الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ أَرْكَانُ الْحَجِّ
خَمْسَةٌ: الْإِحْرَامُ بِهِ أَيْ نِيَّةُ الدُّخُولِ فِيهِ (وَالْوُقُوفُ) بِعَرَفَةَ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ «الْحَجُّ عَرَفَةَ» (وَالطَّوَافُ) قَالَ تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29](وَالسَّعْيُ) رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم اسْتَقْبَلَ النَّاسَ فِي الْمَسْعَى، وَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اسْعَوْا فَإِنَّ السَّعْيَ قَدْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ» . (وَالْحَلْقُ إذَا جَعَلْنَاهُ نُسُكًا) وَهُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا تَقَدَّمَ لِتَوَقُّفِ التَّحَلُّلِ عَلَيْهِ كَالطَّوَافِ. (وَلَا تُجْبَرُ) هَذِهِ الْخَمْسَةُ أَيْ لَا مَدْخَلَ لِلْجُبْرَانِ فِيهَا بِحَالٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يُجْبَرُ بِالدَّمِ وَيُسَمَّى بَعْضًا وَغَيْرُهُ يُسَمَّى هَيْئَةً، (وَمَا سِوَى الْوُقُوفِ أَرْكَانٌ فِي الْعُمْرَةِ أَيْضًا) لِشُمُولِ الْأَدِلَّةِ السَّابِقَةِ لَهَا.
(وَيُؤَدِّي النُّسُكَيْنِ عَلَى أَوْجُهٍ) بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مَعًا وَيَبْدَأَ بِالْحَجِّ، أَوْ بِالْعُمْرَةِ، «قَالَتْ عَائِشَةُ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. (أَحَدُهَا الْإِفْرَادُ بِأَنْ يَحُجَّ ثُمَّ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ كَإِحْرَامِ الْمَكِّيِّ) بِأَنْ يَخْرُجَ إلَى أَدْنَى الْحِلِّ فَيُحْرِمَ بِهَا. (وَيَأْتِي بِعَمَلِهَا) هَذِهِ الصُّورَةُ الْأَصْلِيَّةُ لِلْإِفْرَادِ، وَيُضَمُّ إلَيْهَا صُوَرُ فَوَاتِ الشُّرُوطِ الْآتِيَةِ فِي التَّمَتُّعِ عَلَى وَجْهٍ (الثَّانِي الْقِرَانُ بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا) مَعًا (مِنْ الْمِيقَاتِ وَيَعْمَلَ عَمَلَ الْحَجِّ فَيَحْمِلَانِ) هَذِهِ الصُّورَةَ الْأَصْلِيَّةَ لِلْقِرَانِ (وَلَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لَمْ يَحُجَّ قَبْلَ الطَّوَافِ كَانَ قَارِنًا) يَكْفِيهِ عَمَلُ
ــ
[حاشية قليوبي]
وَارْزُقْنَا الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرُدَّنَا إلَى أَهْلِنَا سَالِمِينَ غَانِمِينَ، وَيَنْصَرِفُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَلَا يَمْشِي الْقَهْقَرَى كَمَا يَفْعَلُهُ الْعَوَامُّ.
تَنْبِيهٌ: يُكْرَهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً فِي حَالِ الزِّيَارَةِ أَوْ غَيْرِهَا أَنْ يُلْصِقَ ظَهْرَهُ أَوْ بَطْنَهُ بِجِدَارِ الْقَبْرِ الشَّرِيفِ أَوْ يَمْسَحَهُ بِالْيَدِ وَيُقَبِّلَهَا أَوْ يُقَبِّلَهُ، وَلْيَحْذَرْ مِنْ الطَّوَافِ بِالْقَبْرِ وَالصَّلَاةِ دَاخِلَ الْحُجْرَةِ بِقَصْدِ تَعْظِيمِهِ أَوْ اسْتِقْبَالِهِ بِالصَّلَاةِ.
فُرُوعٌ: يُنْدَبُ الصِّيَامُ بِالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ وَالْمُجَاوَرَةُ بِهَا مِمَّنْ لَمْ تَسْقُطْ حُرْمَتُهَا عِنْدَهُ، وَالتَّصَدُّقُ عَلَى أَهْلِهَا خُصُوصًا الْمَاكِثِينَ بِالْحَرَمِ النَّبَوِيِّ وَالْغُرَبَاءِ، وَمِنْ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ تَقَرُّبُ الْعَوَامّ بِأَكْلِ التَّمْرِ الصَّيْحَانِيِّ فِي الرَّوْضَةِ الشَّرِيفَةِ عَلَى صَاحِبِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ.
فَصْلٌ فِي أَرْكَانِ النُّسُكِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا قَوْلُهُ: (خَمْسَةٌ) سَكَتَ عَنْ عَدِّ التَّرْتِيبِ رُكْنًا سَادِسًا كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْحَجِّ إلَّا فِي جَوَازِ تَقْدِيمِ السَّعْيِ وَالْحَلْقِ عَلَى مَا يَأْتِي. وَفِي الْعُمْرَةِ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (أَيْ نِيَّةُ الدُّخُولِ فِيهِ) أَيْ قَصْدُ أَفْعَالِهِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ. وَقَدْ مَرَّ تَفْسِيرُ الْإِحْرَامِ بِالدُّخُولِ أَيْضًا وَلَمْ يَجْعَلْهُ هُنَاكَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ الرُّكْنِيَّةَ الْمَذْكُورَةَ هُنَا. قَوْلُهُ: (كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى السُّبْكِيّ بِقَوْلِهِ: إنَّ النَّوَوِيَّ ضَعَّفَ هَذَا الْحَدِيثَ.
قَوْلُهُ: (وَيُؤَدِّي النُّسُكَيْنِ) أَمَّا أَحَدُهُمَا فَيُؤَدَّى عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَالْحَجِّ وَحْدَهُ وَالْعُمْرَةِ وَحْدَهَا. قَوْلُهُ:(عَلَى أَوْجُهٍ) أَيْ ثَلَاثَةٍ، وَالْإِطْلَاقُ لَا يَخْرُجُ عَنْهَا عِنْدَ صَرْفِهِ. قَوْلُهُ:(فَيَحْصُلَانِ) وَيَكْفِيَانِهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتِهِ وَالْأَعْمَالُ الَّتِي أَتَى بِهَا قِيلَ لِلْحَجِّ، وَإِنَّ الْعُمْرَةَ انْغَمَرَتْ فِيهِ كَالْحَدَثِ الْأَصْغَرِ مَعَ
ــ
[حاشية عميرة]
[فَصْلٌ أَرْكَانُ الْحَجِّ]
ِّ إلَخْ
قَوْلُهُ: (أَيْ نِيَّةُ الدُّخُولِ) قَدْ فَسَّرَهُ فِيمَا سَلَفَ بِالدُّخُولِ فِي النُّسُكِ، وَعَدَلَ هُنَا إلَى نِيَّةِ الدُّخُولِ لِأَنَّهُ الْمُلَائِمُ لِلرُّكْنِيَّةِ. قَوْلُهُ:(لِتَوَقُّفِ التَّحَلُّلِ عَلَيْهِ) أَيْ مَعَ عَدَمِ جَبْرٍ بِالدَّمِ فَلَا يَرُدُّ الرَّمْيَ. قَوْلُهُ: (شُمُولِ الْأَدِلَّةِ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: بَدَّلَهُ قِيَاسًا عَلَى الْحَجِّ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (عَلَى أَوْجُهٍ) هُوَ جَمْعُ قِلَّةٍ لِأَنَّ الْكَيْفِيَّاتِ ثَلَاثٌ. قَوْلُهُ: (عَلَى وَجْهٍ) مُتَعَلِّقٍ بِقَوْلِهِ يُضَمُّ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مَعًا) أَيْ فَإِنْ كَانَ مَكِّيًّا أَحْرَمَ بِهِمَا مَعًا مِنْ مَكَّةَ تَغْلِيبًا لِمِيقَاتِ الْحَجِّ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيَعْمَلُ عَمَلَ الْحَجِّ) خَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ فَاشْتَرَطَ
الْحَجِّ، رَوَى مُسْلِمٌ «أَنَّ عَائِشَةَ أَحْرَمَتْ بِعُمْرَةٍ فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدَهَا تَبْكِي، فَقَالَ: مَا شَأْنُك؟ قَالَتْ: حِضْت وَقَدْ حَلَّ النَّاسُ وَلَمْ أَحْلِلْ وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَهِلِّي بِالْحَجِّ. فَفَعَلَتْ وَوَقَفَتْ الْمَوَاقِفَ حَتَّى إذَا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قَدْ حَلَلْت مِنْ حَجِّك وَعُمْرَتِك جَمِيعًا» . وَقَوْلُهُ قَبْلَ الطَّوَافِ أَيْ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ، فَلَوْ شَرَعَ فِيهِ لَمْ يَصِحَّ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ لِأَنَّهُ اشْتَغَلَ بِعَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ. (وَلَا يَجُوزُ عَكْسُهُ فِي الْجَدِيدِ) وَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِهِ ثُمَّ بِعُمْرَةٍ قَبْلَ الطَّوَافِ لِلْقُدُومِ، وَجَوَّزَهُ الْقَدِيمُ قِيَاسًا عَلَى الْعَكْسِ فَيَكُونُ قَارِنًا أَيْضًا وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ إدْخَالَ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ يُفِيدُ زِيَادَةً عَلَى أَعْمَالِهَا بِالْوُقُوفِ وَالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَلَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَدْخَلَهُ عَلَيْهَا فِي أَشْهُرِهِ فَقِيلَ لَا يَصِحُّ هَذَا الْإِدْخَالُ، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى صِحَّةِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ، وَقِيلَ يَصِحُّ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ وَقْتَ إدْخَالِهِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ الثَّانِي أَصَحُّ أَيْ فَيَكُونُ قَارِنًا، وَلَوْ أَحْرَمَ بِهِمَا بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ الْمِيقَاتَ مُرِيدٌ لِلْإِحْرَامِ كَانَ قَارِنًا أَيْضًا وَإِنْ أَسَاءَ.
(الثَّالِثُ التَّمَتُّعُ بِأَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ وَيَفْرُغَ مِنْهَا ثُمَّ يُنْشِئَ حَجًّا مِنْ مَكَّةَ) هَذِهِ الصُّورَةُ الْأَصْلِيَّةُ لِلتَّمَتُّعِ، وَيَلْزَمُهُ فِيهِ دَمٌ بِشَرْطِهِ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَوْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ لَزِمَهُ دَمُ التَّمَتُّعِ مَعَ دَمِ الْإِسَاءَةِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ فَيَكُونُ مُتَمَتِّعًا وَكَذَا لَوْ جَاوَزَهُ غَيْرَ مُرِيدٍ لِلنُّسُكِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمُ التَّمَتُّعِ عَلَى مَا سَيَأْتِي، فَيَكُونُ مُتَمَتِّعًا وَلَوْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ الْمِيقَاتِ الَّذِي أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْهُ، أَوْ مِنْ مِثْلِ مَسَافَتِهِ، فَلَا دَمَ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي وَهُوَ مُتَمَتِّعٌ وَوَجْهُ التَّسْمِيَةِ بِالْمُتَمَتِّعِ اسْتِمْتَاعُهُ بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ (وَأَفْضَلُهَا) أَيْ أَوْجُهِ أَدَاءِ النُّسُكَيْنِ (الْإِفْرَادُ وَالتَّمَتُّعُ وَفِي قَوْلٍ التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ) وَأَمَّا الْقِرَانُ فَمُؤَخَّرٌ عَنْهُمَا جَزْمًا، لِأَنَّ أَفْعَالَ النُّسُكَيْنِ فِيهِمَا أَكْمَلُ مِنْهَا فِيهِ وَحُكِيَ عَنْ الْمُزَنِيّ
ــ
[حاشية قليوبي]
الْأَكْبَرِ، وَقِيلَ عَنْهُمَا مَعًا لَمَّا قَالُوا إنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ بِطَوَافَيْنِ وَسَعْيَيْنِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ قَالُوا فِي الْوُضُوءِ مَعَ الْغُسْلِ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ:(عَلَى وَجْهٍ) أَيْ مَرْجُوحٍ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْمِيقَاتِ) بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ لَا قَيْدٌ. قَوْلُهُ: (فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ) هُوَ غَيْرُ قَيْدٍ فِي الْإِحْرَامِ وَالْعُمْرَةِ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ) وَلَا يَضُرُّ تَقْبِيلُ الْحَجَرِ وَمَسُّهُ مَثَلًا. قَوْلُهُ: (فَلَوْ شَرَعَ فِيهِ) وَلَوْ بِخُطْوَةٍ وَلَوْ شَكَّ هَلْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الطَّوَافِ أَوْ بَعْدَهُ صَحَّ إحْرَامُهُ وَكَانَ قَارِنًا. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ يَصِحُّ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ.
