المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌صحف الهلال والدعاية ضد الإسلام - جمهرة مقالات أحمد شاكر - جـ ١

[أحمد شاكر]

فهرس الكتاب

- ‌الإِهْدَاءُ

- ‌طلائع الجَمْهَرة

- ‌العلّامة أحمد محمد شاكرحياته الشخصيّة ومسيرته العلميّة

- ‌المبحث الأول: اسمه ونسبه وولادته وأسرته

- ‌إلماعة عَجْلى عن أسرة أحمد شاكر

- ‌المبحث الثاني: حياته ورحلاته وصلاته

- ‌رحلاته:

- ‌صلاته وصداقاته:

- ‌1 - مصطفى صادق الرافعي:

- ‌2 - محمد خميس هيبة:

- ‌3 - الدكتور زكي مبارك

- ‌4 - الشيخ محمد نور الحسن، والشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد:

- ‌5 - لويس سركيس:

- ‌6 - السيد محمد السنوسي الأنصاري:

- ‌7 - الشيخ محمد نصيف:

- ‌8 - الشيخ محمد حامد الفقي:

- ‌9 - عبد العزيز الميمني:

- ‌10 - عبد الوهاب عزام:

- ‌11 - عبد السلام هارون

- ‌12 - السيد أحمد صقر

- ‌13 - الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي:

- ‌14 - الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي

- ‌15 - أبو السمح:

- ‌16 - محمد أفندي محمد عبد اللطيف:

- ‌17 - أحمد علي الطاهر:

- ‌18 - أحمد أمين:

- ‌19 - فوزان السابق:

- ‌20 - عبد الله المراغي:

- ‌21 - الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي:

- ‌22 - الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة:

- ‌23 - أبو محمد عبد الحق بن عبد الواحد الهاشمي

- ‌24 - محب الدين الخطيب

- ‌25 - عبد الرحمن الكواكبي:

- ‌26 - محمد أحمد الغمراوي:

- ‌27 - محيي الدين رضا:

- ‌28 - محمد عبد الله دراز:

- ‌المبحث الثالث: شيوخه وأساتيذه

- ‌ الشيوخ والأساتذة

- ‌1 - الشيخ عبد السلام الفقي:

- ‌2 - الشيخ محمود أبو دقيقة:

- ‌3 - الشيخ محمد شاكر:

- ‌4 - الشيخ محمد مصطفى المراغي

- ‌5 - الشيخ إبراهيم الجبالي

- ‌6 - الشيخ عبد الستار بن عبد الوهاب الدهلوي

- ‌7 - العلّامة عبد الله بن إدريس السنوسي

- ‌8 - الشيخ محمد بن الأمين الشنقيطي

- ‌9 - الشيخ أحمد بن الشمس الشنقيطي

- ‌10 - العلّامة طاهر الجزائري

- ‌11 - الشيخ جمال الدين القاسمي

- ‌12 - أبو الوفاء بن أحمد بن شرقاوي

- ‌13 - الشيخ محمد رشيد رضا:

- ‌14 - الشيخ بسيوني بن بسيوني بن حسن عسل:

- ‌15 - الشيخ عبد الوهاب النجار:

- ‌16 - الأستاذ علي الجارم:

- ‌17 - الشيخ عبد الحيّ الكَتَّاني:

- ‌18 - الدكتور منصور فهمي:

- ‌تلاميذه:

- ‌المبحث الرابع:‌‌ مذهبه الفقهيوعقيدته

- ‌ مذهبه الفقهي

- ‌ عقيدته:

- ‌المبحث الخامس: آثاره العلمية

- ‌أولًا: آثار الشيخ في القرآن وعلومه:

- ‌1 - تفسير الطبري المسمى (جامع البيان عن تأويل آي القرآن):

- ‌2 - عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير:

- ‌3 - تفسير الجلالين: جلال الدين المحلي وجلال الدين السيوطي:

- ‌4 - جامع البيان في تفسير القرآن:

- ‌5 - هداية المستفيد في أحكام التجويد للشيخ أبي ريمة:

- ‌6 - منجد المقرئين ومرشد الطالبين للإمام محمد بن محمد الجزري:

- ‌ثانيًا: آثار الشيخ في الحديث وعلومه

- ‌1 - المسند للإمام أحمد بن حنبل

- ‌2 - جامع الترمذي:

- ‌3 - صحيح ابن حبان:

- ‌4 - مختصر سنن أبي داود للحافظ المنذري مع معالم السنن لأبي سليمان الخطابي وتهذيب الإمام ابن قيم الجوزية:

- ‌5 - صحيح البخاري بشرح الكرماني:

- ‌6 - الأربعون النووية:

- ‌7 - السمع والطاعة:

- ‌8 - العمدة في الأحكام:

- ‌9 - أربع رسائل حقق فيها ثمانية أحاديث من جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي:

- ‌10 - حكام الأحكام شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد:

- ‌11 - نزهة النظر شرح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر العسقلاني:

- ‌12 - الخراج ليحيى بن آدم القرشي:

- ‌13 - شرح ألفية السيوطي في علم الحديث:

- ‌15 - الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث:

- ‌16 - ضبط وتصحيح ألفية العراقي:

- ‌17 - خصائص مسند الإمام أحمد للإمام أبي موسى المديني

- ‌18 - المصعد الأحمد في ختم مسند الإمام أحمد لابن الجزري:

- ‌19 - التحقيق في أحاديث الخلاف لابن الجوزي:

- ‌ثالثًا: ما يتعلق بالفقه وأصوله:

- ‌1 - المحلي لابن حزم:

- ‌2 - الروض المربع للبهوتي بشرح زاد المستنقع لأبي النجا الحجاوي:

