الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صَرْفُ لَحْمِهِ إلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَفُقَرَائِهِ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي وُقُوعِ التَّطَوُّعِ مَوْقِعَهُ مِنْ صَرْفِهِ إلَيْهِمْ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَهْدَى فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِائَةَ بَدَنَةٍ» فَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ قَصَدَ مَكَّةَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَنْ يَهْدِيَ إلَيْهَا شَيْئًا مِنْ النَّعَمِ وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ إلَّا بِالنَّذْرِ.
بَابُ الْإِحْصَارِ وَالْفَوَاتِ لِلْحَجِّ
(مَنْ أُحْصِرَ) عَنْ إتْمَامِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ مَنَعَهُ عَنْ ذَلِكَ عَدُوٌّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ الْكُفَّارِ مِنْ جَمِيعِ الطُّرُقِ.
ــ
[حاشية قليوبي]
الْحَرَمِ. قَوْلُهُ: (وَالْحَاجُّ) وَلَوْ قَارِنًا أَوْ مُتَمَتِّعًا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُمَا) أَيْ الْمَرْوَةَ وَمِنًى مَحَلُّ تَحَلُّلِهَا. وَيُنْدَبُ أَنْ يُذْبَحَ الْمُعْتَمِرُ قَبْلَ حَلْقِهِ وَبَعْدَ سَعْيِهِ. قَوْلُهُ: (وَوَقْتُهُ) أَيْ الْهَدْيِ الَّذِي يَقَعُ ضَحِيَّةً مِنْ تَطَوُّعٍ أَوْ مَنْذُورٍ وَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ وَإِنْ تَعَيَّنَ غَيْرُهُ لِأَنَّ تَعْيِينَ الزَّمَانِ لَيْسَ قُرْبَةً فَلَا يَصِحُّ نَذْرُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ صَرْفِهِ فِيهِمَا لِفُقَرَاءِ الْحَرَمِ، وَلَهُ الْأَكْلُ مِنْ غَيْرِ الْوَاجِبِ، وَيَجِبُ ذَبْحُ الْوَاجِبِ بَعْدَ فَوَاتِ الْوَقْتِ قَضَاءً وَيَفُوتُ الْمَنْدُوبُ كَمَا ذَكَرَهُ.
فُرُوعٌ: الْهَدْيُ مِنْ غَيْرِ الْمُحْرِمِ أَوْ مِنْ الْمُعْتَمِرِ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَجِّ لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ غَصَبَ الْهَدْيَ الْمُسَاقَ إلَى الْحَرَمِ فِي الطَّرِيقِ أَيْ عَجَزَ عَنْ الْمَشْيِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى حَمْلِهِ فَإِنْ كَانَ وَاجِبًا مُعَيَّنًا وَجَبَ ذَبْحُهُ فِي مَحَلِّ عَضْبِهِ وَتَفْرِقَةُ جَمِيعِهِ عَلَى أَهْلِهِ أَوْ مُعَيَّنًا عَمَّا فِي الذِّمَّةِ فَلَهُ أَكْلُهُ وَيَجِبُ إبْدَالُهُ أَوْ مَنْدُوبًا فَلَهُ أَكْلُهُ بِلَا إبْدَالٍ.
بَابُ الْإِحْصَارِ وَالْفَوَاتِ أَيْ بَيَانُهُمَا وَحُكْمُهُمَا وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمَا وَالْإِحْصَارُ لُغَةً الْمَنْعُ مِنْ أَحَصَرَهُ وَحَصَرَهُ. وَالْأَوَّلُ فِي الْمَرَضِ أَشْهَرُ وَالثَّانِي فِي الْعَدُوِّ أَشْهَرُ، وَوَقْعُ الْأَوَّلُ فِي الْقُرْآنِ لِلْعَدُوِّ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْفَصَاحَةِ. وَشَرْعًا الْمَنْعُ مِنْ النُّسُكِ ابْتِدَاءً أَوْ دَوَامًا كُلًّا أَوْ بَعْضًا وَالْفَوَاتُ لُغَةً عَدَمُ إدْرَاكِ الشَّيْءِ وَشَرْعًا هُنَا عَدَمُ إدْرَاكِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ. وَأَسْبَابُ الْحَصْرِ سِتَّةٌ الْعَدُوُّ وَالْمَرَضُ وَالسِّيَادَةُ وَالزَّوْجِيَّةُ.
وَذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْلِيَّةُ وَالدِّينِيَّةُ فَيُنْدَبُ لِلْفَرْعِ وَإِنْ سَفَلَ اسْتِئْذَانُ جَمِيعِ أُصُولِهِ وَلَوْ كُفَّارًا أَوْ أَرِقَّاءَ فِي أَدَاءِ النُّسُكِ، وَلَوْ فَرْضًا وَلِكُلٍّ مِنْهُمْ مَنْعُهُ مِنْهُ إحْرَامًا وَسَفَرًا وَتَحْلِيلُهُ بَعْدَ إحْرَامِهِ إنْ كَانَ تَطَوُّعًا إلَّا إنْ كَانَ مُسَافِرًا مَعَهُ، أَوْ كَانَ سَفَرُهُ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّحَلُّلُ بِأَمْرِهِ بِمَا يَأْتِي. وَيُنْدَبُ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ اسْتِئْذَانُ دَائِنِهِ وَإِنْ قَلَّ الدَّيْنُ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ السَّفَرُ بِدُونِ عِلْمِ رِضَاهُ أَوْ قَضَائِهِ. وَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ الْخُرُوجِ وَلَوْ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَامْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهِ بَعْدَ طَلَبِهِ إنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا وَهُوَ مُوسِرٌ، وَإِنْ فَاتَهُ النُّسُكُ وَلَيْسَ لَهُ نَائِبٌ فِي قَضَائِهِ لِتَعَدِّيهِ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ كَمَا لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْإِحْرَامِ مُطْلَقًا. وَإِذَا فَاتَهُ الْحَجُّ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّحَلُّلُ إلَّا بِإِتْيَانِ مَكَّةَ وَإِعْمَالِ الْعُمْرَةِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ بِتَعَدِّيهِ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَعَدٍّ كَأَنْ حُبِسَ ظُلْمًا تَحَلَّلَ كَغَيْرِهِ بِمَا يَأْتِي وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (لِلْحَجِّ) مُتَعَلِّقٌ بِالْفَوَاتِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (عَنْ إتْمَامِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ) عَبَّرَ بِالْإِتْمَامِ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ تَحَلَّلَ فَهُوَ مَسْبُوقٌ بِالْإِحْرَامِ
ــ
[حاشية عميرة]
مِنْهُ؟ قُلْت نَعَمْ هُوَ كَأُضْحِيَّةِ التَّطَوُّعِ. قَوْلُهُ: (إلَّا بِالنَّذْرِ) اُنْظُرْ هَلْ يَكْفِي فِيهِ التَّعْيِينُ كَالْأُضْحِيَّةِ؟ . ثُمَّ الْهَدْيُ إنْ غُصِبَ فِي الطَّرِيقِ نَحَرَهُ، فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا أَوْ عَيْنًا عَمَّا فِي الذِّمَّةِ جَازَ أَكْلُ الْجَمِيعِ، وَيُبْدِلُ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ عِنْدَ بُلُوغِ الْحَرَمِ، وَإِنْ كَانَ مُعَيِّنًا ابْتِدَاءً حُرِّمَ عَلَيْهِ، وَعَلَى أَهْلِ الْقَافِلَةِ وَلَهُ فُقَرَاءُ بَلْ يَتْرُكُهُ لِأَهْلِ الْمَوْضِعِ الَّذِي عَضَبَ فِيهِ.
[بَابُ الْإِحْصَارِ وَالْفَوَاتِ لِلْحَجِّ]
بَابُ الْإِحْصَارِ وَالْفَوَاتِ إلَخْ قَوْلُهُ: (الْإِحْصَارُ) يُقَالُ عَلَى الْمَشْهُورِ حَصَرَهُ الْعَدُوُّ، وَأَحْصَرَهُ الْمَرَضُ، وَيُقَالُ: هُمَا فِيهِمَا وَفِي الِاصْطِلَاحِ الْمَنْعُ عَنْ إتْمَامِ أَرْكَانِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ. قَوْلُهُ: (لِلْحَجِّ) كَذَلِكَ يُتَصَوَّرُ فَوَاتُ الْعُمْرَةِ تَبَعًا لِلْحَجِّ فِي حَقِّ الْقَارِنِ. قَوْلُهُ: (عَنْ إتْمَامِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ) أَيْ إتْمَامِ أَرْكَانِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَفِي كَلَامِهِ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ، إذْ لَوْ حُصِرَ عَنْ الرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ جَبَرَهُمَا بِدَمٍ مَعَ تَمَامِ الْأَرْكَانِ، وَتَمَّ حَجُّهُ، وَيَنْبَغِي بِأَنْ يَتَوَقَّفَ التَّحَلُّلُ التَّامُّ عَلَى هَذَا الدَّمِ أَيْضًا.
