المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ديوان أبي فراس الحمداني - جمهرة مقالات أحمد شاكر - جـ ١

[أحمد شاكر]

فهرس الكتاب

- ‌الإِهْدَاءُ

- ‌طلائع الجَمْهَرة

- ‌العلّامة أحمد محمد شاكرحياته الشخصيّة ومسيرته العلميّة

- ‌المبحث الأول: اسمه ونسبه وولادته وأسرته

- ‌إلماعة عَجْلى عن أسرة أحمد شاكر

- ‌المبحث الثاني: حياته ورحلاته وصلاته

- ‌رحلاته:

- ‌صلاته وصداقاته:

- ‌1 - مصطفى صادق الرافعي:

- ‌2 - محمد خميس هيبة:

- ‌3 - الدكتور زكي مبارك

- ‌4 - الشيخ محمد نور الحسن، والشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد:

- ‌5 - لويس سركيس:

- ‌6 - السيد محمد السنوسي الأنصاري:

- ‌7 - الشيخ محمد نصيف:

- ‌8 - الشيخ محمد حامد الفقي:

- ‌9 - عبد العزيز الميمني:

- ‌10 - عبد الوهاب عزام:

- ‌11 - عبد السلام هارون

- ‌12 - السيد أحمد صقر

- ‌13 - الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي:

- ‌14 - الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي

- ‌15 - أبو السمح:

- ‌16 - محمد أفندي محمد عبد اللطيف:

- ‌17 - أحمد علي الطاهر:

- ‌18 - أحمد أمين:

- ‌19 - فوزان السابق:

- ‌20 - عبد الله المراغي:

- ‌21 - الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي:

- ‌22 - الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة:

- ‌23 - أبو محمد عبد الحق بن عبد الواحد الهاشمي

- ‌24 - محب الدين الخطيب

- ‌25 - عبد الرحمن الكواكبي:

- ‌26 - محمد أحمد الغمراوي:

- ‌27 - محيي الدين رضا:

- ‌28 - محمد عبد الله دراز:

- ‌المبحث الثالث: شيوخه وأساتيذه

- ‌ الشيوخ والأساتذة

- ‌1 - الشيخ عبد السلام الفقي:

- ‌2 - الشيخ محمود أبو دقيقة:

- ‌3 - الشيخ محمد شاكر:

- ‌4 - الشيخ محمد مصطفى المراغي

- ‌5 - الشيخ إبراهيم الجبالي

- ‌6 - الشيخ عبد الستار بن عبد الوهاب الدهلوي

- ‌7 - العلّامة عبد الله بن إدريس السنوسي

- ‌8 - الشيخ محمد بن الأمين الشنقيطي

- ‌9 - الشيخ أحمد بن الشمس الشنقيطي

- ‌10 - العلّامة طاهر الجزائري

- ‌11 - الشيخ جمال الدين القاسمي

- ‌12 - أبو الوفاء بن أحمد بن شرقاوي

- ‌13 - الشيخ محمد رشيد رضا:

- ‌14 - الشيخ بسيوني بن بسيوني بن حسن عسل:

- ‌15 - الشيخ عبد الوهاب النجار:

- ‌16 - الأستاذ علي الجارم:

- ‌17 - الشيخ عبد الحيّ الكَتَّاني:

- ‌18 - الدكتور منصور فهمي:

- ‌تلاميذه:

- ‌المبحث الرابع:‌‌ مذهبه الفقهيوعقيدته

- ‌ مذهبه الفقهي

- ‌ عقيدته:

- ‌المبحث الخامس: آثاره العلمية

- ‌أولًا: آثار الشيخ في القرآن وعلومه:

- ‌1 - تفسير الطبري المسمى (جامع البيان عن تأويل آي القرآن):

- ‌2 - عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير:

- ‌3 - تفسير الجلالين: جلال الدين المحلي وجلال الدين السيوطي:

- ‌4 - جامع البيان في تفسير القرآن:

- ‌5 - هداية المستفيد في أحكام التجويد للشيخ أبي ريمة:

- ‌6 - منجد المقرئين ومرشد الطالبين للإمام محمد بن محمد الجزري:

- ‌ثانيًا: آثار الشيخ في الحديث وعلومه

- ‌1 - المسند للإمام أحمد بن حنبل

- ‌2 - جامع الترمذي:

- ‌3 - صحيح ابن حبان:

- ‌4 - مختصر سنن أبي داود للحافظ المنذري مع معالم السنن لأبي سليمان الخطابي وتهذيب الإمام ابن قيم الجوزية:

- ‌5 - صحيح البخاري بشرح الكرماني:

- ‌6 - الأربعون النووية:

- ‌7 - السمع والطاعة:

- ‌8 - العمدة في الأحكام:

- ‌9 - أربع رسائل حقق فيها ثمانية أحاديث من جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي:

- ‌10 - حكام الأحكام شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد:

- ‌11 - نزهة النظر شرح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر العسقلاني:

- ‌12 - الخراج ليحيى بن آدم القرشي:

- ‌13 - شرح ألفية السيوطي في علم الحديث:

- ‌15 - الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث:

- ‌16 - ضبط وتصحيح ألفية العراقي:

- ‌17 - خصائص مسند الإمام أحمد للإمام أبي موسى المديني

- ‌18 - المصعد الأحمد في ختم مسند الإمام أحمد لابن الجزري:

- ‌19 - التحقيق في أحاديث الخلاف لابن الجوزي:

- ‌ثالثًا: ما يتعلق بالفقه وأصوله:

- ‌1 - المحلي لابن حزم:

- ‌2 - الروض المربع للبهوتي بشرح زاد المستنقع لأبي النجا الحجاوي:

- ‌3 - أخصر المختصرات في فقه الإمام أحمد:

- ‌4 - مختصر المقنع في فقه الإمام أحمد للحجاوي:

- ‌5 - الرسالة للإمام الشافعي:

- ‌6 - جماع العلم للشافعي:

- ‌7 - الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم:

- ‌8 - قواعد الأصول ومعاقد الفصول (مختصر تحقيق الأمل في علمي الأصول والجدل) لصفي الدين عبد المؤمن الحنبلي:

- ‌9 - نظام الطلاق في الإسلام

- ‌10 - كلمة الفصل في قتل مدمن الخمر:

- ‌11 - رسالة في شروط الصلاة لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب:

- ‌12 - أوائل الشهور العربية هل يجوز شرعًا إثباتها بالحساب الفلكي

- ‌13 - الروضة الندية شرح الدرر البهية للعلامة صديق حسن خان:

- ‌14 - المسح على الجوربين للعلامة محمد جمال الدين القاسمي:

- ‌15 - مذكرة في قضية الوارثين الشرعيين المحرومين من حقوقهم في أوقاف أهليهم مؤيدة بفتوى الإمام محمد بن عبد الوهاب:

- ‌16 - أبحاث في أحكام (فقه وقضاء وقانون):

- ‌رابعًا: ما يتعلق بالعقيدة:

- ‌1 - كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد لشيخ الإِسلام محمد بن عبد الوهاب:

- ‌2 - الأصول الثلاثة وأدلتها لشيخ الإِسلام محمد بن عبد الوهاب:

- ‌3 - القواعد الأربع لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب:

- ‌4 - العقيدة الواسطية لشيخ الإِسلام ابن تيمية

- ‌5 - المناظرة في العقيدة الواسطية بين شيخ الإسلام ابن تيمية وعلماء عصره

- ‌6 - لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد للإمام ابن قدامه المقدسي:

- ‌7 - التدمرية لشيخ الإِسلام ابن تيمية:

- ‌8 - الفتوى الحموية الكبرى لشيخ الإِسلام ابن تيمية

- ‌9 - عقيدة أهل السنة والجماعة للحافظ أبي الفرج بن الجوزي

- ‌10 - شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي

- ‌11 - الكتاب والسنة يجب أن يكونا مصدر القوانين في مصر

- ‌خامسًا: ما يتعلق بالأدب واللغة:

- ‌1 - الشعر والشعراء لابن قتيبة:

- ‌2 - إصلاح المنطق لابن السكيت

- ‌3 - كتاب المفضليات للمفضل الضبي:

- ‌4 - الأصمعيات للأصمعي:

- ‌5 - لباب الآداب للأمير أسامة بن منقذ:

- ‌6 - المعرّب للجواليقي:

- ‌7 - الكامل في اللغة والأدب للمبرد:

- ‌سادسًا: ما يتعلق بالسير والتراجم:

- ‌1 - جوامع السيرة لابن حزم:

- ‌2 - ترجمة الإمام أحمد من تاريخ الإسلام للذهبي:

- ‌3 - ترجمته لوالده الشيخ محمد شاكر

- ‌سابعًا: ما يتعلق بالأنساب:

- ‌1 - جمهرة أنساب العرب لابن حزم:

- ‌2 - نسب قريش للمصعب الزبيري:

- ‌ثامنًا: ما يتعلق بالردود العلميّة والمقالات الصحفية:

- ‌1 - الشرع واللغة:

- ‌2 - بيني وبين الشيخ حامد الفقي:

- ‌3 - تعليقات في أبحاث دقيقة على دائرة المعارف الإسلامية:

- ‌4 - مقالات أحمد شاكر في الصحف والمجلات:

- ‌تحقيق التراث

- ‌النسخة اليونينية من صحيح البخاري

- ‌التقي اليونيني الكبير وأولاده:

- ‌الحافظ شرف الدين اليونيني:

- ‌النسخةُ اليُونينيَّةُ:

- ‌الطبعة السلطانية:

- ‌نسختي الخاصة من الطبعة السلطانية:

- ‌تصحيح الكتب

- ‌سير أعلام النبلاء - ترجمة عائشة أم المؤمنين

- ‌مقدمة الرسالة للإمام الشافعي

- ‌التحقيق لابن الجوزي

- ‌(وصف النسخة):

- ‌(وصف الكتاب):

- ‌التعريف بالكتب

- ‌تفسير القرآن الحكيم

- ‌قصص القرآن

- ‌المذاهب الإسلامية في تفسير القرآن

- ‌ثمار المقاصد في ذكر المساجد (*) ليوسف بن عبد الهادي

- ‌لمحة من سيرة الملك عبد العزيز

- ‌نقد الكتب والمقالات

- ‌أي نعم: في التأني السلامة

- ‌كلمة

- ‌الانتقاد على المنار وتفسيره

- ‌ديوان أبي فراس الحمداني

- ‌الفتح المبين في طبقات الأصوليين

- ‌نِحَل عبر النَّحْل

- ‌مقتل مالك بن نويرة وموقف خالد بن الوليد

- ‌أسامة بن منقذ

- ‌الخطيب البغدادي

- ‌دراسات عن مقدمة ابن خلدون

- ‌عصر النبي عليه السلام وبيئته قبل البعثة

- ‌فقه القرآن والسنة

- ‌باب المراسلة والمناظرة

- ‌تَحْقِيقُ سِنِّ عَائِشَة

- ‌صَدَى النقد

- ‌تصحيح القاموس

- ‌ابن محيصن

- ‌بين أحمد شاكر وحامد الفقي

- ‌بيني وبين الشيخ حامد الفقي

- ‌حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ محمد حامد الفقي رئيس جماعة أنصار السنة ورئيس تحرير مجلة (الهدي النبوي)

- ‌أبرأ إلى الله من سوء الظن بشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ورضي عنه

