الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الْبَيْعِ
هُوَ كَقَوْلِهِ: بِعْتُك هَذَا بِكَذَا، فَيَقُولُ اشْتَرَيْته بِهِ فَيَتَحَقَّقُ بِالْعَاقِدِ وَالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَلَهُمَا شُرُوطٌ تَأْتِي وَالصِّيغَةُ الَّتِي بِهَا يَعْقِدُ، وَبَدَأَ بِهَا كَغَيْرِهِ لِأَنَّهَا أَهَمُّ لِلْخِلَافِ فِيهَا، وَعَبَّرَ عَنْهَا بِالشَّرْطِ خِلَافَ تَعْبِيرِهِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ كَالْغَزَالِيِّ عَنْ الثَّلَاثَةِ
ــ
[حاشية قليوبي]
كِتَابُ الْبَيْعِ
أَخَّرَهُ عَنْ الْعِبَادَاتِ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ وَلِأَنَّ الِاضْطِرَارَ إلَيْهَا أَكْثَرُ، وَلِقِلَّةِ أَفْرَادِ فَاعِلِهِ، وَلَفْظُهُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ فَلِذَا أَفْرَدَهُ وَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ، ثُمَّ صَارَ اسْمًا لِمَا فِيهِ مُقَابَلَةٌ عَلَى مَا سَيَأْتِي ثُمَّ إنْ أُرِيدَ بِهِ أَحَدُ شِقَّيْ الْعَقْدِ الَّذِي يُسَمَّى مَنْ يَأْتِي بِهِ بَائِعًا فَيُعْرَفُ بِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِعِوَضٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ وَيُقَابِلُهُ الشِّرَاءُ الَّذِي هُوَ الشِّقُّ الْآخَرُ الَّذِي يُسَمَّى مَنْ يَأْتِي بِهِ مُشْتَرِيًا، وَيُعْرَفُ بِأَنَّهُ تَمَلُّكٌ بِعِوَضٍ. كَذَلِكَ وَيَجُوزُ إطْلَاقُ اسْمِ الْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَعَكْسِهِ اعْتِبَارًا. وَالتَّعْبِيرُ بِالتَّمْلِيكِ وَالتَّمَلُّكِ بِالنَّظَرِ لِلْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ كَمَا سَيَأْتِي وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمُرَكَّبُ مِنْ الشِّقَّيْنِ مَعًا بِمَعْنَى الْعَلَقَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ الشِّقَّيْنِ الَّتِي تُرَدُّ عَلَيْهَا الْإِجَازَةُ وَالْفَسْخُ، فَيُقَالُ لَهُ لُغَةً مُقَابَلَةُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا لَا يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ كَالِاخْتِصَاصِ وَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ صِيغَةً كَالْمُعَاطَاةِ، وَخَرَجَ بِوَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ نَحْوُ السَّلَامِ وَشَرْعًا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ مَالِيَّةٍ تُفِيدُ مِلْكَ عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ عَلَى التَّأْبِيدِ لَا عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ، وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ عَاقِدٌ وَمَعْقُودٌ عَلَيْهِ وَصِيغَةٌ وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ سِتَّةٌ كَمَا سَيَأْتِي. وَالْعَقْدُ فِي التَّعْرِيضِ جِنْسٌ وَشَأْنُهُ الْإِدْخَالُ، لَكِنْ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فَصْلِهِ عُمُومٌ مِنْ وَجْهٍ يَخْرُجُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا مَا دَخَلَ فِي عُمُومِ الْآخَرِ. وَلِذَلِكَ قَالُوا خَرَجَ بِالْعَقْدِ الْمُعَاطَاةُ وَبِالْمُعَاوَضَةِ نَحْوُ الْهَدِيَّةِ، وَبِالْمَالِيَّةِ نَحْوُ النِّكَاحِ وَبِإِفَادَةِ مِلْكِ الْعَيْنِ الْإِجَارَةُ وَبِغَيْرِ وَجْهِ الْقُرْبَةِ الْقَرْضُ، وَالْمُرَادُ بِالْمَنْفَعَةِ بَيْعُ نَحْوِ حَقِّ الْمَمَرِّ وَالتَّقْيِيدُ بِالتَّأْبِيدِ فِيهِ لِإِخْرَاجِ الْإِجَارَةِ أَيْضًا وَإِخْرَاجُ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ بِقَيْدَيْنِ غَيْرُ مَعِيبٍ. وَهَذَا التَّعْرِيفُ أَوْلَى مِنْ التَّعْرِيفِ بِأَنَّهُ مُقَابَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ لِمَا لَا يَخْفَى، ثُمَّ الْبَيْعُ مُنْحَصِرٌ فِي خَمْسَةِ أَطْرَافٍ الْأَوَّلُ فِي صِحَّتِهِ وَفَسَادِهِ، وَالثَّانِي فِي جَوَازِهِ وَلُزُومِهِ، وَالثَّالِثُ فِي حُكْمِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ، وَالرَّابِعُ فِي الْأَلْفَاظِ الْمُطْلَقَةِ، وَالْخَامِسُ فِي التَّحَالُفِ وَمُعَامَلَةِ الْعَبِيدِ وَأَفْضَلُ الْمَكَاسِبِ الزِّرَاعَةُ ثُمَّ الصِّنَاعَةُ، ثُمَّ التِّجَارَةُ عَلَى الرَّاجِحِ.
