الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسائل تستحق الدراسة بكل دقة، ولكن من المؤسف أنها عرضت بشكل عاطفي"! !
إذن فهذه المذابح في القنال بمصر، وفي تونس، وفي مراكش، وهذا التدمير المنظم لبعض البلاد، وهذه المذابح للأعراض، وغير ذلك من الفظائع الوحشية، التي لا تصدر إلَّا عن وحوش ليس لهم دين ولا خلق، وهذا الذي يصنع سادتهم اللصوص الكبار من اليهود: كل أولئك لا يزيد في نظر وزير أمريكا على "مسائل تستحق الدراسة بكل دقة" لولا أنها "عرضت بشكل عاطفي"! !
أي أن مسائل حقوق الأمم في الاستغلال، وفي إخراج المستعمر الغاصب من بلادها، وفي المحافظة على سيادة الدولة في بلادها، أو في المطالبة بهذه السيادة المعترف بها لكل أمة على وجه الأرض لا تزيد في نظر الوزير الأمريكي على مسائل الحب والغرام، ومسائل الفسق والفجور التي يسمونها "مسائل الحب" والتي هي ديدان هذه الأمم الفرنجية عامة، والأمة الأمريكية خاصة! !
أرأيتم أيها الناس، بل رأيتم أيها المسلمون مثل هذه النظريات الأمريكية؟ !
14 -
خمارة حقيقية
! !
إن حوادث القاهرة في يوم السبت 26 يناير سنة 1952، لا تكاد تنسى، فهي أشد ما رأينا من الفظائع والإجرام بما كان فيها من عدوان وبغي، وسرقة وتدمير، دون أن يردع المجرمين رادع،
والسلطة القائمة الآن بسبيل وضع اليد على المجرمين اللصوص، وعلى مَن وراءهم من المحرضين والمدبرين، ونحن على ثقة من وصول يد العدل إلى هؤلاء وأولئك، إن شاء الله.
ولكن لنا عبرة في بعض النواحي التي تكشف عنها هذه الأحداث المدمرة فمن مثل ذلك أنا كنا نسمع ونحن أطفال صغار، ثم شبان ناشئون، أن يطلق العامة وأشباههم على "لوكندة شبرد" اسم "خمارة شَبَتْ"، وكنا لا نعرف ما وراء هذا الاسم من حقيقة فظيعة، لم يكن خيالنا ليصور وجودها في بلد "إسلامي" أو هكذا يسمى، حتى جاءت هذه الأحداث الفظيعة، فكشفت لنا بعض هذه الحقائق المنكرة، وما ندري أيهما أشد فظاعة وأنكى؟ أهذه الحوادث أم هذه الحقائق؟ ! ! حتى أعلمتنا هذه الحقائق أن العامة في طفولتنا كانوا: ملهمين، وإما عارفين.
فقد رأينا في بعض الصحف التي تصف ما لقيت "لوكندة شبرد" من التدمير أن "قبو الفندق كان يحتوي على أكثر من 26 ألف صندوق من صناديق الويسكي" وقد ضاعت كلها في الحريق، وذلك يعنى أن مخزون الويسكي بالفندق زاد على ربع مليون زجاجة، كما يقولون إن نحو مائة ألف زجاجة شمبانيا قد ذهبت هي الأخرى طعمة للنيران، كما دمرت عدة صناديق من الكونياك المعروف باسم كونياك نابليون، وعمر الزجاجة الواحدة منه أكثر من 70 سنة، وكانت إدارة الفندق تحتفظ بهذه الزجاجات ولا تقدمها إلا لنزلائها من الملوك، فإذا
صدق ما قيل من أن المواد الكحولية هي التي ألهبت الحريق، وكانت السبب المباشر للتدمير الشامل، فإن ذلك يعني أن حريق شبرد قد غذته هذه المشروبات الروحية بأكثر من 70،000 سبعون ألف جالون من المواد الكحولية الملتهبة". (عن جريدة الأساس يوم الأربعاء 17 جمادى الأولى سنة 1371 - 13 فبراير سنة 1952). إذن فلم يكن "شبرد" فندقًا، أو لوكندة كما يسمى، بل كان "خمارة حقيقية" هي أجدر باسم "خمارة شبت"، كما كان يسميها العوام والدهماء. إذن فقد كان وصمة عار في جبين بلد يوصف بأنه "بلد إسلامي"، وفى جبين دولة ينص دستورها على أن "دين الدولة الإسلام".
وها نحن أولاء نرى الأخبار تبشر البلاد! بأن شركة مصرية قد تتشرف بإعادة هذه "الخمارة" إلى سابق مجدها المخزي المخجل! وما ندرى ما حقيقة هذا؟ ولكنا على ثقة بأن سيعود هذا الخزي والفجور سافرًا متهتكًا، سواء أقامه ناس من الحيوانات الأوروبية المنحلة، أم أقامه ناس من عبيدهم عقلًا وروحًا ممن ينتسبون عارًا بحق الوِلاد إلى هذه الأمة الإسلامية المسكينة! .
وما كانت "خمارة شبت" وحدها بالعار الذي تخزى به هذه الأمة المنتسبة إلى الإسلام، ولكن الحوادث أظهرتها مصادفة مثالًا بارزًا يتحدث عنه.
وأرى أنه يجب على الأمة الإسلامية عامة، وعلى الأمة المصرية خاصة، أن تحدد موقفها من الدِّين والخلق، ثم من الدنيا ومتاعها،