المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ محمد حامد الفقي رئيس جماعة أنصار السنة ورئيس تحرير مجلة (الهدي النبوي) - جمهرة مقالات أحمد شاكر - جـ ١

[أحمد شاكر]

فهرس الكتاب

- ‌الإِهْدَاءُ

- ‌طلائع الجَمْهَرة

- ‌العلّامة أحمد محمد شاكرحياته الشخصيّة ومسيرته العلميّة

- ‌المبحث الأول: اسمه ونسبه وولادته وأسرته

- ‌إلماعة عَجْلى عن أسرة أحمد شاكر

- ‌المبحث الثاني: حياته ورحلاته وصلاته

- ‌رحلاته:

- ‌صلاته وصداقاته:

- ‌1 - مصطفى صادق الرافعي:

- ‌2 - محمد خميس هيبة:

- ‌3 - الدكتور زكي مبارك

- ‌4 - الشيخ محمد نور الحسن، والشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد:

- ‌5 - لويس سركيس:

- ‌6 - السيد محمد السنوسي الأنصاري:

- ‌7 - الشيخ محمد نصيف:

- ‌8 - الشيخ محمد حامد الفقي:

- ‌9 - عبد العزيز الميمني:

- ‌10 - عبد الوهاب عزام:

- ‌11 - عبد السلام هارون

- ‌12 - السيد أحمد صقر

- ‌13 - الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي:

- ‌14 - الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي

- ‌15 - أبو السمح:

- ‌16 - محمد أفندي محمد عبد اللطيف:

- ‌17 - أحمد علي الطاهر:

- ‌18 - أحمد أمين:

- ‌19 - فوزان السابق:

- ‌20 - عبد الله المراغي:

- ‌21 - الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي:

- ‌22 - الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة:

- ‌23 - أبو محمد عبد الحق بن عبد الواحد الهاشمي

- ‌24 - محب الدين الخطيب

- ‌25 - عبد الرحمن الكواكبي:

- ‌26 - محمد أحمد الغمراوي:

- ‌27 - محيي الدين رضا:

- ‌28 - محمد عبد الله دراز:

- ‌المبحث الثالث: شيوخه وأساتيذه

- ‌ الشيوخ والأساتذة

- ‌1 - الشيخ عبد السلام الفقي:

- ‌2 - الشيخ محمود أبو دقيقة:

- ‌3 - الشيخ محمد شاكر:

- ‌4 - الشيخ محمد مصطفى المراغي

- ‌5 - الشيخ إبراهيم الجبالي

- ‌6 - الشيخ عبد الستار بن عبد الوهاب الدهلوي

- ‌7 - العلّامة عبد الله بن إدريس السنوسي

- ‌8 - الشيخ محمد بن الأمين الشنقيطي

- ‌9 - الشيخ أحمد بن الشمس الشنقيطي

- ‌10 - العلّامة طاهر الجزائري

- ‌11 - الشيخ جمال الدين القاسمي

- ‌12 - أبو الوفاء بن أحمد بن شرقاوي

- ‌13 - الشيخ محمد رشيد رضا:

- ‌14 - الشيخ بسيوني بن بسيوني بن حسن عسل:

- ‌15 - الشيخ عبد الوهاب النجار:

- ‌16 - الأستاذ علي الجارم:

- ‌17 - الشيخ عبد الحيّ الكَتَّاني:

- ‌18 - الدكتور منصور فهمي:

- ‌تلاميذه:

- ‌المبحث الرابع:‌‌ مذهبه الفقهيوعقيدته

- ‌ مذهبه الفقهي

- ‌ عقيدته:

- ‌المبحث الخامس: آثاره العلمية

- ‌أولًا: آثار الشيخ في القرآن وعلومه:

- ‌1 - تفسير الطبري المسمى (جامع البيان عن تأويل آي القرآن):

- ‌2 - عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير:

- ‌3 - تفسير الجلالين: جلال الدين المحلي وجلال الدين السيوطي:

- ‌4 - جامع البيان في تفسير القرآن:

- ‌5 - هداية المستفيد في أحكام التجويد للشيخ أبي ريمة:

- ‌6 - منجد المقرئين ومرشد الطالبين للإمام محمد بن محمد الجزري:

- ‌ثانيًا: آثار الشيخ في الحديث وعلومه

- ‌1 - المسند للإمام أحمد بن حنبل

- ‌2 - جامع الترمذي:

- ‌3 - صحيح ابن حبان:

- ‌4 - مختصر سنن أبي داود للحافظ المنذري مع معالم السنن لأبي سليمان الخطابي وتهذيب الإمام ابن قيم الجوزية:

- ‌5 - صحيح البخاري بشرح الكرماني:

- ‌6 - الأربعون النووية:

- ‌7 - السمع والطاعة:

- ‌8 - العمدة في الأحكام:

- ‌9 - أربع رسائل حقق فيها ثمانية أحاديث من جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي:

- ‌10 - حكام الأحكام شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد:

- ‌11 - نزهة النظر شرح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر العسقلاني:

- ‌12 - الخراج ليحيى بن آدم القرشي:

- ‌13 - شرح ألفية السيوطي في علم الحديث:

- ‌15 - الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث:

- ‌16 - ضبط وتصحيح ألفية العراقي:

- ‌17 - خصائص مسند الإمام أحمد للإمام أبي موسى المديني

- ‌18 - المصعد الأحمد في ختم مسند الإمام أحمد لابن الجزري:

- ‌19 - التحقيق في أحاديث الخلاف لابن الجوزي:

- ‌ثالثًا: ما يتعلق بالفقه وأصوله:

- ‌1 - المحلي لابن حزم:

- ‌2 - الروض المربع للبهوتي بشرح زاد المستنقع لأبي النجا الحجاوي:

- ‌3 - أخصر المختصرات في فقه الإمام أحمد:

- ‌4 - مختصر المقنع في فقه الإمام أحمد للحجاوي:

- ‌5 - الرسالة للإمام الشافعي:

- ‌6 - جماع العلم للشافعي:

- ‌7 - الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم:

- ‌8 - قواعد الأصول ومعاقد الفصول (مختصر تحقيق الأمل في علمي الأصول والجدل) لصفي الدين عبد المؤمن الحنبلي:

- ‌9 - نظام الطلاق في الإسلام

- ‌10 - كلمة الفصل في قتل مدمن الخمر:

- ‌11 - رسالة في شروط الصلاة لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب:

- ‌12 - أوائل الشهور العربية هل يجوز شرعًا إثباتها بالحساب الفلكي

- ‌13 - الروضة الندية شرح الدرر البهية للعلامة صديق حسن خان:

- ‌14 - المسح على الجوربين للعلامة محمد جمال الدين القاسمي:

- ‌15 - مذكرة في قضية الوارثين الشرعيين المحرومين من حقوقهم في أوقاف أهليهم مؤيدة بفتوى الإمام محمد بن عبد الوهاب:

- ‌16 - أبحاث في أحكام (فقه وقضاء وقانون):

- ‌رابعًا: ما يتعلق بالعقيدة:

- ‌1 - كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد لشيخ الإِسلام محمد بن عبد الوهاب:

- ‌2 - الأصول الثلاثة وأدلتها لشيخ الإِسلام محمد بن عبد الوهاب:

- ‌3 - القواعد الأربع لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب:

- ‌4 - العقيدة الواسطية لشيخ الإِسلام ابن تيمية

- ‌5 - المناظرة في العقيدة الواسطية بين شيخ الإسلام ابن تيمية وعلماء عصره

- ‌6 - لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد للإمام ابن قدامه المقدسي:

- ‌7 - التدمرية لشيخ الإِسلام ابن تيمية:

- ‌8 - الفتوى الحموية الكبرى لشيخ الإِسلام ابن تيمية

- ‌9 - عقيدة أهل السنة والجماعة للحافظ أبي الفرج بن الجوزي

- ‌10 - شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي

- ‌11 - الكتاب والسنة يجب أن يكونا مصدر القوانين في مصر

- ‌خامسًا: ما يتعلق بالأدب واللغة:

- ‌1 - الشعر والشعراء لابن قتيبة:

- ‌2 - إصلاح المنطق لابن السكيت

- ‌3 - كتاب المفضليات للمفضل الضبي:

- ‌4 - الأصمعيات للأصمعي:

- ‌5 - لباب الآداب للأمير أسامة بن منقذ:

- ‌6 - المعرّب للجواليقي:

- ‌7 - الكامل في اللغة والأدب للمبرد:

- ‌سادسًا: ما يتعلق بالسير والتراجم:

- ‌1 - جوامع السيرة لابن حزم:

- ‌2 - ترجمة الإمام أحمد من تاريخ الإسلام للذهبي:

- ‌3 - ترجمته لوالده الشيخ محمد شاكر

- ‌سابعًا: ما يتعلق بالأنساب:

- ‌1 - جمهرة أنساب العرب لابن حزم:

- ‌2 - نسب قريش للمصعب الزبيري:

- ‌ثامنًا: ما يتعلق بالردود العلميّة والمقالات الصحفية:

- ‌1 - الشرع واللغة:

- ‌2 - بيني وبين الشيخ حامد الفقي:

- ‌3 - تعليقات في أبحاث دقيقة على دائرة المعارف الإسلامية:

- ‌4 - مقالات أحمد شاكر في الصحف والمجلات:

- ‌تحقيق التراث

- ‌النسخة اليونينية من صحيح البخاري

- ‌التقي اليونيني الكبير وأولاده:

- ‌الحافظ شرف الدين اليونيني:

- ‌النسخةُ اليُونينيَّةُ:

- ‌الطبعة السلطانية:

- ‌نسختي الخاصة من الطبعة السلطانية:

- ‌تصحيح الكتب

- ‌سير أعلام النبلاء - ترجمة عائشة أم المؤمنين

- ‌مقدمة الرسالة للإمام الشافعي

- ‌التحقيق لابن الجوزي

- ‌(وصف النسخة):

- ‌(وصف الكتاب):

- ‌التعريف بالكتب

- ‌تفسير القرآن الحكيم

- ‌قصص القرآن

- ‌المذاهب الإسلامية في تفسير القرآن

- ‌ثمار المقاصد في ذكر المساجد (*) ليوسف بن عبد الهادي

- ‌لمحة من سيرة الملك عبد العزيز

- ‌نقد الكتب والمقالات

- ‌أي نعم: في التأني السلامة

- ‌كلمة

- ‌الانتقاد على المنار وتفسيره

- ‌ديوان أبي فراس الحمداني

- ‌الفتح المبين في طبقات الأصوليين

- ‌نِحَل عبر النَّحْل

- ‌مقتل مالك بن نويرة وموقف خالد بن الوليد

- ‌أسامة بن منقذ

- ‌الخطيب البغدادي

- ‌دراسات عن مقدمة ابن خلدون

- ‌عصر النبي عليه السلام وبيئته قبل البعثة

- ‌فقه القرآن والسنة

- ‌باب المراسلة والمناظرة

- ‌تَحْقِيقُ سِنِّ عَائِشَة

- ‌صَدَى النقد

- ‌تصحيح القاموس

- ‌ابن محيصن

- ‌بين أحمد شاكر وحامد الفقي

- ‌بيني وبين الشيخ حامد الفقي

- ‌حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ محمد حامد الفقي رئيس جماعة أنصار السنة ورئيس تحرير مجلة (الهدي النبوي)

- ‌أبرأ إلى الله من سوء الظن بشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ورضي عنه

