابن حزم:

- ‌2 - نسب قريش للمصعب الزبيري:

- ‌ثامنًا: ما يتعلق بالردود العلميّة والمقالات الصحفية:

- ‌1 - الشرع واللغة:

- ‌2 - بيني وبين الشيخ حامد الفقي:

- ‌3 - تعليقات في أبحاث دقيقة على دائرة المعارف الإسلامية:

- ‌4 - مقالات أحمد شاكر في الصحف والمجلات:

- ‌تحقيق التراث

- ‌النسخة اليونينية من صحيح البخاري

- ‌التقي اليونيني الكبير وأولاده:

- ‌الحافظ شرف الدين اليونيني:

- ‌النسخةُ اليُونينيَّةُ:

- ‌الطبعة السلطانية:

- ‌نسختي الخاصة من الطبعة السلطانية:

- ‌تصحيح الكتب

- ‌سير أعلام النبلاء - ترجمة عائشة أم المؤمنين

- ‌مقدمة الرسالة للإمام الشافعي

- ‌التحقيق لابن الجوزي

- ‌(وصف النسخة):

- ‌(وصف الكتاب):

- ‌التعريف بالكتب

- ‌تفسير القرآن الحكيم

- ‌قصص القرآن

- ‌المذاهب الإسلامية في تفسير القرآن

- ‌ثمار المقاصد في ذكر المساجد (*) ليوسف بن عبد الهادي

- ‌لمحة من سيرة الملك عبد العزيز

- ‌نقد الكتب والمقالات

- ‌أي نعم: في التأني السلامة

- ‌كلمة

- ‌الانتقاد على المنار وتفسيره

- ‌ديوان أبي فراس الحمداني

- ‌الفتح المبين في طبقات الأصوليين

- ‌نِحَل عبر النَّحْل

- ‌مقتل مالك بن نويرة وموقف خالد بن الوليد

- ‌أسامة بن منقذ

- ‌الخطيب البغدادي

- ‌دراسات عن مقدمة ابن خلدون

- ‌عصر النبي عليه السلام وبيئته قبل البعثة

- ‌فقه القرآن والسنة

- ‌باب المراسلة والمناظرة

- ‌تَحْقِيقُ سِنِّ عَائِشَة

- ‌صَدَى النقد

- ‌تصحيح القاموس

- ‌ابن محيصن

- ‌بين أحمد شاكر وحامد الفقي

- ‌بيني وبين الشيخ حامد الفقي

- ‌حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ محمد حامد الفقي رئيس جماعة أنصار السنة ورئيس تحرير مجلة (الهدي النبوي)

- ‌أبرأ إلى الله من سوء الظن بشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ورضي عنه

- ‌التعقيب على مقاله

- ‌بيني وبين أخي الشيخ أحمد شاكر

- ‌تعقيب لفضيلة الشيخ أحمد محمد شاكر

- ‌الدفاع عن الحق

- ‌كلمة الحق

- ‌صُحُف الهِلَال والدّعَاية ضِد الإسلام

- ‌عبد العزيز فهمي باشا وعداؤه للعربية

- ‌الإيمانُ قَيْدُ الفَتْكِ

- ‌على الطريقة الأمريكية

- ‌ خمارة حقيقية

- ‌حضور المسلمين الصلاة في الكنائس

- ‌خطاب مفتوح إلى شيخ الأزهر

- ‌خواطر

- ‌1 - في التعليم

- ‌2 - في المحاضرة الحمقاء

- ‌3 - في الأعراض

- ‌4 - لصوص الثياب

- ‌5 - هل في شعائر الإسلام وثنية

- ‌6 - بحث في تاريخ السيد البدوي

- ‌7 - مقاطعة الملحدين

- ‌8 - الكشف الطبي على راغبي الزواج

- ‌9 - تعليم الدين في المدارس

- ‌10 - الجامعة المصرية

- ‌جرأة عجيبة على تكذيب القرآن

الفصل: ‌نحل عبر النحل

‌نِحَل عبر النَّحْل

(*)

لتقي الدين المقريزي

تحقيق الأستاذ جمال الدين الشيال (1)

ما أجدني في حاجة إلى وصف هذا الكتاب، ولا التنويه بقيمته العلمية، وقد كفانا الأستاذ محققه مؤونة ذلك، بمقال ممتع وصفه فيه وصفًا جيدًا، نشر في مجلة "الكتاب" في المجلد الأول (ص 886 - 889) قال في آخره:"ولقد بدأت في طبع الكتاب، وأرجو أن أكون قد وفقت في شرحه وتحقيقه، بحيث يرضي قراء العربية".