- ‌3 - أخصر المختصرات في فقه الإمام أحمد:

- ‌4 - مختصر المقنع في فقه الإمام أحمد للحجاوي:

- ‌5 - الرسالة للإمام الشافعي:

- ‌6 - جماع العلم للشافعي:

- ‌7 - الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم:

- ‌8 - قواعد الأصول ومعاقد الفصول (مختصر تحقيق الأمل في علمي الأصول والجدل) لصفي الدين عبد المؤمن الحنبلي:

- ‌9 - نظام الطلاق في الإسلام

- ‌10 - كلمة الفصل في قتل مدمن الخمر:

- ‌11 - رسالة في شروط الصلاة لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب:

- ‌12 - أوائل الشهور العربية هل يجوز شرعًا إثباتها بالحساب الفلكي

- ‌13 - الروضة الندية شرح الدرر البهية للعلامة صديق حسن خان:

- ‌14 - المسح على الجوربين للعلامة محمد جمال الدين القاسمي:

- ‌15 - مذكرة في قضية الوارثين الشرعيين المحرومين من حقوقهم في أوقاف أهليهم مؤيدة بفتوى الإمام محمد بن عبد الوهاب:

- ‌16 - أبحاث في أحكام (فقه وقضاء وقانون):

- ‌رابعًا: ما يتعلق بالعقيدة:

- ‌1 - كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد لشيخ الإِسلام محمد بن عبد الوهاب:

- ‌2 - الأصول الثلاثة وأدلتها لشيخ الإِسلام محمد بن عبد الوهاب:

- ‌3 - القواعد الأربع لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب:

- ‌4 - العقيدة الواسطية لشيخ الإِسلام ابن تيمية

- ‌5 - المناظرة في العقيدة الواسطية بين شيخ الإسلام ابن تيمية وعلماء عصره

- ‌6 - لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد للإمام ابن قدامه المقدسي:

- ‌7 - التدمرية لشيخ الإِسلام ابن تيمية:

- ‌8 - الفتوى الحموية الكبرى لشيخ الإِسلام ابن تيمية

- ‌9 - عقيدة أهل السنة والجماعة للحافظ أبي الفرج بن الجوزي

- ‌10 - شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي

- ‌11 - الكتاب والسنة يجب أن يكونا مصدر القوانين في مصر

- ‌خامسًا: ما يتعلق بالأدب واللغة:

- ‌1 - الشعر والشعراء لابن قتيبة:

- ‌2 - إصلاح المنطق لابن السكيت

- ‌3 - كتاب المفضليات للمفضل الضبي:

- ‌4 - الأصمعيات للأصمعي:

- ‌5 - لباب الآداب للأمير أسامة بن منقذ:

- ‌6 - المعرّب للجواليقي:

- ‌7 - الكامل في اللغة والأدب للمبرد:

- ‌سادسًا: ما يتعلق بالسير والتراجم:

- ‌1 - جوامع السيرة لابن حزم:

- ‌2 - ترجمة الإمام أحمد من تاريخ الإسلام للذهبي:

- ‌3 - ترجمته لوالده الشيخ محمد شاكر

- ‌سابعًا: ما يتعلق بالأنساب:

- ‌1 - جمهرة أنساب العرب لابن حزم:

- ‌2 - نسب قريش للمصعب الزبيري:

- ‌ثامنًا: ما يتعلق بالردود العلميّة والمقالات الصحفية:

- ‌1 - الشرع واللغة:

- ‌2 - بيني وبين الشيخ حامد الفقي:

- ‌3 - تعليقات في أبحاث دقيقة على دائرة المعارف الإسلامية:

- ‌4 - مقالات أحمد شاكر في الصحف والمجلات:

- ‌تحقيق التراث

- ‌النسخة اليونينية من صحيح البخاري

- ‌التقي اليونيني الكبير وأولاده:

- ‌الحافظ شرف الدين اليونيني:

- ‌النسخةُ اليُونينيَّةُ:

- ‌الطبعة السلطانية:

- ‌نسختي الخاصة من الطبعة السلطانية:

- ‌تصحيح الكتب

- ‌سير أعلام النبلاء - ترجمة عائشة أم المؤمنين

- ‌مقدمة الرسالة للإمام الشافعي

- ‌التحقيق لابن الجوزي

- ‌(وصف النسخة):

- ‌(وصف الكتاب):

- ‌التعريف بالكتب

- ‌تفسير القرآن الحكيم

- ‌قصص القرآن

- ‌المذاهب الإسلامية في تفسير القرآن

- ‌ثمار المقاصد في ذكر المساجد (*) ليوسف بن عبد الهادي

- ‌لمحة من سيرة الملك عبد العزيز

- ‌نقد الكتب والمقالات

- ‌أي نعم: في التأني السلامة

- ‌كلمة

- ‌الانتقاد على المنار وتفسيره

- ‌ديوان أبي فراس الحمداني

- ‌الفتح المبين في طبقات الأصوليين

- ‌نِحَل عبر النَّحْل

- ‌مقتل مالك بن نويرة وموقف خالد بن الوليد

- ‌أسامة بن منقذ

- ‌الخطيب البغدادي

- ‌دراسات عن مقدمة ابن خلدون

- ‌عصر النبي عليه السلام وبيئته قبل البعثة

- ‌فقه القرآن والسنة

- ‌باب المراسلة والمناظرة

- ‌تَحْقِيقُ سِنِّ عَائِشَة

- ‌صَدَى النقد

- ‌تصحيح القاموس

- ‌ابن محيصن

- ‌بين أحمد شاكر وحامد الفقي

- ‌بيني وبين الشيخ حامد الفقي

- ‌حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ محمد حامد الفقي رئيس جماعة أنصار السنة ورئيس تحرير مجلة (الهدي النبوي)

