الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع:
مذهبه الفقهي
وعقيدته
* مذهبه الفقهي:
تفقه أحمد شاكر على مذهب أبي حنيفة في بداية طلبه للعلم، وكان الشيخ محمود أبو دقيقة أول شيوخ أحمد شاكر في معهد الإسكندرية، وعليه تخرج في الفقه الحنفي وتدرَّب (1).
وقرأ على والده العلّامة محمد شاكر كتاب الهداية في الفقه الحنفي، وكان من طريقة والده في الشرح؛ نبذ التعصب لمذهب الحنفية، وتحكيم الحجة والبرهان، وترجيح ما نصره الدليل الصحيح وإن خالف مذهب الحنفية، وكان لهذه الطريقة في التدريس أبلغ الأثر في استقلال رأي أحمد شاكر، وحرية فكره، ونبذه التعصب لمذهب معين (2).
ونال الشيخ أحمد الشهادة العالمِية من الأزهر الشريف حنفيًا، ومكث في القضاء زُهاء ثلاثين سنة يحكم بما أُذن له في الحكم به من مذهب الحنفية.
(1) انظر: مجلة المجلة، العدد (19) سنة 1958 م (ص 120).
وللشيخ محمود أبو دقيقة رحمه الله عناية بكتب الفقه الحنفي ومن ذلك تعليقه على كتاب: الاختيار لتعليل المختار.
(2)
انظر: محمد شاكر، مقال كتبه أحمد شاكر في مجلة المقتطف، عدد أغسطس 1939 م، (300 - 307)، ومقال كتبه محمود شاكر بعد وفاة أخيه أحمد في مجلة المجلة، العدد (19) 1958 م (ص 120).
وفي سنة 1328 هـ، بدأ بقراءة السنة النبوية قراءة جادة استفرغت عليه جهده ووقته، وكان من أثر عكوفه على دراسة السنّة رفض التقيد بمذهب معين من غير نظر في الأقوال والأدلة، قال رحمه الله:"فسمعت كثيرًا وقرأت كثيرًا، ودرست أخبار العلماء والأئمة، ونظرت في أقوالهم وأدلتهم، لم أتعصب لواحدٍ منهم، ولم أحد عن سنن الحق فيما بدا لي، فإن أخطأت فكما يخطئ الرجل، وإن أصبت فكما يصيب الرجل. أحترم رأيي ورأي غيري، وأحترم ما اعتقده حقًّا قبل كل شيء وفوق كل شيء"(1).
ومما رفضه الشيخ أحمد شاكر دعوى وجوب اتباع مذهب من المذاهب الأربعة، قال رحمه الله: "ليس هناك أي دليل على وجوب اتباع مذهب من المذاهب الأربعة، وإنما هذه كلمة شاعت عند العوام في عصور ضعف فيها العلم، واشتدت العصبية بين العلماء لمذاهب الأئمة الذين اتبعوهم، وقد كانت هناك أيام العصبية مذاهب أخرى يتعصب لها أتباعها؛ كمذهب داود الظاهري ومذهب ابن جرير - صاحب التفسير - ومذهب الأوزاعي وغيرهم. ثم ضعف العلماء فقلدوا العوام والجهال في العصبية للمذاهب الأربعة، ومن عجب أن يقلد العالم الجاهل. وأما الأئمة رضي الله عنهم فما كان أحد منهم ليرضى أن يقلده أحد، بل كانوا يعلمون العلم ويظهرون الناس على أدلته، ويجادلهم تلاميذهم وأتباعهم،
(1) تقدمة أحمد شاكر لكتاب الرسالة (ص 8).
ويوافقونهم ويخالفونهم، ولم يجعل الله قول أحدٍ من العلماء حجة على الناس؛ بل الحجة في الأدلة الصحيحة من الكتاب والسنة الصحيحة والاستنباط منهما، وكل أحد يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، فما علمه العالم من الدليل واقتنع به وجب عليه اتباعه، وحرم عليه أن يخالفه لقول أحدٍ كائنًا من كان، في كل عصر وحين" (1).
ومع رفض أحمد شاكر رحمه الله للتقليد إلا أن ذلك لم يمنعه من التصريح بإعجابه الكبير بالإمام الشافعي رحمه الله وملكته الفقهية.
قال الشيخ أحمد شاكر: "لو جاز لعالم أن يُقلَّدَ عالمًا كان أولى الناس عندي أن يُقلَّد الشافعي. فإني أعتقد - غير غالٍ ولا مسرف - أن هذا الرجل لم يظهر مثلُه في الإسلام، في فقه الكتاب والسنة، ونفوذ النظر فيهما ودقة الاستنباط، مع قوة العارضة، ونور البصيرة، والإبداع في إقامة الحجة وإفحام مناظره. فصيح اللسان، ناصع البيان في الذروة العليا من البلاغة"(2).
وقد اتسم فقه الشيخ أحمد شاكر بالتحرر المذهبي، ولا غَرْوَ فإن دراسته المتخصصة في علم الحديث، واحتكاكه بقضايا العصر، ومعايشته لأحوال الناس من خلال ثلاثين سنة قضاها في القضاء، كل
(1) تعليق أحمد شاكر على دائرة المعارف (5/ 416).
(2)
تقدمة أحمد شاكر لكتاب الرسالة (ص 5).