قَوْلُهُ: (مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ) وَمِنْ مَكَّةَ لَيْسَ لِلتَّقْيِيدِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ بَعْدُ. قَوْلُهُ: (مَسَافَةُ الْقَصْرِ) لَيْسَ قَيْدًا لِلُّزُومِ وَفِيمَا دُونَهَا أَوْلَى. قَوْلُهُ:
ــ
[حاشية عميرة]
طَوَافَيْنِ، وَسَعْيَيْنِ. قَوْلُهُ:(هَذِهِ الصُّورَةُ الْأَصْلِيَّةُ لِلْقُرْآنِ) أَيْ بِخِلَافِ الصُّورَةِ فِي قَوْلِهِ، وَلَوْ أَحْرَمَ إلَخْ، وَكَذَا الصُّورَتَانِ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ الْآتِي وَلَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ إلَخْ. فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِنْ الْقُرْآنِ، وَلَكِنَّهُ غَيْرُ الصُّورَةِ الْأَصْلِيَّةِ فَلَا يَتَوَجَّهُ اعْتِرَاضٌ عَلَى تَفْسِيرِ الْمَتْنِ الْقُرْآنَ بِهَذِهِ الصُّورَةِ فَقَطْ. قَوْلُهُ:(بِخِلَافِ الْعَكْسِ) أَيْ فَإِنَّ أَعْمَالَ الْعُمْرَةِ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً، بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فَلَمْ يُفِدْ الْإِحْرَامُ بِهَا شَيْئًا. قَوْلُهُ:(مُرِيدٌ لِلْإِحْرَامِ) احْتَرَزَ عَنْ غَيْرِ الْمُرِيدِ إذَا بَدَا لَهُ الْإِحْرَامُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ صُوَرِ الْمَتْنِ أَعْنِي قَوْلَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ الْمِيقَاتِ.
قَوْلُهُ: (هَذِهِ الصُّورَةُ الْأَصْلِيَّةُ لِلتَّمَتُّعِ) أَيْ فَلَا يَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مِنْهُ الصُّوَرَ الْآتِيَةَ قَرِيبًا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: (وَيَلْزَمُ فِيهِ دَمٌ) حِكْمَةُ التَّعَرُّضِ لِهَذَا هُنَا مَعَ أَنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّ الْفُرُوعَ الْمَذْكُورَةَ عَقَبَةٌ، تَكَلَّمَ فِيهَا الشَّارِحُ عَلَى حُكْمِ الدَّمِ فِيهَا. قَوْلُهُ:(وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ) احْتَرَزَ عَنْ دُونِهَا، فَإِنَّهُ يَكُونُ حَاضِرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَمُ التَّمَتُّعِ، لَكِنَّ الصَّحِيحَ اعْتِبَارُ الْمَسَافَةِ مِنْ الْحَرَمِ لَا مِنْ مَكَّةَ زَادَهَا اللَّهُ شَرَفًا كَذَا ذَكَرَ الْإِسْنَوِيُّ رحمه الله أَقُولُ: وَلْيَنْظُرْ فِي هَذَا وَفِي الْفَرْعِ الْمَنْقُولِ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَهُوَ إذَا دَخَلَ الْآفَاقِيُّ مَكَّةَ غَيْرَ مُرِيدٍ لِلنُّسُكِ، فَكَمَا دَخَلَ اعْتَمَرَ ثُمَّ حَجَّ، قَالَ الْغَزَالِيُّ رحمه الله: لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ صَارَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ إذْ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ قَصْدُ الْإِقَامَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَوْضِعُ تَوَقُّفِهِ، وَلَمْ أَرَهَا لِغَيْرِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِ الْإِقَامَةِ مِمَّا يُنَازِعُ فِيهِ كَلَامَ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ، وَنَقْلَهُمْ عَنْ النَّصِّ، فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي اعْتِبَارِهَا بَلْ فِي اعْتِبَارِ الِاسْتِيطَانِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ لَيْسَ بِحَاضِرٍ، بَلْ يَلْزَمُهُ الدَّمُ، وَاخْتَارَ السُّبْكِيُّ مَقَالَةَ الْغَزَالِيِّ.
قَوْلُهُ: (وَكَذَا لَوْ جَاوَزَهُ إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ بَلَغَ مَكَّةَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ أَمْ لَا كَمَا سَيَأْتِي ثُمَّ غَرَضُ الشَّارِحِ رحمه الله مِنْ سَوْقِ هَذِهِ الْفُرُوعِ هُنَا الْحُكْمُ عَلَى فَاعِلِهَا، بِأَنَّهُ مُسَمًّى مُتَمَتِّعًا، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْمَتْنِ يَأْبَى ذَلِكَ، فَقَدْ اعْتَذَرَ عَنْهُ بِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ بَيَانُ الصُّورَةِ الْأَصْلِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ مُتَمَتِّعٌ) جَعَلَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ هَذَا مِنْ أَفْرَادِ الْفَاضِلِ. قَالَ: بَلْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ تَأْخِيرِ الْعُمْرَةِ عَنْ الْحَجِّ وَفِعْلِهَا فِي سَنَتِهِ.
وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ مِنْهُمَا، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ اخْتِلَافُ الرُّوَاةِ فِي إحْرَامِهِ صلى الله عليه وسلم رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَنَسٍ سَمِعْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا» وَرَوَيَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَحْرَمَ مُتَمَتِّعًا» ، وَرَوَيَا عَنْ جَابِرٍ وَعَائِشَةَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَفْرَدَ الْحَجَّ» ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا. وَرَجَّحَ هَذَا بِكَثْرَةِ رُوَاتِهِ وَبِأَنَّ جَابِرًا مِنْهُمْ أَقْدَمُ صُحْبَةً، وَأَشَدُّ عِنَايَةً بِضَبْطِ الْمَنَاسِكِ وَأَفْعَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ لَدُنْ خُرُوجِهِ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى أَنْ تَحَلَّلَ وَشَرْطُ تَفْضِيلِ الْإِفْرَادِ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي سُنَّتِهِ، فَلَوْ أُخِّرْت عَنْهَا فَكُلٌّ مِنْ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ أَفْضَلُ مِنْهُ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْعُمْرَةِ عَنْ سُنَّةِ الْحَجِّ مَكْرُوهٌ.
(وَعَلَى الْمُتَمَتِّعِ دَمٌ) قَالَ تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ} [البقرة: 196] أَيْ بِسَبَبِهَا {إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] . (بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) قَالَ تَعَالَى {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ} [البقرة: 196] الْحَرَامَ فَلَا دَمَ عَلَى حَاضِرِيهِ (وَحَاضِرُوهُ مِنْ) مَسَاكِنِهِمْ (دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ) كَمَنْ مَسَاكِنُهُمْ بِهَا (قُلْت الْأَصَحُّ مِنْ الْحَرَمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَالرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ حَكَى الْوَجْهَيْنِ، وَقَالَ الثَّانِي هُوَ الدَّائِرُ فِي عِبَارَاتِ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَقَالَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ: أَنَّهُ أَشْبَهُ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَهُمْ مِنْ مَسْكَنِهِ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ الْحَرَمِ، وَقِيلَ: مِنْ نَفْسِ مَكَّةَ وَالْقَرِيبُ مِنْ الشَّيْءِ يُقَالُ إنَّهُ حَاضِرُهُ، قَالَ تَعَالَى:{وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ} [الأعراف: 163] أَيْ قَرِيبَةً مِنْهُ وَمِنْ إطْلَاقِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَى جَمِيعِ الْحَرَمِ كَمَا هُنَا قَوْله تَعَالَى {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] وَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُرِيدٍ نُسُكًا ثُمَّ بَدَّلَهُ فَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ دُخُولِ مَكَّةَ، أَوْ عَقِبَ دُخُولِهَا لَزِمَهُ دَمُ التَّمَتُّعِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْأُولَى، وَالْمُخْتَارُ فِي الرَّوْضَةِ فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحَاضِرِينَ وَالثَّانِي بَعْدَهُ مِنْهُمْ (وَأَنْ تَقَعَ عُمْرَتُهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ سَنَتِهِ) أَيْ الْحَجِّ فَلَوْ وَقَعَتْ قَبْلَ
ــ
[حاشية قليوبي]
اخْتِلَافُ الرُّوَاةِ إلَخْ) وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا وَإِنْ كَانَ الْإِفْرَادُ هُوَ الْأَرْجَحُ بِأَنْ يُقَالَ إنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَحْرَمَ أَوَّلًا مُطْلَقًا، ثُمَّ صَرَفَهُ لِلْعُمْرَةِ ثُمَّ أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَيْهَا، فَمَنْ قَالَ إنَّهُ مُطْلَقٌ نَظَرَ إلَى أَوَّلِ إحْرَامِهِ وَمَنْ قَالَ إنَّهُ مُتَمَتِّعٌ نَظَرَ إلَى أَوَّلِ صَرْفِهِ، وَمَنْ قَالَ إنَّهُ قَارِنٌ نَظَرَ إلَى مَا بَعْدَ إدْخَالِ الْحَجِّ، وَمَنْ قَالَ إنَّهُ مُفْرِدٌ نَظَرَ إلَى أَنَّهُ أَتَى بِأَعْمَالِ الْحَجِّ. وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمَعِ فِي الْجَمْعِ غَيْرُ مُتَّجَهٍ فَرَاجِعْهُ وَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ:(فِي سُنَّتِهِ) أَيْ قَبْلَ فَرَاغِ شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ سَوَاءٌ اعْتَمَرَ فِيهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْحَجِّ أَوْ قَدَّمَ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ، كَأَنْ وَقَعَتْ فِي رَمَضَانَ وَلَوْ بِوُقُوعِ إحْرَامِهَا فِيهِ.
قَوْلُهُ: (وَعَلَى الْمُتَمَتِّعِ دَمٌ) فَلَوْ قَرَنَ بَعْدَ عُمْرَتِهِ لَزِمَهُ دَمَانِ.
وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ دَمٌ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (مِنْ مَسَاكِنِهِمْ إلَخْ) صَرَّحَ بِالْمَسَاكِنِ لِأَنَّهَا الْمُرَادَةُ كَمَا يَأْتِي فِي الرَّوْضَةِ وَمَنْ لَهُ مَسْكَنَانِ قَرِيبٌ وَبَعِيدٌ يَعْتَبِرُ مَا فِيهِ أَهْلُهُ أَيْ زَوْجَتُهُ وَأَوْلَادُهُ وَمَالُهُ ثُمَّ مَا فِيهِ أَهْلُهُ، ثُمَّ مَا كَثُرَتْ إقَامَتُهُ فِيهِ ثُمَّ مَا عَزَمَ عَلَى الرُّجُوعِ إلَيْهِ ثُمَّ مَا خَرَجَ مِنْهُ، ثُمَّ مَا أَحْرَمَ مِنْهُ، وَلَا عِبْرَةَ بِقَصْدِ تَوَطُّنٍ غَرِيبٍ بَعْدَ أَدَاءِ النُّسُكِ. قَوْلُهُ:(وَمِنْ إطْلَاقِ إلَخْ) وَكَذَا جَمِيعُ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذِكْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَالْمُرَادُ بِهِ جَمِيعُ الْحَرَمِ إلَّا قَوْله تَعَالَى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] فَالْمُرَادُ بِهِ الْكَعْبَةُ فَقَطْ. كَذَا أَطْلَقُوهُ وَالْوَجْهُ أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ آيَةُ لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُرَادَ فِيهَا حَقِيقَةُ الْمَسْجِدِ فَقَطْ.
قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ دَمُ التَّمَتُّعِ) لِأَنَّهُ رَبِحَ مِيقَاتًا بِخِلَافِ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِأَنَّهُ لَا يَرْجُوهُ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ الْحَرَمِ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَكَذَا الْمُخْتَارُ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ
ــ
[حاشية عميرة]
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَفِي قَوْلٍ التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ) لِمَا يَأْتِي وَلِأَنَّ فِيهِ الْمُبَادَرَةَ بِالْعُمْرَةِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَوْ تَمَتَّعَ وَلَكِنْ اعْتَمَرَ بَعْدَ الْحَجِّ فَيَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ خُرُوجٌ عَنْ مَحَلِّ الْكَلَامِ، وَهُوَ تَأْدِيَةُ فَرْضِ السَّلَامِ لَا مُطْلَقُ التَّأْدِيَةِ.
قَوْلُهُ: (فَلَا دَمَ عَلَى حَاضِرِيهِ) قَالُوا الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْحَاضِرَ بِمَكَّةَ مِيقَاتُهُ نَفْسُ مَكَّةَ فَلَا يَكُونُ رَابِحًا مِيقَاتًا، وَاعْتُرِضَ لَهُ بِأَنَّ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ أَوْ الْحَرَمِ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ إذَا عَنَّ لَهُ النُّسُكُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ مَوْضِعِهِ، وَيَجِبُ الدَّمُ بِتَرْكِهِ، فَإِذَا تَمَتَّعَ فَقَدْ اسْتَفَادَ مِيقَاتًا، وَلَك أَنْ تَقُولَ قَطَعُوا النَّظَرَ عَنْ ذَلِكَ، وَجَعَلُوا هَذَا ضَابِطًا لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ الَّذِي يَسْتَفِيدُهُ مَشَقَّتُهُ يَسِيرَةٌ غَالِبًا، فَأُلْحِقَ بِمَنْ فِي مَكَّةَ نَفْسِهَا. قَوْلُ الْمَتْنِ:(وَحَاضِرُوهُ إلَخْ) أَيْ بِدَلِيلِ مَنْعِ الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (مِنْ مَكَّةَ إلَخْ) دَلِيلُهُ أَنَّ الْمَسْجِدَ فِي الْآيَةِ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ حَقِيقَتَهُ اتِّفَاقًا، فَلَا بُدَّ مِنْ تَجَوُّزٍ وَحَمْلُهُ عَلَى مَكَّةَ أَقَلُّ تَجَوُّزًا، وَدَلِيلُ الثَّانِي أَنَّ الْمَسْجِدَ غَالِبُ إطْلَاقَاتِهِ بِمَعْنَى الْحَرَمِ، فَكَانَ الْإِطْلَاقُ بِالْغَالِبِ أَوْلَى. قَوْلُهُ:(وَهُمْ مِنْ مَسْكَنِهِ) يُرِيدُ أَنَّ فِي عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ تَصْرِيحًا بِالسُّكْنَى بِخِلَافِ عِبَارَةِ الْمِنْهَاجِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَأَنْ تَقَعَ عُمْرَتُهُ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَرَوْنَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ فَشُرِعَ التَّمَتُّعُ رُخْصَةً، لِأَنَّ
أَشْهُرِهِ، أَوْ فِيهَا، وَالْحَجُّ فِي سَنَةٍ قَابِلَةٍ فَلَا دَمَ، وَلَوْ أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ أَشْهُرِهِ وَأَتَى بِجَمِيعِ أَفْعَالِهَا فِي أَشْهُرِهِ فَفِي قَوْلٍ يَجِبُ الدَّمُ وَالْأَظْهَرُ لَا لِتَقَدُّمِ أَحَدِ أَرْكَانِهَا وَلَوْ تَقَدَّمَ بَعْضُ أَفْعَالِهَا فَأَوْلَى أَنْ لَا يَجِبَ الدَّمُ أَيْضًا وَعَلَى الْأَوَّلِ قِيلَ يَجِبُ وَالْأَصَحُّ لَا (وَأَنْ لَا يَعُودَ لِإِحْرَامِ الْحَجِّ إلَى الْمِيقَاتِ) الَّذِي أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْهُ فَلَوْ عَادَ إلَيْهِ أَوْ إلَى مِثْلِ مَسَافَتِهِ، وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَلَا دَمَ وَكَذَا لَوْ عَادَ إلَى مِيقَاتٍ أَقْرَبَ إلَى مَكَّةَ مِنْ مِيقَاتِ عُمْرَتِهِ وَأَحْرَمَ مِنْهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ، لِانْتِفَاءِ تَمَعُّنِهِ وَتَرَفُّهِهِ وَلَوْ أَحْرَمَ بِهِ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ فِي الْأَصَحِّ، ثُمَّ الشَّرْطُ الثَّانِي مَنَاطُ وُجُوبِ الدَّمِ وَالْخَارِجُ بِالْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ كَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَلَا تُعْتَبَرُ هَذِهِ الشُّرُوطُ فِي التَّسْمِيَةِ بِالْمُتَمَتِّعِ وَقِيلَ تُعْتَبَرُ فِيهَا أَيْضًا حَتَّى لَوْ فَاتَ شَرْطٌ مِنْهَا يَكُونُ مُفْرِدًا.
