المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المذاهب الإسلامية في تفسير القرآن - جمهرة مقالات أحمد شاكر - جـ ١

[أحمد شاكر]

فهرس الكتاب

- ‌الإِهْدَاءُ

- ‌طلائع الجَمْهَرة

- ‌العلّامة أحمد محمد شاكرحياته الشخصيّة ومسيرته العلميّة

- ‌المبحث الأول: اسمه ونسبه وولادته وأسرته

- ‌إلماعة عَجْلى عن أسرة أحمد شاكر

- ‌المبحث الثاني: حياته ورحلاته وصلاته

- ‌رحلاته:

- ‌صلاته وصداقاته:

- ‌1 - مصطفى صادق الرافعي:

- ‌2 - محمد خميس هيبة:

- ‌3 - الدكتور زكي مبارك

- ‌4 - الشيخ محمد نور الحسن، والشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد:

- ‌5 - لويس سركيس:

- ‌6 - السيد محمد السنوسي الأنصاري:

- ‌7 - الشيخ محمد نصيف:

- ‌8 - الشيخ محمد حامد الفقي:

- ‌9 - عبد العزيز الميمني:

- ‌10 - عبد الوهاب عزام:

- ‌11 - عبد السلام هارون

- ‌12 - السيد أحمد صقر

- ‌13 - الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي:

- ‌14 - الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي

- ‌15 - أبو السمح:

- ‌16 - محمد أفندي محمد عبد اللطيف:

- ‌17 - أحمد علي الطاهر:

- ‌18 - أحمد أمين:

- ‌19 - فوزان السابق:

- ‌20 - عبد الله المراغي:

- ‌21 - الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي:

- ‌22 - الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة:

- ‌23 - أبو محمد عبد الحق بن عبد الواحد الهاشمي

- ‌24 - محب الدين الخطيب

- ‌25 - عبد الرحمن الكواكبي:

- ‌26 - محمد أحمد الغمراوي:

- ‌27 - محيي الدين رضا:

- ‌28 - محمد عبد الله دراز:

- ‌المبحث الثالث: شيوخه وأساتيذه

- ‌ الشيوخ والأساتذة

- ‌1 - الشيخ عبد السلام الفقي:

- ‌2 - الشيخ محمود أبو دقيقة:

- ‌3 - الشيخ محمد شاكر:

- ‌4 - الشيخ محمد مصطفى المراغي

- ‌5 - الشيخ إبراهيم الجبالي

- ‌6 - الشيخ عبد الستار بن عبد الوهاب الدهلوي

- ‌7 - العلّامة عبد الله بن إدريس السنوسي

- ‌8 - الشيخ محمد بن الأمين الشنقيطي

- ‌9 - الشيخ أحمد بن الشمس الشنقيطي

- ‌10 - العلّامة طاهر الجزائري

- ‌11 - الشيخ جمال الدين القاسمي

- ‌12 - أبو الوفاء بن أحمد بن شرقاوي

- ‌13 - الشيخ محمد رشيد رضا:

- ‌14 - الشيخ بسيوني بن بسيوني بن حسن عسل:

- ‌15 - الشيخ عبد الوهاب النجار:

- ‌16 - الأستاذ علي الجارم:

- ‌17 - الشيخ عبد الحيّ الكَتَّاني:

- ‌18 - الدكتور منصور فهمي:

- ‌تلاميذه:

- ‌المبحث الرابع:‌‌ مذهبه الفقهيوعقيدته

- ‌ مذهبه الفقهي

- ‌ عقيدته:

- ‌المبحث الخامس: آثاره العلمية

- ‌أولًا: آثار الشيخ في القرآن وعلومه:

- ‌1 - تفسير الطبري المسمى (جامع البيان عن تأويل آي القرآن):

- ‌2 - عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير:

- ‌3 - تفسير الجلالين: جلال الدين المحلي وجلال الدين السيوطي:

- ‌4 - جامع البيان في تفسير القرآن:

- ‌5 - هداية المستفيد في أحكام التجويد للشيخ أبي ريمة:

- ‌6 - منجد المقرئين ومرشد الطالبين للإمام محمد بن محمد الجزري:

- ‌ثانيًا: آثار الشيخ في الحديث وعلومه

- ‌1 - المسند للإمام أحمد بن حنبل

- ‌2 - جامع الترمذي:

- ‌3 - صحيح ابن حبان:

- ‌4 - مختصر سنن أبي داود للحافظ المنذري مع معالم السنن لأبي سليمان الخطابي وتهذيب الإمام ابن قيم الجوزية:

- ‌5 - صحيح البخاري بشرح الكرماني:

- ‌6 - الأربعون النووية:

- ‌7 - السمع والطاعة:

- ‌8 - العمدة في الأحكام:

- ‌9 - أربع رسائل حقق فيها ثمانية أحاديث من جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي:

- ‌10 - حكام الأحكام شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد:

- ‌11 - نزهة النظر شرح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر العسقلاني:

- ‌12 - الخراج ليحيى بن آدم القرشي:

- ‌13 - شرح ألفية السيوطي في علم الحديث:

- ‌15 - الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث:

- ‌16 - ضبط وتصحيح ألفية العراقي:

- ‌17 - خصائص مسند الإمام أحمد للإمام أبي موسى المديني

- ‌18 - المصعد الأحمد في ختم مسند الإمام أحمد لابن الجزري:

- ‌19 - التحقيق في أحاديث الخلاف لابن الجوزي:

- ‌ثالثًا: ما يتعلق بالفقه وأصوله:

- ‌1 - المحلي لابن حزم:

- ‌2 - الروض المربع للبهوتي بشرح زاد المستنقع لأبي النجا الحجاوي:

- ‌3 - أخصر المختصرات في فقه الإمام أحمد:

- ‌4 - مختصر المقنع في فقه الإمام أحمد للحجاوي:

- ‌5 - الرسالة للإمام الشافعي:

- ‌6 - جماع العلم للشافعي:

- ‌7 - الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم:

- ‌8 - قواعد الأصول ومعاقد الفصول (مختصر تحقيق الأمل في علمي الأصول والجدل) لصفي الدين عبد المؤمن الحنبلي:

- ‌9 - نظام الطلاق في الإسلام

- ‌10 - كلمة الفصل في قتل مدمن الخمر:

- ‌11 - رسالة في شروط الصلاة لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب:

- ‌12 - أوائل الشهور العربية هل يجوز شرعًا إثباتها بالحساب الفلكي

- ‌13 - الروضة الندية شرح الدرر البهية للعلامة صديق حسن خان:

- ‌14 - المسح على الجوربين للعلامة محمد جمال الدين القاسمي:

- ‌15 - مذكرة في قضية الوارثين الشرعيين المحرومين من حقوقهم في أوقاف أهليهم مؤيدة بفتوى الإمام محمد بن عبد الوهاب:

- ‌16 - أبحاث في أحكام (فقه وقضاء وقانون):

- ‌رابعًا: ما يتعلق بالعقيدة:

- ‌1 - كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد لشيخ الإِسلام محمد بن عبد الوهاب:

- ‌2 - الأصول الثلاثة وأدلتها لشيخ الإِسلام محمد بن عبد الوهاب:

- ‌3 - القواعد الأربع لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب:

- ‌4 - العقيدة الواسطية لشيخ الإِسلام ابن تيمية

- ‌5 - المناظرة في العقيدة الواسطية بين شيخ الإسلام ابن تيمية وعلماء عصره

- ‌6 - لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد للإمام ابن قدامه المقدسي:

- ‌7 - التدمرية لشيخ الإِسلام ابن تيمية:

- ‌8 - الفتوى الحموية الكبرى لشيخ الإِسلام ابن تيمية

- ‌9 - عقيدة أهل السنة والجماعة للحافظ أبي الفرج بن الجوزي

- ‌10 - شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي

- ‌11 - الكتاب والسنة يجب أن يكونا مصدر القوانين في مصر

- ‌خامسًا: ما يتعلق بالأدب واللغة:

- ‌1 - الشعر والشعراء لابن قتيبة:

- ‌2 - إصلاح المنطق لابن السكيت

- ‌3 - كتاب المفضليات للمفضل الضبي:

- ‌4 - الأصمعيات للأصمعي:

- ‌5 - لباب الآداب للأمير أسامة بن منقذ:

- ‌6 - المعرّب للجواليقي:

- ‌7 - الكامل في اللغة والأدب للمبرد:

- ‌سادسًا: ما يتعلق بالسير والتراجم:

- ‌1 - جوامع السيرة لابن حزم:

- ‌2 - ترجمة الإمام أحمد من تاريخ الإسلام للذهبي:

- ‌3 - ترجمته لوالده الشيخ محمد شاكر

- ‌سابعًا: ما يتعلق بالأنساب:

- ‌1 - جمهرة أنساب العرب لابن حزم:

- ‌2 - نسب قريش للمصعب الزبيري:

- ‌ثامنًا: ما يتعلق بالردود العلميّة والمقالات الصحفية:

- ‌1 - الشرع واللغة:

- ‌2 - بيني وبين الشيخ حامد الفقي:

- ‌3 - تعليقات في أبحاث دقيقة على دائرة المعارف الإسلامية:

- ‌4 - مقالات أحمد شاكر في الصحف والمجلات:

- ‌تحقيق التراث

- ‌النسخة اليونينية من صحيح البخاري

- ‌التقي اليونيني الكبير وأولاده:

- ‌الحافظ شرف الدين اليونيني:

- ‌النسخةُ اليُونينيَّةُ:

- ‌الطبعة السلطانية:

- ‌نسختي الخاصة من الطبعة السلطانية:

- ‌تصحيح الكتب

- ‌سير أعلام النبلاء - ترجمة عائشة أم المؤمنين

- ‌مقدمة الرسالة للإمام الشافعي

- ‌التحقيق لابن الجوزي

- ‌(وصف النسخة):

- ‌(وصف الكتاب):

- ‌التعريف بالكتب

- ‌تفسير القرآن الحكيم

- ‌قصص القرآن

- ‌المذاهب الإسلامية في تفسير القرآن

- ‌ثمار المقاصد في ذكر المساجد (*) ليوسف بن عبد الهادي

- ‌لمحة من سيرة الملك عبد العزيز

- ‌نقد الكتب والمقالات

- ‌أي نعم: في التأني السلامة

- ‌كلمة

- ‌الانتقاد على المنار وتفسيره

- ‌ديوان أبي فراس الحمداني

- ‌الفتح المبين في طبقات الأصوليين

- ‌نِحَل عبر النَّحْل

- ‌مقتل مالك بن نويرة وموقف خالد بن الوليد

- ‌أسامة بن منقذ

- ‌الخطيب البغدادي

- ‌دراسات عن مقدمة ابن خلدون

- ‌عصر النبي عليه السلام وبيئته قبل البعثة

- ‌فقه القرآن والسنة

- ‌باب المراسلة والمناظرة

- ‌تَحْقِيقُ سِنِّ عَائِشَة

- ‌صَدَى النقد

- ‌تصحيح القاموس

- ‌ابن محيصن

- ‌بين أحمد شاكر وحامد الفقي

- ‌بيني وبين الشيخ حامد الفقي

- ‌حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ محمد حامد الفقي رئيس جماعة أنصار السنة ورئيس تحرير مجلة (الهدي النبوي)

- ‌أبرأ إلى الله من سوء الظن بشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ورضي عنه

- ‌التعقيب على مقاله

- ‌بيني وبين أخي الشيخ أحمد شاكر

- ‌تعقيب لفضيلة الشيخ أحمد محمد شاكر

- ‌الدفاع عن الحق

- ‌كلمة الحق

- ‌صُحُف الهِلَال والدّعَاية ضِد الإسلام

- ‌عبد العزيز فهمي باشا وعداؤه للعربية

- ‌الإيمانُ قَيْدُ الفَتْكِ

- ‌على الطريقة الأمريكية

- ‌ خمارة حقيقية

- ‌حضور المسلمين الصلاة في الكنائس

- ‌خطاب مفتوح إلى شيخ الأزهر

- ‌خواطر

- ‌1 - في التعليم

- ‌2 - في المحاضرة الحمقاء

- ‌3 - في الأعراض

- ‌4 - لصوص الثياب

- ‌5 - هل في شعائر الإسلام وثنية

- ‌6 - بحث في تاريخ السيد البدوي

- ‌7 - مقاطعة الملحدين

- ‌8 - الكشف الطبي على راغبي الزواج

- ‌9 - تعليم الدين في المدارس

- ‌10 - الجامعة المصرية

- ‌جرأة عجيبة على تكذيب القرآن

الفصل: ‌المذاهب الإسلامية في تفسير القرآن

‌المذاهب الإسلامية في تفسير القرآن

(*)

تأليف جولد تسيهر (1)

يعرض المستشرقون لعلوم الإسلام وتاريخ الإسلام عرضًا علميًّا في بعض أحيانهم، وعرضًا كله غرض في بعض أحيانهم.

ولقد كان المسلمون - ولا يزالون - في حاجة إلى معرفة آراء هؤلاء، سواء منها ما كان رأيًا عن معرفة وثبت وإنصاف، وما كان عن هوى وغرض، حتى يدركوا مقاصد القوم ونياتهم نحوهم ونحو بلادهم، فما أُتي المسلمون في القرنين الماضيين إلَّا من جهلهم ما يضمر بعض أولئك القوم لهم وما يقولون فيهم.

