الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ: وَالنِّيَّةُ شَرْطٌ لِلصَّوْمِ
وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ: لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فِي الصَّوْمِ. وَفِي الشَّرْحِ لَمْ يُورِدُوا وَالْخِلَافُ فِي أَنَّهَا رُكْنٌ فِي الصَّلَاةِ أَمْ شَرْطٌ هَاهُنَا أَيْ بَلْ جَزَمُوا بِأَنَّهَا رُكْنٌ كَالْإِمْسَاكِ. قَالَ: وَالْأَلْيَقُ بِمَنْ اخْتَارَ كَوْنَهَا شَرْطًا هُنَاكَ أَنْ يَقُولَ بِمِثْلِهِ هَاهُنَا. (وَيُشْتَرَطُ لِفَرْضِهِ التَّبْيِيتُ) لِلنِّيَّةِ أَيْ إيقَاعُهَا لَيْلًا. قَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ: رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ. (وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ) فِي التَّبْيِيتِ (النِّصْفُ الْآخَرُ مِنْ اللَّيْلِ) لِإِطْلَاقِهِ فِي الْحَدِيثِ. وَالثَّانِي تَقْرُبُ النِّيَّةُ مِنْ الْعِبَادَةِ لَمَّا تَعَذَّرَ اقْتِرَانُهَا بِهَا. (وَ) الصَّحِيحُ (أَنَّهُ لَا يَضُرُّ الْأَكْلُ وَالْجِمَاعُ بَعْدَهَا) وَقِيلَ يَضُرُّ فَيَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِهَا تَحَرُّزًا عَنْ تَخَلُّلِ الْمُنَاقِضِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْعِبَادَةِ لَمَّا تَعَذَّرَ اقْتِرَانُهَا بِهَا. (وَ) الصَّحِيحُ (أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّجْدِيدُ) لَهَا (إذَا نَامَ) بَعْدَهَا (ثُمَّ تَنَبَّهَ) قَبْلَ الْفَجْرِ، وَقِيلَ: يَجِبُ تَقْرِيبًا لِلنِّيَّةِ مِنْ الْعِبَادَةِ بِقَدْرِ الْوُسْعِ.
(وَيَصِحُّ النَّفَلُ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ وَكَذَا بَعْدَهُ
ــ
[حاشية قليوبي]
فَصْلٌ فِي أَرْكَانِ الصَّوْمِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ النِّيَّةُ وَالصَّائِمُ وَالْإِمْسَاكُ عَنْ الْمُفْطِرِ وَتَعْبِيرُهُ عَنْهَا بِالشُّرُوطِ بِاعْتِبَارِ أَوْصَافِهَا كَالْإِسْلَامِ فِي الصَّائِمِ أَوْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا لَا بُدَّ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى خِلَافَهُ. قَوْلُهُ: (النِّيَّةُ) وَمِنْهَا مَا لَوْ أَكَلَ لَيْلًا خَوْفًا مِنْ الْجُوعِ أَوْ شَرِبَ خَوْفًا مِنْ الْعَطَشِ إنْ لَاحَظَ مَعَ ذَلِكَ الصَّوْمَ. قَوْلُهُ: (بَلْ جَزَمُوا إلَخْ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّوْمَ هُوَ الْإِمْسَاكُ وَهُوَ لَا يَتَمَيَّزُ عَنْ غَيْرِ رَمَضَانَ إلَّا بِالنِّيَّةِ. قَوْلُهُ: (لِفَرْضِهِ) وَلَوْ عَارِضًا كَأَمْرِ الْإِمَامِ أَوْ بِالنَّذْرِ أَوْ كَانَ النَّاوِي صَبِيًّا كَالْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ وَالْمُرَادُ بِالْفَرْضِ الْمَفْرُوضُ. وَلَا يَأْتِي هُنَا الِاخْتِلَافُ فِي نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ لِلصَّبِيِّ فِي الصَّلَاةِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (التَّبْيِيتُ) أَيْ كُلَّ لَيْلَةٍ عِنْدَنَا كَالْحَنَابِلَةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَإِنْ اكْتَفَى الْحَنَفِيَّةُ بِالنِّيَّةِ نَهَارًا لِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَلِذَلِكَ تَعَدَّدَتْ الْكَفَّارَةُ بِالْوَطْءِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْهُ، وَيُنْدَبُ أَنْ يَنْوِيَ أَوَّلَ لَيْلَةٍ صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ أَوْ صَوْمَ رَمَضَانَ كُلَّهُ لِيَنْفَعَهُ تَقْلِيدُ الْإِمَامِ مَالِكٍ فِي يَوْمٍ نَسِيَ النِّيَّةَ فِيهِ مَثَلًا لِأَنَّهَا عِنْدَهُ تَكْفِي لِجَمِيعِ الشَّهْرِ، وَعِنْدَنَا لِلَّيْلَةِ الْأُولَى فَقَطْ. قَوْلُهُ:(لَيْلًا) أَيْ فِيمَا بَيْنَ " غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَوْ قَارَنَهُ الْفَجْرُ لَمْ يَصِحَّ. وَكَذَا لَوْ شَكَّ حَالَ النِّيَّةِ هَلْ طَلَعَ الْفَجْرُ أَمْ لَا لَمْ يَصِحَّ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَكَّ بَعْدَهَا هَلْ طَلَعَ الْفَجْرُ أَوْ لَا فَتَصِحُّ، وَلَوْ شَكَّ هَلْ كَانَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ لَا أَوْ شَكَّ نَهَارًا هَلْ نَوَى لَيْلًا أَوْ لَا فَإِنْ تَذَكَّرَ فِيهِمَا وَلَوْ بَعْدَ زَمَنٍ طَوِيلٍ أَنَّهَا وَقَعَتْ لَيْلًا أَجْزَأَ.
وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ الْغُرُوبِ فِي نِيَّةِ الْيَوْمِ قَبْلَهُ لَمْ يُؤَثِّرْ، وَلَوْ لَمْ تَقَعْ النِّيَّةُ لَيْلًا وَنَوَى نَهَارًا لَمْ يَقَعْ عَنْ رَمَضَانَ، وَلَا عَنْ غَيْرِهِ وَلَا نَفْلًا لِأَنَّ رَمَضَانَ لَا يُقْبَلُ غَيْرُهُ. قَوْلُهُ:(لَمَّا تَعَذَّرَ اقْتِرَانُهَا) لَعَلَّ الْمُرَادَ لَمَّا تَعَذَّرَ صِحَّةُ الصَّوْمِ مَعَ اقْتِرَانِهَا لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ النَّهَارِ، وَلَوْ كَانَ مُرَادُهُ مَشَقَّةَ الِاقْتِرَانِ لَقَالَ لِعُسْرِ مُرَاقَبَةِ الْفَجْرِ كَمَا قَالَهُ غَيْرُهُ. قَوْلُهُ:(إنَّهُ لَا يَضُرُّ الْأَكْلُ وَالْجِمَاعُ بَعْدَهَا مَا دَامَ اللَّيْلُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَتَلَبَّسْ بِالْعِبَادَةِ. وَكَذَا بَقِيَّةُ الْمُفْطِرَاتِ كَالْجُنُونِ وَالنِّفَاسِ وَالْإِغْمَاءِ نَعَمْ تُبْطِلُهَا الرِّدَّةُ وَلَوْ نَهَارًا. وَكَذَا الرَّفْضُ لَيْلًا لَا نَهَارًا. وَلَا يَحْرُمُ الرَّفْضُ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا وَلَا يَضُرُّ قَصْدُ قَلْبِهِ إلَى غَيْرِهِ وَلَا تَرْكُهُ مُنْجِزًا
ــ
[حاشية عميرة]
لَيْلَةُ الثَّلَاثِينَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَلَا يَرَاهُ أَهْلُ الْبَلَدِ الْآخَرِ، فَيُعِيدُ شَخْصٌ مِنْ أَهْلِ بَلَدِ الرُّؤْيَةِ ثُمَّ يُسَافِرُ فَيَجِدُ أَهْلَ تِلْكَ صَائِمِينَ، فَيُمْسِكُ مَعَهُمْ وَصَدَّقَ أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ هُوَ يَوْمُ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ صَوْمِ الْبَلَدَيْنِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ لَهُمَا.
[فَصْلٌ وَالنِّيَّةُ شَرْطٌ لِلصَّوْمِ]
فَصْلٌ النِّيَّةُ شَرْطٌ قَوْلُهُ: (وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ إلَخْ) الْجَوَابُ أَنَّ حَقِيقَةَ الصَّوْمِ الْإِمْسَاكُ، وَهُوَ لَا يَتَمَيَّزُ عَنْ الْإِمْسَاكِ الْعَادِي فَاعْتَبَرَ النِّيَّةَ رُكْنًا جَزْمًا فِي تَمَيُّزِهِ قَوْلُ الْمَتْنِ:(وَيُشْتَرَطُ لِفَرْضِهِ) أَيْ الْمَفْرُوضِ مِنْهُ قَوْلُهُ: (فَلَا صِيَامَ) لَعَلَّ الْمُخَالِفَ يُرْجِعُهُ إلَى نَفْيِ الْكَمَالِ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ الشَّرِيفَ يُفِيدُ عَدَمَ الصِّحَّةِ إذَا قَارَنْت الْفَجْرَ وَلَا مَانِعَ مِنْ الْتِزَامِ ذَلِكَ ثُمَّ رَأَيْت النَّقْلَ كَذَلِكَ قَوْلُ الْمَتْنِ:(وَأَنَّهُ لَا يَضُرُّ الْأَكْلُ وَالْجِمَاعُ إلَخْ) لِأَنَّ الْعِبَادَةَ الْمَنْوِيَّةَ لَمْ يَتَلَبَّسْ بِهَا. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ يَضُرُّ) قَائِلُهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَقِيلَ: إنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ حِينَ اجْتَمَعَ بِالْإِصْطَخْرِيِّ فِي الْحَجِّ وَأَخْبَرَهُ بِنَصِّ الشَّافِعِيِّ قَوْلُ الْمَتْنِ: (ثُمَّ تَنَبَّهَ) أَيْ بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَمَرَّ إلَى الْفَجْرِ، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ
فِي قَوْلٍ) فِي جَمِيعِ سَاعَاتِ النَّهَارِ، وَالرَّاجِحُ الْمَنْعُ، «دَخَلَ صلى الله عليه وسلم عَلَى عَائِشَةَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ قَالَتْ لَا. قَالَ: فَإِنِّي إذًا أَصُومُ قَالَتْ: وَدَخَلَ عَلَيَّ يَوْمًا آخَرَ فَقَالَ: أَعِنْدَك شَيْءٌ قُلْت نَعَمْ قَالَ: إذًا أُفْطِرُ وَإِنْ كُنْت فَرَضْت الصَّوْمَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْأَوَّلِ وَقَالَ: إسْنَادُهَا صَحِيحٌ " هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ غَدَاءٍ " وَهُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ اسْمٌ لِمَا يُؤْكَلُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْعَشَاءُ اسْمٌ لِمَا يُؤْكَلُ بَعْدَهُ وَالْقَوْلُ الْمَرْجُوحُ يَقِيسُ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَدَفَعَ بِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا يُخَالِفَ النَّفَلُ الْغَرَضَ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ. وَوَرَدَ الْحَدِيثُ فِي النَّفْلِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّ الْمُزَنِيّ وَأَبَا يَحْيَى الْبَلْخِيّ قَالَا بِوُجُوبِ التَّبْيِيتِ فِي النَّفْلِ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ. (وَالصَّحِيحُ اشْتِرَاكُ حُصُولِ شَرْطِ الصَّوْمِ) فِي النِّيَّةِ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ. (مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ) سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّهُ صَائِمٌ مِنْ أَوَّلِهِ ثَوَابًا وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا أَنَّ مُدْرِكَ الرُّكُوعِ مَعَ الْإِمَامِ مُدْرِكٌ لِجَمِيعِ الرَّكْعَةِ ثَوَابًا أَمْ قُلْنَا إنَّهُ صَائِمٌ مِنْ حِينِ النِّيَّةِ وَإِلَّا يَبْطُلُ مَقْصُودُ الصَّوْمِ، وَقِيلَ عَلَى هَذَا أَيْ الثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ مَا ذُكِرَ.
وَشَرْطُ الصَّوْمِ هُنَا الْإِمْسَاكُ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ مِنْ أَكْلٍ وَجِمَاعٍ وَغَيْرِهِمَا، وَالْخُلُوُّ عَنْ الْكُفْرِ وَالْحَيْضِ وَالْجُنُونِ.
(وَيَجِبُ) فِي النِّيَّةِ (التَّعْيِينُ فِي الْفَرْضِ) سَوَاءٌ فِيهِ رَمَضَانُ وَالنَّذْرُ وَالْكَفَّارَةُ وَغَيْرُهَا. أَمَّا النَّفَلُ فَيَصِحُّ بِنِيَّةِ مُطْلَقِ الصَّوْمِ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ التَّعْيِينُ فِي الصَّوْمِ الْمُرَتَّبِ كَصَوْمِ عَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ وَأَيَّامِ الْبِيضِ وَسِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ وَنَحْوِهَا، كَمَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الرَّوَاتِبِ مِنْ نَوَافِلِ الصَّلَاةِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ الصَّوْمَ فِي الْأَيَّامِ الْمَذْكُورَةِ مُنْصَرِفٌ إلَيْهَا، بَلْ لَوْ نَوَى بِهِ غَيْرَهَا حَصَلَتْ أَيْضًا كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وُجُودُ صَوْمٍ فِيهَا (وَكَمَالُهُ) أَيْ التَّعْيِينِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ
ــ
[حاشية قليوبي]
وَلَا مُعَلِّقًا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا كَالْحَجِّ.
قَوْلُهُ: (فَرَضْت الصَّوْمَ) أَيْ نَوَيْته لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ نَفْلٌ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ الزَّوَالِ) وَأَوَّلُهُ مِنْ الْفَجْرِ. قَوْلُهُ: (أَوْ بَعْدَهُ) .
أَيْ الزَّوَالِ وَلَعَلَّهُ إلَى قُبَيْلِ اللَّيْلِ. قَوْلُهُ: (يَقِيسُ إلَخْ) اُنْظُرْ لِمَ لَمْ يَسْتَنِدْ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ إذْ الثَّانِي فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِهِ فَلَا يُخَصِّصُهُ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (حُصُولِ شَرْطِ الصَّوْمِ إلَخْ) وَمِنْهُ عَدَمُ سَبْقِ مَاءِ مَضْمَضَةٍ وَاسْتِنْشَاقٍ بِمُبَالَغَةٍ فَيَضُرُّ لِأَنَّهُ يَضُرُّ لَوْ كَانَ صَائِمًا وَلَا يَضُرُّ سَبْقُهَا بِلَا مُبَالَغَةٍ وَوَصْفُ النَّوَوِيِّ هَذِهِ بِأَنَّهَا نَفِيسَةٌ غَيْرُ قَوِيٍّ، وَقَوْلُ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ كُلُّ مَا لَا يُفْطِرُ الصَّائِمَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ وَالْوَجْهُ إسْقَاطُهُ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ هُنَا إلَى إخْرَاجِ النِّيَّةِ أَوْ التَّبْيِيتِ.