وقد أوفى بوعده، ولكني لا أراه أوفى بشرطه. وأرجو أن يعذرني الأستاذ الشارح إذا لم أرض عن طريقة إخراجه للكتاب، وعما صنع في شرحه، في أكثر ما صنع، فما أريد التعنت ولا تتبع الأغلاط، ولكني أريد الخير له ولقراء العربية.

وأول ما آخذ على الكتاب هذا العنوان الإفرنجي الذي وضع في ظهر الكتاب، فما الضرورة إليه؟ ! لقد علمت من الأستاذ الشارح أن هذا ليس من عمله، وأنا أصدقه وأعذره، ولكن يجب أن يعلم الناس أن التعلق بأذيال الإفرنج ومحاولة كسب ثنائهم ورضاهم ليس مما

(*) مجلة الكتاب، عدد ذي القعدة 1365 هـ، أكتوبر 1946 م.

(1)

126 صفحة من القطع المتوسط. مكتبة الخانجي. القاهرة سنة 1946.

ص: 226

يسيغه أبناء العروبة في هذا العصر، كتاب عربي ينشر للعرب ولمن يعرف العربية من غيرهم، فما بالنا نضع له عنوانًا بغير لغته؟ ! الإفرنجي الذي يطلب مثل هذا الكتاب يعرف العربية، والذي لا يعرف العربية منهم لا يطلبه. أخشى أن يكون هذا تقليدًا صرفًا لهم حين ينشرون شيئًا من آثارنا، ولكنا لا نستطيع أن نرغمهم على ما يرضينا، ولكنا نستطيع أن نعرف لأنفسنا قدرها، وللغتنا حقها، فنخرج الكتاب عربيًّا أصلًا وعنوانًا.

ثم الأخطاء المطبعية في الكتاب كثيرة، لا أحب أن أعرض لشيء منها، فإن ذلك يطول جدًّا، وكثير منها يدركه القارئ المتوسط.

وقد اجتهد الأستاذ الشارح في تحقيق متن الكتاب، وتعب فيه تعبًا شديدًا، وهو جهد مشكور، فإنه لم يجد من الكتاب إلا نسخة واحدة مخطوطة، كتبت في شهر شوال سنة 1229، ويظهر من وصفها ومن تحقيقات الأستاذ الشارح أنها غير جيدة التصحيح؛ فلذلك اضطر لأن يراجع نصوصها عند تحقيق متنها إلى كل الكتب العربية التي كتبت عن الحيوان. ولكني أراه غلا في ذلك غلوًّا شديدًا، لا أريد الغلو في الرجوع إلى المصادر التي رجع إليها، فهذا عمل واجب، ولكني أريد الغلو في تحكيم النصوص الأخرى في نص المؤلف، حتى إنه ليغيره في أكثر المواضع إلى ما في المصادر الأخرى، دون ضرورة ولا موجب من خطأ يصححه، أو نقص يكمله، فأخرج الكتاب للمقريزي بنصوص كثيرة لم تكن كلام المقريزي، بل كانت كلام غيره، ولو اتبع

ص: 227

الطريق العلمي الصحيح في إخراج الآثار العلمية القديمة، لأثبت النص كما هو، ثم قرن إليه ما يشاء من نصوص غيره، إن وجد إلى ذلك حاجة ملحة أو ضرورة ملجئة.

وسأذكر مثلًا من ذلك مما في الكتاب، لا على سبيل الحصر والاستقصاء، وهي تدل على ما وراءها:

(ص 1 - 2 في أول الكتاب) قال المقريزي: "النحل حيوان، وهيئته ظريفة، وخلقته لطيفة، ومهجته نحيفة، وسطه مربع" إلخ. هذا نص المؤلف الذي يؤخذ من التعليقات التي كتبها الشارح، فإنه غيّره في صلب الكتاب، وأثبت في الهوامش ما كان في الأصل ومصدر التغيير، أثبته هكذا:"النحل حيوان [ذو] هيئة ظريفة، وخلقة لطيفة، وبنية نحيفة، وسط [بدنه] مربع". أظن أن القارئ يرى أن معنى النصين واحد، وأن كلام المقريزي سليم، فما الذي دعا الشارح إلى أن يزيد كلمتي (ذو) و (بدنه)، وأن يغير "مهجته" إلى "بنيته"، ثم يقول: إن التصحيح عن القزويني ومسالك الأبصار؟ ! لو كان القزويني وابن فضل الله العمري متأخرين عن المقريزي ونقلا كلامه لكان له عذر أن يعتبر النص فيها نسخة أخرى من كلام المقريزي، ولكنهما متقدمان عليه، والمقريزي لم يزعم أنه نقل كلامهما، بل كل مؤلف يعبر عما يعلم مما قرأ في كتب المتقدمين بالعبارة التي تروقه، فليس لنا أن نلزم واحدًا منهم بكلام الآخر، إلَّا أن يكون خطأ، فنثبت كلامه كما هو، ثم نبين ما نرى من تصحيحه.

ص: 228

ص 13: "وجنس النحل ألطف أجناس الحيوان كلها، ولذلك تكره كل رعي يكون منتنًا أو زهم الرائحة [وهي تكره النتن، وتكره أيضًا الروائح الدهنية] والأدهان". فهذه الجملة المزادة بين حاصرتين من الشفا لابن سينا ما الحاجة إليها؟ أليست تكرارًا لما قال المقريزي، وإضعافًا لجزالة الكلام؟ !

ص 14: "وتشرب الماء الصافي [العذب تطلبه حيث كان] ". هذه زيادة زادها الشارح في النص من كتاب في الحيوان دون ضرورة، ولا النص يقتضيها، خصوصًا وأنها ستأتي في كلام المقريزي ص 18 س 3.

ص 61: ([وروى ابن ماجه عن أبي بشير بكر بن خلف قال: حدثني يحيى بن سعيد عن موسى بن أبي عيسى الطحان عن عبد الله عن أبيه، أو عن أخيه عن] النعمان بن بشير [رضي الله تعالى عنه] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن مما تذكرون"

إلخ. ثم قال: [ورواه الحاكم، وقال]: صحيح على شرط مسلم). فهذه زيادات زادها الشارح عن الدميري، لا أدري ما الحاجة إليها، بعد أن ذكر أن في الأصل:"ولابن ماجه من حديث النعمان؟ " المقريزي يروي الحديث، ويكتفي بأن ينسبه لابن ماجه دون ذكر إسناده، فأين النقص في الأصل الذي يدعو إلى أن نغيّر نصه بنص الدميري الذي ذكر الإسناد؟ ثم ماذا يضطرنا إلى زيادة (ورواه الحاكم، وقال)؟ هذه زيادة يحسن أن تكون في الشرح تعليقًا؛ لأن المعنى يتغير بها بعض

ص: 229

التغير، فإن المقريزي محدث معروف، فهو يصحح الحديث على شرط مسلم بأنه يوثق به في ذلك، ولكن هذه الزيادة جعلت التصحيح من كلام الحاكم وحده، أما لو بقي الكلام على أصله لكان لنا تصحيحان: تصحيح الحاكم، وتصحيح المقريزي.

وقد أخطأ الشارح هنا خطأ عجيبًا في ترجمة يحيى بن سعيد الذي في الإسناد، فزعمه "يحيى بن سعيد الأنصاري"! مع أنه ذكر أنه مات سنة 143، وذكر في ترجمة الراوي عنه "بكر بن خلف" أنه مات في سنة 240، فأنى يستطيع بكر أن يسمع من يحيى وبينهما هذا العمر الطويل؟ إن يحيى بن سعيد في هذا الإسناد، هو "يحيى بن سعيد القطان" المتوفى سنة 198، ولو رجع الشارح إلى ترجمة "موسى بن أبي عيسى" في التهذيب لوجد أن من الرواة عنه "يحيى القطان"، ثم إنه أثبت لقبه "الطحان" وهو "الحفاظ" كما في التهذيب، وليس هذا الخطأ منه، بل هو من نسخة الدميري، ولم يتنبه له الشارح. وفي الإسناد خطأ آخر:"عن عبد الله عن أبيه" والذي في الدميري 2: 403 طبعة بولاق "عن عون بن عبد الله عن أبيه"، وهو الصواب.