- ‌التعقيب على مقاله

- ‌بيني وبين أخي الشيخ أحمد شاكر

- ‌تعقيب لفضيلة الشيخ أحمد محمد شاكر

- ‌الدفاع عن الحق

- ‌كلمة الحق

- ‌صُحُف الهِلَال والدّعَاية ضِد الإسلام

- ‌عبد العزيز فهمي باشا وعداؤه للعربية

- ‌الإيمانُ قَيْدُ الفَتْكِ

- ‌على الطريقة الأمريكية

- ‌ خمارة حقيقية

- ‌حضور المسلمين الصلاة في الكنائس

- ‌خطاب مفتوح إلى شيخ الأزهر

- ‌خواطر

- ‌1 - في التعليم

- ‌2 - في المحاضرة الحمقاء

- ‌3 - في الأعراض

- ‌4 - لصوص الثياب

- ‌5 - هل في شعائر الإسلام وثنية

- ‌6 - بحث في تاريخ السيد البدوي

- ‌7 - مقاطعة الملحدين

- ‌8 - الكشف الطبي على راغبي الزواج

- ‌9 - تعليم الدين في المدارس

- ‌10 - الجامعة المصرية

- ‌جرأة عجيبة على تكذيب القرآن

الفصل: ‌ديوان أبي فراس الحمداني

‌ديوان أبي فراس الحمداني

(*)

تحقيق الدكتور محمَّد سامي الدهان (1)

أما هذا فكتاب عظيم، بلغ الذروة العليا في إتقان التحقيق والإخراج، لا يكاد يدانيه في هذا كتاب، إلا في الندرة بعد الندرة.

فشعر أبي فراس من الشعر الغالي النفيس، وكان ديوانه محجوبًا أو كالمحجوب، فقد طبع ثلاث مرات وكأنه لم يطبع، مما وقع في طبعاته من النقص والمسخ والتحريف والتبديل.

وقد وفق الأخ الأستاذ المحقق إلى العناية بجمع نسخه المخطوطة في أقطار الدنيا والاطلاع عليها، ورحل من أجله رحلات واسعة، حتى يخرجه صحيحًا كاملًا، بما في الوسع الإنساني من قوة ومن ضعف، فبلغ فيما صنع الغاية أو كاد.

وجعل الأستاذ العلامة هذا الديوان رسالته إلى جامعة باريس، فتقبلته أحسن قبول، ونوقش فيه هناك في العام الماضي، وأجازوه عليه (دكتورية الدولة)، وهي أعلى الشهادات عندهم فيما نعلم.

(*) مجلة الكتاب، المجلد الخامس، السنة الثالثة، الجزء الرابع، جمادى الأولى 1367 هـ/ أبريل 1948 م.

(1)

3 مجلدات 200 ص، و 320، 626 صفحة من القطع الكبير. المعهد الفرنسي، دمشق 1944

ص: 213

والدكتور سامي الدهان بلدي أبي فراس، من حلب الشهباء، فرأى أن يخدم شاعر بلده، بإخراج ديوانه إخراجًا صحيحًا، بل إنه شغف بشعره منذ عهد بعيد، واستظهر منه شعرًا كثيرًا:"ثم أردت أن أقول فيه، وأن أظهره مع أقرانه، لعلي أنصفه من ظلمٍ، وأنصره من جور، فلما يممت باريس عام 1936 عملت له وقرأت في شأنه، ولكني انتهيت إلى أن الديوان أبتر، قد ركبه الاضطراب وعمه الفساد، وما علمت بمعدنه من خزائن الغرب حتى شمرت إلى الفهارس، وكتبت إلى الخازنين، وراسلت المستشرقين، ولما كان مؤتمر المستشرقين في بروكسل عام 1938، سافرت إليه، وسألت من يضطلع بالعربية فيه، وتزودت بما ينير سبيلي الجديد، فكان الرأي أن أسير إلى مكامنه بأمهات العواصم". فذكر رحلته إلى برلين، ثم عودته إلى باريس "وفيها نسخ أخرى من الديوان، أقبلت إليّ تحمل الشاعر، من إنكلترة، وإيطالية، ومراكش، وسورية، وتركية، فسألتها عن شعره، وشرح راويه، فجلت ووضحت، ومحت بعض الظن، وأكدت بعض اليقين، وطالت بي الطريق، فأدركني الملال، وأصابني الكلال، وكاد يستحوذ اليأس على قلبي، لولا تشجيع أساتيذي وعونهم، ونصائح المستشرقين ومددهم، ولا ينتهي العمل بإعداد الديوان، فأنا في جامعة غربية أقدم إليها رسالتي وجهدي، فعلي أن أخط بلسانها ما علمت من الشاعر، وما يضيف الديوان الجديد إلى الديوان العتيق، ففعلت وتقدمت بما كتبت إلى جامعة باريس، فرضيت عنه، ومنحتني الموافقة". وهكذا يسير على سننه،

