الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الِاعْتِكَافِ
يُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي أَنَّهُ اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ بِنِيَّةٍ. وَ (هُوَ مُسْتَحَبٌّ كُلَّ وَقْتٍ) وَيَجِبُ بِالنَّذْرِ (وَ) هُوَ (فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ أَفْضَلُ) مِنْهُ فِي غَيْرِهِ لِمُوَاظَبَتِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الِاعْتِكَافِ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ وَقَالُوا فِي حِكْمَةِ ذَلِكَ. (لِطَلَبِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ) الَّتِي هِيَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3] أَيْ الْعَمَلُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْعَمَلِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ لَيْسَ. فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَهِيَ فِي الْعَشْرِ الْمَذْكُورِ. (وَمَيْلُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله إلَى أَنَّهَا لَيْلَةُ الْحَادِي أَوْ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ) مِنْهُ دَلَّ عَلَى الْأَوَّلِ حَدِيثُ الشَّيْخَيْنِ وَعَلَى الثَّانِي حَدِيثُ مُسْلِمٍ. قَالَ الْمُزَنِيّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ: إنَّهَا تَنْتَقِلُ كُلَّ سَنَةٍ إلَى لَيْلَةٍ جَمْعًا بَيْنَ
ــ
[حاشية قليوبي]
كِتَابُ الِاعْتِكَافِ
هُوَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ كَذَا قَالُوا: وَلَعَلَّ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ بِدَلِيلِ آيَةِ {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ} [طه: 91] أَيْ عَلَى عِبَادَةِ الْعِجْلِ عَاكِفِينَ، وَأَمَّا كَوْنُهُ بِالْهَيْئَةِ الْمَخْصُوصَةِ فَلَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِهِ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَرَاجِعْهُ وَمَعْنَاهُ لُغَةً الْإِقَامَةُ عَلَى الْأَمْرِ خَيْرٌ أَوْ شَرٌّ وَشَرْعًا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ:(كُلَّ وَقْتٍ) مِنْ النَّهَارِ وَلَوْ بِلَا صَوْمٍ أَوْ اللَّيْلِ وَحْدَهُ كَمَا سَيَأْتِي خِلَافًا لِلْإِمَامَيْنِ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ لِمَا ثَبَتَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأُوَلَ مِنْ شَوَّالٍ وَفِيهِ يَوْمُ الْعِيدِ قَطْعًا وَهُوَ لَا يَقْبَلُ الصَّوْمَ اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: (كَمَا تَقَدَّمَ) أَيْ فِي بَابِ الصَّوْمِ وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَقَالُوا) أَيْ الْأَصْحَابُ فَلَيْسَ مُرَادُهُ التَّبَرِّي مِنْهُ بَلْ بَيَانَ هَذِهِ الْحِكْمَةِ. وَقِيلَ مُرَادُهُ التَّبَرِّي وَإِلَيْهِ مَالَ شَيْخُنَا لِعَدَمِ تَعَيُّنِ هَذِهِ الْحِكْمَةِ. قَوْلُهُ: (لَيْلَةِ الْقَدْرِ) هِيَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَبَاقِيَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِعُلُوِّ قَدْرِهَا أَوْ لِشَرَفِهَا أَوْ لِفَصْلِ الْأَقْدَارِ فِيهَا كَمَا قِيلَ بِهِ. وَتُرَى حَقِيقَةً وَيُنْدَبُ لِمَنْ رَآهَا كَتْمُهَا وَيُنْدَبُ إحْيَاؤُهَا كَمَا فِي الْعِيدِ وَيَتَأَكَّدُ هُنَا قَوْلُ «اللَّهُمَّ إنَّك عَفْوٌ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنَّا» وَيَحْصُلُ فَضْلُهَا لِمَنْ أَحْيَاهَا وَإِنْ لَمْ يَشْعُرْ بِهَا وَنَفْيُهُ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْكَمَالِ كَمَا حُمِلَ رَفْعُهَا عَلَى رَفْعِ عَيْنِهَا وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ فَقَدْ أَخَذَ بِحَظِّهِ مِنْهَا وَعَلَامَتُهَا عَدَمُ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ فِيهَا. وَيُنْدَبُ صَوْمُ يَوْمِهَا وَكَثْرَةُ الْعِبَادَةِ فِيهِ وَعَلَامَتُهَا طُلُوعُ شَمْسِهِ بَيْضَاءَ مُنْكَسِرَةَ الشُّعَاعِ لِمَا قِيلَ مِنْ كَثْرَةِ تَرَدُّدِ الْمَلَائِكَةِ فِيهَا. وَيُسْتَفَادُ بِعَلَامَتِهَا مَعْرِفَتُهَا فِي بَاقِي الْأَعْوَامِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَا تَنْتَقِلُ الَّذِي هُوَ الْأَصَحُّ. قَوْلُهُ: (كُلَّ سَنَةٍ إلَخْ) لَوْ تُرِكَ هَذَا الْقَيْدُ لَكَانَ أَوْلَى لِيَدْخُلَ تَوَافُقُ سَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فِي لَيْلَةٍ مَعَ أَنَّ التَّوَافُقَ فِيهَا مُحَقَّقٌ بِكَثْرَةِ الْأَعْوَامِ إمَّا مَعَ التَّوَالِي أَوْ التَّفَرُّقِ.
قَوْلُهُ: (إلَى لَيْلَةٍ) أَيْ مِنْ الْعَشْرِ الْمَذْكُورِ مُطْلَقًا أَوْ مِنْ مُفْرَدَاتِهِ كَمَا اخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالُوا: إنَّهَا تُعْلَمُ فِيهِ بِالْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ
ــ
[حاشية عميرة]
[كِتَابُ الِاعْتِكَافِ]
إلَخْ هُوَ لُغَةً الْإِقَامَةُ عَلَى الشَّيْءِ وَلَوْ سِرًّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف: 138] وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ} [البقرة: 125] وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَمِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ قَوْلُ الْمَتْنِ: (هُوَ مُسْتَحَبٌّ كُلَّ وَقْتٍ) رَوَى مُسْلِمٌ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم اعْتَكَفَ فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ شَوَّالٍ» قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَهُوَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ إلَخْ) هَذَا قَدْ ذَكَرَهُ فِي الصَّوْمِ، وَلَكِنْ أَعَادَهُ هُنَا لِبَيَانِ حِكْمَتِهِ أَعْنِي طَلَبَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ قَوْلُ الْمَتْنِ:(لِطَلَبِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ) أَيْ فَيُحْيِيهَا بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَكَثْرَةِ الدُّعَاءِ، فَإِنَّهَا أَفْضَلُ لَيَالِي السَّنَةِ، وَالْعَمَلُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْعَمَلِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَوْ شَهِدَ الْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَقَدْ أَخَذَ بِحَظِّهِ مِنْهَا، كَذَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ نَصِّهِ فِي الْقَدِيمِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي يَوْمِهَا كَمَا يَجْتَهِدُ فِي لَيْلَتِهَا، قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الْقَدِيمِ.
فَائِدَةٌ: لَيْلَةُ الْقَدْرِ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ. قَوْلُهُ: (أَيْ الْعَمَلُ فِيهَا) ظَاهِرُهُ وَلَوْ قَلَّ قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَمَيْلُ الشَّافِعِيِّ إلَخْ) مُحَصَّلُ مَا فِي الرَّافِعِيِّ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ رضي الله عنه. قَوْلُهُ: (حَدِيثُ الشَّيْخَيْنِ) مِنْهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «إنِّي رَأَيْتهَا لَيْلَةً وَأَرَانِي أَسْجُدُ
الْأَخْبَارِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَهُوَ قَوِيٌّ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا تَلْزَمُ لَيْلَةً بِعَيْنِهَا
(وَإِنَّمَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ) كَمَا فَعَلَهُ صلى الله عليه وسلم (وَالْجَامِعُ أَوْلَى) لِئَلَّا يَحْتَاجَ إلَى الْخُرُوجِ لِلْجُمُعَةِ. (وَالْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اعْتِكَافُ الْمَرْأَةِ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا وَهُوَ الْمُعْتَزِلُ الْمُهَيَّأُ لِلصَّلَاةِ) وَالْقَدِيمُ يَصِحُّ اعْتِكَافُهَا فِيهِ وَعَلَى هَذَا فَفِي صِحَّتِهِ لِلرَّجُلِ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لَا يَصِحُّ وَعَلَى الْجَدِيدِ كُلُّ امْرَأَةٍ يُكْرَهُ لَهَا الْخُرُوجُ لِلْجَمَاعَةِ يُكْرَهُ لَهَا الْخُرُوجُ لِلِاعْتِكَافِ وَمَنْ لَا فَلَا. (وَلَوْ عَيَّنَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فِي نَذْرِهِ الِاعْتِكَافَ تَعَيَّنَ وَكَذَا مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ وَ) الْمَسْجِدُ (الْأَقْصَى) إذَا عَيَّنَهُمَا فِي نَذْرِهِ تَعَيَّنَا (فِي الْأَظْهَرِ) فَلَا يَقُومُ غَيْرُ الثَّلَاثَةِ مَقَامَهَا لِمَزِيدِ فَضْلِهَا. قَالَ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى» ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ أَنَّهُمَا لَا يَتَعَيَّنَانِ بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
ــ
[حاشية قليوبي]
الشَّهْرِ فَإِنْ كَانَ أَوَّلُهُ يَوْمَ الْأَحَدِ أَوْ الْأَرْبِعَاءِ فَهِيَ لَيْلَةُ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فَهِيَ لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ أَوْ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ أَوْ الْجُمُعَةِ فَهِيَ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ يَوْمَ الْخَمِيسِ فَهِيَ لَيْلَةُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ يَوْمَ السَّبْتِ فَهِيَ لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ وَمُنْذُ مَا بَلَغْت سِنَّ الرِّجَالِ مَا فَاتَتْنِي لَيْلَةُ الْقَدْرِ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَقَدْ نَظَمْتهَا بِقَوْلِي:
يَا سَائِلِي عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ الَّتِي
…
فِي عَشْرِ رَمَضَانَ الْأَخِيرِ حَلَّتْ
فَإِنَّهَا فِي مُفْرَدَاتِ الْعَشْرِ
…
تُعْرَفُ مِنْ يَوْمِ ابْتِدَاءِ الشَّهْرِ
فَبِالْأَحَدْ وَالْأَرْبِعَا فِي التَّاسِعَهْ
…
وَجُمُعَةٍ مَعَ الثَّلَاثَا السَّابِعَهْ
وَإِنْ بَدَا الْخَمِيسَ فَالْخَامِسَةُ
…
وَإِنْ بَدَا بِالسَّبْتِ فَالثَّالِثَةُ
وَإِنْ بَدَا الِاثْنَيْنِ فَهْيَ الْحَادِي
…
هَذَا عَنْ الصُّوفِيَّةِ الزَّهَّادِيَّ
قَوْلُهُ: (تَلْزَمُ لَيْلَةً بِعَيْنِهَا) فَمَنْ عَرَفَهَا فِي سَنَةٍ عَرَفَهَا فِيمَا بَعْدَهَا كَمَا مَرَّ.
. قَوْلُهُ: (فِي الْمَسْجِدِ) وَمِنْهُ رَوْشَنُهُ وَرَحْبَتُهُ الْقَدِيمَةُ وَمِنْهُ مَا يُنْسَبُ إلَيْهِ عُرْفًا مِنْ نَحْوِ سَابَاطٍ أَحَدُ جَانِبَيْهِ عَلَى غَيْرِ الْمَسْجِدِ.
وَفِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا الصِّحَّةُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ.
وَفِي ابْنِ حَجَرٍ عَدَمُ الصِّحَّةِ كَذَلِكَ، وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ فَرَاجِعْهُ، وَيَصِحُّ عَلَى غُصْنِ شَجَرَةٍ خَارِجَهُ وَأَصْلُهَا فِيهِ كَعَكْسِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْكَامِلُ فَلَا يَصِحُّ فِي الْمَشَاعِ. وَإِنْ طُلِبَتْ لَهُ التَّحِيَّةُ. وَلَوْ شَكَّ فِي الْمَسْجِدِيَّةِ اجْتَهَدَ وَلَيْسَ مِنْهُ مَا أَرْضُهُ مَمْلُوكَةٌ أَوْ مُحْتَكَرَةٌ نَعَمْ إنْ بُنِيَ فِيهَا دَكَّةٌ وَوُقِفَتْ مَسْجِدًا صَحَّ فِيهَا. وَكَذَا مَنْقُولٌ أَثْبَتَهُ وَوَقَفَهُ مَسْجِدًا ثُمَّ نَزَعَهُ وَلَا يَصِحُّ فِيمَا بُنِيَ فِي حَرِيمِ النَّهْرِ. قَوْلُهُ:(لِئَلَّا يَحْتَاجَ) هَذِهِ الْعِلَّةُ لِلْغَالِبِ فَالْجَامِعُ أَوْلَى مُطْلَقًا خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ بَلْ يَجِبُ عَلَى مَنْ نَذَرَ مُدَّةً مُتَتَابِعَةً فِيهَا يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَهُوَ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ الْخُرُوجُ لَهَا لِأَنَّ خُرُوجَهُ لَهَا يَقْطَعُ تَتَابُعَهُ نَعَمْ لَوْ أُقِيمَتْ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ لَمْ يَنْقَلِعْ تَتَابُعُهُ لِعُذْرِهِ. وَكَذَا لَوْ حَدَثَ الْجَامِعُ بَعْدَ نَذْرِهِ. وَلَوْ شَرَطَ الْخُرُوجَ لَمَا وَعَرَ عَلَى أَحَدٍ جَاءَ مِنْ بَلَدٍ إلَى آخَرَ فَإِنْ كَانَ الثَّانِي يُصَلِّي قَبْلَ الْأَوَّلِ لَمْ يَضُرَّ وَإِلَّا بَطَلَ اعْتِكَافُهُ.
فَرْعٌ: قَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ لَنَا عِبَادَةٌ تَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَسْجِدِ إلَّا ثَلَاثَةً الطَّوَافَ وَالِاعْتِكَافَ وَالتَّحِيَّةَ. قَوْلُهُ: (وَالْقَدِيمُ يَصِحُّ) وَرُدَّ بِأَنَّهَا عِبَادَةٌ شَرَطَ فِيهَا بِالْمَسْجِدِيَّةِ لِلرَّجُلِ فَشَرَطَ لِلْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى كَالرَّجُلِ.
قَوْلُهُ: (الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ) وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَصِحُّ فِيهِ الطَّوَافُ وَمَا حَوْلَهُ وَإِنْ وَسِعَ. وَكَذَا جَوْفُ الْكَعْبَةِ لَا غَيْرُهُ مِنْ بَقِيَّةِ الْحَرَمِ وَلَوْ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ. قَوْلُهُ: (مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ) وَالْمُرَادُ بِهِ مَا كَانَ فِي زَمَنِهِ صلى الله عليه وسلم دُونَ مَا زِيدَ فِيهِ أَخْذًا مِنْ الْإِشَارَةِ الْآتِيَةِ دُونَ غَيْرِهِ، وَلَوْ مِمَّا صَلَّى فِيهِ وَلَوْ فِي الْمَدِينَةِ نَحْوُ مَسْجِدِ قُبَاءَ.
ــ
[حاشية عميرة]
فِي صَبِيحَتِهَا فِي الطِّينِ وَالْمَاءِ» فَأَصْبَحُوا مِنْ لَيْلَةِ إحْدَى وَعِشْرِينَ، وَقَدْ قَامَ النَّبِيُّ إلَى الصُّبْحِ فَمَطَرَتْ السَّمَاءُ فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ، فَخَرَجَ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَجَبِينُهُ وَأَرْنَبَةُ أَنْفِهِ فِيهِمَا أَثَرُ الْمَاءِ وَالطِّينِ، وَرَوَى مُسْلِمٌ مِثْلَ هَذَا عَنْ لَيْلَةِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ.
قَوْلُهُ: (كَمَا فَعَلَهُ صلى الله عليه وسلم) اسْتَدَلَّ أَيْضًا بِآيَةِ: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] مِنْ حَيْثُ إنَّ ذِكْرَ الْمَسَاجِدِ لَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ لِأَجْلِ أَنَّهَا شَرْطٌ فِي مَنْعِ مُبَاشَرَةِ الْمُعْتَكِفِ، لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ أَيْضًا إذَا خَرَجَ لِنَحْوِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَلِأَنَّ غَيْرَ الْمُعْتَكِفِ مَمْنُوعٌ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ فِي الْمَسَاجِدِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ ذَكَرَهَا لِاشْتِرَاطِ صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ، وَلَك أَنْ تَعْتَرِضَهُ بِاحْتِمَالِ أَنَّ الْقَيْدَ لِمُوَافَقَةِ الْغَالِبِ. قَوْلُهُ:(أَصَحُّهُمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لَا يَصِحُّ) لِأَنَّهُ لَا يُطْلَبُ مِنْهُ السَّتْرُ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