ص 64 في أثر عن كعب الأحبار: "ليس بفاحش ولا بسخاب" هكذا في الأصل، فغيره الأستاذ المحقق إلى "ليس بفحاش ولا صخاب". وذكر في الهامش أن التصحيح عن الدميري. وهذا الأثر نقله المقريزي عن "مسند الطبراني"، وهو غير موجود حتى يتيسر الرجوع إليه، فكان على المحقق أن يثبت الأصل كما هو، ثم إن شاء

ص: 230

أثبت رواية الدميري؛ لأن الأصل صواب غير خطأً، خلافًا لما يوهمه صنيعه، فإن "الفاحش" و"الفحاش" بمعنى، وكذلك "السخاب" و"الصخاب" بالسين والصاد، جاءا كلاهما في الأحاديث، وفي لسان العرب. "والسخب والصخب بمعنى الصياح، والصاد والسين يجوز في كل كلمة فيها خاء". فلم يكن ما في الأصل خطأ حتى يجوز للأستاذ تجاوزه وتغييره إلى غيره.

وأعجب من هذا كله أن ينقل المؤلف قطعة من كلام الغزالي في الإحياء، والإحياء كتاب مطبوع متداول، فلا ينشط المحقق لمراجعة النص على أصله، بل يراجعه على نقل الدميري عنه، ويتصرف في نص المقريزي بما نقل الدميري. ثم يزيدك عجبًا واستغرابًا أن يقول المؤلف بالحرف الواحد (ص 66 هامشة 11):"ونلاحظ هنا أن اتفاق المقريزي والدميري في الصيغة يدل بوضوح على أن الأول ينقل عن الثاني في هذا الفصل نقلًا حرفيًّا"!

ولماذا هذا الجزم؟ لا أدري والله! ألا يستطيع المقريزي أن يجد نسخة من كتاب الإحياء ينقل عنها حتى يضطر إلى النقل من الدميري؟ والمقريزي أعلم وأوسع اطلاعًا وأخبر بالكتب من الدميري ألف مرة! أفإذا نقلت أنا هذا الفصل عن الإحياء في بعض ما أكتب أتهم بأني نقلته عن الدميري أو عن المقريزي بأنهما أقدم مني؟ ما أظن أحدًا يزعم هذا أبدًا.

ثم قد أطال المحقق هوامش الكتاب بتراجم لكثير من الرجال

ص: 231

الذين يرد ذكرهم فيه، دون حاجة إلى ذلك، وليته لم يفعل! ففي كثير منها العجائب:

انظر إلى ص 49: "وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن خيثمة عن الأسود قال: قال عبد الله (؟ ) ". فترجم للأعمش نقلًا عن المعارف، وذكر أنه مات سنة 148، وترجم لشيخه "خيثمة" نقلًا عن كتاب (الأعلام)! ! فذكر أنه "أبو الحسن خيثمة بن سليمان القرشي الطرابلسي"، وأنه مات سنة 343! ! أيعقل هذا أحد؟ الأعمش الذي مات سنة 148 يروي عن شيخ مات بعده بنحو 200 سنة؟ ! وهذا خيثمة الذي يزعمه يروي عن الأسود بن يزيد الذي ذكر المحقق أنه مات سنة 74 أو 75؟

الأستاذ الشارح يرجع كثيرًا إلى تهذيب التهذيب، فلو رجع إليه لوجد ترجمة "خيثمة بن عبد الرحمن الجعفي الكوفي" وهو تابعي يروي عن الصحابة وعن كبار التابعين، فهو الذي يروي هذا الأثر! وقد وضع المحقق بجوار اسم "عبد الله" في الإسناد علامة استفهام؛ ليدل على أنه شبه عليه، فلم يعرف من هو، وهو عبد الله بن مسعود، كما يعرف كل من له خبرة بعلوم الحديث؛ لأن الأسود بن يزيد إذا روى عن "عبد الله" بإطلاق، فهو عبد الله بن مسعود. وكذلك فعل الشارح في أثر بعد هذا عن "عبد الله" ص 50، فوضع بجوار اسمه علامة استفهام، وهو هو.