ص: 214

ولا يضن بجهد ولا وقت ولا مال، حتى يتم طبع الكتاب في أوائل سنة 1945 "راجيًا أن يكون قربانًا للأدب وخدمة لحلب، وزكاة للعلم، وأحتسب عند الله ما أنفقت في سبيله من شباب وجهد"(ص 623 - 625).

وأبو فراس شاعر رقيق العاطفة، عذب اللفظ، قوي العارضة، جزل فصيح، وهو عربي النسب والدار، فارس محارب، غاض الغمار، ولقي الأخطار، ووقع في الإسار، في شهر شوال سنة 351، ونقل إلى القسطنطينية، فأكبر فيه الروم البطولة والصراحة والنفس العربية، فأكرموه إكرامًا لم ينله أسير قبله، وأعطاه ملكهم دار البلاط الإمبراطوري (وهو قصر كبير على البحر)، وخصص له خادمًا يقوم بأمره، وأذن له فيما يشاء من الثياب والسلاح، وكان لهذه الفترة من حياته أبلغ الأثر في شعره، حتى يقول الدكتور الدهان (ص 17 من التقدمة):"هذا كله شعر شامي، جميل صادق، جزل فصيح، سهل لين، قد نجد لصوره وتعابيره مثيلًا فيما سبق من أدباء، ومر من شعراء، ولكنه لا يشبه في شيء هذه "الروميات" التي نظمها خلال أسره، ففجرت من نفسه عيونًا، وخلدته على الزمان، فيها شكوى العليل الذي لا يحس حوله بعطف قريب، أو عناية حبيب، تطول عليه الساعات، وتمتد به الأيام، وتتأخر عنه الكتب، فيشتاق منازل الشباب وملاعب الصبا، ويرثي لهذه العجوز العليلة [يريد أمه] التي يقلقها ذكراه".

ص: 215

ولم يعن أبو فراس بجمع ديوان لشعره، شغلًا بما اضطلع به من جلائل الأمور في الحرب والسياسة، وإنما كان يلقيه إلى أستاذه ابن خالويه (الحسين بن أحمد الإِمام النحوي اللغوي المقرئ، المتوفى بحلب سنة 370)، ويحظر عليه نشره، فلما قتل أبو فراس في جمادى الأولى من سنة 357 جمع أستاذه ما ألقاه إليه، وشرحه، وقدم لكثير من قصائده بمقدمات تاريخية تشرح مناسبة القول والغرض فيه، ويقول ابن خالويه في مقدمة الديوان (ص 2):"وما زال رحمه الله إيجابًا لحق الأدب، ورعاية للصحبة، وعلمًا بأهل المحافظة، يلقي إلي دون الناس شعره، ويحظر عليّ نشره، حتى سبقتني وإياه الركبان، فجمعت منه ما ألقاه إليَّ، وشرحته من مزيد أخباره في الأيام المذكورة فيه، بما أرجو أن يقرنه الله عز وجل بالصواب والرشاد، بمنه وطوله، وقوته وحوله".