- ‌التعقيب على مقاله

- ‌بيني وبين أخي الشيخ أحمد شاكر

- ‌تعقيب لفضيلة الشيخ أحمد محمد شاكر

- ‌الدفاع عن الحق

- ‌كلمة الحق

- ‌صُحُف الهِلَال والدّعَاية ضِد الإسلام

- ‌عبد العزيز فهمي باشا وعداؤه للعربية

- ‌الإيمانُ قَيْدُ الفَتْكِ

- ‌على الطريقة الأمريكية

- ‌ خمارة حقيقية

- ‌حضور المسلمين الصلاة في الكنائس

- ‌خطاب مفتوح إلى شيخ الأزهر

- ‌خواطر

- ‌1 - في التعليم

- ‌2 - في المحاضرة الحمقاء

- ‌3 - في الأعراض

- ‌4 - لصوص الثياب

- ‌5 - هل في شعائر الإسلام وثنية

- ‌6 - بحث في تاريخ السيد البدوي

- ‌7 - مقاطعة الملحدين

- ‌8 - الكشف الطبي على راغبي الزواج

- ‌9 - تعليم الدين في المدارس

- ‌10 - الجامعة المصرية

- ‌جرأة عجيبة على تكذيب القرآن

الفصل: ‌حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ محمد حامد الفقي رئيس جماعة أنصار السنة ورئيس تحرير مجلة (الهدي النبوي)

‌حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ محمد حامد الفقي رئيس جماعة أنصار السنة ورئيس تحرير مجلة (الهدي النبوي)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

تزامَلْنا وتآخَيْنا منذُ أكثر من خمسٍ وأربعين سنةً، لله وفي سبيل الله. نَصْدُر عن رأي واحد، وعقيدةٍ سليمة صافية، في الاستمساك بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا نحيد عنهما ما استطعْنا، وفي نُصرة العقيدة السَّلَفية، والذبّ عنها ما وَسِعَنَا ذلك. لم يَصْرفنا عما قُمْنا له وبه، واضطلعنا بالذبّ عنه، ما لَقينا وما نَلْقَى من أذًى أو عَنَت. ولعلنا - فيما قمنا به معًا - من أول العاملين على نشر العقيدة الصحيحة في بلادنا هذه، وما أريدُ بهذا فخرًا بعملي ولا بعملك، فما كنّا نعمل إلَّا لله.

وكان من أعظم المصادر العلمّية التي استضأنا بنُورها - بعدَ الكتاب الكريم والسنة المطهرة - كتبُ شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه الإمام الحافظ ابن القيم، ثم كتب شيخ الإسلام (مجدّد القرن الثاني عشر) محمد بن عبد الوهاب، رحمهم الله جميعًا.

وكان مما قرأنا عن شيخ الإسلام ابن تيمية، وما كتَب الناسُ حولَه، من مؤيدّيه وأتباعه، ومن خَصْمه وأعدَائه - أَنْ وجدناه رجلًا مكذوبًا عليه، يَفْتَرِى عليه عدوُّه الفِرَى، ويرمونه بالأكاذيب، ويقوّلونَه

ص: 393

ما لم يَقُلْ، وينسبون إليه ما لم يفعل، بعامل العصبية الجامحة، والحقد الذي ملأَ قلوبهم، مما يطول شرحُه أو تفصيله، ولعلك أعلمُ به منّى، بل أنا أثقُ بذلك.

ولكنّى - فيما قرأتُ، وما أكثرَ ما قرأتُ - لم أجد واحدًا من الناسِ، متقدّميهم ومتأخرّيهم، رَمَى شيخ الإسلام بالكذب فيما يَحْكِى أو يَنْقُل، أو بالوَهم والتخيُّل فيما يَرَى ويَسْمع ويقول. وأعتقد أنك لم تَقَعْ على شيء من ذلك أبدًا، فلقد أخذت مني الدهشة مأخذها - إذَنْ - حين قرأت في مجلة (الهدي النبوي)، في عدد شهريْ رجب وشعبان من المجلد 19 سنة 1374، في ص 31، أثناء فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية، (في الردّ والإنكار على طوائف من الضُّلال) تعليقك على كلام الإمام شيخ الإسلام، حين يقول:

(وأما كونُه لم يتبيَّن له كيفيةُ الجِنّ ومقاماتُهم، فهذا ليس فيه إلا إخبارُه بعدم علمه، لم ينكرْ وجودَهم. إذْ وجودُهم ثابتٌ بطرق كثيرة غير دلالة الكتاب والسنة، فإن من الناس مَنْ رآهم، ومنهم مَنْ رآى من رآهم، وثبت ذلك عندهم بالخبر اليقين، وفي الناس من كلَّمهم وكلَّموه، ومن الناس من يأمرهم وينهاهم ويتصرَّف فيهم، وهذا يكون للصالحين ولغير الصالحين، ولو ذكرتُ ما جَرَى لي ولأصحابي معهم لطال الخطابُ. وكذلك ما جرى لغيرنا).

أدهشني أكبرَ الدهشة، وأنكرتُ أشدَّ الإنكار - تعليقكم في هامش الفتوى، عند قوله (ويتصرّف فيهم)، بما نصه: "ليس ثَمَّ دليل

ص: 394

على صدق أولئك المُخْبِرين، ولعل أكثرَهم كان واهمًا ومُتَخَيِّلًا. وقد قال الله:{إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف: 27].

فأول ما آخذُه على قولتك هذه، أنها رميٌ صريح لشيخ الإسلام بالكذب والافتراء! أو على الأقل بالغفلة والغباء! ! فإن تراه يزعم أنّ "من الناس من رآهم" و"من الناس من كلَّمهم وكلّموه، ومن الناس من يأمرهم وينهاهم ويتصرف فيهم" ثم يقول: "ولو ذكرتُ ما جرى لي ولأصحابي معهم لطال الخطاب". وليس لهذا الكلام معنى في لغة العرب إلا أن شيخ الإسلام رحمه الله كان له مع الجِنّ شيء ممّا حكاه: إمَّا أنه رآهم، وإما أنه كلمهم وكلموه، وإما أنه "يأمرهم وينهاهم ويتصرّف فيهم". فإذا عقَّبْتَ أنت على هذا القول بأنه "ليس ثَمَّ دليلٌ على صدق أولئك المخبرين" لم يكن معناه إلا أنّ هذا الذي حكاه شيخُ الإسلام لم يَقَعْ منه شيءٌ؛ لأنه ليس هناك دليل - عندك - على صدق المخبرين "ولعل أكثرهم كان واهمًا ومتخيلًا"! ! وهؤلاء المخبرون: شيخ الإسلام، فيما زَعَمَ أنه جَرَى له، وغيرُه الذين لم يُسمِّهم "من أصحابه"، وليس لنا شأنٌ بمن لم يُسَمِّه هو من أصحابه، وإن كنّا موقنين من توثقه وتحريه فيما يحكي عنهم ولو إجمالًا، إنما الشأن فيما حكاه هو عن نفسه! !

وأُعيذُك بالله من أن تقصد إلى رمي شيخ الإسلام - عن عَمْدٍ - بما يُفهم من قولك، إذا فُهم بدلالة لسان العرب. وأقصى ما أستطيعُ من حمل كلامك على أحسن محامِله، بحسن الظن بك - أنك رأيت

ص: 395

رأيًا رسخ في قلبك، وغَلَبَك رأيُك فلم تستطعْ له دفعًا، فجرى به قلمُك حين رأيتَ القول بأنّ "من الناس

ومن الناس

"، فكتبتَ تعليقك عندَه، قبل أن تقرأ ما جاء بعده، من أن شيخ الإسلام يثبتُ شيئًا كثيرًا من ذلك جَرَى له ولأصحابه مع الجنّ، بل لعلك حين هَدَأتْ نفسُك، واستراح قلبُك بما خَرَج منه، لم تقرأ آخر الكلام، أو قرأتَه غير عابئٍ به، ولا مُلْقٍ له بالًا، ولا مُتَعَمّقٍ فيما وراءه من معنًى ولستُ أدري أيقومُ هذا الاعتذارُ أم ينهار؟ إنما هذا هو الذي صنعتْ يدُك.

* * *

ثم أكثرُ من هذا وأشدُّ خطرًا: أنّ إنكارَك ما أنكرتَ، فيه إنكارٌ لكثير مما ثبت بالسنّة الصحيحة، التي عِشْنَا عُمُرَنا نَدْفَعُ عنها، ونردُّ على منكريها، ونعيبُ متأوّليهما بما يُخرج الكلام عن معناه الصحيح، ولعلك تذكر من هذا الشيء الكثير.

ولستُ الآن بصدد تحقيق الأحاديث الثابتة، في رؤية بعضِ الصحابة - رضوان الله عليهم - للجنّ، وتصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم، فيما حَكَوا عمّا رَأوْا، فأنا أثق أنك قرأت من ذلك ما قرأت أو أكثر منه، وأنك عرفته حقَّ المعرفة، وإنما يكفي من ذلك الإشارة:

فحديث أبي هريرة في صحيح البخاري (4: 396 - 398 من فتح الباري) - فيه قصتُه مع الجنّي الذي كان يأخذُ مما كُلِّف أبو هريرة بحفظه من زكاة رمضان، وأخذه إياه، ثم إنه خلى عنه حين أبدى له

ص: 396

حاجة عياله، وقولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة:"أما إنه قد كَذَبك، وسيعودُ"

فعل ذلك ثلاث مراتٍ، ثم قال له الجنّي:"دَعْني أُعَلِّمْكَ كلماتٍ ينفعك الله بها"، ثم علَّمه أن يقرأ آية الكرسي، وأنه لن يزالَ عليه من الله حافظٌ ولا يقربه شيطانٌ، حتى يُصْبِح. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة:"أمَا إنه صَدَقَك، وهو كَذُوبٌ. تَعْلَمُ من تخاطبُ مُذْ ثلاثِ ليالٍ يا أبا هريرة؟ قال: لا. قال: ذاك شيطان". وهذا حديث صحيح صريح، لا يحتمل تأويلًا، إلا تأويلَ أهل الأهواء، ممَّن لا يأخذون بالسنة الصحيحة، أو بعبارة صريحةٍ مطابقة لحالهم:"من الذين لا يؤمنون بالغَيْب". وأعيذُك بالله أن تَميل إليهم، أو تأخذ مأْخَذَهم.

وقد أثبت الحافظُ في ذلك الموضع كثيرًا من الأحاديث في هذا المعنى، ثم عَرَض للاحتجاج بالآية التي تأَوَّلْتَها على غير وجهها - فيما كتبتَ - فذَكَر أن قوله تعالى:{مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} . "مخصوص بما إذا كان على صورته التي خلق عليها". وهو تفسير لا بأس به عندي، وأجودُ منه أن يكونَ قولُه تعالى:{مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} . خاصًّا بحالةٍ أو ناحية لا نراهم منها، بدلالة كلمة "من حيثُ"، وأنّ هذا لا ينفي رؤيتهم من نواحي أُخَر.

وأقوى من هذا دلالةً - فيما أرى -: أن الجنّ لم يكونوا، ولن يكونوا أرقى من الملائكة ولا أعظم خلقًا منهم، ورؤية الناس للملائكة ثابتةٌ ثبوت القطع الذي لا شك فيه، حين يتشكَّلون على

ص: 397

صورةٍ تستطاع رؤيتهم بها، ويكفي من هذا حديث جبريل، في سؤالاته عن الإسلام والإيمان والإحسان، الثابت في دواوين الإسلام، والذي لا يَشُكُّ في صحته ولا ثبوته أحدٌ يؤمن بالغيب.

وبعدُ: فهذه كلمة عابرة، لإزالةِ شبهةٍ عنك أولًا، وعن أهل العلم بالحديث ثانيًا، أمّا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فإنه أرفع منزلةً عندي وعندك من أن يصل إليه تكذيبٌ أو شكٌ في صدقه فيما يَحْكي أو ينقل، وأنت أولُ من يوافق على ذلك، إن شاء الله.

فآمل منك - إحقاقًا للحق، ورفعًا للشبهة، أن تنشرَ كلمتي هذه كاملةً بنصها، ثم كلُّ الحقّ أن تعلّق عليها أو تَرُدّ بما تشاء. والله سبحانه يتولانا جميعًا بهدايته وتوفيقه.

مساء الثلاثاء 3 رمضان سنة 1374 - 26 أبريل سنة 1955.

أحمد محمد شاكر

* * *

ص: 398