الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلمة
(*)
وبعد؛ فلا نكاد نفرغ من شأن للعقاد حتى يبدو لنا شأن؛ فإنه يكبر عليه أن يقول له إنسان: "أخطأت". أو يجادله في كلمة مما يقول، وإنما يريد من الناس الخضوع والتسليم، أصاب أم أخطأ، وهو يعرض كتبه على الناس، وفيها الصحيح الجيد، وفيها الزيف الباطل، ولكن هكذا هو.
فقد كتب الأستاذ بشر فارس كلمة في المقتطف قال فيها رأيه في كتاب "الصديقة بنت الصديق" فذكر مزايا رآها في الكتاب، وبدا له أن ينقده بعض النقد الهادئ اللين، فكان العقاد على سجيته، ثار به ثورته المعروفة، وقرعه وندد به، بل أراد أن يوقع بينه وبين قرائه بالتزيد عليه في تحميل كلامه ما لا يحتمل، وحذف آخره يزعم أنه يبهته بأوله.
فقد قال العقاد في كتابه (ص 102) في شأن قصة الإفك: "على الذي يقبل وشاية كتلك الوشاية الواهية أن يروض عقله على تصديق أمور كثيرة لا موجب لتصديقها؛ لأنها تفتقر إلى كل دليل، والأدلة على ما يناقضها كثيرة، عليه أن يصدق أن صفوان بن المعطل كان رجلًا لا يؤمن بالنبي ولا بأحكام الإِسلام، وأن يصدق أن السيدة
(*) المقتطف، المجلد الرابع بعد المائة، يناير - مايو 1944.
عائشة كانت - وهي زوج النبي - لا تؤمن به ولا تعمل بدينه، ولا دليل على هذا ولا ذاك". وهذا كلام حق في ذاته لا شبهة فيه، ولكن الدكتور بشر فارس رأى أنه ليس من نوع البحث العلمي البحت، وأنه من نوع الدفاع والحذق في الجدل؛ فقال: "والذي أراه أن هذا الاستدلال مجتلب بل محض ذاتي، وذلك لأننا نعلم من طريق المشاهدة والملاحظة أن البشر يتفق لهم أن يزلوا إن كانوا من أهل التصديق والإيمان، ولولا هذا ما احتاجوا إلى رب تواب
…
وكيفما كانت الحال فإن قصة الإفك لا تحتاج إلى مثل ذلك الاجتهاد
…
(1)، فسيرة الصديقة في أيام النبي وبعده تبدو فوق الشبهة، وأما سيرة صفوان فنزيهة بشهادة الرسول نفسه".
وهذا كلام صحيح أيضًا، فعائشة في إيمانها ودينها وتقواها وسيرتها في حياة النبي وبعده فوق مستوى الشبهات، سيرة الأطهار والأبرار، ولا يمكن لمنصف أن يفهم من كلام الدكتور بشر غير هذا، ولكن الأستاذ العقاد لم يتورع عن أن يرمي الدكتور بشرًا بما لا يُفهم من كلامه بأي وجه من وجوه التأويل، فهو يقول (أي العقاد):"وإذا كان لهذا الكاتب عذر من قلة الفهم، فكان ينبغي أن يتجنب قلة الذوق؛ لئلا يجمع بين الفقرين السيئين، وفي واحد منهما كفاية، فلا يحسب علينا أن نطيل القول في حديث الإفك دفاعًا وتصحيحًا، وهو يطيل القول فيه للتوهين والتشكيك".
(1) راجع القول كله في كلمة الشيخ موسى السابقة لهذه.
هكذا والله يقول العقاد، وما ندري أين التوهين والتشكيك في كلام بشر؟ إلَّا أن يكون سوء الطوية من العقاد، والحقد الذي يدفعه إلى أن يرمي كل من تعرض لكلامه وآرائه بغير الاستحسان والتقريظ، فإن بشرًا لم يخالفه في معنى من المعاني، وخاصة في تفنيد الإفك من وجهة العقل والخبرة بسيرة السيدة عائشة وطهرها ونقاء تاريخها من كل شائبة، وأن "سيرتها في أيام النبي وبعده تبدو فوق الشبهة" كما قال بشر.
* * *
وما أردت إلى الدفاع عن الأستاذ بشر، فإنه يعرف كيف يدافع عن نفسه، ويعرف كيف يوقف العقاد عند حدّه، وإنما أردت أن أصور عدوان العقاد وطغيانه؛ ليحذر الناس من تحريفه الكلام عن مواضعه.
* * *