قَوْلُهُ: (التَّعْيِينُ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْجِنْسُ لَا مِنْ حَيْثُ النَّوْعُ وَلَا الزَّمَنُ فَيَكْفِي نِيَّةُ الْكَفَّارَةِ لِمَنْ عَلَيْهِ كَفَّارَاتٌ، وَلَوْ أَخْطَأَ فِي الِاسْمِ لَمْ يَضُرَّ مُطْلَقًا كَأَنْ سَمَّى الْخَمِيسَ بِالْجُمُعَةِ، وَلَا فِي الِاعْتِقَادِ كَأَنْ اعْتَقَدَ مَا ذُكِرَ إنْ لَاحَظَ الزَّمَانَ الْحَاضِرَ أَوْ غَدًا وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ النِّيَّةُ، وَلَوْ فِي الِاسْمِ وَالِاعْتِقَادِ مَعًا لِلْغَالِطِ دُونَ الْعَامِدِ لِتَلَاعُبِهِ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةً مُعَيَّنَةً فَنَوَى رَمَضَانَ سَنَةً غَيْرَهَا لَمْ تَصِحَّ وَإِنْ كَانَ غَالِطًا لِعَدَمِ إمْكَانِ الْمُلَاحَظَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ صَوْمُ فَرْضٍ لَمْ يَدْرِ سَبَبَهُ كَفَاهُ نِيَّةُ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ لِلضَّرُورَةِ مَعَ عَدَمِ إمْكَانِ ضَبْطِ أَفْرَادِهِ وَبِهَذَا فَارَقَ مَنْ نَسِيَ إحْدَى الْخَمْسِ، وَيَضُرُّ التَّعْلِيقُ بِمَشِيئَةِ زَيْدٍ أَوْ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مَا لَمْ يَقْصِدْ مِنْ مَشِيئَةِ اللَّهِ التَّبَرُّكَ. قَوْلُهُ:(وَغَيْرُهَا) كَالْوَاجِبِ بِأَمْرِ الْإِمَامِ كَمَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (وَيُجَابُ إلَخْ) هَذَا الْجَوَابُ مُعْتَمَدٌ مِنْ حَيْثُ الصِّحَّةُ وَإِنْ كَانَ التَّعْيِينُ أَوْلَى مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (بَلْ لَوْ نَوَى إلَخْ) دَفَعَ بِهِ إيرَادَ رَمَضَانَ عَلَى مَا قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: (كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ نَفَاهُ لَمْ يَحْصُلْ وَوَافَقَ عَلَيْهِ بَعْضُ مَشَايِخِنَا فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (وَكَمَالُهُ) أَيْ لِأَنَّ أَقَلَّهُ عُلِمَ وَهُوَ أَنْ يَنْوِيَ الصَّوْمَ عَنْ رَمَضَانَ، وَلَا يَحْتَاجُ لِذِكْرِ الْعَدِّ فِي الْأَقَلِّ لِأَنَّ ذِكْرَهُ بِالنَّظَرِ إلَى التَّبْيِيتِ وَلَا يَكْفِي نِيَّةُ صَوْمِ الْغَدِ مِنْ غَيْرِ مُلَاحَظَةِ رَمَضَانَ. وَكَذَا نِيَّةُ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ أَوْ
ــ
[حاشية عميرة]
بِلَا خِلَافٍ.
قَوْلُهُ: (فِي جَمِيعِ سَاعَاتِ النَّهَارِ) هَذَا يُخَالِفُهُ قَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ إنَّهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ قَالَ شَرْطُ هَذَا الْقَوْلِ إنْ بَقِيَ بَعْدَ النِّيَّةِ جُزْءٌ مِنْ النَّهَارِ. قَوْلُهُ: (وَدَفَعَ إلَخْ) عَدَلَ عَنْ قَوْلِ غَيْرِهِ فِي بَيَانِ الدَّفْعِ، لِأَنَّ النِّيَّةَ قَبْلَ الزَّوَالِ تَكُونُ، وَمُعْظَمُ النَّهَارِ بَاقٍ لِأَنَّهُ مَنْقُوضٌ بِمَا لَوْ كَانَتْ النِّيَّةُ قُبَيْلَ الزَّوَالِ، فَإِنَّ ابْتِدَاءَ النَّهَارِ مِنْ الْفَجْرِ وَقَدْ مَضَى مُعْظَمُهُ، وَلِذَا قَالَ الْإِمَامُ: ضُبِطَ بِالزَّوَالِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ بَيِّنٌ.
