الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقال الشيخ حامد الفقي بنصه حرفيًّا:
أبرأ إلى الله من سوء الظن بشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ورضي عنه
لست أدري كيف تطرق على ذهن بعض الإخوان اتهامي شيخ الإسلام ابن تيمية بالكذب من تعليقتي في الهدي (عددي رجب وشعبان) التي أقول فيها: "ليس ثَمَّ دليل على صدق أولئك المخبرين". أي؛ ليس ثم دليل من الكتاب والسنة يعتمد عليه في هذه الأمور الغيبية، ونفي الدليل على وقوع ما يذكره الناس من رؤيتهم للجن، لا يعطى مطلقًا رمي شيخ الإسلام بالكذب - حاشاه وبرأه الله - وما كنت أتصور مطلقًا أن يحملها حامل على أني أرمي شيخ الإسلام بالكذب، فهي والله عندي جدُّ عجيبة، ولكني قصدت إلى أن أقطع على الدجالين سبيل اتخاذهم لما يحكى من ذلك حجة لهم على ما يدجلون به على الدهماء، ويستغلونهم به أسوأ استغلال، كما هو شائع قد ابتلى به أكثر العوام وأشباههم، فاستولت عليهم الأوهام والخرافات حتى فسد تفكيرهم، وفسدت نظرتهم إلى كل شأن في الحياة، وترتب على ذلك ما أصيبوا به في هذه الأعصر من التأخر في ميادين الحياة العملية، وانحلال الأخلاق، ووهن العزائم.
وكيف يتوهم متوهم في حامد الفقي الذي وقف حياته على نشر علوم ابن تيمية، وتخصص فيها من يوم أن كان اسم ابن تيمية لا يذكر
إلَّا مقرونًا باللعنة على ألسنة الوثنيين الجاهلين، وما زلت - بحمد الله أصبر على ما ينالني من أذى - حتى أقبل الناس اليوم على كتب شيخ الإسلام ابن تيمية يقدرونها قدرها، وينتفعون بها ويحرصون عليها. ولقد نفعني الله بكتب شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم نفعًا أعده من أجل نعم الله عليّ، ومن أشد وآكد وصاياي لإخواني أنصار السنة: أن من لم يتضلع من كتب الشيخين، لا يمكن أن يكون سلفيًّا بالمعنى الصحيح، ولكني أحمد الله وأدعو لشيخ الإسلام دائمًا بالمغفرة والرضوان، وأضعه من نفسي أجل موضع: أن تعلمت منه مقت التقليد أشد مقت، لما يفضي إليه - كما عرفت من شيخ الإسلام ابن تيمية - إلى أسوأ العواقب في الدنيا والآخرة للفرد والمجتمع، فلست أقلد ابن تيمية ولا ابن القيم ولا غيرهما، ولا أتخذهم أربابًا من دون الله، بل العلماء عندي بشر يخطؤون ويصيبون.
ونفي صدق الدليل الشرعي: أقصد منه خطأ من يثبت تيسر رؤية الجن، كرؤية المرئيات العادية؛ فإن "الجن" بلا شك من عالم الغيب الذي نؤمن به، على ما صح وثبت عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ولا نزيد بعقلنا ولا بعقل غيرنا، فحديث الشيطان الذي كان يسرق من تمر الصدقة نؤمن به أصدق الإيمان، ونعتقد أنه ليس عامًّا بالنسبة إلى كل الناس، وفي جميع الأوقات، فهو كحادثة الجريدة التي شقها الرسول صلى الله عليه وسلم نصفين، ووضع كل واحد من شقيها على قبر من القبرين اللذين كان يعذب أصحابهما وقال:"إن الله يخفف عنهما ما لم ييبسا". أو كما قال. فهي حادثة خاصة، لا تعطي حكمًا عامًّا أبدًا. وقد روى البيهقي في مناقب الشافعي رحمه الله عن
الربيع بن سليمان أنه سمع الشافعي يقول "من زعم أنه يرى الجن رددنا شهادته، إلّا أن يكون نبيًّا". وراجع تفسير المنار لقول الله تعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف: 27].
ومن قديم عودني ربي سبحانه، وله الحمد، على أن أمضي في طريقي ذاهبًا إلى ربي ليهديني، لا أعبأ بما يحاول المعوقون أن يلقوا في طريقي من غبار، أو أشواك، وأن يوهنوا من دعوتي بأنها شذوذ، وتشديد في أمور سهلة، هي التوسل بالأولياء، وترك لما هو أهم، وغير ذلك، فما كان - ولا يزال - يقعقع به المعوقون. فاليوم - وقد قطعت مع شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وإخوانهما من السلفيين القدامى، رضي الله عنهم، نصف قرن - لا يهمني أن يقعقع حولي بهذه الشنان، فليرح نفسه من يحاول ذلك، ويذهب متتبعًا سقطات، فأين كان يوم نقدت ابن تيمية في رسالة العبودية، وكتاب اقتضاء الصراط المستقيم، وغيرها مما علقت عليه، وأعوذ بالله، وأعيذ إخواني بالله، أن أكون أو يكونوا من الذين يصدرون عن هوى أو شبهة، أو مقاصد لا تتفق وهدي الرسول صلى الله عليه وسلم ربنا لا تجعل في قلوبنا غِلًّا للذين آمنوا.
غفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ورضي الله عن شيخ الإسلام ابن تيمية الذي ما أحببته بقدر ما نفعني الله بعلمه وفقهه، فكان حبه سببًا في شديد أذًى صبرت عليه، بفضل الله وتوفيقه، حتى كانت العاقبة الحسنى، وجمعنا الله وإياه مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.