قَوْلُهُ: (هُوَ) أَيْ الْبَيْعُ بِالْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ الْمُرَكَّبِ كَمَا مَرَّ وَعَرَّفَهُ بِالْمِثَالِ دُونَ الْحَدِّ لِأَنَّهُ أَظْهَرُ. وَالْإِشَارَةُ كَالْقَوْلِ وَغَيْرُ لَفْظِ الْبَيْعِ مِثْلُهُ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (بِعْتُك) فِيهِ الْإِسْنَادُ إلَى جُمْلَةِ الْمُخَاطَبِ فَلَا يَكْفِي الْإِسْنَادُ إلَى جُزْئِهِ كَرَأْسِهِ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْجُمْلَةُ. وَمَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ إلَى الصِّحَّةِ فِي النَّفْسِ وَالْعَيْنِ مَعَ إرَادَةِ الْجُمْلَةِ وَشَيْخُنَا زي إلَى الصِّحَّةِ وَلَوْ فِي نَحْوِ الْيَدِ مَعَ الْإِرَادَةِ الْمَذْكُورَةِ فَرَاجِعْهُ. وَلَا يَكْفِي قَصْدُ خِطَابِ غَيْرِ الْعَاقِدِ وَلَا الْإِشَارَةُ لِغَيْرِهِ وَلَا قَصْدُ غَيْرِهِ بِالِاسْمِ الظَّاهِرِ وَلَا الْإِسْنَادُ لِغَيْرِ الْمُخَاطَبِ كَبِعْتُ مُوَكِّلَك وَلَا بَاعَك اللَّهُ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ الْمَالِكُ بِخِلَافِ نَحْوِ الْعِتْقِ، نَعَمْ هُوَ كِنَايَةٌ هُنَا وَيَكْفِي عَنْ الْخِطَابِ اسْمُ الْإِشَارَةِ كَهَذَا أَوْ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ كَالِاسْمِ الظَّاهِرِ كَزَيْدٍ الْعَقْدُ مَعَهُ وَلَا يُشْتَرَطُ الْخِطَابُ فِي بَيْعِ مَالِهِ لِطِفْلِهِ وَعَكْسِهِ وَلَا فِي الْبَيْعِ مَعَ الْوَاسِطَةِ، بَلْ لَا يَصِحُّ الْخِطَابُ فِيهِمَا، وَيَكْفِي صِيغَةُ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَلَوْ قَبْلَ عِلْمِ الْآخَرِ أَيْ وَلَا يَضُرُّ اللَّحْنُ فِي الصِّيغَةِ مِنْ الْعَامِّيِّ كَفَتْحِ تَاءِ الْمُتَكَلِّمِ وَإِبْدَالِ الْكَافِ هَمْزَةً. قَوْلُهُ:(اشْتَرَيْته بِهِ) فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ فِي كُلٍّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَاغْتَفَرَ الْخَطِيبُ عَدَمَ ذِكْرِهِمَا مِنْ الثَّانِي.
قَوْلُهُ: (فَيَتَحَقَّقُ) يُفِيدُ اعْتِمَادُهُ أَنَّهَا أَرْكَانٌ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَلَهُمَا شُرُوطٌ إلَخْ)
ــ
[حاشية عميرة]
[كِتَابُ الْبَيْعِ]
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا أَهَمُّ) قَالَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ النُّورِيُّ الْمَحَلِّيُّ: وَلِأَنَّ الْعَاقِدَ وَالْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُمَا كَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقَانِ إلَّا بِالصِّيغَةِ وَإِنْ كَانَتْ ذَاتُهُمَا مِنْ حَيْثُ هِيَ مُتَقَدِّمَةً عَلَيْهَا. قَوْلُ الْمَتْنِ: (شَرْطُهُ الْإِيجَابُ) الْمُرَادُ بِهِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِيُوَافِقَ مَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مِنْ جَعْلِهَا رُكْنًا، وَالْإِيجَابُ مِنْ أَوْجَبَ بِمَعْنَى أَوْقَعَ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى:{فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [الحج: 36] .
بِأَرْكَانِ الْبَيْعِ فَقَالَ: (شَرْطُهُ الْإِيجَابُ كَبِعْتُكَ وَمَلَّكْتُك، وَالْقَبُولُ كَاشْتَرَيْتُ وَتَمَلَّكْت وَقَبِلْت) أَيْ فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِدُونِهِمَا لِأَنَّهُ مَنُوطٌ بِالرِّضَا لِحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ: «إنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ» وَالرِّضَا خَفِيٌّ، فَاعْتُبِرَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ اللَّفْظِ فَلَا بَيْعَ بِالْمُعَاطَاةِ، وَيَرُدُّ كُلَّ مَا أَخَذَهُ بِهَا أَوْ بَدَلَهُ إنْ تَلِفَ. وَقِيلَ: يَنْعَقِدُ بِهَا فِي الْمُحَقَّرِ كَرِطْلِ خُبْزٍ وَحُزْمَةِ بَقْلٍ. وَقِيلَ: فِي كُلِّ مَا يُعَدُّ فِيهِ بَيْعًا بِخِلَافِ غَيْرِهِ كَالدَّوَابِّ وَالْعَقَارِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا. (وَيَجُوزُ تَقَدُّمُ لَفْظِ الْمُشْتَرِي) عَلَى لَفْظِ الْبَائِعِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مَعَ ذَلِكَ، وَمَنَعَ الْإِمَامُ تَقَدُّمَ قَبِلْت، وَجَزَمَ الرَّافِعِيُّ الْمُصَنِّفُ بِجَوَازِهِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ وَالْبَيْعُ مِثْلُهُ وَهَذَا نَاظِرٌ إلَى الْمَعْنَى، وَالْأَوَّلُ إلَى اللَّفْظِ.