- ‌أبرأ إلى الله من سوء الظن بشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ورضي عنه

- ‌التعقيب على مقاله

- ‌بيني وبين أخي الشيخ أحمد شاكر

- ‌تعقيب لفضيلة الشيخ أحمد محمد شاكر

- ‌الدفاع عن الحق

- ‌كلمة الحق

- ‌صُحُف الهِلَال والدّعَاية ضِد الإسلام

- ‌عبد العزيز فهمي باشا وعداؤه للعربية

- ‌الإيمانُ قَيْدُ الفَتْكِ

- ‌على الطريقة الأمريكية

- ‌ خمارة حقيقية

- ‌حضور المسلمين الصلاة في الكنائس

- ‌خطاب مفتوح إلى شيخ الأزهر

- ‌خواطر

- ‌1 - في التعليم

- ‌2 - في المحاضرة الحمقاء

- ‌3 - في الأعراض

- ‌4 - لصوص الثياب

- ‌5 - هل في شعائر الإسلام وثنية

- ‌6 - بحث في تاريخ السيد البدوي

- ‌7 - مقاطعة الملحدين

- ‌8 - الكشف الطبي على راغبي الزواج

- ‌9 - تعليم الدين في المدارس

- ‌10 - الجامعة المصرية

- ‌جرأة عجيبة على تكذيب القرآن

الفصل: ‌صحف الهلال والدعاية ضد الإسلام

‌صُحُف الهِلَال والدّعَاية ضِد الإسلام

(*)

- 1 -

نشرت صحيفة الفكاهة بعددها رقم 50 ما نصه:

"تشاجر اثنان في الزنكلون، فسب أحدهما دين الآخر، وقدم هذا الأخير طلبًا إلى المحكمة الشرعية بأن خصمه قد ارتد. فوافقت المحكمة، وأخرجته من الإسلام وفصلت بينه وبين زوجته.

وهذا اعتداء من المحكمة الشرعية على اختصاص المحاكم الأهلية التي تنظر وتعاقب من يسب الدين، فأي عقاب تعاقب به الحقانية هذا القاضي الشرعي الذي لا يبالي بهدم عائلة، ولو كان هذا العمل من غير اختصاصه".

فلما قرأتها أرسلت لها كلمة أبين فيها خطأها في هذا النقد المستنكر، وطلبت منها نشرها. وبعد أيام ورد لي خطاب خاص بإمضاء صاحبيها، ولم ينشرا مقالي، وهذا حقهما. فرأيت أن أنشر كلمتي والجواب عليها في جريدة (الفتح)؛ ليرى الناس كيف يحترم ضيوفنا عادات هذه البلاد، ودينها الرسمي، وقضاءها الشرعي الذي

(*) مجلة الفتح، العدد الثاني والسبعون، الخميس، 30 جمادى الأولى، سنة 1346 هـ - 24 نوفمبر 1927 م.

ص: 427

هو أصل القضاء في هذا البلد. وهذا نص المقال والكتاب:

حضرة صاحب الفكاهة:

بعد السلام قرأت في العدد 50 بتاريخ 9 نوفمبر سنة 1927 من الفكاهة تعرضًا لحكم زعمت الجرائد؛ أنه صدر من محكمة شرعية بالتفريق بين رجل سب الدين وبين زوجه.

وليس فيما كتبتم شيء من النقد القانوني أو الشرعي، وإنما هو اعتداء صرف على كرامة القضاء واستقلاله، وتعرض بالسخط لأحكام الشريعة الإسلامية في بلد أهله مسلمون ودينه الرسمي الإسلام.

وقد لاحظت مرارًا في صحفكم (الهلال، وكل شيء، والفكاهة) كتابات تمس الدين الإسلامي وتهزأ بعلماء الإسلام، ولاحظ هذا غيري كثير من الناس، وآلمنا أشد الألم لصدوره من جرائد مسيحية، ليس لها أن تتعرض لدين الإسلام، وأظنكم لم تروا جريدة إسلامية في مصر تكلمت بكلمة تمس الدين المسيحي.

نعم إن في بلدنا هذا كثيرًا من الملحدين الذين تسموا بأسماء المسلمين، وهم يقولون كثيرًا، ولكن الناس مهما سكتوا عن أقوالهم أو سفهوا آراءهم فإنهم لا يحتملون المساس بدينهم من غيرهم، هذا من جهة المبدأ في الكتابة.

وأما من جهة الموضوع، فإنه يظهر أن كاتب الكلمة في الفكاهة لا يعرف الشريعة الإسلامية، ولا القوانين الوضعية، ولا قواعد

ص: 428

الاختصاص في المحاكم، ولا يشعر في نفسه بعاطفة احترام القضاء ولو أخطأ.

فالذي يسب الدين الإسلامي هو مرتد وخارج عن الإسلام، ويجب التفريق بينه وبين زوجه في الشريعة، وإذا حكم القاضي الشرعي بذلك، فإنه قد أدى ما وجب عليه ولم يتعد اختصاصه. والعقوبة المفروضة في قانون العقوبات شيء آخر. ولئن كان حكمه خطأ لسبب من الأسباب، فسبيله أن يطعن المحكوم عليه بالطرق الرسمية من معارضة واستئناف وغيرهما. وحتى لو كان القاضي مخطئًا ومتعديًا على اختصاص غيره، فليس للكاتب أي وجه في طلبه أن تعاقب الحقانية القاضي الذي حكم به، إلا إن كان القاضي متأثرًا بأشياء خارجة عن موضوع القضية، والخطأ القضائي المبني على اجتهاد في الرأي لا عقوبة عليه؛ فالقاضي غير معصوم، وها هي المحاكم الشرعية والأهلية والمختلطة كثيرًا ما يتعدى بعضها اختصاصه، وما رأينا ولا سمعنا أن قاضيًا امن قضاتها عوقب لشيء من ذلك، ولم نر جريدة من الجرائد كتبت كلمة تمس قاضيًا أهليًّا أو مختلطًا؛ لخروجه عن دائرة اختصاصه.