وقد بلغ عدد المخطوطات من ديوان أبي فراس، التي وقعت للدكتور الدهان واعتمدها في إخراجه وتحقيقه 32 مخطوطة، غير يتيمة الدهر، ومصادر التاريخ والأدب التي فيها شعر أبي فراس، وقد صنف هذه المخطوطات إلى أربع طوائف، بتقارب روايات كل طائفة، وتشابهها في عدد القصائد والأبيات، وفي الشروح، واتحادها في الخطأ والصواب. فالطائفة الأولى 6 نسخ، والطائفة الثانية 8 نسخ، والطائفة الثالثة نسختان، والطائفة الرابعة 16 نسخة، وتختلف هذه النسخ في عدد القصائد وعدد الأبيات اختلافًا واسع المدى.

ص: 216

وقد أحصى الدكتور المحقق القصائد والأبيات في كل نسخة من هذه النسخ، وفي هذه الطبعة التي حققها، ووضع لذلك الجدول الآتي:

............. عدد القصائد

عدد الأبيات

الطائفة الأولى

329

2867

الطائفة الثانية

275

2643

الطائفة الثالثة

204

2328

الطائفة الرابعة

275

2299

هذه الطبعة المحققة

364

3724

وأما الطبعات الأولى للديوان فلا قيمة لها، ولا تكاد تذكر بجانب هذا العمل الضخم، والجهد النادر في التحقيق والإخراج، وإنما نشير إليها إشارة:

فأول طبعة ظهرت في بيروت سنة 1873 في المطبعة السليمية في 151 صفحة من القطع المتوسط، يقول الدكتور الدهان:"وهي مشوهة مصحفة مشحونة بالأغاليط، محشوة بالأخطاء، وزاد في ضعفها أنها اعتمدت على أضعف النسخ، فأخذت مخطوطة من نسخ دار الكتب المصرية، لعلها (رقم 2150) من الطائفة الرابعة". ثم ذكر مثالاً مما فيها من تحريف (ص 23 من التقدمة).

ص: 217

والطبعة الثانية ظهرت سنة 1900 في بيروت بالمطبعة الأدبية في 159 صفحة، وليست خيرًا من سابقتها، وزادت عليها شرحًا لفظيًّا اعتمد مؤلفه فيه على حل الألفاظ من (القاموس المحيط)، ونسب ناشرها هذا الشرح لنفسه، وقد كشف الدكتور الدهان أنه ليس له كما يدعي:"بل هو لعالم فقيه من علماء القرن الحادي عشر، عرفنا أنه عبد اللطيف البهائي، كان قاضيًا ببلغراد، وحفظ شرحه في إستانبول ومصر"!

والطبعة الثالثة صورة من الطبعة الثانية، ظهرت في سنة 1910.

وقد زادت طبعة الدكتور الدهان على هذه الطبعات الثلاث 152 قصيدة، غير الأبيات التي تزيد في صلب القصائد في تلك الطبعات، ثم تتبع الشعر الذي نسب إلى أبي فراس في كثير من المراجع المخطوطة والمطبوعة "ولم يرد في أمهات المخطوطات، وقد شككنا بصحة نسبتها إلى شاعرنا". وهي 12 قطعة (ص 450 - 455)، ثم ذكر ثلاث قطع نسبت إلى أبي فراس وهي لغيره، اثنتان منها لسيف الدولة، والثالثة لابن المعتز (ص 456 - 457).

ثم أتبع الكتاب بترجمة أبي فراس وأخباره، عن كتب الأدب والتاريخ، ذكرها بنصوصها، توثقًا وتثبتًا، وحرصًا على الأمانة والدقة (ص 459 - 480)، ثم صنع (شجرة) للأسرة الحمدانية، استنبطها من شرح ابن خالويه، ومن شعر الشاعر نفسه ومن تاريخ ابن خلكان وغيره من مصادر التاريخ.

ص: 218

وأعقب ذلك بعشر فهارس دقيقة متقنة، خيرها وأنفسها أولها وآخرها؛ فإنه في الفهرس الأول تتبع مصادر شعر الشاعر في مطاوي كتب الأدب والتاريخ، اختار منها ثلاثين كتابًا، فأحصى كل ما روته له من شعر، ذكر صدر البيت وبحره وقافيته، وعدد الأبيات ومواقعها من كل كتاب بتعيين الجزء والصفحة.