(وَلَوْ قَالَ بِعْنِي، فَقَالَ بِعْتُك انْعَقَدَ) الْبَيْعُ (فِي الْأَظْهَرِ) لِدَلَالَةِ بِعْنِي عَلَى
ــ
[حاشية قليوبي]
أَيْ فَذِكْرُ شُرُوطِهِمَا يَقْتَضِي اعْتِبَارَهُمَا وَإِنَّمَا غَيَّرَ شَرْطَيْنِ بَعْدَ اعْتِبَارِ شَرْطٍ فِي شَرْطٍ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ أَصَالَةً فَسُكُوتُهُ عَنْهُمَا لِلْعِلْمِ بِوُجُودِهِمَا ضَرُورَةً. قَوْلُهُ: (لِلْخِلَافِ فِيهَا) أَوْ لِأَنَّهَا سَبَبٌ فِي تَسْمِيَتِهِ عَاقِدًا. قَوْلُهُ: (وَعَبَّرَ عَنْهَا بِالشَّرْطِ) أَيْ وَهُوَ غَيْرُ مُنَاسِبٍ. وَإِنْ قَالَ الْإِمَامُ إنَّهُ لَا حَجْرَ عَلَى الْفَقِيهِ فِي التَّعْبِيرِ أَوْ قُلْنَا: إنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرْطِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَالِاعْتِرَاضُ بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ رُكْنًا لِمَا قِيلَ بِصِحَّةِ الْمُعَاطَاةِ عِنْدَ قَائِلِهِ مَرْدُودٌ. قَوْلُهُ: (عَنْ الثَّلَاثَةِ) وَهِيَ سِتَّةٌ فِي الْحَقِيقَةِ كَمَا مَرَّ، وَلَمْ يَعُدُّوا الزَّمَانَ رُكْنًا وَلَا الْمَكَانَ لِعُمُومِهِمَا، وَإِنَّمَا عُدَّ الزَّمَنُ فِي نَحْوِ الصَّوْمِ لِعَدَمِ وُجُودِ صُورَتِهِ فِي الْخَارِجِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ:(بِأَرْكَانِ الْبَيْعِ) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَمَلَّكْتُك) أَيْ وَمِثْلُهُ فِي الصِّحَّةِ وَالصَّرَاحَةِ أَعْطَيْتُك وَأَعْطِنِي كَاشْتَرِ مِنِّي. قَوْلُهُ: (وَقَبِلْت) وَمِثْلُهُ رَضِيت وَفَعَلْت وَأَحْبَبْت وَنَعَمْ كَذَلِكَ، وَهِيَ صَرِيحَةٌ إنْ وَقَعَتْ جَوَابًا لِصَرِيحٍ وَإِلَّا فَكِنَايَةٌ سَوَاءٌ فِي الْمُتَوَسِّطِ وَغَيْرِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُتَوَسِّطِ أَهْلِيَّةُ الْبَيْعِ وَلَا نِيَّتُهُ فِي الْكِنَايَةِ وَلَا صِحَّةُ تَمَلُّكِهِ لِلْمَبِيعِ. قَوْلُهُ:(مِنْ اللَّفْظِ) أَيْ وَإِنْ انْتَفَى هُوَ بَاطِنًا. وَسَيَأْتِي أَنَّ الْإِشَارَةَ مِنْ الْأَخْرَسِ كَاللَّفْظِ مِنْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (فَلَا بَيْعَ بِالْمُعَاطَاةِ) بِأَنْ لَمْ تُوجَدْ صِيغَةٌ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُرَادَ بِهَا الْأَعَمُّ مِنْهَا بِأَنْ لَمْ يَسْتَوْفِ الْعَقْدَ مَا يُعْتَبَرُ فِيهِ شَرْعًا. وَيَحْرُمُ تَعَاطِي ذَلِكَ الْعَقْدِ إنْ قَصَدَ الْمَعْنَى الشَّرْعِيَّ أَوْ أَطْلَقَ وَلَا قَرِينَةَ تَصْرِفُهُ إلَى غَيْرِهِ كَتَعْلِيمٍ وَمُلَاعَبَةِ زَوْجَتِهِ بِقَوْلِهِ: بِعْتُك نَفْسَك مَثَلًا. وَحَيْثُ حُرِّمَ وَجَبَتْ التَّوْبَةُ مِنْهُ مُطْلَقًا كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ.