ومما لا يعجبني من تصرف المحقق في التراجم: أن يترجم لابن

ص: 232

سينا في هامش ص 11، ثم يقول:"انظر دائرة المعارف الإِسلامية مادة ابن سينا، وما بها من مراجع"! ! أفأفلست كتب التراجم من مؤلفات علماء الإِسلام المطبوعة حتى نحيل القارئ على مراجع نادرة يشير إليها مؤلفو دائرة المعارف الإِسلامية الأجانب، وكثير من مراجعهم مطبوعات أوربية نادرة، وأكثرها مصادر غير عربية؟ ! فليت الشارح ترك هذه الترجمة، فابن سينا أشهر عند أبناء العروبة من أن يعرفوا ترجمته من مصادر أجنبية.

ومن نحو هذا، أن يترجم للترمذي صاحب السنن مرتين ص 60 وص 70، يخطئ في الأولى، فيذكر أنه مات سنة 79 ويصيب في الثانية أنه مات سنة 279 وما كانت به حاجة إلى ترجمته هنا ولا هناك؛ فالترمذي معروف لأكثر القارئين، وكتاب عبر النحل ليس موضع تراجم العلماء، وما إلى هذا قصد مؤلفه! وانظر أيضًا التراجم التي في ص 47، أتجد واحدة منها كانت ضرورية في تحقيق الكتاب؟ !

ومن المعروف بداهة أن المحقق ليس من علماء الحديث، ولا كانت علوم الحديث صناعته، فماذا يلجئه إلى أن يخرج الأحاديث على غير طريقة المحدّثين، ماله ولهذا؟ ! ويذكر المقريزي حديثًا (ص 56) ينسبه إلى سنن أبي داود، فيأتي الأستاذ فيذكر في الهامش:"روي هذا الحديث بإسناد آخر في: ابن قتيبة، عيون الأخبار"! متى كان عيون الأخبار كتابًا من كتب السنة يخرج منه الحديث، وابن قتيبة

ص: 233

لغوي أديب إخباري، وكتابه كتاب أدب، وكتب السنة كثيرة متوافرة؟ !

ومن الأغلاط في الأعلام ما جاء في ص 79 س 3: "وكتب أبو بكر محمَّد بن عمر، وابن حزم إلى عمر بن عبد العزيز، وهو عامله على المدينة"، وصوابه "أبو بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم"، وهو الذي كان عامل عمر بن عبد العزيز على المدينة، فظنه المحقق رجلين، وإن كان هذا يناقض سياق الكلام أنه رجل واحد، "أبو بكر محمَّد بن عمر" بحذف "ابن" و"ابن حزم"، وهكذا وضعه في فهرس الأعلام مقسومًا إلى علمين "أبو بكر محمَّد بن عمر" ص 111 في الجدول الأيسر، و"ابن حزم" ص 111 في الجدول الأيمن، ولما ظنهما اثنين أعرض عن الترجمة لهما، إذ لم يجد في مراجعه ما يرشده إليهما على النحو الذي أثبته.

ومنها أيضًا ما جاء في ص 75: "عن سليمان بن موسى؛ أن أبا سيار النسعي (؟ ) قال للنبي صلى الله عليه وسلم "

إلخ. وعلامة الاستفهام من وضع الأستاذ المحقق وصحة هذا الاسم "أبو سيارة المتعي" بضم الميم وفتح التاء المثناة الفوقية، وله ترجمة في الإصابة 7: 94، وذكر له الحديث الذي هنا، ونسبه لأحمد والبغوي وابن ماجه. وهو في مسند أحمد 4: 236، وسنن ابن ماجه 1: 287 ورواه أيضًا ابن حزم في المحلى 5: 232 بتحقيقنا، ورواه ابن سعد في الطبقات ج 7 ق 2 ص 136.