قَوْلُهُ: (وَقِيلَ عَلَى الثَّانِي) يُرِيدُ بِهَذَا أَنَّ مُقَابِلَ الصَّحِيحِ مُفَرَّعٌ عَلَى مَرْجُوحٍ، وَأَمَّا إذَا قُلْنَا: إنَّ الصَّوْمَ يَنْعَطِفُ عَلَى مَا مَضَى، فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ جَزْمًا. وَقِيلَ عَلَى الْخِلَافِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: كَانَ الصَّوَابُ التَّعْبِيرَ بِالْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ: (هُنَا) كَأَنَّهُ قُيِّدَ بِهَذَا نُظِرَ لِلتَّبْيِيتِ
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيَجِبُ التَّعْيِينُ إلَخْ) وَذَلِكَ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مُضَافَةٌ إلَى وَقْتٍ. قَوْلُهُ: (وَيُجَابُ إلَخْ) اُنْظُرْ هَلْ يَنْتَقِضُ هَذَا بِاشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ فِي رَمَضَانَ قُلْت: قَوْلُهُ بَلْ لَوْ نَوَى إلَخْ يَمْنَعُ الْإِشْكَالَ قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَكَمَالُهُ فِي رَمَضَانَ إلَخْ) حَيْثُ عَادَ الضَّمِيرُ
وَالشَّرْحِ، وَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَكَمَالُ النِّيَّةِ. (فِي رَمَضَانَ أَنْ يَنْوِيَ صَوْمَ غَدٍ عَنْ أَدَاءِ فَرْضِ رَمَضَانَ هَذِهِ السَّنَةَ لِلَّهِ تَعَالَى) بِإِضَافَةِ رَمَضَانَ. (وَفِي الْأَدَاءِ وَالْفَرْضِيَّةِ وَالْإِضَافَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الصَّلَاةِ) كَذَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَيْضًا، وَتَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ وَتَصْحِيحُ وُجُوبِ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ دُونَ الْآخَرِينَ: وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: الْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْفَرْضِيَّةِ هُنَا. وَالْفَرْقُ أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ مِنْ الْبَالِغِ لَا يَكُونُ إلَّا فَرْضًا بِخِلَافِ صَلَاتِهِ لِلظُّهْرِ فَتَكُونُ نَفْلًا فِي حَقِّ مَنْ صَلَّاهَا ثَانِيًا فِي جَمَاعَةٍ. (وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ السَّنَةِ) كَمَا لَا يُشْتَرَطُ الْأَدَاءُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُ الْأَدَاءُ لِأَنَّهُ يُقْصَدُ بِهِ مَعْنَى الْقَضَاءِ.
(وَلَوْ نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ صَوْمَ غَدٍ عَنْ رَمَضَانَ إنْ كَانَ مِنْهُ فَكَانَ مِنْهُ) وَصَامَهُ (لَمْ يَقَعْ عَنْهُ) لِلشَّكِّ فِي أَنَّهُ مِنْهُ حَالَ النِّيَّةِ فَلَيْسَتْ جَازِمَةً. (إلَّا إذَا اعْتَقَدَ كَوْنَهُ مِنْهُ بِقَوْلِ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ عَبْدٍ أَوْ امْرَأَةٍ وَصِبْيَانٍ رُشَدَاءَ) فَإِنَّهُ يَقَعُ عَنْهُ لِظَنِّ أَنَّهُ مِنْهُ حَالَ النِّيَّةِ، وَلِلظَّنِّ فِي مِثْلِ هَذَا حُكْمُ الْيَقِينِ، فَتَصِحُّ النِّيَّةُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَيْهِ وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ اعْتِمَادَ الصَّبِيِّ الْمُرَاهِقِ أَيْضًا عَنْ الْجُرْجَانِيِّ وَالْمَحَامِلِيِّ. (وَلَوْ نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ صَوْمَ غَدٍ إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ إنْ كَانَ مِنْهُ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ رَمَضَانَ. (وَلَوْ اشْتَبَهَ) رَمَضَانُ عَلَى مَحْبُوسٍ (صَامَ شَهْرًا بِالِاجْتِهَادِ) وَلَا يَكْفِيهِ صَوْمُ شَهْرٍ بِلَا اجْتِهَادٍ وَإِنْ وَافَقَ رَمَضَانَ. (فَإِنْ وَافَقَ) صَوْمُهُ بِالِاجْتِهَادِ (مَا بَعْدَ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ) قَطْعًا (وَهُوَ قَضَاءٌ عَلَى الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ بَعْدَ الْوَقْتِ، وَالثَّانِي أَدَاءٌ لِلْعُذْرِ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ غَيْرَ الْوَقْتِ وَقْتًا كَمَا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ (فَلَوْ نَقَصَ وَكَانَ رَمَضَانُ تَامًّا لَزِمَهُ يَوْمٌ آخَرُ) عَلَى الْقَضَاءِ، وَلَا يَلْزَمُهُ عَلَى الْأَدَاءِ كَمَا لَوْ كَانَ رَمَضَانُ نَاقِصًا. وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ فَإِنْ قُلْنَا قَضَاءً فَلَهُ إفْطَارُ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ إذَا عَرَفَ الْحَالَ وَإِنْ قُلْنَا أَدَاءً فَلَا وَلَوْ وَافَقَ صَوْمُهُ شَوَّالًا حَصَلَ مِنْهُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ إنْ كَمُلَ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ إنْ نَقَصَ، فَإِنْ قُلْنَا قَضَاءً وَكَانَ رَمَضَانُ نَاقِصًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عَلَى
ــ
[حاشية قليوبي]
الْفُرُوضِ أَوْ فَرْضِ الْوَقْتِ أَوْ صَوْمِ الشَّهْرِ، قَالَ فِي الْأَنْوَارِ وَلَا بُدَّ أَنْ تَخْطِرَ فِي الذِّهْنِ صِفَاتُ الصَّوْمِ مَعَ ذَاتِهِ ثُمَّ يَضُمُّ الْقَصْدَ إلَى ذَلِكَ الْمَعْلُومِ، فَلَوْ خَطَرَ بِبَالِهِ الْكَلِمَاتُ مَعَ جَهْلِهِ مَعْنَاهَا لَمْ يَصِحَّ انْتَهَى فَتَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ:(وَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَكَمَالُ النِّيَّةِ) وَهِيَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (بِإِضَافَةِ رَمَضَانَ) إلَى هَذِهِ فَنُونُهُ مَكْسُورَةٌ لِأَنَّهُ مَخْفُوضٌ وَذَلِكَ لِإِخْرَاجِ تَوَهُّمِ صَوْمِ رَمَضَانَ غَيْرِ هَذِهِ السَّنَةِ فِيهَا أَوْ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ تَعَلُّقِ هَذِهِ بِنَوَيْتُ وَلَا مَعْنَى لَهُ. قَوْلُهُ: (الْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (تَعْيِينُ السَّنَةِ) فَلَوْ عَيَّنَ فَقَدْ مَرَّ مَا فِيهِ
. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ مِنْهُ) وَلَوْ زَادَ وَإِلَّا فَتَطَوُّعٌ أَوْ عَنْ شَعْبَانَ لَمْ يَضُرَّ لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِالْوَاقِعِ، وَيَقَعُ تَطَوُّعًا إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ رَمَضَانَ وَجَازَ لَهُ صَوْمُهُ، وَإِلَّا لَمْ يَقَعْ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ. قَوْلُهُ:(اعْتِمَادَ الصَّبِيِّ الْمُرَاهِقِ) أَيْ الْمُمَيِّزِ وَلَوْ غَيْرَ مُرَاهِقٍ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْمُونًا. وَمِثْلُهُ الْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ وَالْفَاسِقُ وَالْكَافِرُ حَيْثُ اعْتَقَدَ صِدْقَهُ وَالْحَاسِبُ وَالْمُنَجِّمُ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ وَلَا عِبْرَةَ بِإِخْبَارِ الْمَنَامِ وَلَوْ مِنْ صَادِقٍ كَمَا تَقَدَّمَ. وَهَذَا مَا قَالَهُ شَيْخُنَا فِي الْجَمِيعِ وَاعْتَمَدَهُ. قَوْلُهُ: (بِالِاجْتِهَادِ) بِعَلَامَةٍ كَحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ بِأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ رَمَضَانَ تِلْكَ السَّنَةَ يَكُونُ فِي الْبَرْدِ مَثَلًا وَتَدْخُلُ أَيَّامُ الْبَرْدِ وَلَمْ يَعْلَمْ عَيْنَ رَمَضَانَ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَكْفِيهِ) وَلَا يَلْزَمُهُ مَعَ التَّحَيُّرِ
ــ
[حاشية عميرة]
عَلَى التَّعْيِينِ الْوَاجِبِ ثُمَّ تَعَرَّضَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ مِنْ ذَلِكَ، فَرُبَّمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ لِكُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ قَوْلِهِ صَوْمِ الْغَدِ، ثُمَّ عَدَمُ التَّعَرُّضُ لَهُ فِيمَا بَعْدُ، وَاعْلَمْ أَنَّ لَفْظَ الْغَدِ لَا دَخْلَ لَهُ فِي التَّعْيِينِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ فِي عِبَارَاتِهِمْ بِالنَّظَرِ إلَى أَنَّ التَّبْيِيتَ وَاجِبٌ قَوْلُ الْمَتْنِ:(أَنْ يَنْوِيَ صَوْمَ غَدٍ) أَيْ سَوَاءٌ تَعَرَّضَ لِخُصُوصِ الْغَدِ أَمْ لَا، كَمَا لَوْ نَوَى فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ صَوْمَ الشَّهْرِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِلْيَوْمِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ:(كَمَا لَا يُشْتَرَطُ الْأَدَاءُ إلَخْ) عَدَلَ عَنْ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ لِأَنَّ مَعْنَى الْأَدَاءِ يُغْنِي عَنْهُ، وَلِأَنَّ تَعْيِينَ الْيَوْمِ وَهُوَ الْغَدُ يُغْنِي عَنْهُ أَيْضًا، لِأَنَّ الْإِسْنَوِيَّ اعْتَرَضَ التَّعْلِيلَ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ وُجُوبُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ الْأَدَاءَ أَوْ الْإِضَافَةَ، وَالثَّانِي بِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْيَوْمِ الَّذِي يَصُومُهُ، وَاَلَّذِي يَصُومُ عَنْهُ تَرْتِيبِيٌّ فَالتَّعَرُّضُ لِلْغَدِ تَقْيِيدٌ لِلَّذِي يَصُومُهُ، وَالتَّعَرُّضُ لِلسَّنَةِ تَقْيِيدٌ لِلَّذِي يَصُومُ عَنْهُ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ نَوَى صَوْمَ الْغَدِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ عَنْ فَرْضِ رَمَضَانَ صَحَّ أَنْ يُقَالَ لَهُ: صِيَامُك هَذَا الْيَوْمَ هَلْ هُوَ عَنْ فَرْضِ هَذِهِ السَّنَةِ أَمْ سَنَةٍ
التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ، وَيَقْضِي يَوْمًا عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ رَمَضَانُ كَامِلًا قَضَى يَوْمًا عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ وَيَوْمَيْنِ عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي، وَإِنْ قُلْنَا أَدَاءً قَضَى يَوْمًا بِكُلِّ حَالٍ، وَلَوْ وَافَقَ صَوْمُهُ ذَا الْحِجَّةِ حَصَلَ مِنْهُ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا إنْ كَمُلَ، وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ إنْ نَقَصَ، فَإِنْ قُلْنَا قَضَاءً وَكَانَ رَمَضَانُ نَاقِصًا قَضَى ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ، وَأَرْبَعَةً عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ كَامِلًا قَضَى أَرْبَعَةً عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ وَخَمْسَةً عَلَى الثَّانِي، وَإِنْ قُلْنَا أَدَاءً قَضَى أَرْبَعَةً بِكُلِّ حَالٍ.
(وَلَوْ غَلِطَ) فِي اجْتِهَادِهِ وَصَوْمِهِ (بِالتَّقْدِيمِ وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ) بَعْدَ بَيَانِ الْحَالِ (لَزِمَهُ صَوْمُهُ) بِلَا خِلَافٍ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْهُ بِأَنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ الْحَالَ إلَّا بَعْدَهُ (فَالْجَدِيدُ وُجُوبُ الْقَضَاءِ) وَالْقَدِيمُ لَا يَجِبُ لِلْعُذْرِ وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْأَوَّلِ وَإِنْ تَبَيَّنَ الْحَالَ بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِ رَمَضَانَ فَفِي وُجُوبِ قَضَاءِ مَا مَضَى مِنْهُ الْخِلَافُ وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِوُجُوبِهِ وَهُمْ الْقَاطِعُ بِالْوُجُوبِ فِي الْأُولَى وَبَعْضُ الْحَاكِينَ لِلْخِلَافِ فِيهَا.
(وَلَوْ نَوَتْ الْحَائِضُ صَوْمَ غَدٍ قَبْلَ انْقِطَاعِ دَمِهَا ثُمَّ انْقَطَعَ لَيْلًا صَحَّ) صَوْمُهَا بِهَذِهِ النِّيَّةِ (إنْ تَمَّ لَهَا فِي اللَّيْلِ أَكْثَرُ الْحَيْضِ) مُبْتَدَأَةً كَانَتْ أَمْ مُعْتَادَةً بِأَكْثَرَ الْحَيْضِ (وَكَذَا) إنْ تَمَّ لَهَا (قَدْرُ الْعَادَةِ) الَّتِي هِيَ دُونَ أَكْثَرِ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ صَحَّ صَوْمُهَا بِتِلْكَ النِّيَّةِ. (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ اسْتِمْرَارُ عَادَتِهَا، وَالثَّانِي يَقُولُ قَدْ تَتَخَلَّفُ فَلَا تَكُونُ النِّيَّةُ جَازِمَةً، وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ لَهَا مَا ذُكِرَ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهَا بِتِلْكَ النِّيَّةِ لِعَدَمِ بِنَائِهَا عَلَى أَصْلٍ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهَا عَادَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ.
ــ
[حاشية قليوبي]
لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْوُجُوبِ وَبِهَذَا فَارَقَ الصَّلَاةَ وَالْقِبْلَةَ، وَلَوْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ اجْتَهَدَ أَيْضًا، وَلَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ إلَّا إنْ كَانَ يَصُومُ اللَّيْلَ وَحْدَهُ.