ويظهر أن هذا خاص عندكم بالمحاكم الشرعية لتنفيذها أحكام الشرعية الإسلامية.

ثم إن هذه الواقعة التي رواها مكاتب الأهرام بالزنكلون لم نسمع بحصولها في دائرة مديرية الشرقية، ولا ندري من أين أتى بها

ص: 429

حضرته، وكنا نود من الصحافة الشريفة النابهة أن تتحرى الوقائع قبل نقدها والتعليق عليها.

وإني أرجو أن تنشروا كلمتي هذه بنصها في جريدتكم وأن تتقبلوا مني التحية؟

وهذا نص الجواب الذي جاءني صادرًا من إدارة الهلال:

حضرة الفاضل الأستاذ أحمد محمد شاكر

تحية، واحترامًا. وبعد: ملحوظة فقد أخذت خطابكم وشكرت لكم عنايتكم. على أني قد أسفت لما تبادر إلى ذهنكم من أن مجلاتنا تنشر كتابات عن الدين الإسلامي، وتهزأ بعلماء المسلمين؛ فهذا أبعد شيء عن خطتنا منذ إنشاء الهلال.

على أننا مع رغبتنا الأكيدة في تجنب هذه الموضوعات لا يسعنا - ومجلاتنا تتناول الحوادث الجارية والمباحث الاجتماعية التي يتحدث عنها الناس - إلا أن نشير إلى ما يجرى في هذا البلد، ولما كان معظم محرري مجلاتنا من المسلمين؛ فهم بطبيعة الحال يبدون ما يعنّ لهم من الأفكار في هذه الشؤون كما يفعل الكتاب في جميع الجرائد والمجلات السيارة بصرف النظر عن دين أصحابها. وقد تكون أفكارهم مخالفة لأفكار فريق من رجال الدين فإرضاؤهم جميعًا غير ميسور.

وأنتم تعلمون أن مجال الشرح والتفسير واسع جدًّا يختلف فيه العلماء أنفسهم اختلافًا كبيرًا.

ص: 430

وهذا وأننا نكرر لكم الشكر على ما أبديتم من الملاحظات، كما نكرر ونقرر بعدنا عن كل غرض ورغبتنا الأكيدة في تجنب كل ما يمس الدين أو رجال الدين. وتفضلوا بقبول فائق الاحترام.

أميل وشكري زيدان

* * *

قال الشيخ:

ولقد ترددت بعد أن جاء هذا الخطاب في نشره ونشر مقالي، ولكني رأيت فيه أشياء تحتاج إلى إيضاح.

وأراد الله أن أجد لي من قلم (الفكاهة) حجة أقيمها عليها، لأُري إخواني الفرق بين نقدها للقضاء الأهلي وبين نقضها القضاء الشرعي الذي يفصل بين الناس بالشريعة الإسلامية الغراء.

فإنها نشرت في العدد 51 ما نصه:

القضاء حر فيما يحكم به، ولكن للأحكام آثارها في الجمهور وفي النظام الاجتماعي، وقد حكم بإحالة الأستاذ محمود عزمي المحرر في السياسة إلى محكمة الجنايات لاتهامه بالعيب في ذات الملك"

إلخ.

إذن فالقاضي الأهلي إذا خالف رأي (الفكاهة) حر فيما يحكم به، وأما القاضي الشرعي فإنه يطلب من وزارة الحقانية عقابه.

ألهذا في نظر العقلاء معنى إلا ما قلناه من أن هذه الصحف لا

ص: 431

تبغي إلا التعرض لما كان مصبوغًا بصبغة الإسلام!

يعتذر أصحاب الصحيفة في كتابهم؛ بأن محرري مجلاتهم من المسلمين! وما لنا ولهذا، إنا لا نرى أمامنا إلا صحفًا بأسمائهم، ويزعمون أنها لا شأن لها بالأديان ولم تكن أنشئت للتبشير، فما بالهم كلما عرض لهم شيء يتعلق بالإسلام نبزوه بألسنتهم وتناولته أقلامهم!

لو أنهم أعلنوا أن صحفهم دينية جعلت للمناظرة بين الأديان، لما عبأنا بالرد عليهم - فنحن أشد الناس مقتًا للجدل حول الأديان - ولما قرأ صحفهم أحد من المسلمين.

والمدهش أن يقارنوا بين بحث في اختصاص القاضي والمحافظة على كرامة القضاء، وبين أفكار محرري صحفهم (وقد تكون مخالفة لأفكار فريق من رجال الدين فإرضاؤهم جميعًا غير ميسور).

لا لا أيها الكُتَّاب، إنما ننعي عليكم طغيان أقلامكم وفلتات ألسنتكم، لا مخالفة آرائكم لآرائنا، ولا نبحث عن رضانا أو رضا غيرنا، وليست هذه المسألة مما يخالف فيه أحد من المسلمين فضلًا عن رجال الدين.

إنا لا نريد من صحف الهلال أن تكون نصيرة للإسلام، ولكنا نرجوها أن تبعد أقلام محرريها عن التعرض له في كتاباتها، وأن تنفذ رغبتهم الأكيدة (في تجنب كل ما يمس الدين أو رجال الدين) كما وعد أصحابها، ونكتفي بهذا الوعد منهم ونطلب منها أن تنشر اعتذارًا عن التعرض للقضاء؛ لأن طلب عقاب القاضي الذي أصدر الحكم

ص: 432

- في ظنهم - يعتبر إهانة للقضاء الشرعي كله، وهذا الذي نصرُّ على طلبه منهم حرصًا منا على كرامة القضاء الإسلامي، وإني أتمنى لو كانت الحادثة وقعت فعلا وحكم فيها القضاء، إذن لكان للقاضي شأن آخر مع (الفكاهة).

