المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌صَدَى النقد تعقيب على نقد ودرس للمنقود قبل الناقد (*) أعتذر للأخ - جمهرة مقالات أحمد شاكر - جـ ١

[أحمد شاكر]

فهرس الكتاب

- ‌الإِهْدَاءُ

- ‌طلائع الجَمْهَرة

- ‌العلّامة أحمد محمد شاكرحياته الشخصيّة ومسيرته العلميّة

- ‌المبحث الأول: اسمه ونسبه وولادته وأسرته

- ‌إلماعة عَجْلى عن أسرة أحمد شاكر

- ‌المبحث الثاني: حياته ورحلاته وصلاته

- ‌رحلاته:

- ‌صلاته وصداقاته:

- ‌1 - مصطفى صادق الرافعي:

- ‌2 - محمد خميس هيبة:

- ‌3 - الدكتور زكي مبارك

- ‌4 - الشيخ محمد نور الحسن، والشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد:

- ‌5 - لويس سركيس:

- ‌6 - السيد محمد السنوسي الأنصاري:

- ‌7 - الشيخ محمد نصيف:

- ‌8 - الشيخ محمد حامد الفقي:

- ‌9 - عبد العزيز الميمني:

- ‌10 - عبد الوهاب عزام:

- ‌11 - عبد السلام هارون

- ‌12 - السيد أحمد صقر

- ‌13 - الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي:

- ‌14 - الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي

- ‌15 - أبو السمح:

- ‌16 - محمد أفندي محمد عبد اللطيف:

- ‌17 - أحمد علي الطاهر:

- ‌18 - أحمد أمين:

- ‌19 - فوزان السابق:

- ‌20 - عبد الله المراغي:

- ‌21 - الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي:

- ‌22 - الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة:

- ‌23 - أبو محمد عبد الحق بن عبد الواحد الهاشمي

- ‌24 - محب الدين الخطيب

- ‌25 - عبد الرحمن الكواكبي:

- ‌26 - محمد أحمد الغمراوي:

- ‌27 - محيي الدين رضا:

- ‌28 - محمد عبد الله دراز:

- ‌المبحث الثالث: شيوخه وأساتيذه

- ‌ الشيوخ والأساتذة

- ‌1 - الشيخ عبد السلام الفقي:

- ‌2 - الشيخ محمود أبو دقيقة:

- ‌3 - الشيخ محمد شاكر:

- ‌4 - الشيخ محمد مصطفى المراغي

- ‌5 - الشيخ إبراهيم الجبالي

- ‌6 - الشيخ عبد الستار بن عبد الوهاب الدهلوي

- ‌7 - العلّامة عبد الله بن إدريس السنوسي

- ‌8 - الشيخ محمد بن الأمين الشنقيطي

- ‌9 - الشيخ أحمد بن الشمس الشنقيطي

- ‌10 - العلّامة طاهر الجزائري

- ‌11 - الشيخ جمال الدين القاسمي

- ‌12 - أبو الوفاء بن أحمد بن شرقاوي

- ‌13 - الشيخ محمد رشيد رضا:

- ‌14 - الشيخ بسيوني بن بسيوني بن حسن عسل:

- ‌15 - الشيخ عبد الوهاب النجار:

- ‌16 - الأستاذ علي الجارم:

- ‌17 - الشيخ عبد الحيّ الكَتَّاني:

- ‌18 - الدكتور منصور فهمي:

- ‌تلاميذه:

- ‌المبحث الرابع:‌‌ مذهبه الفقهيوعقيدته

- ‌ مذهبه الفقهي

- ‌ عقيدته:

- ‌المبحث الخامس: آثاره العلمية

- ‌أولًا: آثار الشيخ في القرآن وعلومه:

- ‌1 - تفسير الطبري المسمى (جامع البيان عن تأويل آي القرآن):

- ‌2 - عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير:

- ‌3 - تفسير الجلالين: جلال الدين المحلي وجلال الدين السيوطي:

- ‌4 - جامع البيان في تفسير القرآن:

- ‌5 - هداية المستفيد في أحكام التجويد للشيخ أبي ريمة:

- ‌6 - منجد المقرئين ومرشد الطالبين للإمام محمد بن محمد الجزري:

- ‌ثانيًا: آثار الشيخ في الحديث وعلومه

- ‌1 - المسند للإمام أحمد بن حنبل

- ‌2 - جامع الترمذي:

- ‌3 - صحيح ابن حبان:

- ‌4 - مختصر سنن أبي داود للحافظ المنذري مع معالم السنن لأبي سليمان الخطابي وتهذيب الإمام ابن قيم الجوزية:

- ‌5 - صحيح البخاري بشرح الكرماني:

- ‌6 - الأربعون النووية:

- ‌7 - السمع والطاعة:

- ‌8 - العمدة في الأحكام:

- ‌9 - أربع رسائل حقق فيها ثمانية أحاديث من جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي:

- ‌10 - حكام الأحكام شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد:

- ‌11 - نزهة النظر شرح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر العسقلاني:

- ‌12 - الخراج ليحيى بن آدم القرشي:

- ‌13 - شرح ألفية السيوطي في علم الحديث:

- ‌15 - الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث:

- ‌16 - ضبط وتصحيح ألفية العراقي:

- ‌17 - خصائص مسند الإمام أحمد للإمام أبي موسى المديني

- ‌18 - المصعد الأحمد في ختم مسند الإمام أحمد لابن الجزري:

- ‌19 - التحقيق في أحاديث الخلاف لابن الجوزي:

- ‌ثالثًا: ما يتعلق بالفقه وأصوله:

- ‌1 - المحلي لابن حزم:

- ‌2 - الروض المربع للبهوتي بشرح زاد المستنقع لأبي النجا الحجاوي:

- ‌3 - أخصر المختصرات في فقه الإمام أحمد:

- ‌4 - مختصر المقنع في فقه الإمام أحمد للحجاوي:

- ‌5 - الرسالة للإمام الشافعي:

- ‌6 - جماع العلم للشافعي:

- ‌7 - الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم:

- ‌8 - قواعد الأصول ومعاقد الفصول (مختصر تحقيق الأمل في علمي الأصول والجدل) لصفي الدين عبد المؤمن الحنبلي:

- ‌9 - نظام الطلاق في الإسلام

- ‌10 - كلمة الفصل في قتل مدمن الخمر:

- ‌11 - رسالة في شروط الصلاة لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب:

- ‌12 - أوائل الشهور العربية هل يجوز شرعًا إثباتها بالحساب الفلكي

- ‌13 - الروضة الندية شرح الدرر البهية للعلامة صديق حسن خان:

- ‌14 - المسح على الجوربين للعلامة محمد جمال الدين القاسمي:

- ‌15 - مذكرة في قضية الوارثين الشرعيين المحرومين من حقوقهم في أوقاف أهليهم مؤيدة بفتوى الإمام محمد بن عبد الوهاب:

- ‌16 - أبحاث في أحكام (فقه وقضاء وقانون):

- ‌رابعًا: ما يتعلق بالعقيدة:

- ‌1 - كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد لشيخ الإِسلام محمد بن عبد الوهاب:

- ‌2 - الأصول الثلاثة وأدلتها لشيخ الإِسلام محمد بن عبد الوهاب:

- ‌3 - القواعد الأربع لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب:

- ‌4 - العقيدة الواسطية لشيخ الإِسلام ابن تيمية

- ‌5 - المناظرة في العقيدة الواسطية بين شيخ الإسلام ابن تيمية وعلماء عصره

- ‌6 - لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد للإمام ابن قدامه المقدسي:

- ‌7 - التدمرية لشيخ الإِسلام ابن تيمية:

- ‌8 - الفتوى الحموية الكبرى لشيخ الإِسلام ابن تيمية

- ‌9 - عقيدة أهل السنة والجماعة للحافظ أبي الفرج بن الجوزي

- ‌10 - شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي

- ‌11 - الكتاب والسنة يجب أن يكونا مصدر القوانين في مصر

- ‌خامسًا: ما يتعلق بالأدب واللغة:

- ‌1 - الشعر والشعراء لابن قتيبة:

- ‌2 - إصلاح المنطق لابن السكيت

- ‌3 - كتاب المفضليات للمفضل الضبي:

- ‌4 - الأصمعيات للأصمعي:

- ‌5 - لباب الآداب للأمير أسامة بن منقذ:

- ‌6 - المعرّب للجواليقي:

- ‌7 - الكامل في اللغة والأدب للمبرد:

- ‌سادسًا: ما يتعلق بالسير والتراجم:

- ‌1 - جوامع السيرة لابن حزم:

- ‌2 - ترجمة الإمام أحمد من تاريخ الإسلام للذهبي:

- ‌3 - ترجمته لوالده الشيخ محمد شاكر

- ‌سابعًا: ما يتعلق بالأنساب:

- ‌1 - جمهرة أنساب العرب لابن حزم:

- ‌2 - نسب قريش للمصعب الزبيري:

- ‌ثامنًا: ما يتعلق بالردود العلميّة والمقالات الصحفية:

- ‌1 - الشرع واللغة:

- ‌2 - بيني وبين الشيخ حامد الفقي:

- ‌3 - تعليقات في أبحاث دقيقة على دائرة المعارف الإسلامية:

- ‌4 - مقالات أحمد شاكر في الصحف والمجلات:

- ‌تحقيق التراث

- ‌النسخة اليونينية من صحيح البخاري

- ‌التقي اليونيني الكبير وأولاده:

- ‌الحافظ شرف الدين اليونيني:

- ‌النسخةُ اليُونينيَّةُ:

- ‌الطبعة السلطانية:

- ‌نسختي الخاصة من الطبعة السلطانية:

- ‌تصحيح الكتب

- ‌سير أعلام النبلاء - ترجمة عائشة أم المؤمنين

- ‌مقدمة الرسالة للإمام الشافعي

- ‌التحقيق لابن الجوزي

- ‌(وصف النسخة):

- ‌(وصف الكتاب):

- ‌التعريف بالكتب

- ‌تفسير القرآن الحكيم

- ‌قصص القرآن

- ‌المذاهب الإسلامية في تفسير القرآن

- ‌ثمار المقاصد في ذكر المساجد (*) ليوسف بن عبد الهادي

- ‌لمحة من سيرة الملك عبد العزيز

- ‌نقد الكتب والمقالات

- ‌أي نعم: في التأني السلامة

- ‌كلمة

- ‌الانتقاد على المنار وتفسيره

- ‌ديوان أبي فراس الحمداني

- ‌الفتح المبين في طبقات الأصوليين

- ‌نِحَل عبر النَّحْل

- ‌مقتل مالك بن نويرة وموقف خالد بن الوليد

- ‌أسامة بن منقذ

- ‌الخطيب البغدادي

- ‌دراسات عن مقدمة ابن خلدون

- ‌عصر النبي عليه السلام وبيئته قبل البعثة

- ‌فقه القرآن والسنة

- ‌باب المراسلة والمناظرة

- ‌تَحْقِيقُ سِنِّ عَائِشَة

- ‌صَدَى النقد

- ‌تصحيح القاموس

- ‌ابن محيصن

- ‌بين أحمد شاكر وحامد الفقي

- ‌بيني وبين الشيخ حامد الفقي

- ‌حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ محمد حامد الفقي رئيس جماعة أنصار السنة ورئيس تحرير مجلة (الهدي النبوي)

- ‌أبرأ إلى الله من سوء الظن بشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ورضي عنه

- ‌التعقيب على مقاله

- ‌بيني وبين أخي الشيخ أحمد شاكر

- ‌تعقيب لفضيلة الشيخ أحمد محمد شاكر

- ‌الدفاع عن الحق

- ‌كلمة الحق

- ‌صُحُف الهِلَال والدّعَاية ضِد الإسلام

- ‌عبد العزيز فهمي باشا وعداؤه للعربية

- ‌الإيمانُ قَيْدُ الفَتْكِ

- ‌على الطريقة الأمريكية

- ‌ خمارة حقيقية

- ‌حضور المسلمين الصلاة في الكنائس

- ‌خطاب مفتوح إلى شيخ الأزهر

- ‌خواطر

- ‌1 - في التعليم

- ‌2 - في المحاضرة الحمقاء

- ‌3 - في الأعراض

- ‌4 - لصوص الثياب

- ‌5 - هل في شعائر الإسلام وثنية

- ‌6 - بحث في تاريخ السيد البدوي

- ‌7 - مقاطعة الملحدين

- ‌8 - الكشف الطبي على راغبي الزواج

- ‌9 - تعليم الدين في المدارس

- ‌10 - الجامعة المصرية

- ‌جرأة عجيبة على تكذيب القرآن

الفصل: ‌ ‌صَدَى النقد تعقيب على نقد ودرس للمنقود قبل الناقد (*) أعتذر للأخ

‌صَدَى النقد

تعقيب على نقد ودرس للمنقود قبل الناقد (*)