وَقَالَ غَيْرُهُ مَا لَمْ يُوجَدْ مُكَفِّرٌ فَهُوَ صَغِيرَةٌ. وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا أَنَّهُ كَبِيرَةٌ وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا. قَوْلُهُ: (وَيَرُدُّ كُلَّ) أَيْ وَلَوْ بِلَا طَلَبٍ. قَالَ شَيْخُنَا: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وَارِثُهُ مِثْلَهُ حَيْثُ عُلِمَ الْحَالُ وَإِذَا لَمْ يَرُدَّ مَا أَخَذَهُ فَلَا مُطَالَبَةَ فِي الْآخِرَةِ إنْ كَانَ ثَمَّ رِضًا. قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَتَمَلَّكَ مِنْ الثَّمَنِ قَدْرَ قِيمَةِ مَتَاعِهِ مِنْ بَابِ الظَّفْرِ حَيْثُ وُجِدَتْ شُرُوطُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ:(وَيَجُوزُ تَقَدُّمٌ إلَخْ) أَيْ إلَّا بِنَعَمْ وَنَحْوِهَا
ــ
[حاشية عميرة]
قَوْلُ الْمَتْنِ: (كَبِعْتُكَ وَمَلَّكْتُك) صَرَاحَةُ هَذَا تُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدُ وَيَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ، وَفَارَقَ مَلَّكْتُك وَأَدْخَلْته فِي مِلْكِك بِاحْتِمَالِ الثَّانِي الْإِدْخَالَ فِي مَكَان مَمْلُوكٍ لَهُ، وَمِنْ الصَّرِيحِ اشْتَرِ مِنِّي كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ، وَمِنْهَا شَرَيْتُك وَوَلَّيْتُك وَأَشْرَكْتُك وَصَارَفْتُكَ وَعَوَّضْتُك. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْمُشْتَقَّاتُ كَبَائِعٍ وَمَبِيعٍ قِيَاسًا عَلَى طَالِقٍ وَمُطَلَّقَةٍ وَمِنْهَا. نَعَمْ وَلَفْظُ الْهِبَةِ مَعَ الْعِوَضِ مَالَ الْإِسْنَوِيُّ رحمه الله: أَشَارَ بِكَافِ الْخِطَابِ فِي بِعْتُك وَمَلَّكْتُك إلَى أَنَّ إسْنَادَ الْبَيْعِ إلَى الْمُخَاطَبِ لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ نَائِبًا عَنْ غَيْرِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ حَتَّى لَوْ لَمْ يُسْنِدْهُ إلَى آخَرَ كَمَا يَقَعُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي بِعْت هَذَا بِعَشْرَةٍ مَثَلًا، فَيَقُولَ الْبَائِعُ بِعْت، أَوْ أَسْنَدَهُ إلَى غَيْرِهِ كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْت مُوَكِّلَك فَقَبِلَ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِذَلِكَ، بَلْ لَا يَصِحُّ إلَّا بِهِ كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي الْوَكَالَةِ وَلَوْ قَالَ الْمُتَوَسِّطُ: بِعْت هَذَا كَذَا. فَقَالَ: نَعَمْ، أَوْ بِعْت. ثُمَّ قَالَ لِلْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت بِكَذَا فَقَالَ: نَعَمْ، أَوْ اشْتَرَيْت صَحَّ، وَنَقَلَهُ عَنْ الرَّافِعِيِّ، وَلَك أَنْ تَقُولَ كَذَا يَنْبَغِي فِي الصُّورَةِ أَنْ يَصِحَّ إذَا قَبِلَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ أُجِيبَ بِأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ عَدَمُ قَبُولِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ، قُلْنَا فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُصَوِّرَهَا يَقُولُ الْمُشْتَرِي يَعْنِي هَذَا بِعَشْرَةٍ فَإِنْ بِعْت هَذَا بِكَذَا، اسْتِفْهَامٌ لَا يُغْنِي عَنْ الْقَبُولِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ اشْتِرَاطَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَلَوْ فِي حَقِّ وَلِيِّ الطِّفْلِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَقِيلَ: يَكْفِي أَحَدُ اللَّفْظَيْنِ، وَقِيلَ: تَكْفِي النِّيَّةُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَهُوَ قَوِيٌّ لِأَنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا اُعْتُبِرَ لِيَدُلَّ عَلَى الرِّضَا وَلَمْ يَتَقَيَّدْ بِهِ، وَقَوْلُهُ وَالْقَبُولُ كَاشْتَرَيْتُ مِنْ أَلْفَاظِهِ أَيْضًا ابْتَعْت وَاشْتَرَيْت وَصَارَفْتُ وَتَوَلَّيْت وَاشْتَرَكْت وَكَذَا بِعْت وَنَعَمْ وَلَفْظُ الْهِبَةِ، وَمِنْهَا فَعَلْت فِي جَوَابِ اشْتَرِ مِنِّي، قَالَ السُّبْكِيُّ: وَلَوْ قَالَ بِعْنِي، فَقَالَ: فَعَلْت، أَوْ نَعَمْ. فَكَقَوْلِهِ: بِعْتُك اهـ.