ومما يتصل بذلك أيضًا ما جاء في ص 68: "وفي تاريخ أصفهان

ص: 234

في ترجمة أحمد بن الحسن عن عمر رضي الله عنه (برفعه): أول نعمة ترفع من الأرض العسل". وعلق الأستاذ على هذا بأن المقريزي لم يعين اسم مؤلف هذا التاريخ، ثم نقل عن الصفدي أسماء الكتب التي ألفت في تاريخ أصفهان، وذكر أنه لم يطبع منها إلا "أخبار أصفهان لأبي نعيم"، وأنه طبع في ليدن سنة 1931. وهذا تقصير شديد منه، فإن المحدثين إذا أطلقوا النسبة إلى تاريخ أصفهان فإنما يقصدون كتاب أبي نعيم، وهو مطبوع كما ذكر المحقق، فلو أنه نشط إلى مراجعته بدلًا من مراجعة الوافي للصفدي لوجد هذا الحديث فيه 1: 116 في ترجمة "أحمد بن الحسن بن عبد الملك"، ولوجد أن صحة اسم الصحابي "عبد الله بن عمر" لا "عمر". ثم إن إثباته كلمة "برفعه" بالباء الموحدة خطأ؛ فإن هذه الكلمة اصطلاح للمحدثين، إذا أرادوا أن يختصروا، قالوا: "يرفعه" بالياء المثناة التحتية، فعلًا مضارعًا، يعني يرفع الحديث إلى رسول الله، بدلًا من أن يقولوا: "قال رسول الله".

وقد أخطأ الأستاذ المحقق في تحريف نص للمقريزي يحكي فيه اختلاف القراء في قراءة حرف من القرآن؛ إذ لم يعرف اصطلاح علماء القراءات في حكايتهم للروايات، ولم يرجع إلى شيء من كتبهم، وهي كثيرة مطبوعة، ولم يسأل أحدًا من أهل العلم بها، وما ينبغي مثل هذا في التعرض لحروف القرآن: اختلف القراء في كلمة "يعرشون" من آية النحل، فحكى المقريزي قراءتهم قال: "فقرأ ابن

ص: 235

عامر "يعرُشون" بضم الراء، وقرأ الباقون بكسرها إلَّا عاصمًا فإنه اختُلف عنه، فرُوي الوجهان جميعًا". وهذا كلام واضح لا عوج فيه، أكثر القراء قرؤوا بكسر الراء، وابن عامر قرأ بضمها، وعاصم قرأ بهما معًا. روي عنه الوجهان جميعًا. ولكن الأستاذ المحقق أفسد الكلام، ويعذرني الأستاذ إذا استعملت هذه الكلمة، فإني لم أجد خيرًا منها في موضعها، غيّر كلمة "عنه" فجعلها "عنهم"، وغير كلمة "الوجهان" فجعلها "الوجهين"، فصار الكلام هكذا: "إلَّا عاصما فإنه اختلف عنهم، فروى الوجهين جميعًا" وهذا كلام لا معنى له، ولا يجوز لأحد أن يتصرف في كلام المؤلفين إلى هذا الحد، وإن أثبت الأصل بالهامش، فإن هذا عبث وإقدام على العلم وجرأة، نعيذ أبناءنا المتثبتين أن يفعلوه، أو أن يعود إليه من فعله منهم مرة. والله يهدينا جميعًا إلى سواء السبيل.

ولو ذهبت أتتبع أمثال هذه الأغلاط في الكتاب، لتعبت وأطلت وأمللت القارئ، وما أريد إلَّا وضع الأمور مواضعها، وتنبيه الأستاذ المحقق إلى أمثلة مما صنع، عساه أن يتحرى في إخراج سائر كتب "مكتبة المقريزي الصغيرة"؛ فيخرجها على النحو الذي يجب أن تخرج فيه بين يدي القراء، حتى تكون تحفة وأثرًا نافعًا، إن شاء الله.

وقد رأيت في الكتاب بعض أغلاط لغوية، أحب أن أنبه إلى ثلاثة منها:

ص 8: "سوس المدائن الكثيرة الأهل". قال الأستاذ في تعليقه:

ص: 236

"كذا في الأصل، والصحيح سياسة". وما في الأصل صحيح، فالسوس والسياسة: كلاهما مصدر "ساس يسوس" كما في لسان العرب.

ص 32: "فتجدها الرعاة" ذكر الأستاذ في التعليق: "في الأصل: الرعا". والمعتاد في الخطوط القديمة حذف الهمزة، لا حذف الهاء، فالصواب أن تقرأ "الرعاء" بكسر الراء وبالمد، وهو جمع راع، يقال:"راع، ورِعاء"، و"راع، ورعاة".

ص 81: "ثم قام مسعود إلى مجلس عظيم الأقطار (؟ ) ". فيظهر من علامة الاستفهام أن الأستاذ المحقق اشتبه في أن كلمة "الأقطار" خطأ، وهي صواب، الأقطار: النواحي، واحدها "قطر"، وهي كلمة قرآنية معروفة.

* * *

ص: 237