* * *

- 2 -

قال الشيخ (1):

يظهر أن "صحف الهلال" لا يروقها أن ترى في مصر مظهرًا من مظاهر الإسلام، وهي ترى أن لواء الإسلام الآن بيد الأزهر وعلمائه، والمحاكم الشرعية وموظفيها، وأنهم القائمون بإحياء شعائره، والمظهرون سلطانه، والحافظون لما بقي من عزه ومجده في مصر تحت رعاية حضرة صاحب الجلالة نصير الدين ورافع أعلامه "مولانا الملك فؤاد" كبير ملوك الشرق الإسلامي أيده الله بتأييده.

إن صحف الهلال ترى الأزهر والمحاكم الشرعية قذًى في أعين لا ندري كيف تبصر، وشجًى في حلق جمعيات التبشير وصحف الدعاية، فلا تفتأ تناوئهما بالحرب وتنادي - من وجودهما على ظهر الأرض - بالويل والثبور.

(1) مجلة الفتح.

ص: 433

فما جاء ذكر للأزهر أو للمحاكم الشرعية إلا وانبرت ألسنتها تفري الأعراض وتزن بالسوء، وحاولت أفواهها أن تطفئ نورَ الله {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ} [الصف: 8]- باسم الإصلاح والغيرة على مرافق البلد {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12)} [البقرة: 11، 12]. ولقد كنا نود أن نحبس أقلامنا عن مساجلتهم في ميدان، لولا أن خشينا فتنتهم لشبابنا وناشئتنا، فيملؤون قلوبهم الطاهرة حقدًا وضغنًا على دينهم، وهو عنوان مجدهم، وهاديهم إلى سبيل السعادة في الدنيا والآخرة.

يعتذرون بأن التعرض للدين الإسلامي والعلماء أبعد شيء عن خطتهم منذ إنشاء الهلال. قد يكون هذا حقًّا في حياة مؤسس الهلال، فقد كان فيما نرى حازمًا يحسن البعد عن مزالق الأقدام. ومهما قلنا عن أغلاطه في تاريخ الإسلام وفي كتبه الأخرى، فلن نبيح لأنفسنا الحكم على خفايا الصدور، ولن نتهمه بالقصد إلى ما أخطأ في نسبته من سيئات للمسلمين، مما نبه عليه في حينه كبار رجال العلم في الإسلام.

وأما خَلَفه مِنْ بعده فقد رسموا لأنفسهم طريقًا جديدًا - لأنهم مجددون - ورأوا أن يغيروا ما اختطه سلفهم لنفسه ثم لهم، وأرادوا أن ينشؤوا صحفًا أسبوعية إلى جانب هلالهم تدخل على العاتق في خدرها - حتى تخرجها منه - ويقرؤها الطالب والأستاذ والطفل والشيخ، تستهوي قلوب الناس بما تظهر من صور مكتوبة وأخرى

ص: 434

مصورة تثير من شهوات الشباب المتقد، وتنشر في الملأ أخلاقًا وآدابًا جاء الإسلام - وهو الهُدى ودين الحق - حربًا على كثير منها، وخشوا أن يثوب الناس إلى رشدهم ويرجعو إلى هدى ربهم بإرشاد علماء الإسلام، فلم يجدوا لهم سبيلًا إلا أن يدخلوا في أذهان قرائهم أن هؤلاء العلماء جامدون متعصبون رجعيون، وأنهم هم المجددون المصلحون.

فكلما لاح لهم مقصد رموا الشيوخ والأزهر والمحاكم الشرعية بما تجود به آدابهم، وكانوا لا يكادون يصرحون بما تضمنته قلوبهم إلّا لمامًا. وقد رددنا عليهم قولهم في محكمة شرعية في المقال السابق، وأظهرنا ما يكنون في صدورهم نحو المحاكم الشرعية، وأقمنا الحجة عليهم من نقدهم لمحكمة أهلية بجوار طعنهم في الشرعية.

وها هم الآن أبدوا لنا عن صفحتهم جوابًا عن مقالنا، فكتب كاتبهم في مجلة (كل شيء) في العدد 106 بتاريخ 21 نوفمبر سنة 1927 كلمة هذا نصها:

(لا مؤاخذة في وزارة الحقانية لجنة تنظر في حال المحاكم الشرعية وتحاول وضع نظام لإصلاحها، أو تحاول إصلاح نظامها الحاضر، ولست أريد أن أقول إن نظام هذه المحاكم سيئ؛ فإن هذه الحقيقة الأليمة معروفة يعلمها كل إنسان، فالذي أريد أن أقوله ولا مؤاخذة هو

إلغاء

هذه

المحاكم.

وأضع إصبعي في عين من يدعي أني أعتدي على الشرع؛ لأني

ص: 435

أغار على الشرع أكثر منه ومن أبيه ومن أهله ومن أهل بلده جميعًا، ولكن أريد أن يتخلص الشرع من سوء الإدارة.

عجز المصلحون عن إصلاح هذه المحاكم ووضعوا (أصباعهم في الشق)، ولست أدري ما المانع الشرعي من إلغائها وإحالة أعمالها إلى المحاكم الأهلية في جلسات يكون القاضي مسلمًا ويحضر معه شيخ من مشايخ القضاء الشرعي، إلى أن تتوسع مدرسة الحقوق في تعليم الشريعة الإسلامية، ويومئذ يلغى عمل الشيخ الذي يحضر مع قاضي المحكمة الأهلية هذا مع الاعتراف بأن بين القضاة الشرعيين رجالًا يستحقون الإعجاب بهم، وعددهم قليل لا يمنع شر هذا النظام.