أعتذر للأخ الأستاذ الشيد صقر عن تأخير التحية له بمناسبة نقده إياي. وكلنا طالب علم، وكلنا طالب حقيقة رائد معرفة، ونرجو أن يكون ذاك خالصًا لوجه الله وحده. وليس بعد الاعتراف اعتذار.

والأستاذ السيد أحمد صقر مني بمنزلة الأخ الأصغر، نشأ معي، وعرفته وعرفني، وتأدبنا بأدب واحد في العلم والبحث، وفي فقه المسائل، والحرص على التقصي ما استطعنا.

فإذا ما نقد كتابي فإنما يقوم ببعض ما يجب عليه نحو أخ أقدم منه سنًّا، ويراه هو أنه أكثر منه خبرة، أو أوسع اطلاعًا، وما أدرى: أصحيح ما يراه، أم هو حسن الظن فقط؟ فإن له مدى مديدًا في الاطلاع والتقصي، ونفذات صادقة في الدقائق والمعضلات، ويندر أن توجد في أنداده، بل في كثير من شيوخه وأستاذيه.

وقد نقد الكتاب الذى أخرجته بتحقيق "الشعر والشعراء لابن قتيبة" في مقالين بمجلة "الكتاب" الغراء فى عدد يونية سنة 1946، بعد ظهور الجزء الأول، ثم فى عدد ديسمبر سنة 1950، بعد ظهور الجزء الثاني.

(*) مجلة الكتاب، عدد جمادى الآخرة 1370 هـ، أبريل 1951 م.

ص: 370

وما أحب أن أدير مناظرة أو جدالا حول المآخذ التي أخذها عليّ. فما زعمت قط وما زعم لي أحد أني لا أخطئ، وكلنا نخطئ ونصيب. ثم هو قد يكون أنفذ بصرًا مني في "الشعر" وما إليه، بل هو كذلك فيما أعتقد. وليس وراء الجدال من فائدة إلا المراء، وقد نهينا عنه أشد النهي.

وقد عتب عليَّ الأستاذ السيد صقر، أن لم أف بوعدي له بنشر نقده للجزء الأول في آخر الثاني. وله العتبى فى ذلك. وقد أشار هو إلى بعض عذري: أن مشاغلي حالت دون الوفاء بما وعدت، وقد صدق؛ فإني وعدته وحرصتُ على الوفاء بوعدي، ثم أنسيته حين رجوت أخي الأستاذ عبد السلام هارون أن يتم الكتاب في أواخر الجزء الثاني، إذ اعتزمت السفر مع أهلي إلى الحج، فشغلني ذلك عن كل شيء، حتى أنساني ما وعدته به.

ووعدٌ بوعد: فكما وعدت الأستاذ صقر بنشر نقده الجزء الأول في آخر الجزء الثاني، وعدني هو - بعد رجائي - أن يقابل النسخة المطبوعة بتحقيقي على النسخ المخطوطة التي أشار إليها في مقاله الأول، وعلى ما قد عساه يوجد من مخطوطات أخر من الكتاب، ويثبت ما يجده من تصويب أو اختلاف، تمهيدًا لتحقيق الكتاب مرة أخرى، لنخرجه في الطبعة القادمة إن شاء الله متعاونين مشتركين. حتى نؤدي الأمانة حقها. ولعله حريص على الوفاء إن شاء الله (1).

(1) وهو إلى الآن لم يفعل. أحمد محمد شاكر.

ص: 371

ولقد زعم كثير من إخواننا، ووصل إليَّ ذلك: أني ضقت بنقد الأستاذ السيد صقر في المرتين. وما أظن الذي زعم ذلك أو توهمه يعرف شيئًا من خلقي. فما ضاق صدري بشيء من نقد قط، لَانَ أو قسا، والعلم أمانة.

بل إني لأرى أن الضيق بالنقد والتسامي عليه ليس أخلاق العلماء، وليس من أخلاق المؤمنين. إنما هو الغرور العلمي، والكبرياء الكاذبة، وحسبنا في ذلك قول الله تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ} . وما قال أمير المؤمنين الفاروق عمر ابن الخطاب، إذ ردّت عليه امرأة، وهو على المنبر يخطب خير مجتمع ظهر على وجه الأرض، قال كلمة صريحة بينة:"امرأة أصابت ورجل أخطأ". لم تأخذه العزة بالإثم، وتسامى على الكبرياء والغرور العلمي. وعمر هو عمر.

ثم ما هذه الفاشية المنكرة التي فشت بين المنتسبين للعلم؟ سأتحدث عن نفسي مضطرًا حتى لا أمَسَّ غيري:

أنا أرى أن من حقي أن أنقد من أشاء، وأن أقسو في النقد ما أشاء، فمن ذا الذي يزعم لي، أو يزعم لنفسه، أن ينقد الناس وأن يقسو عليهم في النقد، ثم يرى من حقه عليهم أن لا ينقدوه، وأن لا يتحدثوا عنه - إن أذن لهم في الحديث - إلا برفق ولين وملق ونفاق، مما يسمونه في هذا العصر العجيب "مجاملة"! !

لقد رجوت الأستاذ السيد صقر أن ينقد الجزء الأول من "الشعر

ص: 372

والشعراء" حين صدوره، وقرأت نقده قبل أن يطبع في مجلة "الكتاب" الغراء، ولم أجد في هذا غضاضة عليَّ قط، وإن كثيرًا من إخواني ليعرفون هذا الذي أقول، وقد عجبوا منه في حينه، ولم أره موضعًا للعَجَب. ثم رجوته أن ينقد الجزء الثاني حين صدروه أيضًا. ولم أر في نقده ما يمسني من قريب أو من بعيد.

وهذا رأيي الذى رُببت عليه واعتنقته طول حياتي: أن لي أن أنقد آراء الناس في حدود ما أستطيع من علم، وأن لهم أن ينقدوا آرائي في حدود ما يستطيعون من علم.

وسأذكر بعض المُثل، عسى أن يكون فيها عظة وعبرة:

يذكر الناس ما يدور كل عام مرارًا من جدال حول إثبات أوائل الشهور العربية: أبالرؤية أم بالحساب. وكتب الناس في هذا كثيرًا، وكتب مرارًا. وكان من رأي التمسك بالرؤية وحدها، وكان ذا رأي والدي الشيخ محمد شاكر رحمه الله، وكتب فيه وشدد. ثم بدا لي غير ذلك، في حياة أبي. فنشرت رسالة صغيرة في شهر ذي الحجة سنة 1357 (فبراير سنة 1939)، اسمها "أوائل الشهور العربية". وكان مما قلت فيها (ص 15) بالحرف الواحد: لقد كان للأستاذ الأكبر الشيخ المراغي - منذ أكثر من عشر سنين: حين كان رئيس المحكمة العليا الشرعية - رأي في رد شهادة الشهود، إذا كان الحساب يقطع بعدم إمكان الرؤية، كالرأي الذي نقلته هنا عن تقي الدين السبكي، وأثار رأيه هذا جدالًا شديدًا، وكان والدي وكنت أنا

ص: 373

وبعض إخواني ممن خالف الأستاذ الأكبر في رأيه. ولكني أصرح الآن بأنه كان على صواب وأزيد عليه وجوب إثبات الأهلة بالحساب، في كل الأحوال، إلا لمن استعصى عليه العلم به" فلم أجد غضاضة على والدي رحمه الله في علمه وفضله الذي يعرفه الجم الغفير من الناس - أن أعلن في كتاب منشور خلاف رأيه ورأيي، والردَّ عليه وعلى نفسي.