وفي الفهرس العاشر الأخير لخص مضمون القطعة أو القصيدة في جملة قصيرة ترمز إلى هدف الشاعر منها "فإن كان ثمة شرح أو تعليق لابن خالويه اختصرناه، وإن لم يكن اقتبسناه من عبارة الشاعر نفسه، فلم نبتعد عن الأصل"(ص 591).

ولم يخل الكتاب من أغلاط مطبعية وغير مطبعية، تتبع الأستاذ الدكتور كثيرًا منها، ووضع في آخر الكتاب بابًا للتصويب والاستدراك، وأعرض عن كثير مما يدركه القارئ ولا يخفى على فطنة المطالع، خصوصًا ما كان منها في تعليقاته على الديوان.

وعندي أن مرد كثرة الأغلاط إلى الحرص على الشكل الكامل للكلمات في متن الديوان، وهذا الشكل الكامل غلو في الأناقة، يتجاوز حد الضرورة، بل يتجاوز حد الكمال والنظر يند عنه حين التصحيح، بل هو قد يضل المصحح عما تحته من خطأ في الكلمة، أو عما يجاوره من خطأ في غيرها، وأرى أن الواجب أن يقتصر في الشكل على ضبط ما يظهر صحة الكلمة من الحروف، فرب حرف

ص: 219

واحد يضبط من الكلمة يضعها صحيحة على لسان القارئ لا تحتمل تصحيفًا، وبعض الكلم يكفي في تعيينها ضبط حرفين، والنادر من الكلم ما يحتاج إلى ضبط كل حروفه، ولعل نصف الكلمات أو قريبًا من نصفها لا يحتاج إلى ضبط، فيكون ضبطها عبثًا وتزيدًا.

وأنا أظن أني خبرت هذا ومارسته فيما نشرت من كتب، وأظن أني استطعت أن أستغني عن أكثر الشكل فيما أخرجته من الأجزاء من (المسند) للإمام أحمد بن حنبل، وقد أخطئ بعض الشيء فأشكل ما ليس بمشكل ولكني أحرص على أن لا أتجاوز ما رسمت.

وبعد: فلعل أكثر ما آخذه على الصديق الدكتور سامي أنه غلا غلوًّا شديدًا في إثبات اختلاف النسخ التي وقعت له من الديوان، وكثير منها مسخها الناسخون، وأفسدها الرواة الجاهلون، فإذا ما أراد القارئ أن يتتبع اختلاف الروايات في البيت أو الكلمة أضلته هذه الروايات الواضحة الغلط، وكان في بعضها ما يغني، وأنا أرى أن القصد في ذلك أفضل، وأن لا يثبت من اختلاف النسخ إلا ما احتمل التصويب، وما لم نجزم بخطئه قطعًا إلا أن يكون الخطأ في نسخة معتمدة يخشى أن يغتر بها بعض القارئين، أو يكون في طبعة وحيدة للكتاب سارت بين الناس وكثرت في أيديهم، فيخشى أن يعتمدوها حجة إذا غلب عليها الصحة، أما إذا غلب عليها الغلط، فأرى أن التنبيه عليها ووصفها كافٍ عن تتبع أغلاطها، وما أقول هذا إلا عن تجربة وعناء، وأسأل الله التوفيق.

ص: 220

وبعد مرة أخرى: فلو أذن لي الصديق لاقترحت عليه أن يعيد نشر الديوان في طبعة قريبة التناول للقراء والأدباء، وأكثرهم فقراء أو متوسطو الحال؛ فإن ثمانية جنيهات أو عشرة ثمنًا للنسخة الواحدة من هذه الطبعة الفاخرة الغالية، يشق على أكثر الناس، ولا يستطيعه إلا خاصة الخاصة، والمتشوقون إليه والمقدروه قدره ينظرون إليه ثم لا يستطيعون، ولعله مجيب هذا الرجاء، إن شاء الله.

* * *

ص: 221