هل المسلم لا يكون متفقهًا في دينه إذا كان أفنديًّا أو بيكًا). اهـ.

هذه كلمة (كل شيء) بألفاظها.

وإني قبل أن أرد عليها كلمتها، أرى من الواجب علي أن أعتذر لقراء (الفتح) الكرام من وضع مثل هذه القطعة بين أيديهم بنشرها في هذه الصحيفة الشريفة.

فما اعتادوا أن يروا فيها شيئًا من هذا الطراز، ولكن الضرورة ملجئة.

هل رأيتم أن صحف الهلال لا تريد أن ترى المحاكم الشرعية قائمة في البلد، بل ولا هؤلاء الشيوخ؟ وفي ظني أنها لو استطاعت أن تزيلهم من هذا الوجود لأزالتهم؛ ليرضى عنها المجددون ومن

ص: 436

ورائهم جمعيات التبشير، أستغفر الله، بل جمعية الشبان المسيحية.

هل رأيتم هذا الكاتب الأديب الذي يطعن في المحاكم الشرعية جملة ويذكر الآباء والأهل في مقال ينشر بجريدة سيارة أسبوعية بألفاظ السوقة؟ !

يريد حضرته أن يتخلص الشرع من سوء الإدارة، يعني أنه يطعن في أشخاص جميع القضاة، وليس طعنه فيهم إلا من قبل أنهم شيوخ مسلمون!

وها هي المحاكم الشرعية قائمة بيننا الآن، فهل رأى الناس في قضاتها من يرتكبون المنكرات جهارًا، ويقتلون الأخلاق الفاضلة في وضح النهار؟

نحن لا يهمنا طلب الكاتب إلغاء هذه المحاكم؛ فإننا من أعرف الناس بها وبما فيها، ونعلم أنه لا يجرؤ شخص مسؤول في مصر على اقتراح هذا الإلغاء، ونعلم أن المسلمين من ورائها يحوطونها بقلوبهم، ويذبون عنها بما تملك أيديهم، فإنها البقية الباقية من السلطان للشريعة الإسلامية.

لسنا ننكر أن في بعض النظم في المحاكم ما يشكوا منه كثير من الناس، وبخاصة إذا كانوا ذوي غرض، وهذه الشكوى ليست من المحاكم الشرعية وحدها، بل هي أيضًا في المحاكم الأهلية والمختلطة، ولكن طرق الدعاية والنشر تجعل الأصوات لا ترتفع إلا

ص: 437

بما يمس المحاكم الشرعية، ولكنا نريد من هؤلاء الكتاب أن يتأدبوا بالأخلاق الفاضلة، ويكبحوا من جماح أقلامهم، وليضعوا في قلوبهم ما شاؤوا، فإن للكتابة آدابًا وللنقد حدودًا. وعفا الله عن سديف الشاعر حيث يقول:

لا يغرنك ما ترى من أناس

إن تحت الضلوع داء دويا

إن هؤلاء القوم أبعد الناس عن الأزهر والمحاكم الشرعية والعلماء، ليس لهم أبناء ولا إخوان يدرسون في المعاهد، وليس لواحد منهم صلة بمحكمة شرعية، ومع هذا فإنهم قد نصبوا أنفسهم لإصلاح هذا الأزهر، وهذه المحاكم، كأنهم لم يجدوا منكرًا إلا فيها، وكأنهم ألصق الناس بها، ولو خلصت نياتهم وتأدبت أقلامهم لتقبلنا منهم ذلك، فالحكمة ضالة المؤمن يأخذها حيثما وجدها.

في مصر بجوار المسلمين نصارى ويهود من كل الطوائف والمذاهب، وفيهم رجال لأديانهم ومجالس مالية تحكم بينهم - وهم أمس الناس بها رحما - فما بالهم لا ينقدون واحدًا من رجالها ولا يتعرضون لشيء من نظمها وتعاليمها وأحكامها - وفي كثير منها قول لقائل - أفكان هؤلاء منزهين عن الخطأ؟ وكانت نظمهم وتعاليمهم في الذروة العليا من الإتقان والعدالة، لا مغمز فيها لطاعن؟ أم هو الغرض والهوى والعصبية توقد نارها في قلوب جمعيات التبشير {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ} [الصف: 8].

* * *

ص: 438

- 3 -

قال الشيخ (1):

عز على صحف الهلال أن يمضي أسبوعان ولا تنشر الجرائد اليومية خبرًا - ولو كان غير صحيح - تعلق عليه بالطعن في الأزهر أو المحاكم الشرعية، فأوحت إلى أوليائها أن يوافوها ببعض بنات أفكارهم، فما لبثنا أن رأينا في (كل شيء) في العدد رقم (107) المؤرخ 28 نوفمبر سنة 1927 مقالًا طويلًا عريضًا في صدره ملأ صحيفة منه، ولسنا نجني على قراء (الفتح)؛ بأن نسمعهم جميع ما قال (كل شيء). وحسبنا أننا امتحنا بقراءة ما يكتب هؤلاء القوم، فرأى عاملهم كتابًا زعم أنه من أحد الطلاب في الأزهر الشريف، وقدمه إلى قرائه في نصف مقاله ثم علق عليه أخيرًا. وهو لا يقصد بما كتب إلا أن يبث في نفس من رآه أن هذا الأزهر وهذه المعاهد الدينية الإسلامية تفسد عقول الناشئة، وتمحق من تفكيرهم بما تعلمهم من الثقافة القديمة، وأن حضرات "أصحاب صحف الهلال" "في حاجة إلى أن تدخل العلوم الحديثة على جميع معاهدنا وقاية لعقول شبابنا من فساد هذه التعاليم القديمة" يقول حضرات (أصحاب صحف الهلال) في مقدمة مقالهم عن الأزهر:

(1) مجلة الفتح.

ص: 439

يجب أن تكون مدارسنا معاهد لتثقيف الشباب بالثقافة الحديثة، وليس معنى ذلك أن نهجر الثقافة القديمة؛ فإنها يجب أن يختص لها علماء يدرسونها ويوضحون لنا منها تطور الفكر الإنساني، وكيف ارتقى من الجهل إلى العلم، وكيف كانت علومه في الأصل أساطير وحكومته استبداد وطغيان (كذا) ومدنه مباءة أقذار، ثم ارتقى ذلك كله إلى ما نرى من العلوم الدقيقة، والحكومات الدستورية والمدن النظيفة. ومن الغباوة الفظيعة بل المجرمة، أن تغرس في ذهن الشاب المصري أن العلوم القديمة كانت أنفع للناس من العلم الدقيق الراهن، أو أن حكومات القدماء كانت أنظم وأعدل من حكومتنا، فلندرس كل قديم، ولكن باعتبار أنه قديم لقيمته التاريخية فقط، ولكن لا لنقتدي به أو لنؤمن بصحته".

هذه مقالة يقولونها عن الأزهر، والمعاهد التي تعلم قاصديها علوم الشريعة الإسلامية، وآداب الإسلام، وفنون اللغة العربية، وبلاغة العرب - لا عن معاهد أوربا منذ قرنين، ولا عن محاكم التفتيش في الأندلس.

أفرأيتم أيها الناس أن هذه الصحف ترمي الثقافة الإسلامية العالية؛ بأن علومها إن هي إلا أساطير، وتنبز حكومات الإسلام العادلة؛ بأنها حكومات استبداد وطغيان، أو رأيتم أنها تريدنا على أن ندرس علومنا وآدابنا وتاريخنا الناصع وأحكام ديننا، لا لنقتدي بها ولا لنؤمن بصحتها ولكن لقيمتها التاريخية فقط؟ !

ص: 440

ألا تصدقون معي أن هذه الصحف أنما تمتح من البؤرة التي سبقها إليها أستاذ الآداب بالجامعة المصرية، وأنها إنما ينهزها إرضاء جمعيات التبشير؟ لا يزعم أن علوم الثقافة الإسلامية أساطير إلا من جهلها فعاداها، أو كان يدفعه الهوى فينكر ضوء الشمس. وها هم علماء أوربة من المستعربين يدرسون علوم العرب وتاريخهم وتشريعهم ويبذلون في نشرها والإشادة بذكرها من الجهود ما لو وفقنا إليه من بضع عشرات السنين؛ لكان للمسلمين شأن غير ما نرى، ولعاد إلينا كثير مما أضعنا من المجد والقوى و {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11]. وهذا هو الكتاب المفترى:

"أنا أزهري اسمًا، عصري ثقافةً ولحمًا ودمًا، تؤثر في كلماتك الغالية، حتى كأنها تسري في عروقي سري الدم؛ فأشعر عند قراءتها بخجل وحرارة معًا، فهي في عقلي ثقافة وفي جسمي حياة! وأريد أن أعرض عليك يا سيدي نوعًا من الذين يجلسون منا مجلس المعلمين ..

قال بعض "العلماء": إن القيامة ستقوم قبل سنة 1450 هـ لا محالة

ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنه لا تأتي على أمتي سنة هجرية اسمها 1450

". وقال غيره: إنّ النيل يأتينا من الجنة!

فحزنت؛ لأن صموئيل بيكر دخل الجنة قبلنا

وغيره يقول إنّ: حسانَ بن ثابت كان يمسح بلسانه شعر رأسه، كأن حسانًا لا يكون شاعر النبي

ص: 441

إلا بهذا اللسان (العجالي) الذي يريد أن يلحقه به الشيخ! .. ويقرؤون لنا في حصة (الأخلاق) خرافات المتصوفة وحكايات الصالحين!

كل هذا يا سيدي حضرته بنفسي، ولو أردت أن أكتب لك كثيرًا من هذا "العلم الشريف" لفعلت، ولكني أعلم أن نفثات قلمك الجريء لا يصح أن أقتطع منها أكثر من هذا متعة ومنفعة. محمود

".

تدعي هذه الصحف أن هذا الكتاب المخترع جاءها من أحد طلاب الأزهر الشريف، ولن يقرأه ذو مسكة من عقل إلا واستيقن أنه مصنوع لديهم، وأنه بقلم سلامة موسى.

وآية صنعه أن طلاب الأزهر - دعك من علمائه - وطلاب المدارس بل والدهماء من كاتب وأمي يعلمون أن تواطؤ المسلمين على بدء تأريخهم بعام هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان في خلافة عمر رضي الله عنه في السنة الثالثة من خلافته في سنة 16، وأن التاريخ بذلك لم يكن معروفًا أصلًا في عصر النبوة، فمن غير المعقول إذن أن يتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن انتهاء الحياة الدنيا سيكون قبل سنة 1450، ومن غير المعقول أن ينسب هذا إلى الرسول الكريم عالم أو جاهل من المسلمين، وإنما يتقحم هذه الحفر من لا يرى في نفسه للإسلام حرمة، ولم تخالط بشاشة الإيمان قلبه، ولم يسمع قوله صلى الله عليه وسلم:"إن كذبًا علي ليس ككذبٍ عَلَى أحدٍ، فمَنْ كَذَبَ عليَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النارِ".

ص: 442

ثم هاتم خبرونا: من المسلمين - جاهلهم أو عالمهم - يرضى أن ينسب هذا الهراء إلى سيد الفصحاء والبلغاء، من أوتي جوامع الكلم واختصر لكم القول اختصارًا صلى الله عليه وسلم؟ !

أيرضى لنفسه كاتب أن تصدر عنه هذه الجملة "سنة هجرية اسمها 1450" أيا كان من طبقات الكتاب؟ اللهم إن هذا كذب من أوقح الكذب على رسولك.

وما أصدق قول العربي: إن كنت كذوبًا فكن ذَكُورًا. وإن مثل صاحب الأكذوبة المفضوحة، كمثل رجل سمعنا عنه فكاهة لطيفة في صبانا:

زعموا أن نفرًا اجتمعوا في مصر العليا - وهناك يتضايق وادي النيل - فتفاخروا بالصافنات الجياد وكان فيهم رجل فياش (1) فزعم لهم أنه ركب جواده فطار به في الوادي من الجبل إلى الجبل! ففجأه أحدهم: وأين البحر؟ فبهت وقال هذا الذي أنسيته.

فهذا نسي النيل بين الجبلين، وذاك نسي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتقل إلى الرفيق الأعلى قبل أن يؤرخ المسلمون من الهجرة بست سنوات.

وأما كلمتهم في حسان بن ثابت رضي الله عنه فإنَّا نظنها لاحقة بسابقتها وقد جهدنا في البحث عنها فلم نجدها في شيء من كتب التراجم المعتمدة، ولكنا نذكر أنا قرأنا في بعض كتب الأدب أن

(1) يقال: فلان فياش. إذا كان نفَّاخًا بالباطل، وليس عنده طائل.

ص: 443

حسان كان يضرب بلسانه أرنبة أنفه، وهذا على أننا لا نثق بصحته من طريق التحقيق العلمي - لا نراه شيئًا مستغربًا.

وانظروا إلى ألفاظهم حين يذكرون صحابيًّا جليلًا كان ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم! ! .

ويمينًا بالله إنهم لا يرضون أن يصفوا بأمثال هذه الكلمات أصغر قس من قساوستهم، فضلًا عن واحد من أصحاب سيدنا عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم، ولو فلتت فلتة مثل هذه من قلم أحد الكاتبين لهم في وصف رجل ممن ينسبون لدينهم، لغضبوا لها وأبوا نشرها.

وأما ما ذكروا من شأن النيل فليس كما خيل إليهم.

ولفظ الحديث في صحيح البخاري من حديث طويل في وصف المعراج: "وإذا أربعة أنهار؛ نهران ظاهران ونهران باطنان، فقلت: ما هذان يا جبريل. قال: أما الباطنان فنهران في الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات". وفي حديث آخر في صحيح مسلم: "إن النيل والفرات من أنهار الجنة". ومن المعروف ببداهة الحس والعقل أن النيل والفرات في هذه الأرض التي نعيش على ظهرها، وأنهما شقا في أديمها، يعرف ذلك الجاهل والعالم ولا يخالف فيه أحد: لا قبل ارتياد منابع النيل ولا بعده. والفرات في العراق من الجهة الشرقية للمدينة المنورة، والنيل في مصر من الجهة الغربية لها وبينهما بلاد وأقطار، وهذه حقيقة يعرفها العرب قبل الإسلام وقد كانوا يسافرون شرقًا وغربًا ويدخلون العراق ومصر.

ص: 444

وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق؛ أنه رأى النيل والفرات يجريان في الجنة، وهي عالم آخر غير هذه الأرض، وهو يعلم أن سامعيه يعرفون هذه الحقائق، وأنهم لن يشبه عليهم قوله، فيظنوا أن هذين النهرين اللذين رآهما في الجنة هما بعينهما النهران اللذان رأوهما في الدنيا، وهم يعرفون أن الدنيا عالم والجنة عالم آخر، هذه دار العمل وتلك دار الجزاء.

فهل تحب صحف الهلال والطالب الذي اخترعوه، أن ندلهم على قاعدة صغيرة من قواعد علم البيان، وهي أن المجاز: ما استعمل في غير ما وضع له لقرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقي، ونأسف جدًّا أن نمثل لهم بالمثال الذي يُعطى لصغار الطلاب المبتدئين، كما تقول: رأيت أسدًا في الحمام. فإذا كان الحمام قرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقي مع أن وجود أسد حقيقي في الحمام غير مستبعد، إلا أنه ليس كثير الحصول. أفلا تكون كل هذه الحقائق البدائية التي قلنا كافية لدلالة السامع على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرد المعنى الظاهر للفظ، بل أراد معنى آخر أرقى من هذا المعنى المحال؟ وأنه يريد أن في الجنة نهرين هما نيل وفرات تنويهًا بذكر هذين اللذين في الأرض وإشادة بفضلهما، وأنهما مصدر لكثير من الخيرات والبركات على أهليهما، وأنهما مما أنعم الله به على خلقه فقامت على ضفافهما أقدم الحضارات في الدنيا، إلى معاني وإشارات أدق وأعلى.

ص: 445

ولعلنا نوفق إلى بيان كثير منها في مقال خاص إن شاء الله.

ويرحم الله أبا الطيب إذ يقول:

وكم من عائب قولًا صحيحًا

وآفته من الفهم السقيم

وبعد فقد نرى أن عدونا بالقوم قدرهم، وقد كانت كلمتنا الأولى كافية في كشف خبيئتهم وفضح نياتهم، ولكنا أردنا أن نأخذ بحجزهم عن الوقوع في أعراض المسلمين، وأن نحمي أبناءنا وإخواننا من الوقوع في حبائلهم {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31)}. [محمد: 29 - 31].

{وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57)} . [التوبة: 56، 57].

* * *

ص: 446