وكنا - نحن الأزهريين في هذا العصر - نجتهد بكل وسيلة نستطيع، أن نتعرف آراء أولئك في تاريخنا وعلومنا، ونقرأ كل ما يترجم عنهم في الكتب والصحف والمجلات، ونتصل بمن عرفوا اللغات الأجنبية وبمن تعلموا في أوربة من المصريين، ونقتني آثارنا النفيسة التي ينشرها المستشرقون، نستطلع بذلك كله الأخبار والآراء، ثم بُعثت بعض البعوث منا إلى أوربة للدرس والمعرفة والتنقيب، وعاد بعض من بعث، فتوقعنا أن يقوموا ببعض هذا

(*) المقتطف، المجلد الخامس بعد المائة، يونيو - ديسمبر 1944.

(1)

ترجمة علي حسن عبد القادر (16 × 23 سم، 184 ص، القاهرة سنة 1363 هـ/ 1944 م).

ص: 181

الواجب، واجب تعريفنا تعريفًا علميًّا بآراء علماء أوربة فيما عرضوا له من دقائق العلم الإسلامي، فلم يفعلوا، ولا نزال نتوقع أن يفعلوا، ولعل لهم من أحداث هذه الحرب بعض العذر، فقد كان أثرها شديدًا على الورق والطبع والنشر.

ولكن أخانا علي حسن عبد القادر لم تقف دونه العقبات فيما يستطيع، فأخرج لنا هذا الكتاب في هذا العام، ونحن على ثقة أنْ سيتبعُه كتبًا أخرى، ولعل في نشاطه وعمله هذا ما يحفز إخوانه على أن يقوموا بحركة مباركة في الترجمة والنشر، قيامًا ببعض الواجب عليهم نحو أزهرِهم.

وقد اختار المترجم هذا الكتاب؛ لأنه "لشيخ من شيوخ المستشرقين (وهو مجري) معروف بطول الباع معرفة مستفيضة، وقد كان هذا الكتاب آخر كتاب له، ملأه بتجاربه في البحوث الإسلامية

حتى إنَّه ليعدُّ كافيًا لتعرف آراء المستشرقين، ومصادرهم ومؤلفاتهم، وزبدة ما يمكن أن يعرضوا له من نقد وتقدير في هذا الصدد".

وفي هذا الكتاب من الخطأ ما يحتاج من أجله إلى درس كل مسألة من مسائله درسًا دقيقًا وافيًا، حتى لا يغتر قارئه بظاهر القول؛ فيقع فيما وقع فيه المؤلف، ولعلنا نوفق إلى صنع ذلك في إحدى المجلات الخاصة بمثل هذه الأبحاث أو في كتاب خاص، بعون الله وتوفيقه.

ولم يكن المجال واسعًا في ترجمة الكتاب أن يتعقب الأستاذ

ص: 182

المترجم مسائله تفصيلًا، ولكنه تعقبه إجمالًا في عشر صفحات ألحقها بآخر الكتاب، أجاد فيها جدًّا قال: "إن نظرة عابرة في هذا الكتاب تجعل القارئ لأول وهلة يقف موقف الحائر المتردد في الحكم عليه: فبينما نرى فيه اطلاعًا واسعًا في الكتب الإسلامية، وفكرة طريفة في عرض الموضوع عرضًا علميًّا، نجد في الوقت نفسه أن المؤلف قد تخلى عنه قلم العالم النزيه في نقد المسائل نقدًا سليمًا

ولعل هذه الفرصة في عرض هذا الكتاب تبين للناس بعض ذلك، حتى يقفوا موقف الحيطة والحذر إزاء ما يقرؤون (للمستشرقين)، وموقف الريبة لهم، حتى يتبينوا، ويعرضوا ذلك على مصادره الأصلية" ص 174.

والذي نراه نحن فوق هذا أن الهوى قد يغلب حتى يضع المؤلف موضع الشك في أمانته في اختيار ما ينقل.