(وَوَقْتُ وُجُوبِ الدَّمِ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ مُتَمَتِّعًا بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، وَلَا تَتَأَقَّتُ إرَاقَتُهُ بِوَقْتٍ وَهُوَ دَمُ شَاةٍ بِصِفَةِ الْأُضْحِيَّةِ وَيَقُومُ مَقَامَهَا سُبْعُ بَدَنَةٍ أَوْ سُبْعُ بَقَرَةٍ (وَالْأَفْضَلُ ذَبْحُهُ يَوْمَ النَّحْرِ) وَيَجُوزُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ بَعْدَ التَّحَلُّلِ مِنْ الْعُمْرَةِ فِي الْأَظْهَرِ وَلَا يَجُوزُ قَبْلَ التَّحَلُّلِ مِنْهَا فِي الْأَصَحِّ (فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ فِي مَوْضِعِهِ) وَهُوَ الْحَرَمُ بِأَنْ لَمْ يَجِدْهُ فِيهِ أَوْ لَمْ يَجِدْ مَا يَشْتَرِيهِ بِهِ فِيهِ (صَامَ) بَدَلَهُ (عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثَلَاثَةً فِي الْحَجِّ تُسْتَحَبُّ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ) لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْحَاجِّ فِطْرُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ فَلَا تَتَقَدَّمُ عَلَى وَقْتِهَا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ
ــ
[حاشية قليوبي]
كَمَا فِي الْمَنْهَجِ: إنَّ اعْتِبَارَ الْحَرَمِ يُؤَدِّي إلَى إدْخَالِ الْبَعِيدِ مَكَّةَ وَإِخْرَاجِ الْقَرِيبِ عَنْهَا لِاخْتِلَافِ الْمَوَاقِيتِ يُقَالُ عَلَيْهِ وَاعْتِبَارُ مَكَّةَ يُؤَدِّي إلَى إدْخَالِ الْبَعِيدِ مِنْ الْحَرَمِ وَإِخْرَاجِ الْقَرِيبِ مِنْهُ لِمَا ذُكِرَ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَأَنْ تَقَعَ عُمْرَتُهُ إلَخْ) هُوَ قَيْدٌ لِلُزُومِ الدَّمِ، وَكَوْنِ الْإِفْرَادِ أَفْضَلَ وَإِلَّا فَالتَّمَتُّعُ أَفْضَلُ وَلَا دَمَ، وَلَا يَتَكَرَّرُ الدَّمُ بِتَكَرُّرِهَا عَلَى الْأَرْجَحِ. وَلَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الدَّمِ قَصْدُ التَّمَتُّعِ وَلَا بَقَاؤُهُ حَيًّا وَلَا وُقُوعُ النُّسُكَيْنِ عَنْ وَاحِدٍ، فَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ وَاحِدٌ لِلْحَجِّ وَآخَرُ لِلْعُمْرَةِ فَتَمَتَّعَ عَنْهُمَا أَوْ اعْتَمَرَ عَنْ نَفْسِهِ وَحَجَّ عَنْ غَيْرِهِ أَوْ عَكْسُهُ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ، ثُمَّ إنْ تَمَتَّعَ بِلَا إذْنِ مُسْتَأْجِرِهِ فَعَلَيْهِ دَمَانِ لِلتَّمَتُّعِ وَاحِدٌ وَلِإِسَاءَتِهِ بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ وَاحِدٌ أَوْ بِإِذْنِهِ فَدَمٌ وَاحِدٌ عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ إنْ أَيْسَرَا مَعًا وَإِلَّا فَالصَّوْمُ عَلَى الْأَجِيرِ وَحْدَهُ. قَوْلُهُ:(وَالْأَظْهَرُ لَا) هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (فَأَوْلَى) هُوَ الْمُعْتَمَدُ.
قَوْلُهُ: (وَالْأَصَحُّ لَا) هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (فِي الْأَصَحِّ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الصُّورَتَيْنِ. قَوْلُهُ: (لِانْتِفَاءِ تَمَتُّعِهِ) يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ الدَّمَ إنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ لِسُقُوطِ مَسَافَةِ الْمِيقَاتِ مِنْ أَحَدِ النُّسُكَيْنِ الَّذِي هُوَ الْحَجُّ هُنَا وَأَحَدُهُمَا فِي الْقَارِنِ الْآتِي. وَلِذَلِكَ سَقَطَ الدَّمُ عَنْهُ إذَا عَادَ إلَى مِيقَاتٍ وَلَوْ أَقْرَبَ مِنْ مِيقَاتِهِ، أَوْ إلَى مَرْحَلَتَيْنِ وَلَوْ بِغَيْرِ مِيقَاتٍ. وَمَتَى سَقَطَ الدَّمُ سَقَطَ الْإِثْمُ أَيْضًا. وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا لَا يُخَالِفُ مَا مَرَّ فِي مَعْنَى تَسْمِيَتِهِ مُتَمَتِّعًا كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَلَا تُعْتَبَرُ هَذِهِ الشُّرُوطُ فِي تَسْمِيَتِهِ مُتَمَتِّعًا الَّذِي هُوَ الْأَصَحُّ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تَتَأَقَّتُ إرَاقَتُهُ بِوَقْتٍ) وَيَتَقَيَّدُ مَكَانُهُ بِالْحَرَمِ. قَوْلُهُ: (وَوَقْتُ وُجُوبِ إلَخْ) وَيَجُوزُ ذَبْحُهُ عِنْدَ إرَادَةِ إحْرَامِهِ لِأَنَّهُ مِمَّا لَهُ سَبَبَانِ. قَوْلُهُ: وَالْأَفْضَلُ ذَبْحُهُ يَوْمَ النَّحْرِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَجَزَ) أَيْ وَقْتَ إرَادَةِ الْأَدَاءِ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا قَبْلَهُ وَعَلِمَ قُدْرَتَهُ بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (أَوْ لَمْ يَجِدْ إلَخْ) أَيْ أَوْ وَجَدَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ زَائِدًا عَلَى الْعُمْرِ الْغَالِبِ كَمَا فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَغَنِيِّ الزَّكَاةِ وَلَوْ وَجَدَهُ لَكِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ فَهُوَ عَاجِزٌ. قَوْلُهُ:(تُسْتَحَبُّ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ) بَلْ تَجِبُ إنْ كَانَ إحْرَامُهُ قَبْلَ يَوْمِ الْعِيدِ بِزَمَنٍ يَسَعُهَا فَأَكْثَرَ وَتَجِبُ بِقَدْرِ مَا أَدْرَكَهُ مِنْهَا إنْ كَانَ إحْرَامُهُ بِقَدْرِ زَمَنٍ لَا يَسَعُهَا فَإِنْ أَخَّرَ مَا أَدْرَكَهُ
ــ
[حاشية عميرة]
الْغَرِيبَ قَدْ يَقْدَمُ قَبْلَ عَرَفَةَ بِأَيَّامٍ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ اسْتِدَامَةُ الْإِحْرَامِ لَوْ أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ بِالْحَجِّ، وَلَا سَبِيلَ إلَى مُجَاوَزَتِهِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، فَرَخَّصَ لَهُ الشَّرْعُ أَنْ يَعْتَمِرَ وَيَتَحَلَّلَ مَعَ الدَّمِ. قَوْلُ الْمَتْنِ:(مِنْ سَنَتِهِ) أَيْ لِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانُوا يَعْتَمِرُونَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَإِذَا لَمْ يَحُجُّوا مِنْ عَامِهِمْ ذَلِكَ لَمْ يُهْدُوا، ثُمَّ كَلَامُ الْكِتَابِ إلَخْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الدَّمِ نِيَّةُ التَّمَتُّعِ، وَلَا وُقُوعُ النُّسُكَيْنِ عَنْ شَخْصٍ، وَلَا بَقَاؤُهُ حَيًّا إلَى فَرَاغِ الْحَجِّ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَفِي الْأُولَى وُجِّهَ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ قَوْلٌ.
