الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفتح المبين في طبقات الأصوليين
(*)
تأليف الأستاذ عبد الله مصطفى المراغي (1)
صديقي الأستاذ الشيخ عبد الله المراغي ممن رزق حب العلم، وحب العناية به والتوسع فيه، فكان ديدنه منذ نشأته أن يحرص على البحث والاطلاع، ولا يزال يشغل ما يجد من وقت يخلو فيه من عمله الرسمي بالعلم والتعمق فيه، وهذا الكتاب باكورة ما ينشر من آثاره، فإني أعرف أن له كتبًا غيره لم تنشر، أراني بعضها، ولعله يوفق إلى نشرها إن شاء الله.
وهذا الباب الذي صنع فيه هذا الكتاب، باب طريف، هو من باب التراجم، والتراجم محببة إلى القلوب، تنبسط إليها النفس وترتاح، ففيها تعرف لأحوال من سبق من العلماء وغيرهم، وفيها عبرة وعظة، ولكنه باب خاص لم يسبق إليه فيما نعلم، قصَد فيه إلى استيعاب تراجم علماء الأصول وحدهم، ولا نعرف أحدًا ألف فيه كتابًا يحصرهم خاصًا بهم، إلَّا ما حكى السيوطي في (حسن المحاضرة) إذ ترجم نفسه وأثبت في الترجمة مؤلفاته، فذكر منها كتابًا
(*) مجلة الكتاب، المجلد الخامس، السنة الثالثة، الجزء الخامس، ربيع الثاني 1367 هـ، مارس 1948.
(1)
الجزء الأول، 272 صفحة و 40 فهارس من القطع الكبير مطبعة أنصار السنة المحمدية بمصر سنة 1366 هـ.
في (طبقات الأصوليين)، وما رأينا هذا الكتاب قط، ولا علمنا أنه يوجد في مكتبة من مكاتب العالم، مما وصل إلينا خبره، وقد أشار المؤلف إلى ذلك في ص 10، وقال:"وإذا تحدثنا بنعمة الله علينا فقلنا: إن عملنا هذا غير مسبوق، فإننا نعتمد في ذلك على الاستقراء والبحث". وأنا أوافقه على هذا.
والكتاب سيكون في ثلاثة أجزاء، كما علمت من المؤلف، ورتبه ترتيب الطبقات، أي؛ أنه ذكر تراجم الأصوليين على طبقاتهم في التاريخ: الأقدم فالأقدم، وقد وصل في آخر هذا الجزء الأول إلى ترجمة (أبي القاسم الباجي) المتوفى سنة 493، أي إلى أواخر القرن الخامس الهجري.
وقدم لكتابه بمقدمة جيدة، في 21 صفحة، تحدث فيها عن علم الأصول، وأول من كتب فيه، وعن طرق الأصوليين في التأليف، وعن الأصوليين في عصري الاجتهاد والتقليد. ثم شرع في التراجم، فتحدث عن (الحالة العلمية في القرن الأول الهجري)، ثم بدأ بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ترجم بعض الصحابة والتابعين، وأتبع ذلك بكلمة عن (الحالة العلمية في القرن الثاني)، وترجم لمن عندهم من علماء الأصول في ذلك القرن، ثم صنع مثل ذلك في كل من القرون: الثالث والرابع والخامس.
والتراجم في الكتاب متوسطة، بل هي أقرب إلى الإيجاز، ولعل عذر المؤلف في هذا أنه يرمي إلى استيعاب تراجم الأصوليين، وهم
كثيرون، فلعله لو أسهب طال الكتاب جدًّا، وليته فعل، إذن لكان ذلك أجدر به، وأقوى لكتابه، وأكثر فائدة ومتعة للقارئ، خصوصًا الذين تخفى عليهم كتب المتقدمين في التراجم وموسوعاتهم، والذين يضيق صدرهم أن يقرؤوا نفائس ما كتب الأقدمون. ولكن المؤلف على ما أوجز لم يقصر في إرشاد القارئ المجتهد الطلعة إلى مصادر التراجم التي أخذ منها، حتى يشبع نهمه، وييسر له سبل التوسع والبحث.
وليت المؤلف الفاضل لم يحرص على السجع في عنوان الكتاب، فهذه طريقة كانت مستحبة في وقت ما، في وقت التكلف في الكلام وفي الكتابة:(الفتح المبين في طبقات الأصوليين)! وما أبدعه اسمًا للكتاب لو كان (طبقات الأصوليين) ليس غير.
وعلم (الأصول) علم مستحدث، أول من ألف فيه الإِمام الشافعي محمَّد بن إدريس، المتوفى سنة 204، كتب فيه "كتاب الرسالة"، وبعض كتب أخرى صغيرة في مسائل من مسائله، وما أظن أن هذا الاسم (الأصول) كان معروفًا بالمعنى الاصطلاحي الذي يعرفه المتأخرون لا في عصر الشافعي ولا قبله وإنما (كتاب الرسالة) كتاب في أصول استنباط المسائل الفقهية من الكتاب والسنة، وكذلك كتب الشافعي الأخرى، أما أن تكون وضعت لهذا المعنى المتعارف، فما أظن ذلك، وأيًّا ما كان فمن اليقين أنه لم يكن معروفًا بهذا المعنى في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ولا تابعيهم، فلذلك
لا أرى ما رآه المؤلف من ذكر سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتراجم بعض أصحابه وبعض التابعين في كتاب خاص بتراجم الأصوليين، والقارئ لا يستطيع أن يفهم، مهما نحاول أن نتأول أو نتكلف، أن يكون رسول الله وأبو بكر وعمر وسلمان الفارسي وسعيد بن المسيب من (الأصوليين)، بل هو لا يكاد يسيغ أن يعتبر أبو حنيفة ومالك وابن وهب وابن القاسم من الأصوليين؛ إذ ليس لواحد منهم كتاب ولا جزء ولا بحث في (علم الأصول).
ومراجع المؤلف التي رجع إليها في تعرف التراجم، مراجع جيدة معتمدة إلَّا قليلًا، فقد اعتمد على بعض المؤلفات المحدثة، التي ليس لمؤلفيها آراء أو أبحاث في مثل هذا الموضوع الجليل، إنما هي نقل صرف عن المصادر الأصلية التي جعلها المؤلف من مراجعه، والنقل قد يخطئ، فما استطعت أن أرجع إلى المصادر الأولى للتاريخ والتراجم، فلن ألجأ إلى من ينقل عنها، وخاصة إذا لم يكن ممن عرف بالدقة والتحري والضبط لما ينقل، وهذه إشارة عابرة، ولا أقصد بها إلَّا الطمأنينة والثقة.
* * *