بل أنا أخرج منذ بضع سنين، كتاب (المسند) للإمام أحمد بن حنبل، بتحقيقي وشرحي، وقد أخرجت منه إلى الآن 8 مجلدات (1)، رأيت بعد إتمام المجلد الثاني منها أنه فاتني شيء كثير، من الشرح والتخريج، ومن التحقيق والتعليل، وأنه ندت عني أخطاء علمية مهمة، وأن مثل ذلك سيكون في الأجزاء القادمة، مهما أحرص على أن لا يكون، وأن الأمانة أن أبين كل شيء ما استطعت، فاستحدثت في آخر الجزء الثالث، ثم في آخر كل جزء ظهر أو سيظهر إن شاء الله، بابًا في "الاستدراك والتعقيب"، رجوت في أوله إخواني من علماء الحديث في أقطار الأرض أن يرسلوا لي كل ما يجدون من ملاحظة أو استدراك أو تعقيب أو بحث، وجعلت لهذه الاستدراكات أرقامًا متتابعة، وقد بلغ عدد الأحاديث التي نشرت في المجلدات السبعة 5580 حديثًا، وبلغ عدد الاستدراكات عليها، التي نشرت في آخر المجلدات الثامن 1789 استدراكًا، كلها مما تعقبته على عملي ونقدته.

(1) صارت الآن 15 مجلدا، وأسأل الله التوفيق لإتمامه. أحمد محمد شاكر.

ص: 374

إن كثيرًا من الناس تغرهم المناصب والرتب، وتخدعهم الألقاب العلمية الضخمة، وما كان شيء من هذا ميزانًا صحيحًا للعلم، ولقد نقدت كثيرًا من أمثال هؤلاء، فتعاظموا واستكبروا، فمنهم من أنف أن يرد عليَّ، ومنهم من سلط بعض أذنابه يشتمني، فما عبأت بهذا ولا بهذا، لا استكبارًا ولا تعاظمًا، ولا لأني طالب علم ورائد حقيقة، ولكِنْ لأني لم أضع نفسي في موازينهم قط.

ومثال آخر من أروع الأمثلة في آداب المتقدمين من الأئمة:

هذا ابن حزم الإمام العظيم، وكل من سمع به يعرف قسوة قلمه، وبديع نقده، وطريف تشنيعه إذا ما بدا له أن يشنع على خصم، بحث بحثًا فقيهًّا في "المُحَلَّى" ليس من مجال القول هنا أن نفصله، فذكر فيه (6: 66 - 74) مسألة استدل فيها بعض العلماء بحديث رواه ابن وهب عن جرير بن حازم عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة والحارث الأعور عن علي. ثم رد صحة الحديث بأن جرير بن حازم قرن في الإسناد بين عاصم بن ضمرة، وهو ثقة، وبين الحارث الأعور، وهو كذاب، وقال (ص 70): وكثير من الشيوخ يجوز عليهم مثل هذا، وهو أن الحارث أسنده، وعاصم لم يسنده، فجمعهما جرير، وأدخل حديث أحدهما في الآخر". وغلا ابن حزم غلوًّا شديدًا بعد ذلك، فقال: "هو حديث هالك، ولو أن جريرًا أسنده عن عاصم وحده، لأخذنا به".

وابن حزم كان يؤلف قبل عصر المطبعة، وكتابه في يده، فكان

ص: 375

مستطيعًا إذا شاء أن يعرض عما كتبه كله في هذه المسألة الطويلة، ويستأنف كتابتها على النحو الذى يريده بعد أن تغير اجتهاده وتغير رأيه. ولكنه أبى إلا أن يبقى ما كتب على ما كتب، ثم يرد على نفسه، على طريقته وبقوته، فيقول في آخر المسألة (ص 74):"ثم استدركنا فرأينا أن حديث جرير بن حازم مسند صحيح لا يجوز خلافه، وأن الاعتلال فيه بأن عاصم بن ضمرة أو أبا إسحاق أو جريرًا خلط إسناد الحارث بإرسال عاصم - هو الظن الباطل الذى لا يجوز. وما علينا من مشاركة الحارث لعاصم، ولا لإرسال من أرسله، ولا لشك زهير فيه شيء. وجرير ثقة، فالأخذ بما أسنده لازم".

وهذا الجزء من "المُحَلَّى" طبع منذ أكثر من عشرين سنة، سنة (1349 هجرية) بتحقيقي: وقد كتبت فيه تعليقًا على صنيع ابن حزم هذا، ما نصه:"لله در أبي محمد بن حزم: رأى خطأه فسارع إلى تداركه، وحكم بأنه الظن الباطل الذي لا يجوز. وهذا شأن المنصفين من أتباع السنة الكريمة وأنصار الحق، وهم الهداة القادة. وقليل ما هم".

وأظن في هذا مقنعًا لمن أراد أن يقنع أو يهتدي.

* * *

ص: 376