وَفِي الرَّافِعِيِّ فِي النِّكَاحِ لَوْ قَالَ: بِعْتُك بِأَلْفٍ، فَقَالَ: نَعَمْ صَحَّ الْبَيْعُ، وَفِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ لِشَيْخِنَا خِلَافُهُ، لِكَوْنِهِ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ بَلْ تَبِعَ مَا أَشْعَرَ بِهِ ظَاهِرُ مَتْنِ الْبَهْجَةِ. قَوْلُهُ:(لِحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ) مِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى: {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] . قَوْلُهُ: (مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ اللَّفْظِ) يَرُدُّ
الرِّضَا، وَالثَّانِي لَا يَنْعَقِدُ لِاحْتِمَالِ بِعْنِي لِاسْتِبَانَةِ الرَّغْبَةِ، وَبِهَذِهِ الصِّيغَةِ تَقْدِيرًا الْبَيْعُ الضِّمْنِيُّ فِي أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِكَذَا فَفَعَلَ، فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَنْ الطَّالِبِ، وَيَلْزَمُهُ الْعِوَضُ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ بِعْنِيهِ وَأَعْتِقْهُ عَنِّي، وَقَدْ أَجَابَهُ وَلَوْ قَالَ اشْتَرِ مِنِّي فَقَالَ: اشْتَرَيْت فَكَمَا لَوْ قَالَ بِعْنِي فَقَالَ بِعْتُك، قَالَهُ الْبَغَوِيّ ثُمَّ مَا ذَكَرَ صَرِيحٌ. (وَيَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ) وَهِيَ مَا يَحْتَمِلُ الْبَيْعَ وَغَيْرَهُ بِأَنْ يَنْوِيَهُ. (كَجَعَلْتُهُ لَك بِكَذَا) أَوْ خُذْهُ بِكَذَا نَاوِيًا الْبَيْعَ (فِي الْأَصَحِّ) هُوَ رَاجِعٌ إلَى الِانْعِقَادِ، وَالثَّانِي لَا يَنْعَقِدُ بِهَا لِأَنَّ الْمُخَاطَبَ لَا يَدْرِي أَخُوطِبَ بِبَيْعٍ أَمْ بِغَيْرِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذِكْرَ الْعِوَضِ ظَاهِرٌ فِي إرَادَةِ الْبَيْعِ فَإِنْ تَوَفَّرَتْ الْقَرَائِنُ عَلَى إرَادَتِهِ قَالَ الْإِمَامُ وَجَبَ الْقَطْعُ بِصِحَّتِهِ وَبَيْعُ الْوَكِيلِ الْمَشْرُوطِ عَلَيْهِ الْإِشْهَادُ فِيهِ لَا يَنْعَقِدُ بِهَا جَزْمًا لِأَنَّ الشُّهُودَ لَا يَطَّلِعُونَ عَلَى النِّيَّةِ، فَإِنْ تَوَفَّرَتْ الْقَرَائِنُ عَلَيْهِ، قَالَ الْغَزَالِيُّ: فَالظَّاهِرُ انْعِقَادُهُ. (وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَطُولَ الْفَصْلُ بَيْنَ لَفْظَيْهِمَا) وَلَا يَتَخَلَّلُهُمَا كَلَامٌ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْعَقْدِ، فَإِنْ طَالَ أَوْ تَخَلَّلَ لَمْ يَنْعَقِدْ كَذَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الطَّوِيلُ مَا أَشْعَرَ بِإِعْرَاضِهِ
ــ
[حاشية قليوبي]
وَفَعَلْت وَرَضِيت. قَوْلُهُ: (وَمَنَعَ الْإِمَامُ إلَخْ) حَمَلَهُ شَيْخُنَا م ر عَلَى مَا إذَا قَصَدَ بِهَا جَوَابَ كَلَامِ قَبْلِهَا، وَإِلَّا فَيَصِحُّ تَقْدِيمُهَا، وَعَلَيْهِ حَمْلُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ. قَوْلُهُ:(إلَى اللَّفْظِ) أَيْ لِأَنَّ لَفْظَ قَبِلْت يَسْتَدْعِي شَيْئًا قَبْلَهُ.
قَوْلُهُ: (بِعْنِي) أَيْ فِي الصَّرِيحِ أَوْ اجْعَلْهُ لِي فِي الْكِنَايَةِ. قَوْلُهُ: (وَبِهَذِهِ الصِّيغَةِ) أَيْ الَّتِي فِيهَا تَقَدُّمُ لَفْظِ الْمُشْتَرِي وَالْمُقَدَّرُ فِيهَا الصَّرِيحُ، وَلَا يَخْتَصُّ الْحُكْمُ بِذَلِكَ وَلَفْظُ تَقْدِيرًا حَالٌ مِنْ الصِّيغَةِ وَالْمُرَادُ بِالْبَيْعِ الضِّمْنِيُّ فِي الْعِتْقِ وَلَوْ مُعَلَّقًا فَقَطْ لَا نَحْوُ وَقْفٍ وَلَا مِنْ يَعْتِقُ عَلَى الطَّالِبِ كَبَعْضِهِ فَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: كَأَعْتِقْ عَبْدَك إلَخْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْكَافَ اسْتِقْصَائِيَّةٌ أَوْ مِثَالٌ لِأَفْرَادِ الصِّيغَةِ. قَوْلُهُ: (فَفَعَلَ) أَيْ قَالَ: أَعْتَقْته عَنْك. وَلَا يَكْفِي فَعَلْت وَلَا نَعَمْ وَنَحْوُهُمَا. قَوْلُهُ: (فَكَمَا لَوْ إلَخْ) التَّشْبِيهُ يَشْمَلُ الْحُكْمَ وَالْخِلَافَ. قَوْلُهُ: (صَرِيحٌ) قَالَ شَيْخُنَا م ر: نَعَمْ إنْ قَصَدَ عَدَمَ جَوَابِهِ أَوْ عَدَمَ قَبُولِهِ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ. وَمَحَلُّ الصَّرَاحَةِ فِي غَيْرِ صِيغَةِ الْمُضَارِعِ وَإِلَّا نَحْوَ أَقْبَلُ أَوْ أَبْتَاعُ أَوْ اشْتَرَى فَكِنَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَيَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ) وَمِنْهُمَا تَسَلَّمْهُ بِكَذَا، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ مِنِّي أَوْ بَارَكَ اللَّهُ لَك فِيهِ أَوْ هَذَا لَك أَوْ سَلَّطْتُك عَلَيْهِ أَوْ بَاعَك اللَّهُ وَفَارَقَ صَرَاحَةً نَحْوَ الْعِتْقِ بِهَذَا لِمَا مَرَّ. وَلَيْسَ مِنْ الْكِنَايَةِ أَبَحْتك لِصَرَاحَتِهِ فِي عَدَمِ الْعِوَضِ وَلَا أَرْقَبْتُك أَوْ أَعَمَرْتُك بِخِلَافِ وَهَبْتُك، وَإِنْ رَادَفَهُمَا وَمِنْ الْكِنَايَةِ الْكِتَابَةُ بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ قَبْلَ الْأَلِفِ.
قَالَ شَيْخُنَا م ر: إلَّا عَلَى مَائِعٍ أَوْ هَوَاهُ. وَتَصِحُّ مِنْ سَكْرَانَ وَتُعْلَمُ النِّيَّةُ مِنْهُ وَمِنْ الْأَخْرَسِ بِالْكِتَابَةِ وَالْإِشَارَةِ أَوْ غَيْرِهِمَا. وَدَخَلَ فِي الْكِتَابَةِ مَا لَوْ كَانَتْ لِحَاضِرٍ وَقِيلَ فَوْرًا أَوْ لِغَائِبٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إرْسَالُ الْكِتَابِ فَوْرًا وَلَا عِلْمُ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ بِالْبَيْعِ. وَيُشْتَرَطُ قَبُولُهُ فَوْرًا وَقْتَ إطْلَاعِهِ عَلَى لَفْظِ الْبَيْعِ فِي الْكِتَابِ لَا قَبْلَهُ، وَإِنْ عَلِمَ، وَيَمْتَدُّ خِيَارُهُ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِ قَبُولِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ لِلْمُكَاتَبِ مَجْلِسٌ وَلَوْ بَعْدَ قَبُولِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ بَلْ يَمْتَدُّ خِيَارُهُ مَا دَامَ خِيَارُ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ. قَوْلُهُ:(نَاوِيًا الْبَيْعَ) أَيْ وَلَوْ فِي جُزْءٍ مِنْ الصِّيغَةِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ قَالَهُ شَيْخُنَا م ر. وَقَالَ شَيْخُنَا زي: يُشْتَرَطُ اقْتِرَانُهَا بِجَمِيعِ اللَّفْظِ. وَمِنْهُ ذِكْرُ الْعِوَضِ عِنْدَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الصِّيغَةِ الْأَصْلِيَّةِ. قَوْلُهُ: (الْمَشْرُوطُ عَلَيْهِ الْإِشْهَادُ فِيهِ) أَيْ لَا بِصِيغَةِ الْأَمْرِ نَحْوِ بِشَرْطِ أَنْ تَشْهَدَ أَوْ عَلَى أَنْ تَشْهَدَ أَوْ وَكَّلْتُك فِي الْبَيْعِ وَتَشْهَدُ إمَّا بِالْأَمْرِ: كَبِعْ وَاشْهَدْ، فَلَا يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ فِيهِ. قَوْلُهُ:(فَالظَّاهِرُ انْعِقَادُهُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَالْمُرَادُ بِالْقَرَائِنِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ وَلَوْ قَرِينَةً وَاحِدَةً.
ــ
[حاشية عميرة]
عَلَيْهِ الصِّحَّةُ بِالْكِنَايَةِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ (انْعَقَدَ) أَيْ الْبَيْعُ رَوَى مُسْلِمٌ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ لِسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رضي الله عنه فِي جَارِيَةٍ: هَبْ لِي الْمَرْأَةَ. فَقَالَ لَهُ: هِيَ لَك» فَقِيسَ عَلَيْهَا بَاقِي الْعُقُودِ، ثُمَّ الْمَذْهَبُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ النِّكَاحِ الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ النِّكَاحَ غَالِبًا يَسْبِقُهُ خِطْبَةٌ، فَيَتَخَلَّفُ فِيهِ تَوْجِيهُ مُقَابِلِ الْأَظْهَرِ، وَلَوْ أَتَى بِمُضَارِعٍ مَقْرُونٍ فَاللَّامُ الْأَمْرِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: اتَّجَهَ إلْحَاقُهُ بِالْأَمْرِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ) لِحَدِيثِ سَلَمَةَ السَّابِقِ فِي الْحَاشِيَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ، وَفِي قِصَّةِ جَمَلِ جَابِرٍ رضي الله عنه بِعْنِي جَمَلَك. قُلْت: إنَّ لِرَجُلٍ عَلَيَّ أُوقِيَّةً فَهُوَ لَك بِهَا. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَخَذْته خَرَّجَهُ الشَّيْخَانِ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَنْوِيَهُ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (كَجَعَلْتُهُ لَك إلَخْ) قَضِيَّةُ كَوْنِهِ كِنَايَةً أَنَّهُ يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْبَيْعِ كَالْإِجَارَةِ. قَوْلُهُ: (أَوْ خُذْهُ) وَكَذَا تَسَلَّمْهُ وَسَلَّطْتُك عَلَيْهِ وَأَدْخَلْته فِي مِلْكِك، وَكَذَا بَاعَك اللَّهُ، وَبَارَكَ اللَّهُ لَك فِيهِ جَوَابًا لِمَنْ قَالَ: بِعْنِي. أَفْتَى بِذَلِكَ الْغَزَالِيُّ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ النَّوَوِيُّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ وَأَقَرَّهُ. قَوْلُهُ:(نَاوِيًا الْبَيْعَ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ نَوَى قَبْلَ فَرَاغِ لَفْظِ الْكِنَايَةِ كَفَى، أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ اقْتِرَانُهَا بِكُلِّ اللَّفْظِ، وَيُحْتَمَلُ الِاشْتِرَاطُ فِي أَوَّلِهِ. قَوْلُ الْمَتْنِ:(وَيُشْتَرَطُ إلَخْ) لَنَا فِي النِّكَاحِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَكْفِي الْقَبُولُ فِي مَجْلِسِ الْإِيجَابِ وَالْقِيَاسُ طَرْدُهُ هُنَا بَلْ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِحِكَايَتِهِ هُنَا. قَوْلُ الْمَتْنِ: (بَيْنَ لَفْظَيْهِمَا) هُوَ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَإِلَّا فَالْخَطُّ وَالْإِشَارَةُ كَذَلِكَ، وَكَذَا الْمُعَاطَاةُ عَلَى الْقَوْلِ بِهَا. قَوْلُ الْمَتْنِ:(فَقَالَ قَبِلْت) مِثْلُ هَذَا مَا لَوْ أَوْجَبَ بِمُؤَجَّلٍ فَقَبِلَ بِحَالٍّ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا عَكْسُهُ) الْمَفْهُومُ
عَنْ الْقَبُولِ، وَلَوْ تَخَلَّلْت كَلِمَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ بَطَلَ الْعَقْدُ اهـ. (وَأَنْ يُقْبِلَ عَلَى وَقْفِ الْإِيجَابِ، فَلَوْ قَالَ بِعْتُك بِأَلْفٍ مُكَسَّرَةٍ فَقَالَ قَبِلْت بِأَلْفٍ صَحِيحَةٍ لَمْ يَصِحُّ) وَكَذَا عَكْسُهُ، وَلَوْ قَالَ: بِعْتُك هَذَا بِأَلْفٍ، فَقَالَ: بِعْتُك نِصْفَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ قَالَ: وَنِصْفَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ، قَالَ الْمُتَوَلِّي يَصِحُّ، وَنَظَّرَ فِيهِ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ عَدَّدَ الصَّفْقَةَ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: لَكِنَّ الظَّاهِرَ الصِّحَّةُ، قَالَ فِيهِ: وَالظَّاهِرُ فَسَادُ الْعَقْدِ فِيمَا إذَا قَبِلَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ خِلَافُ قَوْلِ الْقَفَّالِ بِصِحَّتِهِ اهـ.
وَنَبَّهَ الْإِمَامُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ عِنْدَهُ إلَّا أَلْفٌ (وَإِشَارَةُ الْأَخْرَسِ بِالْعَقْدِ) كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ (كَالنُّطْقِ) بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، فَيَصِحُّ بِهَا
ــ
[حاشية قليوبي]
تَنْبِيهٌ: الصِّحَّةُ وَانْتِقَالُ الْمِلْكِ يُقَارِنَانِ آخِرَ الصِّيغَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (أَنْ لَا يَطُولَ الْفَصْلُ) أَيْ بِسُكُوتٍ وَلَوْ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا كَمَا فِي الْفَاتِحَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَلَا يَضُرُّ الْيَسِيرُ إلَّا مِنْ عَالِمٍ عَامِدٍ قَصَدَ بِهِ الْقَطْعَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ:(لَفْظَيْهِمَا) الْمُرَادُ بِهِ مَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ وَلَوْ إشَارَةً أَوْ كِتَابَةً مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا وَذَكَرَ اللَّفْظَ لِلْغَالِبِ. قَوْلُهُ: (كَلَامٌ) وَهُوَ مَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ مِنْ الْكَثِيرِ مُطْلَقًا أَوْ نَحْوِ حَرْفٍ مُفْهِمٍ فَأَكْثَرَ مِنْ عَامِدٍ عَالِمٍ، نَعَمْ لَا يَضُرُّ قَدْ أَوْ أَنَا بِغَيْرِ وَاوٍ، وَنَحْوُ يَا زَيْدُ نَحْوُ قَدْ قَبِلْت أَنَا اشْتَرَيْت بِعْتُك يَا زَيْدُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْكَلَامُ مِنْ الْمُوجِبِ أَوْ الْقَابِلِ وَمِنْهُ التَّعْلِيقُ إلَّا إنْ شِئْت مِنْ الْأَوَّلِ بَعْدَ تَمَامِ صِيغَتِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَكَذَا إنْ كَانَ مِلْكِي فَقَدْ بِعْتُكَهُ لِمَا هُوَ مِلْكُهُ لِأَنَّ إنْ فِيهِ بِمَعْنَى إذْ. وَفِي كَلَامِ الْعَلَّامَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنَّ إشَارَةَ الْأَخْرَسِ كَالْكَلَامِ الْمَذْكُورِ وَنُوزِعَ فِيهِ.
تَنْبِيهٌ: يَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يَضُرُّ الْكَلَامُ مِنْ الْكَاتِبِ لِنَحْوِ غَائِبٍ مُطْلَقًا وَلَا مِنْ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ وُجُوبِ فَوْرِيَّةِ الْقَبُولِ عَلَيْهِ بِمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (أَجْنَبِيٌّ) أَيْ إلَّا يَسِيرَ النِّسْيَانِ أَوْ جَهْلَ عُذْرٍ فِيهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ. وَالْمُرَادُ بِالْأَجْنَبِيِّ مَا لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ وَلَا مِنْ مَصَالِحِهِ وَلَا مِنْ مُسْتَحَبَّاتِهِ، وَلَوْ بِحَسَبِ الْأَصْلِ فَلَا تَضُرُّ الْخُطْبَةُ كَالْحَمْدُ لِلَّهِ إلَى آخِرِهِ وَإِنْ لَمْ تُسْتَحَبَّ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي النِّكَاحِ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ قَارَنَ الْكَلَامُ الْأَجْنَبِيُّ صِيغَةَ الْمُتَأَخِّرِ مِنْهُمَا فَاَلَّذِي رَجَّحَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ قَاسِمٍ أَنَّهُ يَضُرُّ أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ بِالْإِعْرَاضِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْبُطْلَانُ بِمُقَارَنَةِ صِيغَةِ الْمُتَقَدِّمِ أَيْضًا، فَلْيُرَاجَعْ. وَاغْتُفِرَ الْكَلَامُ الْيَسِيرُ الْعَمْدُ فِي الْخَلْعِ وَإِنْ قُصِدَ بِهِ الْقَطْعُ لِأَنَّ مَا هُنَا مُعَاوَضَةٌ مَحْضَةٌ. قَوْلُهُ:(عَنْ الْقَبُولِ) أَيْ أَوْ عَنْ الْإِيجَابِ. قَوْلُهُ: (عَلَى وَفْقِ الْإِيجَابِ) أَيْ فِي الْمَعْنَى مِنْ حَيْثُ النَّوْعُ وَالصِّفَةُ وَالْقَدْرُ وَالْحُلُولُ وَالتَّأْجِيلُ وَإِنْ اخْتَلَفَ لَفْظُهُمَا، وَمِنْ الشُّرُوطِ أَنْ لَا تَتَغَيَّرَ صِيغَةُ الْأَوَّلِ قَبْلَ تَمَامِ صِيغَةِ الثَّانِي وَلَوْ بِإِسْقَاطِ أَجَلٍ أَوْ خِيَارٍ وَأَنْ يَتَكَلَّمَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ مَنْ بِقُرْبِهِ بِلَا مَانِعٍ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ صَاحِبُهُ كَأَنْ وَقَعَ قَبُولُهُ اتِّفَاقًا وَلَا عِبْرَةَ بِحَمْلِ الرِّيحِ وَإِنْ تَبَقَّى أَهْلِيَّتُهُمَا إلَى تَمَامِ الصِّيغَةِ، فَلَوْ جُنَّ أَوْ مَاتَ لَمْ يَصِحَّ قَبُولُ وَلِيِّهِ أَوْ وَارِثِهِ وَأَنْ يَشْتَمِلَ الْإِيجَابُ عَلَى خِطَابٍ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَمَا مَرَّ. وَأَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ لِلْقَابِلِ لِكُلِّهِ أَوْ لِجُزْئِهِ عَلَى مَا مَرَّ، وَأَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ مِمَّنْ صَدَرَ مَعَهُ الْخِطَابُ لَا مِنْ وَكِيلِهِ مَثَلًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ تَأْقِيتٌ وَلَوْ بِأَلْفِ عَامٍ وَلَا تَعْلِيقَ إلَّا فِيمَا مَرَّ، وَأَنْ يَقْصِدَ كُلٌّ مِنْهُمَا اللَّفْظَ لِمَعْنَاهُ أَيْ أَنْ يَأْتِيَ بِاللَّفْظِ قَاصِدًا لَهُ حَالَةَ كَوْنِهِ عَارِفًا بِمَعْنَاهُ كَمَا فِي الطَّلَاقِ فَلَا يَصِحُّ مَعَ سَبْقِ لِسَانٍ وَلَا مِنْ أَعْجَمِيٍّ لِقِنِّهِ بِخِلَافِ الْهَازِلِ وَاللَّاعِبِ.
تَنْبِيهٌ: هَذِهِ الشُّرُوطُ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ فِي غَيْرِ مَا مَرَّ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (مُكَسَّرَةٍ) قَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ قِطَعُ نَقْدٍ مَضْرُوبٍ قَبْلَ قَطْعِهِ وَهُوَ الْوَجْهُ، وَقَوْلُ شَيْخِنَا: إنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِذَلِكَ فِيهِ نَظَرٌ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَصِحَّ) قَالَ شَيْخُنَا: وَإِنْ تَسَاوَتْ قِيمَتُهُمَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَكَذَا لَوْ أَوْجَبَ بِنَقْدٍ فَقَبِلَ بِنَقْدٍ آخَرَ وَإِنْ سَاوَاهُ فَلَا يَصِحُّ أَيْضًا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ. قَوْلُهُ:(وَلَوْ قَالَ وَنِصْفُهُ بِخَمْسِمِائَةٍ إلَخْ) وَحَمَلَ شَيْخُنَا م ر الْقَوْلَ بِالصِّحَّةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ تَعَدُّدَ الصَّفْقَةِ وَالْقَوْلَ بِالْبُطْلَانِ عَلَى مَا إذَا قَصَدَهُ. وَخَرَجَ بِنِصْفِهِ مَا لَوْ قَالَ: بِعْتُك بَعْضَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَبَعْضَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ، فَلَا يَصِحُّ لِاحْتِمَالِ الْبَعْضِ لِغَيْرِ النِّصْفِ. قَالَ بَعْضُهُمْ:
ــ
[حاشية عميرة]
بِالْأَوْلَى. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَإِشَارَةُ الْأَخْرَسِ) مِثْلُهَا كِتَابَتُهُ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (بِالْعَقْدِ) هِيَ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ، قَالَ فِي الدَّقَائِقِ، احْتَرَزْت