فقد عرض المؤلف - مثلًا - لأول سورة الروم {غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ} . فالذكر المعروف في القراءة والتفسير والسير والتاريخ: أن الفرس انتصروا على الروم، ففرح المشركون بهزيمة النصارى أهل الكتاب، وحزن المسلمون، وأن الآية بشرتهم بنصر الروم على الفرس في بضع سنين. ولكن المؤلف لا يرضيه أن يسير على الجادة الواضحة، ويريد

ص: 183

أن يتبع طريق التشكيك في قراءات القرآن فيقول ص 19: "ولكن قراءة هذه الآية على هذا الشكل (1) لم يتفق عليها عند جميع القراء فقد قرأها أكثرهم: (غَلَبَتْ)(2)

وأن ذلك يتعلق بانتصار الروم على بعض القبائل العربية بالشام وأصحاب هذه القراءة يذكرون أن فيها تنبؤًا للنبي بما حصل بعد تسع سنين بعد هذا الوحي من انتصار المسلمين على البيزنطيين. ونحن نرى أن القراءتين متناقضتان في المعنى، فالغالبون في القراءة المشهورة هم المغلوبون في القراءة الأخرى، ومتعلق الفعل في قراءة على الفاعلية، وفي أخرى على المفعولية".

وهذا الذي حكاه غير صحيح، أعني؛ ادعاءه أن أكثر القراء قرؤوها (غَلَبَتْ) بالبناء للفاعل، و (سَيُغْلَبونَ) بالبناء للمفعول، وليس هذا عن سهو منه أو قصور في البحث، فإن اطلاعه واسع جدًّا على كتب التفسير والقراءات، كما يبدو من كتابه، وإنما قصد إلى غير الصحيح.

وذلك أن كل القراء السبعة ورواتهم، وسائر القراء العشرة، وسائر القراء الأربعة عشر لم يقرؤوها إلا {غُلِبَتِ} بالبناء للمفعول، و {سَيَغْلِبُونَ} بالبناء للفاعل، قولًا واحدًا وقراءة واحدة، والقراءة

(1) أي قراءة "غلبت" بالبناء للمفعول، و"سيغلبون" بالبناء للفاعل.

(2)

أي قراءته "غلبت" بالبناء للفاعل، و"سيغلبون" بالبناء للمفعول.

ص: 184

الأخرى التي نسبها إلى أكثر القراء قراءة شاذة جدًّا نقلها ابن خالويه في كتاب "القراءات الشاذة" الذي نشرته جمعية المستشرقين الألمانية بتصحيح المستشرق برجشتراسر سنة 1934 ص 116، ونسبها للنبي صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب وابن عمر، وهذه نسبة ضعيفة لم تثبت بإسناد صحيح ولا ضعيف عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يروها أحد من أهل الحديث. نعم، روى الترمذي في سننه بإسناده عن أبي سعيد ما يشبه هذا، وحكى عن شيخه نصر بن علي الجهضمي أنه كان يقرؤها (غَلَبَتْ) بفتح الغين، ولكن إسناد حديثه ضعيف جدًّا، وأخطأ الترمذي فحكم بأنه حديث حسن (انظر: الترمذي ج 2 ص 154، 206 طبعة بولاق، وشرح المباركفوري على الترمذي ج 4 ص 59 - 60، 160 طبع الهند). وقد رد على الترمذي وبيّن أن الحديث ضعيف.

وروى ابن جرير الطبري في التفسير ج 21 ص 11 من طريق "الحسن الجفري عن سليط" أنه سمع ابن عمر يقرأ ذلك، وهذا إسناد ضعيف جدًّا، الحسن بن أبي جعفر الجفري ضعيف منكر الحديث، وشيخه سليط مجهول، فمثل هذا الإسناد لا تثبت به قراءة ولا كرامة، ثم بين الطبري الصحيح من القراءة فقال:"والصواب من القراءة في ذلك عندنا، الذي لا يجوز غيره {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2)}. بضم الغين؛ لإجماع الحجة من القراء عليه".

لا نظن بعد هذا أن مؤلف الكتاب أخطأ فيما حكى، إنما الواضح الذي لا نشك فيه أنه علم الصحيح وعدل عنه ونقل غيره

ص: 185

عارفًا أن القراء أجمعوا تقريبًا على القراءة المعروفة، ثم نسب القراءة الشاذة المنكرة إلى أكثرهم.

وبعد: فإن في الكتاب حافزًا إلى البحث والتوسع، بما يضمه من نقول وآراء لم ينشر من مثلها في العربية كثير، ويجدر بالعلماء أن يعنوا به وبأمثاله ليستفيدوا طرق البحث والنقد، بما يرسم من المناهج، ثم ليعرفوا ما يقال من حق ومن باطل، وليروا ما يثار من شُبه وشكوك، يجب عليهم أن يدفعوها، وفاءً بميثاقهم، وأداءً لأمانتهم.

* * *

ص: 186