الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثمار المقاصد في ذكر المساجد (*) ليوسف بن عبد الهادي
(1)
قصد المؤلف إلى ذكر المساجد التي عرفت في عصره (القرن التاسع الهجري) في دمشق وما قرب منها، أحصاها إحصاءً جيّدًا، وأرخها تأريخًا مختصرًا، ثم ختم الكتاب بفصول في أحكام المساجد، ما يجوز فيها وما لا يجوز، وآداب دخولها وآداب المكوث فيها، إلى نحو ذلك مما عرف في كتب الفقه.
والكتاب تحفة طريفة من آثار علماء الشأم الأعلام، مؤلفه نِدُّ السيوطي وشبهه وعصريّه، كلاهما عالم واسع الاطلاع، مؤلف مكثر، يخوض في كل علم، ويؤلف في كل فنّ. ابن عبد الهادي مات سنة 909، والسيوطي مات سنة 911، وأكثر مؤلفاتهما جمع أو تلخيص، وكلاهما أنتج كثيرًا، ولكن السيوطي أشيع ذكرًا، وأبعد صيتًا بما نشر من مؤلفاته.
وميزة هذا الكتاب أنه ابتكار جميل، لم يسبق إليه المؤلف فيما نعلم. وكم تمنينا على وزارة الأوقاف المصرية أن تصنع مثل هذا
(*) المقتطف، المجلد الخامس بعد المائة، يونيو - ديسمبر 1944.
(1)
بتحقيق: محمد أسعد طلس (16 × 25 سم، 332 ص، نشر المعهد الإفرنسي بدمشق، بيروت 1943).
الصنيع، تحصي مساجد المملكة المصرية في كتاب مستوعب يذكر فيه تاريخها مفصلًا، وأماكنها مبينة محدودة، وقد بلغني أخيرًا أنهم فكروا في ذلك واتجهوا إلى تحقيقه، ولعلهم فاعلون إن شاء الله.
وأما إخراج الكتاب فقد أوفى فيه الدكتور أسعد على الغاية، إتقان مع أناقة، في تحقيق علميّ تاريخيّ دقيق، زيَّن حواشيه بنفائس من نتاج بحثه في مصادر التاريخ وغيرها، ومن آرائه ودراساته ومشاهداته، ونحن نقدِّر ما لقي من صعوبات في إخراج الكتاب؛ فإنه نشره عن نسخة وحيدة من مخطوطات دار الكتب الظاهرية بدمشق وهي بخط المؤلف، وخطه من الخطوط التي تصعب قراءتها إلَّا على الخبراء الذين مارسوا مثل هذه الخطوط، بل هو جديرٌ بأن يوصف بما وصفه به الدكتور أسعد أنه "رديء الكتابة"، وقد أظهرنا على مثال منه بتصوير الصفحتين الأخيرتين من الكتاب.
وكلمة الدكتور أسعد في أواخر مقدمته تصور بعض ما لقي من صعوبة، وما بذل من جهد: "والنسخة التي نقدمها اليوم لقراء العربية نسخة وحيدة في مكاتب العالم، رأيتها منذ سنوات فأعجبتني وعزمت على نشرها، وأخذت أفتش عن مصادر أستعين بها في عملي هذا فلم أهتد إلى شيءٍ سوى تاريخ ابن عساكر، وتنبيه الطالب وإرشاد الدارس للنعيمي وبعض مختصراته، ومنادمة الأطلال لبدران، وخطط الشام لكرد علي، فقرأت هذه المصادر كلها قراءة أعانتني على اكتشاف بعض الأسماء والأمكنة، وما اكتشاف هذه الأمكنة بالأمر
السهل؛ فإن للبلاد والأرض انقلابًا وتطورًا عجيبًا كما للإنسان - على رأي ابن خلدون - والله وحده يعلم كم كانت مهمتي عسيرة، وما أقول: إني بلغت فيه الغاية. ولكنني بذلت الجهد، واستعنت بالمصادر من شرقية وغربية، وسألت العلماء وهم جد قليلين في هذا الباب، فكان لي من ذلك بعض العون".
وقد وضع للكتاب ذيلًا، وهو حافل نفيس؛ إذ أحصى فيه مساجد دمشق الموجودة إلى نهاية سنة 1361، وقد زارها مسجدًا مسجدًا، وهي أكثر من ثلاثمائة مسجد، وصفها وصفًا كاشفًا، وحاول تعيين تاريخها مما وجد في نصوص المصادر التاريخية، ومما قرأ على جدرانها من كتابات ونقوش، ومن طرز البناء وأساليب عمرانه، وذكر من النقوش والكتابات ما لم يكن منشورًا في كتاب فرنسي سماه، وليته استوعب ذكر النقوش والكتابات في هذا السفر القيم؛ ليكون عمله تامًّا وافيًا، ولأنه ليس من المفروض على الباحثين والمنقبين من الأمم العربية أن يعرفوا اللغة الفرنسية، أو أن يستوعبوا قراءة ما كتب بها في علومهم وآثارهم ومفاخر بلادهم.
وقدَّم الدكتور أسعد الكتاب بمقدمة جيدة، ترجم فيها مؤلفه ترجمة وافية، وأحصى مؤلفاته الباقية في دار الكتب الظاهرية، وعرَّفها للقارئ تعريفًا كافيًا.
وصنع للكتاب فهارس متقنة، للبقاع والمساجد والأعلام، وختم الكتاب بمصور جغرافي "خريطة" ذكر فيها المساجد الموجودة
بدمشق، قسّمها إلى مربعات صغيرة رمز لها بحروف وأرقام، وذكر هذه الحروف والأرقام عقب الكلام على كل مسجد؛ ليسهل على القارئ تعيين موضع المسجد في "الخريطة".
ولكننا لاحظنا أن "الخريطة" موضوعة في الأصل باللغة الفرنسية؛ وأنها صنعت بين سنتي 1930 و 1934، فهي على أكثر تقدير تنتهي في سنة 1353 هـ، وقد صرح المؤلف أنه أحصى مساجد دمشق إلى سنة 1361 هـ.
وقد علمنا أن هذا العمل الجليل قد توِّج بقرار نبيل من المجمع العلمي العربي بدمشق تنفيذًا للمادة 48 من النظام الداخلي للمجمع، وهي تنص:"أن المجمع يوزع سنويًّا ثلاث جوائز نقدية على ثلاثة مؤلفين سوريين صنفوا أو ترجموا كتبًا قيمة، وعلى ذلك منح المجمع الدكتور أسعد طلس إحدى الجوائز الثلاث لسنة 1944؛ لإجادته في نشر هذا الكتاب".
وهذا القرار النبيل وسامٌ أدبيّ ناله المحقق عن جدارة، وشهادة وضعت موضعها، ليس تقديرها بما فيها من جائزة مادية، بل بصدورها عن رجال هم من أساطين العلم.
* * *