قَوْلُهُ: (وَعَلَى الْأَوَّلِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَفِي قَوْلٍ تَجِبُ. قَوْلُهُ: (يَكُونُ مُفْرَدًا) ذَهَبَ إلَيْهِ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ فِيمَا لَوْ فَرَغَ مِنْهَا قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَأَبْقَيَا الْخِلَافَ فِيهَا وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَالْأَفْضَلُ ذَبْحُهُ إلَخْ) خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيَجُوزُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ إلَخْ) لِأَنَّهُ حَقٌّ مَالِيٌّ تَعَلَّقَ بِسَبَبَيْنِ فَجَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا كَالزَّكَاةِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ فِي مَوْضِعِهِ) أَيْ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ ذَبْحُهُ بِأَرْضِ الْحَرَمِ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ لَمْ يَجِدْهُ إلَخْ) يُرِيدُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَجْزِ الْحِسِّيِّ وَالشَّرْعِيِّ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْإِحْرَامِ) كَذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ بِزَمَنٍ، يُمْكِنُهُ فِيهِ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ قَبْلَ الْعِيدِ، وَقِيلَ: يَجِبُ وَلَوْ
صَوْمُ شَيْءٍ مِنْهَا فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَلَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَجَوَّزَ صَوْمَهَا لَهُ الْقَدِيمُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ (وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَيَّ أَهْلِهِ فِي الْأَظْهَرِ) قَالَ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196]، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم «لِلْمُتَمَتِّعِينَ: مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهْدِ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالثَّانِي إذَا فَرَغَ مِنْ الْحَجِّ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] مَسْبُوقٌ بِقَوْلِهِ {ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] فَتُصْرَفُ إلَيْهِ وَكَأَنَّهُ بِالْفَرَاغِ رَجَعَ عَمَّا كَانَ مُقْبِلًا عَلَيْهِ مِنْ الْأَعْمَالِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ تَوَطَّنَ مَكَّةَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْحَجِّ صَامَ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَتَوَطَّنْهَا لَمْ يَجُزْ صَوْمُهُ بِهَا، وَلَا يَجُوزُ صَوْمُهَا فِي الطَّرِيقِ إذَا تَوَجَّهَ إلَى وَطَنِهِ لِأَنَّهُ تَقْدِيمٌ لِلْعِبَادَةِ الْبَدِينَةِ عَلَى وَقْتِهَا
وَقِيلَ يَجُوزُ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ السَّيْرِ أَوَّلَ الرُّجُوعِ وَعَلَى الثَّانِي لَوْ أَخَّرَهُ حَتَّى رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ جَازَ بَلْ هُوَ أَفْضَلُ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، وَفِي قَوْلِ التَّقْدِيمِ أَفْضَلُ مُبَادَرَةٍ إلَى الْوَاجِبِ، وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ لَا يَصِحُّ صَوْمُ شَيْءٍ مِنْ السَّبْعَةِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِأَنَّهُ يُعَدُّ فِي الْحَجِّ (وَيُنْدَبُ تَتَابُعُ الثَّلَاثَةِ وَكَذَا السَّبْعَةُ) وَحُكِيَ قَوْلٌ مُخَرَّجٌ مِنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهَا التَّتَابُعُ. (وَلَوْ فَاتَتْهُ الثَّلَاثَةُ فِي الْحَجِّ) وَرَجَعَ إلَى أَهْلِهِ (فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُفَرِّقَ فِي قَضَائِهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ السَّبْعَةِ) كَمَا فِي الْأَدَاءِ وَالثَّانِي يَقْطَعُ النَّظَرَ عَنْ الْأَدَاءِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكْفِي التَّفْرِيقُ بِيَوْمٍ فِي قَوْلٍ وَالْأَظْهَرُ يُفَرِّقُ بِأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَمُدَّةِ إمْكَانِ سَيْرِهِ إلَى أَهْلِهِ عَلَى الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ لِتَتِمَّ مُحَاكَاةُ الْقَضَاءِ لِلْأَدَاءِ، وَإِنْ قُلْنَا يَجُوزُ لَهُ صَوْمُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كَفَى التَّشْرِيقُ بِمُدَّةِ إمْكَانِ السَّيْرِ، وَاذَا قُلْنَا الرُّجُوعُ الْفَرَاغُ مِنْ الْحَجِّ وَقُلْنَا لَيْسَ لَهُ صَوْمُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَرَّقَ بِأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَفِي قَوْلٍ بِيَوْمٍ وَفِي آخَرَ لَا يَلْزَمُ التَّفْرِيقُ، وَإِنْ قُلْنَا لَهُ صَوْمُهَا لَمْ يَجِبْ التَّفْرِيقُ، وَقِيلَ يَجِبُ بِيَوْمٍ لِيَقُومَ مَقَامَ انْفِصَالِ الثَّلَاثَةِ فِي الْأَدَاءِ عَنْ السَّبْعَةِ بِكَوْنِهَا فِي الْحَجِّ، وَالْحَاصِلُ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ وَمَا بَعْدَ الْخَامِسِ مُتَدَاخِلٌ، وَفِي سَادِسِ مَخْرَجٍ أَنَّهَا لَا تُقْضَى وَيَسْتَقِرُّ الْهُدَى فِي ذِمَّتِهِ بَدَلَهَا وَفَوَاتُهَا بِفَوَاتِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنْ جَوَّزْنَا لَهُ صَوْمَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَبِفَوَاتِ أَيَّامِهِ وَإِنْ تَأَخَّرَ طَوَافُ الرُّكْنِ عَنْهَا لِأَنَّ تَأْخِيرَهُ بَعِيدٌ فِي الْعَادَةِ فَلَا يَقَعُ الصَّوْمُ قَبْلَهُ بَعْدَهَا مُرَادًا مِنْ قَوْله تَعَالَى {ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] وَقِيلَ يَقَعُ.