قَوْلُهُ: (أَجْزَأَهُ) أَيْ إنْ لَمْ يَقْصِدْ الْأَدَاءَ الْحَقِيقِيَّ وَإِلَّا لَمْ يُجْزِئْهُ كَمَا فِي الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: (التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ) هُوَ إنْ كَمُلَ وَالثَّانِي هُوَ إنْ نَقَصَ هُنَا وَمَا بَعْدَهُ وَكُلُّ حَالٍ أَيْ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ. قَوْلُهُ: (قَضَى يَوْمًا) بِكُلِّ حَالٍ. وَكَذَا إنْ كَمُلَا أَوْ نَقَصَا سَوَاءٌ قُلْنَا أَدَاءً أَوْ قَضَاءً. قَوْلُهُ: (قَضَى أَرْبَعَةً إلَخْ) وَكَذَا لَوْ كَمُلَا أَوْ نَقَصَا سَوَاءٌ قُلْنَا أَدَاءً أَوْ قَضَاءً
. قَوْلُهُ: (بِأَنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ الْحَالُ إلَخْ) وَلَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ الْحَالُ أَصْلًا فَلَا قَضَاءَ. وَلَوْ صَامَ شَهْرًا نَذَرَ صَوْمَهُ بِالِاجْتِهَادِ فَوَافَقَ رَمَضَانَ لَمْ يَقَعْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا نَفْلًا وَلَوْ لَزِمَهُ قَضَاءُ رَمَضَانَ فَوَافَقَ رَمَضَانَ آخَرَ أَدَاءً أَجْزَأَهُ عَنْ الْأَدَاءِ كَذَا فِي الْعُبَابِ. وَلَعَلَّهُ مَا لَمْ يَقْصِدْ الْقَضَاءَ الْحَقِيقِيَّ كَمَا مَرَّ فِي نَظِيرِهِ فَرَاجِعْهُ
. قَوْلُهُ: (ثُمَّ انْقَطَعَ) قَيْدٌ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي غَيْرِ تَمَامِ أَكْثَرِ الْحَيْضِ. قَوْلُهُ: (عَادَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ) أَيْ وَلَمْ يَتِمَّ أَكْثَرُهَا لَيْلًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
ــ
[حاشية عميرة]
أُخْرَى.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (إنْ كَانَ مِنْهُ) مِثْلُهُ مَا لَوْ سَكَتَ عَنْ التَّعْلِيقِ، فَإِنَّهُ لَا وُجُودَ لِلْجَزْمِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَسْتَنِدُ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ حَدِيثُ نَفْسٍ قَوْلُ الْمَتْنِ:(فَكَانَ مِنْهُ) لَوْ لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ مِنْهُ فَالظَّاهِرُ صِحَّتُهُ نَفْلًا قَوْلُ الْمَتْنِ: (مِنْ عَبْدٍ إلَخْ) خَرَجَ بِهِ الِاسْتِنَادُ إلَى قَوْلِ الْمُنَجِّمِ وَالْحَاسِبِ وَالْمَنَامِ إذَا أَخْبَرَهُ فِيهِ الصَّادِقُ. قَوْلُهُ: (رُشَدَاءَ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا لِلْجَمِيعِ. قَوْلُهُ: (فَتَصِحُّ النِّيَّةُ) اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ سَلَفَ عَنْ الْبَغَوِيّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَجِبُ الصَّوْمُ إذَا أَخْبَرَهُ مَنْ يَثِقُ بِهِ، وَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهُ فَإِنْ حُمِلَ عَلَى إخْبَارِ الرَّجُلِ الْكَامِلِ فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ أَبْقَيْنَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ الْمَذْكُورُ هُنَا عَلَى اللُّزُومِ لِيَتَّفِقَ الْمَوْضِعَانِ، ثُمَّ رَأَيْت الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ صَرَّحَ بِالْوُجُوبِ، وَحُمِلَ كَلَامُ الْبَغَوِيّ عَلَى عُمُومِهِ
قَوْلُ الْمَتْنِ: (بِالِاجْتِهَادِ) أَيْ فَيُنْظَرُ فِي الْأَمَارَاتِ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالرَّبِيعِ وَالْخَرِيفِ وَالْفَوَاكِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ تَحَيَّرَ فَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَصُومَ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ تَخْمِينًا، وَيَقْضِي كَالْقِبْلَةِ وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ هُنَا لَمْ يَتَحَقَّقْ الْوُجُوبُ، وَلَمْ يَظُنَّهُ وَفِي الْقِبْلَةِ تَحَقُّقُهُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ ثُمَّ عَجَزَ عَنْ الشَّرْطِ فَأُمِرَ بِالصَّلَاةِ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ. قَوْلُهُ:(قَطْعًا) أَيْ لَا يَأْتِي فِيهِ خِلَافُ الْقَضَاءِ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ وَنَظِيرُ هَذَا أَنْ يَظُنَّ فَوَاتَ رَمَضَانَ فَيَقْضِيهِ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ لَهُ أَنَّهُ هُوَ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: لَمْ أَرَ فِيهَا نَقْلًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَمَا لَوْ وَافَقَ مَا بَعْدَهُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: جَزَمَ بِهِ الرُّويَانِيُّ حُكْمًا وَتَعْلِيلًا.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَالْجَدِيدُ إلَخْ) هَذَا الْخِلَافُ مُفَرَّعٌ أَيْضًا عَلَى الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي الْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ، وَاسْتَشْكَلَ التَّخْرِيجُ وَأَجَابَ ابْنُ الرِّفْعَةِ؛ بِأَنَّ الْوَجْهَيْنِ مُخَرَّجَانِ عَلَى أُصُولِ الشَّافِعِيِّ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ.
لَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ اللَّيْلَ وَيُفْطِرُ النَّهَارَ، فَهُوَ كَأَيَّامِ الْعِيدِ قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