(تَحَلَّلَ) أَيْ جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ وَسَيَأْتِي مَا يَحْصُلُ بِهِ قَالَ تَعَالَى {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} [البقرة: 196] أَيْ وَأَرَدْتُمْ التَّحَلُّلَ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهُدَى، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَحَلَّلَ بِالْحُدَيْبِيَةِ لَمَّا صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ وَكَانَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ» وَسَوَاءٌ أُحْصِرَ الْكُلُّ أَمْ الْبَعْضُ (وَقِيلَ لَا تَتَحَلَّلُ الشِّرْذِمَةُ) بِالْمُعْجَمَةِ مِنْ جُمْلَةِ الرُّفْقَةِ لِاخْتِصَاصِهَا بِالْإِحْصَارِ كَمَا لَوْ أَخْطَأَتْ الطَّرِيقَ أَوْ مَرِضَتْ وَدُفِعَ بِأَنَّ مَشَقَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ الَّتِي جَازَ التَّحَلُّلُ لَهَا لَا تَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَتَحَمَّلَ غَيْرُهُ مِثْلَهَا أَوْ لَا ثُمَّ إنْ كَانَ الْوَقْتُ لِلْحَجِّ وَاسِعًا فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يُعَجِّلَ التَّحَلُّلَ فَرُبَّمَا زَالَ الْمَنْعُ فَأَتَمَّ الْحَجَّ وَمِثْلُهُ الْعُمْرَةُ، وَإِلَّا فَالْأَفْضَلُ تَعْجِيلُ التَّحَلُّلِ لِئَلَّا يَفُوتَ الْحَجُّ وَلَوْ مَنَعُوا وَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ الْمُضِيِّ إلَّا بِبَذْلِ مَالٍ فَلَهُمْ أَنْ يَتَحَلَّلُوا وَلَا يَبْذُلُوا الْمَالَ وَإِنْ قَلَّ إذْ لَا يَجِبُ احْتِمَالُ الظُّلْمِ فِي أَدَاءِ الْحَجِّ وَمِثْلُهُ الْعُمْرَةُ وَلَوْ مُنِعُوا مِنْ الرُّجُوعِ أَيْضًا جَازَ لَهُمْ التَّحَلُّلُ فِي الْأَصَحِّ (وَلَا تَحَلُّلَ بِالْمَرَضِ) لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ زَوَالَ الْمَرَضِ بِخِلَافِ التَّحَلُّلِ بِالْإِحْصَارِ بَلْ يَصْبِرُ حَتَّى يَبْرَأَ فَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ أَتَمَّهَا أَوْ بِحَجٍّ وَفَاتَهُ تَحَلَّلَ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ (فَإِنْ شَرَطَهُ) أَيْ التَّحَلُّلَ بِالْمَرَضِ أَيْ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ إذَا مَرِضَ (تَحَلَّلَ بِهِ) أَيْ بِسَبَبِ الْمَرَضِ (عَلَى الْمَشْهُورِ) وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ لَا يَجُوزُ
ــ
[حاشية قليوبي]
وَإِلَّا فَقَدْ يَكُونُ الْمَنْعُ عَنْ ابْتِدَائِهِ كَمَا يَأْتِي، ثُمَّ إنْ كَانَ الْمَنْعُ مِنْ الْوُقُوفِ هُوَ مِنْ الْفَوَاتِ الْآتِي أَوْ كَانَ مِنْ الطَّوَافِ أَوْ السَّعْيِ فَلَا آخِرَ لِوَقْتِهِمَا كَمَا مَرَّ. فَيَأْتِي بِهِمَا مَتَى شَاءَ فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ فِعْلُهُمَا تَحَلَّلَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْمَنْعُ مِنْ التَّقْصِيرِ أَوْ كَانَ مِنْ الرَّمْيِ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ عَنْهُ أَوْ مِنْ الْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ أَوْ مِنًى لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يَسْقُطُ بِالْعُذْرِ وَظَاهِرُ شَرْحِ شَيْخِنَا لُزُومُ الْفِدْيَةِ فِيهِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ:(أَيْ مَنَعَهُ عَنْ ذَلِكَ) أَيْ الْإِتْمَامَ عَدُوٌّ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْحَصْرَ هُنَا بِالْعَدُوِّ لِأَنَّ غَيْرَهُ سَيَأْتِي وَسَوَاءٌ مَنَعَهُ مَعَ ذَلِكَ مِنْ الرُّجُوعِ أَيْضًا أَوْ لَا. قَوْلُهُ:(تَحَلَّلَ) وَإِنْ فَاتَ إحْيَاءُ الْكَعْبَةِ فِي ذَلِكَ الْعَامِ. قَوْلُهُ: (أَيْ جَازَ) فَلَا يَجِبُ فَوْرًا كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: «تَحَلَّلَ بِالْحُدَيْبِيَةِ» ) حِينَ هَمَّ بِالدُّخُولِ مِنْهَا إلَى مَكَّةَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَتَحَلَّلَ مَعَهُ أَصْحَابُهُ وَسَيَأْتِي عِدَّتُهُمْ.
فَائِدَةٌ: قَالَ السُّهَيْلِيُّ: إنَّ الصَّحَابَةَ لَمَّا حَلَقُوا رُءُوسَهُمْ بِالْحُدَيْبِيَةِ جَاءَ رِيحٌ حَمَلَتْ شُعُورَهُمْ وَأَلْقَتْهَا فِي الْحَرَمِ فَاسْتَبْشَرُوا بِقَبُولِ عُمْرَتِهِمْ انْتَهَى. قَوْلُهُ: (وَكَانَ مُحْرِمًا) هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْعُمْرَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ مِيقَاتِ الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ.
قَوْلُهُ: (مِنْ جُمْلَةِ الرُّفْقَةِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ الْحَصْرُ لِبَعْضِ الْحُجَّاجِ وَلَيْسَتْ الشِّرْذِمَةُ قَيْدًا وَلَيْسَتْ هِيَ جَمِيعُ الْحُجَّاجِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ إنْ كَانَ إلَخْ) أَيْ إذَا كَانَ وَقْتُ الْوُقُوفِ مُسْتَقْبَلًا بِزَمَانٍ وَاسِعٍ يَرْجُونَ إدْرَاكَهُ فَالْأَفْضَلُ الصَّبْرُ إلَيْهِ، بَلْ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِمْ إدْرَاكُهُ بَعْدَ الْحَصْرِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ الصَّبْرُ. قَوْلُهُ:(وَمِثْلُهُ الْعُمْرَةُ) مِنْ حَيْثُ أَفْضَلِيَّةُ الصَّبْرِ فِيهَا لِأَنَّ وَقْتَهَا وَاسِعٌ بَلْ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِمْ إدْرَاكُهَا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَجَبَ الصَّبْرُ. قَوْلُهُ: (لِئَلَّا يَفُوتَ الْحَجُّ) لَوْ قَالَ لِأَنَّ فِي مُصَابَرَةِ الْإِحْرَامِ مَعَ التَّرَدُّدِ فِي إدْرَاكِهِ النُّسُكَ فِيهِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (فَلَهُمْ إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ بَذْلُ الْمَالِ بَلْ يُكْرَهُ لِكُفَّارٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الصِّغَارِ، وَمِثْلُ بَذْلِ الْمَالِ الْقِتَالُ، نَعَمْ إنْ كَانَ فِيهِمْ قُوَّةٌ كَقِتَالِ الْكُفَّارِ نُدِبَ لَهُمْ لِيَنَالُوا ثَوَابَ الْجِهَادِ وَالْحَجِّ. قَوْلُهُ:(وَإِنْ قَلَّ) أَيْ لَا يَلْزَمُهُمْ بَذْلُ الْمَالِ وَلَوْ قَلِيلًا نَعَمْ لَا عِبْرَةَ بِنَحْوِ دِرْهَمٍ أَوْ دِرْهَمَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُنِعُوا مِنْ الرُّجُوعِ أَيْضًا جَازَ لَهُمْ التَّحَلُّلُ فِي الْأَصَحِّ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ.
تَنْبِيهٌ: هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا مُنِعُوا مِنْ جَمِيعِ الطُّرُقِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ، فَلَوْ مُنِعُوا مِنْ طَرِيقٍ دُونَ غَيْرِهِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ سُلُوكُ ذَلِكَ الْغَيْرِ، وَإِنْ كَانَ أَطْوَلَ وَأَشَقَّ. وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ التَّحَلُّلُ، ثُمَّ إنْ كَانَ مِثْلَ الْأَوَّلِ أَوْ دُونَهُ طُولًا وَسُهُولَةً وَفَاتَهُمْ الْحَجُّ فِيهِ لَزِمَهُمْ الْقَضَاءُ كَمَا لَوْ صَابَرُوا الْإِحْرَامَ غَيْرَ مُتَوَقِّعِينَ زَوَالَ الْحَصْرِ قَبْلَهُ وَإِلَّا فَلَا قَضَاءَ كَمَا لَوْ صَابَرُوا الْإِحْرَامَ مُتَوَقِّعِينَ زَوَالَهُ. قَوْلُهُ:(وَلَا تَحَلُّلَ بِالْمَرَضِ) أَيْ لَا يَجُوزُ فِي الْحَجِّ قَبْلَ الْفَوَاتِ وَلَا فِي الْعُمْرَةِ مُطْلَقًا، وَمِثْلُ الْمَرَضِ نَفَادُ النَّفَقَةِ وَإِضْلَالُ الطَّرِيقِ وَخَطَأُ الْعَدَدِ وَالْحَبْسِ لِدَيْنٍ هُوَ مُوسِرٌ بِهِ وَفِي الْمُعْسِرِ مَا مَرَّ. قَوْلُهُ:(فَإِنْ شَرَطَهُ) أَيْ ذَكَرَ بِلَفْظِهِ حَالَةَ إحْرَامِهِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إنَّهُ تَحَلَّلَ إذَا مَرِضَ
ــ
[حاشية عميرة]
فَرْعٌ: لَوْ حُبِسَ ظُلْمًا أَوْ كَانَ مُعْسِرًا وَلَا بَيِّنَةَ سَاغَ التَّحَلُّلُ كَالْحَصْرِ الْعَامِّ. قَوْلُهُ: (لَمَّا صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ إلَخْ) هَذَا فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَالِكٍ رحمه الله حَيْثُ قَالَ: بِعَدَمِ التَّحَلُّلِ فِي الْعُمْرَةِ لَسَعَةِ وَقْتِهَا. قَوْلُهُ: (مِنْ جُمْلَةِ الرُّفْقَةِ إلَخْ) هَذَا وَكَذَا قَوْلُهُ الْآتِي وَادْفَعْ بِهَدْيِك إلَى أَنَّ مَحَلَّ هَذَا الْوَجْهِ إذَا كَانَ الْحَصْرُ لِبَعْضٍ مِنْ الْجَمَاعَةِ وَفِيهَا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ زَوَالَ الْمَرَضِ) مِنْهُ تَعْلَمُ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَصْرِ الشِّرْذِمَةِ الْيَسِيرَةِ. نَعَمْ قَدْ يَرُدُّ عَلَى التَّعْلِيلِ مَا لَوْ أُحْصِرَ حَتَّى عَنْ الرُّجُوعِ، يَرُدُّ بِأَنَّهُمْ اسْتَفَادُوا إلَّا مِنْ الْعَدُوِّ الَّذِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ. قَوْلُ الْمَتْنِ:(فَإِنْ شَرَطَهُ) أَيْ فِي أَوَّلِ إحْرَامِهِ. قَوْلُهُ: (أَيْ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ إذَا مَرِضَ) لَوْ شَرَطَ أَنْ يَقْلِبَ حَجَّهُ عُمْرَةً كَانَ
الْخُرُوجُ مِنْهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ فَلَا يَجُوزُ بِالشَّرْطِ كَالصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ، وَاسْتَدَلَّ الْأَوَّلُ بِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ لَهَا أَرَدْت الْحَجَّ قَالَتْ وَاَللَّهِ مَا أَجِدُنِي إلَّا وَجِعَةً فَقَالَ حُجِّي وَاشْتَرِطِي، وَقُولِي اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي» وَمَا قِيلَ مِنْ جِهَةِ الْقَوْلِ الْآخَرِ إنَّهُ مَخْصُوصٌ بِضُبَاعَةَ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَتُقَاسُ الْعُمْرَةُ بِالْحَجِّ وَلَوْ قَالَ إذَا مَرِضْت فَأَنَا حَلَالٌ صَارَ حَلَالًا بِنَفْسِ الْمَرَضِ وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ التَّحَلُّلِ
(وَمَنْ تَحَلَّلَ) أَيْ أَرَادَ التَّحَلُّلَ أَيْ الْخُرُوجَ مِنْ النُّسُكِ بِالْإِحْصَارِ (ذَبَحَ) لُزُومًا لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ (شَاةً حَيْثُ أُحْصِرَ) مِنْ حِلٍّ أَوْ حَرَمٍ وَفَرَّقَ لَحْمَهَا عَلَى مَسَاكِينِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَيُقَاسُ بِهِمْ فُقَرَاؤُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ إذَا أُحْصِرَ فِي الْحِلِّ أَنْ يَبْعَثَ بِهَا إلَى الْحَرَمِ فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم ذَبَحَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَهِيَ مِنْ الْحِلِّ وَيَقُومُ مَقَامَ الشَّاةِ بَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ سُبْعُ إحْدَاهُمَا وَلَا يَسْقُطُ الدَّمُ إذَا شَرَطَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ إذَا أُحْصِرَ وَقِيلَ مُسْقَطٌ فِي ذَلِكَ وَقُوَّةُ الْكَلَامِ تُعْطِي حُصُولَ التَّحَلُّلِ بِالذَّبْحِ. (قُلْت) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (إنَّمَا يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بِالذَّبْحِ وَنِيَّةِ التَّحَلُّلِ) عِنْدَهُ لِاحْتِمَالِهِ لِغَيْرِ التَّحَلُّلِ (وَكَذَا الْحَلْقُ إنْ جَعَلْنَاهُ نُسُكًا) وَهُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا تَقَدَّمَ وَيَنْوِي عِنْدَهُ التَّحَلُّلَ أَيْضًا لِمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ فِي تَحَلُّلِ الْعَبْدِ كَمَا سَيَأْتِي مِنْ غَيْرِ تَنْبِيهٍ عَلَى زِيَادَتِهِ وَإِنْ قُلْنَا الْحَلْقُ لَيْسَ بِنُسُكٍ وَأَسْقَطْنَا الدَّمَ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ حَصَلَ التَّحَلُّلُ فِيهَا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ (فَإِنْ فُقِدَ الدَّمُ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ لَهُ بَدَلًا) كَمَا فِي دَمِ التَّمَتُّعِ وَغَيْرِهِ
ــ
[حاشية قليوبي]
يَتَحَلَّلُ. صَوَّرَهُ بِذَلِكَ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ تَحَلَّلَ. فَلَوْ قَالَ: إنَّهُ يَصِيرُ حَلَالًا لَمْ يَحْتَجْ إلَى تَحَلُّلٍ وَلَوْ شَرَطَ أَنَّهُ يَقْلِبُ حَجَّهُ عُمْرَةً فَلَهُ قَلْبُهُ أَوْ أَنَّهُ يَنْقَلِبُ حَجُّهُ عُمْرَةً انْقَلَبَ مِنْ غَيْرِ قَلْبٍ، وَتَكْفِيهِ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ شَرَطَ مَعَ ذَلِكَ هَدْيًا لَزِمَهُ وَإِلَّا كَفَاهُ الْحَلْقُ وَالنِّيَّةُ كَمَا يَأْتِي. وَمَثَّلَ بِالْمَرَضِ فِي الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ مَا أَلْحَقَ بِهِ مِمَّا مَرَّ وَيَكْفِي فِي الْمَرَضِ مَشَقَّةٌ لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً كَمَا اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (ضُبَاعَةَ) بِضَمِّ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ ثُمَّ هَاءٌ بِنْتُ الزُّبَيْرِ ابْنِ عَمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَتَلَهُ الْحَجَّاجُ أَخُوهَا مِنْ أَبِيهَا وَأُمُّهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ الصِّدِّيقِ رضي الله عنها وَلَهَا أَخٌ شَقِيقٌ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ أَيْضًا قُتِلَ فِي أُحُدٍ. قَوْلُهُ: «مَا أَجِدُنِي إلَّا وَجِعَةً» ) أَيْ مُتَوَقِّعَةً لِحُصُولِ وَجَعٍ مُسْتَقْبَلٍ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: «حُجِّي وَاشْتَرِطِي» ) أَيْ انْوِي الْحَجَّ وَاشْتَرِطِي التَّحَلُّلَ بِالْمَرَضِ إذَا حَصَلَ. قَوْلُهُ: (وَقُولِي إلَخْ) هُوَ تَفْسِيرٌ لِلشَّرْطِ وَمَحِلِّي بِكَسْرِ الْحَاءِ بِمَعْنَى التَّحَلُّلِ لَا بِمَعْنَى أَصِيرُ حَلَالًا وَإِنْ احْتَمَلَتْهُ الْعِبَارَةُ لِمَا يَأْتِي. وَضَمِيرُ حَبَسَتْنِي بِتَاءِ التَّأْنِيثِ السَّاكِنَةِ عَائِدٌ لِلْعِلَّةِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَالَ إذَا مَرِضْت فَإِنَّمَا حَلَالٌ صَارَ حَلَالًا بِنَفْسِ الْمَرَضِ) وَأَوْرَدَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ وَلَمْ يَجْعَلْ الْحَدِيثَ شَامِلًا لَهُ. قَوْلُهُ: (بِالْإِحْصَارِ) لَا بِالْمَرَضِ لِأَنَّهُ لَا ذَبْحَ فِيهِ إلَّا بِشَرْطِهِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَفَرَّقَ لَحْمَهَا) وَكَذَا بَقِيَّةَ أَجْزَائِهَا كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (ذَلِكَ الْمَوْضِعِ) أَيْ مَوْضِعِ الْحَصْرِ وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ فِي الْحِلِّ. وَيَجُوزُ نَقْلُهُ إلَى الْحَرَمِ، وَلَا يَجِبُ كَمَا ذَكَرَهُ وَيَجُوزُ لِمَنْ أُحْصِرَ فِي الْحَرَمِ نَقْلُهُ لِأَيِّ مَكَان مِنْهُ. قَوْلُهُ:(وَيَقُومُ مَقَامَ الشَّاةِ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً) لَكِنْ تَقَدَّمَ عَنْ شَيْخِنَا أَنَّ مَا زَادَ عَلَى سُبْعِهَا يَقَعُ تَطَوُّعًا. قَوْلُهُ: (وَلَا يَسْقُطُ إلَخْ) أَيْ سُكُوتُهُ عَنْ شَرْطِ الذَّبْحِ حَالَ نِيَّةِ الْإِحْرَامِ لَا يُسْقِطُهُ بَلْ يَسْقُطُ بِنَفْيِهِ أَيْضًا بِخِلَافِ الْمَرَضِ فِيهِمَا كَمَا عُلِمَ. قَوْلُهُ: (وَقُوَّةُ الْكَلَامِ إلَخْ) أَيْ كَلَامِ الْمُحَرَّرِ تُفِيدُ أَنَّ التَّحَلُّلَ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الذَّبْحِ وَحْدَهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ مَعَهُ وَمِنْ الْحَلْقِ وَالنِّيَّةِ مَعَهُ أَيْضًا وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الذَّبْحِ عَلَى الْحَلْقِ. قَوْلُهُ:(وَالْأَظْهَرُ إلَخْ) أَيْ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ دَمَ الْإِحْصَارِ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ، وَيَتَوَقَّفُ التَّحَلُّلُ فِيهِ عَلَى
ــ
[حاشية عميرة]
أَوْلَى بِالصِّحَّةِ إذَا مَرِضَ، وَيُجْزِئُهُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ. قَوْلُهُ:(إنَّهُ مَخْصُوصٌ بِضُبَاعَةَ) أَجَابَ الْإِمَامُ بِحَمْلِ الْحَبْسِ عَلَى الْمَوْتِ. قَوْلُهُ: (أَيْ أَرَادَ) أَوَّلَهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ الذَّبْحَ يَكُونُ قَبْلَ التَّحَلُّلِ. قَوْلُهُ: (وَيُقَاسُ بِهِمْ إلَخْ) اُنْظُرْ مَا وَجْهُ الْمَسَاكِينِ أَصْلًا مَعَ عَدَمِ وُرُودِ النَّصِّ فِيهِمْ هُنَا، وَكَأَنَّهُ نَظَرَ إلَى ذِكْرِهِمْ فِي آيَةِ جَزَاءِ الصَّيْدِ، وَحَدِيثُ كَفَّارَةِ الْحَلْقِ وَفِيهِ نَظَرٌ. قَوْلُهُ:(أَنْ يَبْعَثَ بِهَا إلَخْ) كَذَا لَا يَلْزَمُهُ الذَّبْحُ بِالْحَرَمِ، وَإِنْ أَمْكَنَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَذْبَحَ فِي غَيْرِ مَكَانِ الْإِحْصَارِ مِنْ الْحِلِّ، وَنَظِيرُهُ مَنْعُ الْمُتَنَقِّلِ مِنْ التَّوَجُّهِ فِي النَّفْلِ لِغَيْرِ مَقْصِدِهِ، قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَالْأَوْلَى بَعْثُهُ إلَى الْحَرَمِ. قَوْلُهُ (إنَّهُ يَتَحَلَّلُ إذَا أُحْصِرَ) زَادَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَإِنْ شُرِطَ نَفْيُهُ.
قَوْلُهُ: (لِاحْتِمَالِهِ لِغَيْرِ التَّحَلُّلِ) اعْلَمْ أَنَّ النِّيَّةَ اُعْتُبِرَتْ هُنَا وَلَمْ تُعْتَبَرْ فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا التَّحَلُّلُ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، الثَّانِي شُمُولُ نِيَّةِ الْحَجِّ أَوَّلًا لِأَفْعَالِهِ بِخِلَافِ الذَّبْحِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهَا، وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ التَّحَلُّلُ
وَالثَّانِي لَا يَدُلُّ لَهُ لِعَدَمِ وُرُودِهِ بِخِلَافِ دَمِ التَّمَتُّعِ (وَ) الْأَظْهَرُ عَلَى الْأَوَّلِ (أَنَّهُ) أَيْ بَدَلَهُ (طَعَامٌ بِقِيمَةِ الشَّاةِ فَإِنْ عَجَزَ) عَنْهُ (صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَلَهُ) إذَا انْتَقَلَ إلَى الصَّوْمِ (التَّحَلُّلُ فِي الْحَالِ فِي الْأَظْهَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) بِالْحَلْقِ وَالنِّيَّةِ عِنْدَهُ وَمُقَابِلُهُ يَتَوَقَّفُ التَّحَلُّلُ عَلَى الصَّوْمِ كَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الطَّعَامِ وَفَرْقُ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الصَّوْمَ يَطُولُ زَمَانُهُ فَتَعْظُمُ الْمَشَقَّةُ فِي الصَّبْرِ عَلَى الْإِحْرَامِ إلَى فَرَاغِهِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي بَدَلُ الدَّمِ الطَّعَامُ فَقَطْ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ أَوْ ثَلَاثَةُ آصُعٍ لِسِتَّةِ مَسَاكِينَ كَالْحَلْقِ وَجْهَانِ وَالثَّالِثُ بَدَلُهُ الصَّوْمُ فَقَطْ وَهُوَ عَشْرَةُ أَيَّامٍ كَصَوْمِ التَّمَتُّعِ أَوْ ثَلَاثَةٌ كَصَوْمِ الْحَلْقِ أَوْ مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ التَّعْدِيلُ بِالْإِمْدَادِ كَمَا تَقَدَّمَ أَقْوَالٌ وَوَجْهُ تَرْجِيحِ الْأَوَّلِ مِنْ أَقْوَالِ الْبَدَلِ اشْتِمَالُهُ عَلَى الطَّعَامِ وَالصِّيَامِ.
(وَإِذَا أَحْرَمَ الْعَبْدُ بِلَا إذْنٍ فَلِسَيِّدِهِ تَحْلِيلُهُ) لِأَنَّ تَقْرِيرَهُ عَلَى الْإِحْرَامِ يُعَطِّلُ مَنَافِعَهُ عَلَيْهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي إتْمَامِ النُّسُكِ فَإِحْرَامُهُ مُنْعَقِدٌ وَالْمُرَادُ بِتَحْلِيلِ السَّيِّدِ لَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالتَّحَلُّلِ فَيَجُوزُ لَهُ حِينَئِذٍ فَيَحْلِقُ وَيَنْوِي التَّحَلُّلَ وَإِنْ مَلَّكَهُ السَّيِّدُ شَاةً وَقُلْنَا بِالْمَرْجُوحِ أَنَّهُ يَمْلِكُ؛ ذَبَحَ وَنَوَى التَّحَلُّلَ وَحَلَقَ وَنَوَى التَّحَلُّلَ وَإِنْ أَحْرَمَ بِإِذْنِ السَّيِّدِ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَحْلِيلُهُ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْإِحْرَامِ ثُمَّ رَجَعَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْعَبْدُ فَأَحْرَمَ فَلَهُ تَحْلِيلُهُ فِي الْأَصَحِّ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ كَالْقِنِّ (وَلِلزَّوْجِ تَحْلِيلُهَا) أَيْ زَوْجَتِهِ (مِنْ حَجِّ تَطَوُّعٍ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ
ــ
[حاشية قليوبي]
الذَّبْحِ أَوْ الْإِطْعَامِ لَا عَلَى الصَّوْمِ. قَوْلُهُ: (وَجْهَانِ) أَيْ عَلَى الْمَرْجُوحِ أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ. قَوْلُهُ: (أَقْوَالٌ) أَيْ عَلَى الْمَرْجُوحِ أَرْجَحُهَا الثَّالِثُ. قَوْلُهُ: (وَوَجْهُ تَرْجِيحِ الْأَوَّلِ) وَهُوَ الْأَظْهَرُ الْمَبْنِيُّ عَلَى الْأَظْهَرِ قَبْلَهُ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا أَحْرَمَ الْعَبْدُ) بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلْأُمَّةِ خِلَافًا لِلْإِمَامِ كَمَا يَأْتِي وَالْمُرَادُ مَنْ فِيهِ رِقٌّ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (فَلِسَيِّدِهِ) وَلَوْ أُنْثَى أَوْ لِوَلِيِّهِ فِي الْمَحْجُورِ، سَوَاءٌ مِمَّنْ أَحْرَمَ فِي مِلْكِهِ، أَوْ مَنْ طَرَأَ مِلْكُهُ لَهُ كَأَنْ اشْتَرَاهُ عَالِمًا بِالْإِحْرَامِ أَوْ أَجَازَ الْعَقْدَ. نَعَمْ لَوْ نَذَرَ نُسُكًا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَأَحْرَمَ بِهِ ثُمَّ بَاعَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي تَحْلِيلُهُ. قَوْلُهُ:(وَالْأَوْلَى أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الْإِتْمَامِ) بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُحَلِّلُهُ. قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ إلَخْ) أَيْ مَعْنَى تَحْلِيلِ السَّيِّدِ لَهُ أَمْرُهُ بِهِ لَا قَطْعُ نِيَّتِهِ، وَلَا مَنْعُهُ عَنْ السَّفَرِ مَثَلًا. قَوْلُهُ:(فَيَجُوزُ) أَيْ يَجِبُ بِأَمْرِهِ وَيَجُوزُ قَبْلَهُ وَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ التَّحَلُّلِ فَلِسَيِّدِهِ اسْتِخْدَامُهُ فِي مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ وَلَوْ جِمَاعًا وَالْإِثْمُ وَالْفِدَاءُ وَالْقَضَاءُ عَلَيْهِ لَا عَلَى السَّيِّدِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِذْنُ لَهُ فِي الْقَضَاءِ، وَفِدَاؤُهُ بِالصَّوْمِ وَلِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْهُ، وَلِسَيِّدِهِ الْفِدَاءُ عَنْهُ بِالذَّبْحِ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا فِي حَيَاتِهِ. قَوْلُهُ:(فَيَحْلِقُ وَيَنْوِي) فَلَا يَتَوَقَّفُ تَحَلُّلُهُ عَلَى الصَّوْمِ كَالْحُرِّ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَحْرَمَ بِإِذْنِ السَّيِّدِ) سَوَاءٌ أَطْلَقَ لَهُ فِي الْإِذْنِ أَوْ لَا وَلَهُ فِيهِ أَنْ يُحْرِمَ بِمَا شَاءَ فَإِنْ ادَّعَى السَّيِّدُ إرَادَةَ غَيْرِ مَا أَحْرَمَ بِهِ صَدَقَ السَّيِّدُ إنْ كَانَ الَّذِي أَرَادَهُ دُونَ مَا أَرَادَ الْعَبْدُ، وَإِلَّا صَدَقَ الْعَبْدُ أَوْ قَيَّدَ لَهُ بِزَمَانٍ وَأَحْرَمَ فِيهِ فَإِنْ أَحْرَمَ قَبْلَهُ فَلَهُ تَحْلِيلُهُ قَبْلَ دُخُولِهِ لَا فِيهِ أَوْ قَيَّدَ لَهُ بِنَوْعٍ. وَوَافَقَهُ فِيهِ كَإِفْرَادٍ أَوْ تَمَتُّعٍ فَإِنْ خَالَفَهُ فَلَهُ تَحْلِيلُهُ إنْ كَانَ مَا أَذِنَ فِيهِ دُونَ مَا أَحْرَمَ بِهِ، كَأَنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْعُمْرَةِ فَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَإِلَّا فَلَا كَأَنْ أَذِنَ لَهُ فِي حَجٍّ فَقَرَنَ، أَوْ فِي تَمَتُّعٍ فَأَفْرَدَ، أَوْ فِي قِرَانٍ فَتَمَتَّعَ، قَالَهُ شَيْخُنَا فَتَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ:(لَمْ يَكُنْ لَهُ) أَيْ لِسَيِّدِهِ تَحْلِيلُهُ وَإِنْ طَرَأَ مِلْكُهُ وَلَهُ الْخِيَارُ.
تَنْبِيهٌ: إذْنُهُ لَهُ فِي الْإِتْمَامِ كَالِابْتِدَاءِ، فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِيهِ لِظَنِّهِ مُعْتَمِرًا فَبَانَ حَاجًّا فَيَظْهَرُ تَصْدِيقُ السَّيِّدِ. قَوْلُهُ:(ثُمَّ رَجَعَ) أَيْ رَجَعَ السَّيِّدُ عَنْ الْإِذْنِ قَبْلَ إحْرَامِ الْعَبْدِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي أَنَّ إحْرَامَهُ قَبْلَ الرُّجُوعِ أَوْ بَعْدَهُ فَكَمَا فِي الرَّجْعَةِ وَلَوْ أَنْكَرَ السَّيِّدُ أَصْلَ الْإِذْنِ صَدَقَ. قَوْلُهُ:(وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ كَالْقِنِّ) نَعَمْ إنْ كَانَتْ مُهَايَأَةً وَوَقَعَ جَمِيعُ أَعْمَالِ الْحَجِّ فِي نَوْبَةِ الْعَبْدِ فَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ تَحْلِيلُهُ.
ــ
[حاشية عميرة]
عَلَى الْحَلْقِ أَيْضًا لِأَنَّهُ رُكْنٌ قَدَرَ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ، وَأَمَّا اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ عِنْدَهُ فَلَا يَأْتِي إلَّا عَلَى التَّوْجِيهِ الْأَوَّلِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ صَنِيعِ الشَّارِحِ رحمه الله، ثُمَّ رَأَيْت مَعْنًى ثَالِثًا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، وَهُوَ أَنَّ الْمُحْصَرَ يُرِيدُ الْخُرُوجَ مِنْ الْأَفْعَالِ قَبْلَ كَمَالِهَا، فَاحْتَاجَ إلَى نِيَّةٍ كَالصَّائِمِ إذَا مَرِضَ وَأَرَادَ الْفِطْرَ. قَوْلُ الْمَتْنِ:(فَإِنْ فَقَدَ الدَّمَ) أَيْ حِسًّا أَوْ شَرْعًا وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ. قَوْلُهُ: (الطَّعَامُ فَقَطْ) أَيْ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْحَيَوَانِ مِنْ الصِّيَامِ لِاشْتِرَاكِهَا فِي الْمَالِيَّةِ، فَكَانَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ أَوْلَى وَقَوْلُهُ: وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ أَيْ لِأَنَّا اعْتَبَرْنَا الْقُرْبَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الطَّعَامَ بِقَدْرِ قِيمَةِ الْهَدْيِ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ اعْتِبَارِ ثَلَاثَةِ آصُعٍ، وَقَوْلُهُ: أَوْ ثَلَاثَةُ آصُعٍ أَيْ فِي فِدْيَةِ الْحَلْقِ، وَقَوْلُهُ: وَالثَّالِثُ بَدَلُهُ الصَّوْمُ فَقَطْ أَيْ قِيَاسًا عَلَى التَّمَتُّعِ لِأَنَّهُ التَّحَلُّلُ وَالتَّمَتُّعُ شَرْعًا تَخْفِيفًا وَتَرَفُّهًا وَاشْتَرَكَا فِي تَرْكِ بَعْضِ النُّسُكِ، وَقَوْلُهُ: وَالثَّالِثُ بَدَلُهُ الصَّوْمُ فَقَطْ وَهُوَ عَشْرَةُ أَيَّامٍ الظَّاهِرُ أَنَّ التَّحَلُّلَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الصَّوْمِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (فَلِسَيِّدِهِ) أَيْ وَلَوْ الَّذِي اشْتَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (فَإِحْرَامُهُ مُنْعَقِدٌ) لَكِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ بِغَيْرِ الْإِذْنِ وَكَذَا الزَّوْجَةُ.
وَكَذَا مِنْ) الْحَجِّ (الْفَرْضِ) أَيْ فَرْضِ الْإِسْلَامِ بِلَا إذْنٍ (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّ تَقْرِيرَهَا عَلَيْهِ يُعَطِّلُ حَقَّهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا وَالثَّانِي يَقِيسُهُ عَلَى الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَيْنِ وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ مُدَّتَهُمَا لَا تَطُولُ فَلَا يَلْحَقُ الزَّوْجَ كَبِيرُ ضَرَرٍ، وَحُكِيَ الثَّانِي فِي التَّطَوُّعِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فَرْضًا بِالشُّرُوعِ وَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ الِابْتِدَاءِ بِالتَّطَوُّعِ جَزْمًا وَبِالْفَرْضِ فِي الْأَظْهَرِ وَخِلَافُ التَّحْلِيلِ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ فَيَكُونُ فِي الْمَنْعِ وَالتَّحْلِيلِ أَقْوَالٌ ثَالِثُهَا لَهُ الْمَنْعُ دُونَ التَّحْلِيلِ وَلَوْ أَذِنَ لَهَا فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهَا وَيُقَاسُ بِالْحَجِّ الْعُمْرَةُ وَالْمُرَادُ بِتَحْلِيلِهِ، إيَّاهَا أَنْ يَأْمُرَهَا بِالتَّحَلُّلِ وَتَحَلُّلُهَا كَتَحَلُّلِ الْمُحْصَرِ وَلَوْ لَمْ تَتَحَلَّلْ فَلَهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِهَا، وَالْإِثْمُ عَلَيْهَا حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ. ثُمَّ تَوَقَّفَ فِيهِ لِأَنَّ الْمُحْرِمَةَ مُحْرِمَةٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَالْمُرْتَدَّةِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُمْنَعَ الزَّوْجُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ إلَى أَنْ تَتَحَلَّلَ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ وَضَمُّ الْأَمَةِ إلَى الزَّوْجَةِ فِي ذَلِكَ.
(وَلَا قَضَاءَ عَلَى الْمُحْصَرِ الْمُتَطَوِّعِ) إذَا تَحَلَّلَ لِعَدَمِ وُرُودِهِ. (فَإِنْ كَانَ) نُسُكُهُ (فَرْضًا مُسْتَقِرًّا) عَلَيْهِ كَحِجَّةِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ سِنِي
ــ
[حاشية قليوبي]
تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الشَّارِحُ عَنْ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ كَالْقِنِّ فِيمَا ذَكَرَ فِيهِ وَإِنْ كَانَتْ كِتَابَتُهُ صَحِيحَةً. نَعَمْ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي الصَّحِيحَةِ إنَّهُ إذَا لَمْ يَحْتَجْ فِي حَجِّهِ إلَى سَفَرٍ وَلَمْ يَحِلَّ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ النُّجُومِ مُدَّتَهُ فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهُ، وَلَمْ يَرْتَضِهِ الشَّمْسُ الْخَطِيبُ، وَيَجُوزُ فِي تَحْلِيلِهِ أَنْ يَذْبَحَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَأَنْ يَذْبَحَ عَنْهُ سَيِّدُهُ.
فَرْعٌ: لَوْ أَسْلَمَ عَبْدٌ حَرْبِيٌّ وَأَحْرَمَ فَغَنِمْنَاهُ لَمْ يَجُزْ تَحْلِيلُهُ. قَوْلُهُ: (وَلِلزَّوْجِ) الْمُمْكِنِ وَطْؤُهُ وَلَوْ بِوَلِيِّهِ فِي نَحْوِ مَجْنُونٍ أَوْ رَقِيقٍ أَوْ سَفِيهٍ تَحْلِيلُ زَوْجَتِهِ وَلَوْ أَمَةً وَأَذِنَ لَهَا سَيِّدُهَا فِيهِ وَمَحَلُّهُ إنْ أَمْكَنَ وَطْؤُهَا وَحَلَّ لَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا عُذْرٌ وَكَانَ لَهُ سَلْطَنَةٌ عَلَيْهَا فَلَا يُحْلِلُ صَغِيرَةً أَحْرَمَ عَنْهَا وَلِيُّهَا مَثَلًا وَلَا مُحْرِمَةً حَالَ إحْرَامِهِ أَيْضًا وَلَا مَنْ وَقَعَ حَجُّهَا فِي زَمَنِ خُرُوجِهَا لِلنَّفَقَةِ فِي مُعْسِرٍ، وَلَا مَنْ أَخْبَرَ طَبِيبَانِ أَنَّهَا إذَا لَمْ تُكْمِلْ حَجَّهَا عَضَبَتْ وَلَا مُطَلَّقَةً وَلَوْ رَجْعِيَّةً، وَإِنْ رَاجَعَهَا وَكَانَ قَدْ أَذِنَ لَهَا، نَعَمْ إنْ أَحْرَمَتْ حَالَ الطَّلَاقِ بِلَا إذْنٍ ثُمَّ رَاجَعَهَا فَلَهُ تَحْلِيلُهَا وَلَهُ حَبْسُ مُعْتَدَّةٍ وَلَوْ بَائِنًا فِي الْعِدَّةِ. وَإِنْ أَحْرَمَتْ بِإِذْنِهِ أَوْ خَافَتْ الْفَوَاتَ وَيَلْزَمُهَا بِهِ الْقَضَاءُ وَالْفِدْيَةُ وَإِنْ تَحَلَّلَتْ بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ. قَوْلُهُ:(أَيْ فَرْضِ الْإِسْلَامِ) حَمْلُ الْفَرْضِ عَلَى ذَلِكَ لِانْصِرَافِهِ إلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَلَيْسَ قَيْدًا فَالنَّظَرُ وَلَوْ مُعَيَّنًا وَالْقَضَاءُ كَذَلِكَ إلَّا فِيمَا مَرَّ. قَوْلُهُ:(وَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ الِابْتِدَاءِ بِالتَّطَوُّعِ جَزْمًا) وَمِنْ الْفَرْضِ عَلَى الْأَظْهَرِ قِيَاسًا عَلَى التَّحْلِيلِ بِالْأَوْلَى فَذِكْرُهُ تَتْمِيمٌ لِلْأَقْسَامِ فَعُلِمَ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهَا الْإِحْرَامُ بِغَيْرِ إذْنِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَذِنَ لَهَا) أَيْ فِي التَّطَوُّعِ أَوْ الْفَرْضِ فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهَا إنْ لَمْ يُرَاجِعْ قَبْلَ إحْرَامِهَا، وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِهِ فَإِنْ اخْتَلَفَا فَكَالرَّجْعِيَّةِ. قَوْلُهُ:(وَيُقَاسُ بِالْحَجِّ الْعُمْرَةُ) فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ مِنْ نُسُكٍ إلَخْ لَكَانَ أَعَمَّ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَأْمُرَهَا بِالتَّحَلُّلِ) وَيَجِبُ عَلَيْهَا بِأَمْرِهِ وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهَا قَبْلَهُ بِخِلَافِ الرَّقِيقِ كَمَا مَرَّ لِكَمَالِ الْحُرِّ فِي الْجُمْلَةِ. قَوْلُهُ: (وَتَحَلُّلُهَا كَتَحَلُّلِ الْمُحْصَرِ) فَهُوَ بِذَبْحٍ ثُمَّ حَلْقٍ وَنِيَّةٍ فِيهِمَا. قَوْلُهُ: (وَالْإِثْمُ عَلَيْهَا) هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَيَفْسُدُ نُسُكُهَا بِالْجِمَاعِ وَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ فَوْرًا قَالَ شَيْخُ شَيْخِنَا عَمِيرَةُ. وَعَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ أَيْضًا، وَفِيهِ نَظَرٌ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ:(وَضَمُّ الْأَمَةِ إلَخْ) أَيْ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ الْأَمَةَ كَالزَّوْجَةِ فَإِذَا أَمَرَهَا سَيِّدُهَا بِالتَّحَلُّلِ وَلَمْ تَتَحَلَّلْ فَلِلسَّيِّدِ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِهَا وَالْإِثْمُ عَلَيْهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ: (وَلَا قَضَاءَ عَلَى الْمُحْصَرِ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْحَصْرَ خَاصًّا أَوْ عَامًّا لَا يُوجِبُ قَضَاءَ التَّطَوُّعِ وَلَا الْفَرْضِ وَلَا يُسْقِطُ مَا اسْتَقَرَّ قَبْلَهُ مِنْ فَرْضٍ أَصْلِيٍّ أَوْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ عَلَى مَا مَرَّ لِعَدَمِ وُرُودِهِ أَيْ لِعَدَمِ الْأَمْرِ بِهِ لِمَنْ أُحْصِرَ لِأَنَّهُ قَدْ «أَحْرَمَ مَعَهُ صلى الله عليه وسلم
ــ
[حاشية عميرة]
فَائِدَةٌ: نَقَلَ النَّوَوِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّا حَيْثُ أَبَحْنَا لِلزَّوْجِ تَحْلِيلَ زَوْجَتِهِ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَتَحَلَّلَ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَنَظَرَ فِيهِ السُّبْكِيُّ بِسَبَبِ الْعِصْيَانِ قَالَ: وَيَبْعُدُ ثُبُوتُ الْحُرْمَةِ أَوَّلًا وَزَوَالُهَا دَوَامًا. قَوْلُهُ: (فَلَهُ تَحْلِيلُهُ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ يَنْبَغِي اشْتِرَاطُ ثُبُوتِ الرُّجُوعِ بِالْبَيِّنَةِ.
قَوْلُهُ: (أَيْ فَرْضُ الْإِسْلَامِ) خَرَجَ النَّذْرُ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: الْمُتَّجِهُ فِيهِ أَنْ يُقَالَ: إنْ تَعَلَّقَ بِزَمَنٍ مُعَيَّنٍ، وَكَانَ قَبْلَ النِّكَاحِ أَوْ بَعْدَهُ، وَأَذِنَ فِيهِ الزَّوْجُ فَلَا مَنْعَ وَإِلَّا فَلَهُ الْمَنْعُ اهـ.
وَخَرَجَ الْقَضَاءُ أَيْضًا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: الْمُتَّجِهُ فِيهِ عَدَمُ الْمَنْعِ إذَا كَانَ سَبَبُهُ وَطْءَ الزَّوْجِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ، وَلَكِنْ قَبْلَ النِّكَاحِ، فَإِنْ وَطِئَهَا أَجْنَبِيٌّ بَعْدَهُ فِي نُسُكٍ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ فَلَهُ الْمَنْعُ، وَإِنْ أَذِنَ فَفِي الْمَنْعِ نَظَرٌ. قَوْلُهُ:(لِأَنَّ تَقْرِيرَهَا عَلَيْهِ يُعَطِّلُ حَقَّهُ إلَخْ) قِيلَ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ امْتِنَاعُ تَحْلِيلِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا وَكَذَا الْكَبِيرَةُ إذَا سَافَرَتْ مَعَ الزَّوْجِ وَأَحْرَمَتْ وَقْتَ إحْرَامِهِ. قَوْلُهُ: (مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ) الضَّمِيرُ فِيهِ رَاجِعٌ لِلْأَظْهَرِ مِنْ قَوْلِهِ وَبِالْفَرْضِ فِي الْأَظْهَرِ. قَوْلُهُ: (فَيَكُونُ فِي الْمَنْعِ إلَخْ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفَرْضِ ثُمَّ وَجْهُ أَخْذِ الْمُفَصِّلِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مُقَابِلَ الْأَظْهَرِ الْقَائِلُ بِعَدَمِ التَّحْلِيلِ، بِأَنَّ لَهُ الْمَنْعَ ابْتِدَاءً، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْخِلَافُ فِي التَّحْلِيلِ مُفَرَّعًا عَلَى الْمَنْعِ فِي الِابْتِدَاءِ، كَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّ الْقَائِلَ بِالْمَنْعِ فِي الِابْتِدَاءِ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الْمَنْعِ فِي الدَّوَامِ. قَوْلُهُ:(وَالْإِثْمُ عَلَيْهَا) أَيْ وَكَذَا الْكَفَّارَةُ فِي الْوَطْءِ.
قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ وُرُودِهِ) اسْتَدَلَّ أَيْضًا «بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُحْصِرَ مَعَهُ فِي
الْإِمْكَانِ وَكَالْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ (بَقِيَ فِي ذِمَّتِهِ) كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي صَلَاةِ فَرْضٍ وَلَمْ يُتِمَّهَا تَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ (أَوْ غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ) كَحِجَّةِ الْإِسْلَامِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ سِنِي الْإِمْكَانِ (اُعْتُبِرَتْ الِاسْتِطَاعَةُ بَعْدُ) أَيْ بَعْدَ زَوَالِ الْإِحْصَارِ إنْ وُجِدَتْ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا (وَمَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ) وَبِفَوَاتِهِ يَفُوتُ الْحَجُّ كَمَا تَقَدَّمَ (تَحَلَّلَ) أَيْ جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ لِأَنَّ فِي بَقَائِهِ مُحْرِمًا حَرَجًا شَدِيدًا يَعْسُرُ احْتِمَالُهُ. (بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ وَحَلْقٍ وَفِيهِمَا) أَيْ السَّعْيِ وَالْحَلْقِ. (قَوْلٌ) إنَّهُمَا لَا يَجِبَانِ فِي التَّحَلُّلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ لَيْسَ بِنُسُكٍ، وَنَظَرًا إلَى أَنَّ السَّعْيَ لَيْسَ مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ لِإِجْزَائِهِ قَبْلَ الْوُقُوفِ عَقِبَ طَوَافِ الْقُدُومِ، وَالْكَلَامُ فِيمَنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْهُ سَعْيٌ، فَمَنْ سَعَى عَقِبَ طَوَافِ الْقُدُومِ لَا يَحْتَاجُ فِي تَحَلُّلِهِ إلَى سَعْيٍ. (وَعَلَيْهِ دَمٌ وَالْقَضَاءُ) لِلْحَجِّ الَّذِي فَاتَهُ بِفَوَاتِ الْوُقُوفِ تَطَوُّعًا كَانَ أَوْ فَرْضًا. وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَالْمُحَرَّرِ بِأَنَّ الْفَرْضَ يَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ فِي الْأَصَحِّ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ هَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ جَاءَ يَوْمَ النَّحْرِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَنْحَرُ هَدْيَهُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَخْطَأْنَا الْعَدَّ، وَكُنَّا نَظُنُّ أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمُ عَرَفَةَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اذْهَبْ إلَى مَكَّةَ فَطُفْ بِالْبَيْتِ أَنْتَ وَمَنْ مَعَك وَاسْعَوْا بَيْنَ الصَّفَّا وَالْمَرْوَةِ، وَانْحَرُوا هَدْيًا إنْ كَانَ مَعَكُمْ، ثُمَّ
ــ
[حاشية قليوبي]
مِنْ أَصْحَابِهِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفٌ وَأَرْبَعُمِائَةٍ وَأَكْثَرُ مَنْ أَحْرَمَ مَعَهُ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ فِي الْعَامِ بَعْدَهُ سَبْعُمِائَةٍ» ، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ أَمَرَ أَحَدًا غَيْرَهُمْ بِالْقَضَاءِ. قَوْلُهُ:(إذَا تَحَلَّلَ) سَوَاءٌ مَعَ بَقَاءِ الْحَصْرِ قَبْلَ الْوُقُوفِ أَوْ بَعْدَهُ نَعَمْ إنْ زَالَ الْحَصْرُ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَتَمَكَّنَ مِنْهُ وَتَحَلَّلَ قَبْلَ فِعْلِهِ فَهُوَ مِنْ الْفَوَاتِ الْآتِي.
تَنْبِيهٌ: لَوْ أُحْصِرَ بَعْدَ الْوُقُوفِ فَتَحَلَّلَ ثُمَّ زَالَ الْحَصْرُ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْبِنَاءُ وَلَا الْإِحْرَامُ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ زَوَالِ الْإِحْصَارِ) أَيْ فِي الزَّمَنِ الَّذِي تُعْتَبَرُ الِاسْتِطَاعَةُ فِيهِ فِيمَا مَرَّ. وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ فِي زَمَنِ الْإِحْصَارِ وَلَوْ خَاصًّا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ) سَوَاءٌ تَمَكَّنَ مِنْهُ أَوْ لَا بِحَصْرٍ أَوْ هَذَا الْحَدِيثُ غَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (تَحَلَّلَ أَيْ جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ) أَيْ وَجَبَ فَوْرًا لِأَنَّهُ جَوَازٌ بَعْدَ مَنْعٍ فَيَحْرُمُ بَقَاؤُهُ عَلَى الْإِحْرَامِ، وَلَا يُجْزِئُهُ لَوْ أَخَّرَهُ إلَى عَامٍّ قَابِلٍ. قَوْلُهُ:(بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ وَحَلْقٍ) وَهِيَ أَعْمَالُ الْعُمْرَةِ كَمَا عَبَّرَ بِهَا غَيْرُهُ وَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ بِوَاحِدٍ مِنْ الْحَلْقِ أَوْ الطَّوَافِ الْمَتْبُوعِ بِالسَّعْيِ إنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ، وَيَحِلُّ بِالْآخَرِ التَّحَلُّلُ الثَّانِي الْعَامُّ لِأَنَّهُ لَا رَمْيَ هُنَا وَلَا مَبِيتَ لِفَوَاتِهِمَا تَبَعًا لِلْوُقُوفِ، فَلَا يَجُوزُ فِعْلُهُمَا وَلَا يَحْتَاجُ فِي أَعْمَالِ هَذِهِ الْعُمْرَةِ إلَى نِيَّةٍ. اكْتِفَاءً بِنِيَّةِ التَّحَلُّلِ وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ عُمْرَةً حَقِيقَةً وَلِهَذَا لَا تَكْفِي عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِرَأْسِهِ شَعْرٌ حَصَلَ التَّحَلُّلُ الْعَامُّ بِالطَّوَافِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ سَعْيِهِ. قَوْلُهُ:(لَا يَحْتَاجُ فِي تَحَلُّلِهِ إلَى سَعْيٍ) فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ لَيْسَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ دَمُ الْقَضَاءِ) إنْ لَمْ يَكُنْ فَاتَ بِحَصْرِهِ كَمَا مَرَّ، وَسُمِّيَ قَضَاءً لِتَضَيُّقِهِ بِالْفَوَاتِ وَإِلَّا فَلَيْسَ قَضَاءً كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِعِبَارَةِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَالْمُحَرَّرِ. قَوْلُهُ:(تَطَوُّعًا كَانَ أَوْ فَرْضًا) فَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَالْمُحَرَّرِ بِالْفَرْضِ لِإِيهَامِهَا عَدَمَ وُجُوبِ قَضَاءِ التَّطَوُّعِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ فِي الْأَصَحِّ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ فَاتَ بِعُذْرٍ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ تَقْصِيرٍ غَالِبًا. قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ) أَيْ الْمُتَعَلِّقِ بِالْفَوَاتِ. قَوْلُهُ: (هَبَّارَ) بِتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ وَآخِرُهُ رَاءٌ مُهْمَلَةٌ. قَوْلُهُ: (أَخْطَأْنَا الْعَدَّ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ
ــ
[حاشية عميرة]
الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفٌ وَأَرْبَعُمِائَةٍ، وَلَمْ يَعْتَمِرْ مَعَهُ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ إلَّا نَفَرٌ يَسِيرٌ» أَكْثَرُ مَا قِيلَ: إنَّهُمْ سَبْعُمِائَةٍ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَمَرَ مَنْ تَخَلَّفَ بِالْقَضَاءِ ثُمَّ عَدَمُ الْقَضَاءِ ثَابِتٌ، وَلَوْ كَانَ أَتَى بِبَعْضِ الْمَنَاسِكِ قَبْلَ الْحَصْرِ، وَكَذَا هُوَ ثَابِتٌ أَيْضًا فِي حَقِّ الشِّرْذِمَةِ الْيَسِيرَةِ وَالْحَصْرِ الْخَاصِّ كَمَا فِي الْمَرِيضِ وَالزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ، وَاسْتَشْكَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ عِنْدَ غَلَطِ الشِّرْذِمَةِ الْيَسِيرَةِ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَيُؤْخَذُ أَيْضًا مِنْ الْإِطْلَاقِ أَنَّهُمْ لَوْ أَخَّرُوا التَّحَلُّلَ طَامِعِينَ فِي زَوَالِ الْحَصْرِ حَتَّى فَاتَ الْحَجُّ لَا قَضَاءَ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَمِثْلُهُ لَوْ سَلَكُوا طَرِيقًا أَطْوَلَ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ أَوْعَرَ فَفَاتَهُمْ بَلْ سُلُوكُهُ وَاجِبٌ، وَإِنْ عَلِمُوا الْفَوَاتَ وَمَأْخَذُ ذَلِكَ أَنَّ الْفَوَاتَ نَاشِئٌ عَنْ الْحَصْرِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ صَابَرُوا عَلَى غَيْرِ طَمَعِ الزَّوَالِ، أَوْ سَلَكُوا طَرِيقًا مُسَاوِيًا لِلْأَوَّلِ أَوْ أَقْرَبَ مِنْهُ، فَفَاتَهُمْ الْوُقُوفُ فَإِنَّ الْقَضَاءَ وَاجِبٌ.
قَوْلُهُ: (أَيْ جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ إلَخْ) قَدْ جَزَمَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِالْوُجُوبِ، لَكِنَّ السُّبْكِيَّ حَمَلَ كَلَامَهُمْ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الْحَجِّ بِهَذَا الْإِحْرَامِ مِنْ قَابِلٍ لَا وُجُوبِ التَّحَلُّلِ فَوْرًا، وَفِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ مَا هُوَ ظَاهِرٌ فِيهِ، فَلَعَلَّ الشَّارِحَ رحمه الله تَابِعٌ لِذَلِكَ. قَوْلُهُ:(لِإِجْزَائِهِ قَبْلَ الْوُقُوفِ) أَيْ وَأَسْبَابُ التَّحَلُّلِ يَجِبُ تَأَخُّرُهَا عَنْهُ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَعَلَيْهِ دَمٌ) أَيْ لِمَا سَيَأْتِي عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه، وَلِأَنَّ الْفَوَاتَ سَبَبٌ يَجِبُ بِهِ
احْلِقُوا أَوْ قَصِّرُوا، ثُمَّ ارْجِعُوا فَإِذَا كَانَ عَامٌ قَابِلٌ فَحُجُّوا وَاهْدُوا، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ وَاشْتَهَرَ ذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكَرْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ــ
[حاشية قليوبي]
الدَّالِ أَيْ الْعَدَدِ فِي أَيَّامِ الشَّهْرِ، وَضَمِيرُ الْمُتَكَلِّمِ إمَّا لِهَبَّارٍ بِتَعْظِيمِهِ نَفْسِهِ أَوْ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ وَهَذَا أَظْهَرُ. قَوْلُهُ:(وَاسْعَوْا) لَعَلَّ الْإِمَامَ عُمَرَ رضي الله عنه عَلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا سَعَوْا بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ أَوْ أَنَّهُمْ مِمَّنْ لَمْ يُطْلَبْ مِنْهُمْ طَوَافُ الْقُدُومِ لِكَوْنِهِمْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ مَثَلًا فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَانْحَرُوا هَدْيًا) أَيْ وَلْيَنْحَرْ كُلٌّ مِنْكُمْ هَدْيَهُ وَالتَّقْيِيدُ بِكَوْنِهِ مَعَهُمْ لَا مَفْهُومَ لَهُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ احْلِقُوا أَوْ قَصِّرُوا) أَيْ مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ الْحَلْقَ فَلْيَحْلِقْ، وَمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ التَّقْصِيرَ فَلْيُقَصِّرْ. قَوْلُهُ:(فَإِذَا كَانَ عَامٌ قَابِلٌ فَحُجُّوا) فِيهِ إفَادَةُ الْفَوْرِيَّةِ فِي الْقَضَاءِ بِالْفَاءِ فِي فَحُجُّوا وَبِتَقْيِيدِ الْعَامِّ بِالْقَابِلِ فَتَأَمَّلْ.
خَاتِمَةٌ: يُنْدَبُ أَنْ يَحُجَّ الرَّجُلُ بِأَهْلِهِ وَأَنْ يَحْمِلَ هَدِيَّةً مَعَهُ، وَأَنْ يَأْتِيَ إذَا عَادَ مِنْ سَفَرٍ وَلَوْ قَصِيرًا بِهَدِيَّةٍ لِأَهْلِهِ، وَأَنْ يُرْسِلَ لَهُمْ مَنْ يُخْبِرُهُمْ بِقُدُومِهِ إنْ لَمْ يَعْلَمُوا بِهِ، وَأَنْ لَا يَطْرُقَهُمْ لَيْلًا، وَأَنْ يَقْصِدَ أَقْرَبَ مَسْجِدٍ فَيُصَلِّيَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ سُنَّةَ الْقُدُومِ، وَأَنْ يَصْنَعَ أَهْلُهُ لَهُ وَلِيمَةً تُسَمَّى النَّقِيعَةَ، وَأَنْ يَتَلَقَّوْهُ كَغَيْرِهِمْ، وَأَنْ يُقَالَ لَهُ إنْ كَانَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا: تَقَبَّلَ اللَّهُ حَجَّك أَوْ عُمْرَتَك، وَغَفَرَ ذَنْبَك، وَأَخْلَفَ عَلَيْك نَفَقَتَك. أَوْ غَازِيًا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَصَرَك وَأَكْرَمَك وَأَعَزَّك. وَيُنْدَبُ لِلْحَاجِّ الدُّعَاءُ لِغَيْرِهِ بِالْمَغْفِرَةِ وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْهُ وَلِغَيْرِ سُؤَالٍ الدُّعَاءُ مِنْهُ بِهَا، وَذَكَرُوا أَنَّ ذَلِكَ يَمْتَدُّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا مِنْ قُدُومِهِ فَرَاجِعْهُ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.
ــ
[حاشية عميرة]
الْقَضَاءُ فَيَجِبُ بِهِ الْهَدْيُ كَالْإِفْسَادِ ثُمَّ هُوَ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَقْدِيرٍ كَمَا سَلَفَ، وَوَجْهُ الْقَضَاءِ مَا سَيَأْتِي وَلِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ تَقْصِيرٍ بِخِلَافِ الْحَصْرِ فَكَانَ كَالْفَسَادِ.