(وَعَلَى الْقَارِنِ دَمٌ كَدَمِ التَّمَتُّعِ) فِي صِفَتِهِ وَبَدَلِهِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ. (قُلْت) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ. (بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) كَمَا فِي الْمُتَمَتِّعِ الْمُلْحَقِ بِهِ الْقَارِنُ فِيمَا ذَكَرَ بِطَرِيقِ
ــ
[حاشية قليوبي]
مِنْهَا عَصَى، وَكَانَ قَضَاءً وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَ الْإِحْرَامَ بِزَمَنٍ يَسَعُهَا لِأَنَّ تَحْصِيلَ سَبَبِ الْوُجُوبِ لَا يَجِبُ. قَوْلُهُ:(إلَى أَهْلِهِ) أَيْ إلَى وَطَنِهِ الَّذِي تَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ، وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا الْقَضَاءُ وَسَيَأْتِي لَوْ تَوَطَّنَ غَيْرُهُ. قَوْلُهُ:(صَامَ بِهَا) أَيْ مَكَّةَ وَيَجِبُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ بِأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ الَّتِي هِيَ الْعِيدُ وَالتَّشْرِيقُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَتَوَطَّنْهَا إلَخْ) فَلَا عِبْرَةَ بِإِقَامَتِهِ بِغَيْرِ تَوَطُّنٍ. قَوْلُهُ: (وَيُنْدَبُ إلَخْ) نَعَمْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ قَبْلَ يَوْمِ الْعِيدِ بِزَمَنٍ يَسَعُهَا أَوْ بَعْضَهَا وَجَبَ التَّتَابُعُ. قَوْلُهُ: (وَالْأَظْهَرُ يُفَرِّقُ إلَخْ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ) يُفِيدُ اعْتِبَارَ إقَامَةِ مَكَّةَ وَأَثْنَاءَ الطَّرِيقِ مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ. قَوْلُهُ: (الْحَاصِلُ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ) وَهِيَ: عَدَمُ لُزُومِ
ــ
[حاشية عميرة]
تَأَخَّرَ التَّحَلُّلُ عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَصَامَهَا بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَتَحَلَّلَ أَثِمَ، وَصَارَتْ قَضَاءً، وَإِنْ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي الْحَجِّ، لِأَنَّ تَأْخِيرَهُ نَادِرٌ فَلَا يَكُونُ مُرَادًا فِي الْآيَةِ قَالَ الْإِمَامُ: وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ فِي الْحَجِّ إذَا لَمْ يَكُنْ مُسَافِرًا، فَإِنْ كَانَ فَلَا كَصَوْمِ رَمَضَانَ وَضَعَّفَهُ الشَّيْخَانِ.
فَائِدَةٌ: قَالَ الْإِسْنَوِيُّ رحمه الله: حَيْثُ صَارَتْ الثَّلَاثَةُ قَضَاءً فَفِي السَّبْعَةِ قَوْلَانِ فِي تَحْرِيرِ الْجُرْجَانِيِّ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَاَلَّذِي فَهِمْته مِنْ كَلَامِ أَكْثَرِهِمْ الْجَزْمُ بِأَنَّهَا أَدَاءٌ. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي إذَا فَرَغَ مِنْ الْحَجِّ) وَقِيلَ عَلَى هَذَا الْمُرَادُ وَالرُّجُوعُ مِنْ مِنًى بَعْدَ فَرَاغِ أَعْمَالِ الْحَجِّ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيُنْدَبُ تَتَابُعُ الثَّلَاثَةِ إلَخْ) مُبَادَرَةً إلَى فِعْلِ الْوَاجِبِ. قَوْلُهُ: (كَمَا فِي الْأَدَاءِ) يُشْكِلُ عَلَيْهِ عَدَمُ وُجُوبِ التَّفْرِيقِ فِي قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ بِقَدْرِ أَوْقَاتِهَا، فَالْأَحْسَنُ مَا قَالَهُ غَيْرُهُ، لِأَنَّهُ تَفْرِيقٌ وَاجِبٌ فِي الْأَدَاءِ يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ، وَهُوَ الْحَجُّ وَالرُّجُوعُ فَلَمْ يَسْقُطْ بِالْفَوَاتِ كَتَرْتِيبِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ، وَالثَّانِي وَصَحَّحَهُ قَاسَ عَلَى عَدَمِ التَّفْرِيقِ فِي قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ، قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الْأَوْلَى، وَفَارَقَ تَفْرِيقَ الصَّلَوَاتِ لِأَنَّ ذَلِكَ تَفْرِيقٌ يَتَعَلَّقُ بِالْوَقْتِ، وَهَذَا يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ وَهُوَ الرُّجُوعُ وَالْحَجُّ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَالْحَاصِلُ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ) وَهِيَ قَوْلُهُ وَالثَّانِي يَقْطَعُ النَّظَرَ عَنْ الْأَدَاءِ، وَقَوْلُهُ بِيَوْمٍ فِي قَوْلٍ وَقَوْلُهُ وَالْأَظْهَرُ، وَقَوْلُهُ بِمُدَّةِ إمْكَانِ السَّيْرِ وَقَوْلُهُ بِأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ.