‌ ‌التعجب بأَفْعَلَ انطِق بعدَ ما تعجُّبا … أو جئْ بأَفْعِلْ قبل - حاشيتان لابن هشام على ألفية ابن مالك - جـ ١

‌

‌التعجب

بأَفْعَلَ انطِق بعدَ ما تعجُّبا

…

أو جئْ بأَفْعِلْ قبل مجرور ببا

(خ 1)

* [«تَعَجُّبَا»]: أي: إذا تعجَّبت تعجُّبًا، فعاملُه محذوف، أو: للتعجُّب، فعاملُه:«انْطِقْ» ، مثل: افعلْ هذا إكرامًا، أو مصدرٌ في موضع الحال، أي: متعجِّبًا، فعاملُه أيضًا مذكور.

والأولُ ضعيفٌ؛ لأنه

(1)

يرى أن حذف عاملِ المؤكِّد ممنوعٌ منه، فلا يُخَرَّجُ كلامُه على ما يرى بطلانَه

(2)

.

* "أَفْعِلْ به" لفظُه أمرٌ، ومعناه الخبرُ، كما في قوله تعالى:{فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ}

(3)

.

يدلُّك على أن معناه الخبر: أنك تقول: يا زيدُ أَكْرِمْ بعَمْرٍ

(4)

، ويا زيدان أَكْرِمْ بعَمْرٍو، ويا زيودُ أَكْرِمْ بعَمْرٍ؛ لأن المعنى: أَكْرَمَ عَمْرٌ، أي: صارَ ذا كَرَمٍ، كـ

…

(5)

أَحْصَدَ الزرعُ، أي: صار ذا حَصَادٍ، فلمَّا لم يكن في الفعل ضميرٌ للمخاطب وُحِّدَ وذُكِّرَ

(6)

.

(خ 2)

* [«بـ"أَفْعَلَ" انْطِقْ بعد "ما"»]:

مَا أَقْرَبَ الأَشْيَاءَ حِينَ يَسُوقُهَا

…

قَدَرٌ وَأَبْعَدَهَا إِذَا لَمْ تُقْدَرِ

(1)

(2)

* [«بـ"أَفْعَلَ" انْطِقْ بعد "ما"»]:

مَا أَكْثَرَ العِلْمَ وَمَا أَوْسَعَهْ

…

مَنْ ذَا الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يجمّعَهُ

(3)

(4)

* مِنْ تراكيب التعجُّب غيرِ المبوَّبِ لها: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ} الآيةَ

(5)

، «سبحانَ اللهِ، إنَّ المؤمن لا يَنْجُسُ»

(6)

، وقولُ جَرِيرٍ:

غَيَّضْنَ مِنْ عَبَرَاتِهِنَّ وَقُلْنَ لِي:

…

مَاذَا لَقِيتَ مِنَ النَّوَى وَلَقِينَا؟

(7)

وقولُ الآخَر

(8)

:

وَكَيْفَ يُسِيغُ المَرْءُ زَادًا وَجَارُهُ

…

خَفِيفُ المِعَى بَادِي الخَصَاصَةِ وَالجَهْدِ؟

(1)

وقولُ الأَعْشَى:

شَبَابٌ وَشَيْبٌ وَافْتِقَارٌ وَثَرْوَةٌ

…

فَلِلهِ هَذَا الدَّهْرُ كَيْفَ تَرَدَّدَا؟

(2)

(3)

* ع:

مَا أَقْدَرَ اللهَ أَنْ يُدْنِي عَلَى شَحَطٍ

(4)

قال التَّبْرِيزيُّ

(5)

: لفظُه تعجُّبٌ، ومعناه الدعاءُ والطلبُ

(6)

.

* ع: استَدلوا على اسمية "أَفْعَلَ" بأنه يُصغَّرُ، والتصغيرُ مختصٌّ بالأسماء؛ لأنه وَصْفٌ في المعنى بالصِّغَر، ولا يوصَف إلا الأسماءُ؛ لأن الصفة إخبارٌ عن الموصوف، ولا يُخبَر إلا عن الأسماء.

والجوابُ من وجهين:

أحدهما: أنه شاذٌّ، ففي "الصّحَاح"

(7)

تخصيصُه بـ"أَحْسَنَ" و"أَمْلَحَ" فقط.

والثاني: أنه إنما جاز؛ لشَبَهه بالأسماء عمومًا وخصوصًا:

أما عمومًا فمِنْ وجهين: أحدهما: أنه لا يتصرَّفُ، والثاني: أنه لا مصدرَ له.

وأما خصوصًا فإنه شبيهٌ بـ"أَفْعَلِ" التفضيل من وجهين: إشعارُه بالمَزِيَّة، وأنه لا يُبنَى إلا مما يُبنَى منه، ووجهٌ ثالثٌ: أنه على وَزْنه، ووجهٌ رابعٌ: أنه لا يَرفع الظاهرَ

(1)

.

* ع: أنشد ابنُ عُصْفُورٍ في أوائل "شرح الجُمَل"

(2)

:

يَا مَا أُمَيْلِحَ غِزْلَانًا شَدَنَّ لَنَا

…

مِنْ هَؤُلَيَّاءِ بَيْنَ الضَّالِصـ والسَّمُرِ

(3)

ورأيت مَنْ ينشدُه: «يا ما أُحَيْسِنَ»

(4)

، وينشدُه:«هَؤُلَيَّاكُنَّ»

(5)

، وكلاهما خطأٌ، أما الأول فمِنْ جهة الرواية فقط، وأما الثاني فلذلك، ولأن اسم الإشارة إذا كان جمعًا ممدودًا مُلحَقًا كافَ الخطاب لا يلحقها

(6)

"ها" من أوَّله فيما أحفظُ

(7)

.

وتِلْو أفعَلَ انصِبنَّه كما

…

أوفَى خليلينا وأصدق بهما

وحذفَ مَا مِنه تعجبت استبح

…

إن كان عند الحذف معناه يضِح

(خ 1)

ع: قولُه: «وحَذْفَ ما منه تعجب

(1)

»: هذا في "أَفْعَلَ" مُسَلَّمٌ على إطلاقه، وأما في "أَفْعِلْ" فله شرطان:

أحدهما: أن

(2)

يكون كلٌّ من الفعل والفاعل قد عُطف عليه مثلُه.

والثاني: أن يكون المحذوفُ الثانيَ، ويُستغنى عنه بالأول؛ لأنه لم يُسمعْ إلا كذلك، وهو:{أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ}

(3)

.

إلَّا أن المصنِّف خرَّج ذلك على حذف الجار من الثاني، فاستَتَر، ذَكَرَه في "شرح التَّسْهِيل"

(4)

في التنازع، وجوَّز: أَحْسِنْ وأَجْمِلْ بزيدٍ، على ذلك، وأن الأصل: أَحْسِنْ به، على التنازع.

وفيه عندي نظرٌ؛ لأن الاستدلال بالثاني على الأول خلافُ الكثير، فمَنْ قال: إنه يجوز في هذا البابِ الذي لم يُتَصَرَّفْ فيه؟

(5)

* «يَضِحْ» بالضاد المعجمة، أي: إن كان معناه عند الحذف واضحًا، لا بالمهملة؛ لأن قولك: إن كان معناه عند الحذف صحيحًا؛ لا معنى له

(6)

.

(خ 2)

* في "الإِيضَاح الشِّعْري"

(7)

، وقد أَوْرَدَ قولَ الله عز وجل:{أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ}

(8)

،

وأَنشد قولَ أَوْسٍ

(1)

:

تَرَدَّدَ فِيهَا ضَوْؤُهَا وَشُعَاعُهَا

…

فَأَحْصِنْ وَأَزْيِنْ لِامْرِئٍ إِنْ تَسَرْبَلَا

(2)

:

لا يجوز في: أَحْسِنْ بزيدٍ حذفُ الجار والمجرور؛ من حيثُ لم يَجُزْ حذفُ الفاعل.

فأما الجواب عن الآية والبيتِ فإن ناسًا من أهل النظر أجازوا حذفَ الفاعل، وذهب أبو الحَسَن

(3)

إلى ذلك في بعض الأشياء، ومَنْ لم يُجِزْ حذفَ الفاعل -وهو قولُ س

(4)

- جَعَلَ في "أَبْصِرْ" ضميرًا، كما كان في قول أَوْسٍ.

وإنما لم يُجمَع كما يقول: القومُ كَفَوا، إذا لم يُلحِق الجارَّ، فيقول: القومُ كَفَى بهم؛ لأنه يقال: يجوز أن يكون أُضمر على لفظ المفرد دون الجميع؛ لأن هذا الفعل بمنزلة "نِعْمَ" و"بِئْسَ"، فكما لم يُلحقوا علامةَ الجمع هذين الفعلين كذلك لم يُلحَق هذا، وجُعل الفاعلُ على لفظ المفرد، وإن كان في المعنى جميعًا.

وأيضًا فإنه يجوز أن يكون أُجري مُجرى "أَفْعَلَ" الذي في قولهم: ما أَحْسَنَ زيدًا، فكما لم يُجمع الضمير في "أَحْسَنَ" كذلك لم يُجمع في "أَحْسِنْ" و"أَسْمِعْ"؛ من حيث اتَّفقا في المعنى.

وأيضًا فإن هذا الفعل قد جَرى مَجرى الاسمِ في تصحيحهم له؛ أَلَا تَرَاهم قالوا: أَقْوِلْ به، و:

أَطْيِبْ بِرَاحِ الشَّأْمِ صِرْفًا؟

(1)

فكما لم يُظهروا علامةَ الفاعل

(2)

في اسم الفاعل كذلك لم يُظهروا في هذا الفعلِ.

وإن شئت قلت: إنَّ هذا المحذوفَ في حكم الثابت؛ لتقدُّم ما يدلُّ عليه، كما قال

(3)

:

وَنَارٍ تَوَقَّدُ بِاللَيْلِ نَارَا

(4)

ولم يكن هذا في الحكم عطفًا على عاملَيْن؛ لِمَا ثَبَت من التقدير.

ع: تلخَّص من كلامه: أن الإضمار هنا قولُ س، وقوَّةُ كلامِه: أنه قال ذلك نصًّا، ولم يُؤخَذْ منه بالقياس على ما استَقرَّ من قاعدته، واقتَضى كلامُه الجوابَ عمَّا يُورَد من ثلاثة أوجهٍ

(5)

.

* يقال: وَضَحَ الأمرُ -بالضاد المعجمة، ثم بالحاء المهملة- وُضُوحًا، و: أَوْضَحَ، ثلاثيًّا ورباعيًّا: ظَهَرَ، و: الوجهُ: حَسُنَ

(6)

، قال خَلَفُ

(7)

بنُ خَلِيفَةَ الأَقْطَعُ:

كَفَى الهَجْرُ أَنَّا لَمْ نَضِحْ لَكَ أَمْرَنَا

…

وَلَمْ يَأْتِنَا عَمَّا لَدَيْكَ يَقِينُ

(1)

(2)

وفي كلى

(3)

الفعلين قدما لزما

…

منعُ تصرف بحكم حتما

وصُغهما من ذي ثلاث صُرِّفا

…

قابلِ فَضْل تَمَّ غيرِ ذي انتِفا

وَغيرِ ذي وصفٍ يُضاهي أشهلا

…

وغيرِ سالك سبيلَ فُعِلا

(خ 1)

* [«وغيرِ ذِي وَصْفٍ»]: أي: غيرِ فِعلٍ ذي وَصْفٍ

(4)

.

* [«وغيرِ ذِي وَصْفٍ يُضَاهِي "أَشْهَلَا"»]: ع: يدلُّنا على أن المانع من أفعال التعجب

(5)

والألوانِ الثلاثيةِ تقديرُ زيادتِها على الثلاثة، لا أنَّ الخِلْقَةَ كاليد والرِّجْل لا يُتَعَجَّبُ منها؛ أمران:

أحدهما: تصحيحُهم "سَوِدَ" و"عَوِرَ"، وليس ذلك إلا لتقدير الزيادة، فكذا هذا.

والثاني: أن الأول يلزم منه منعُ التعجُّبِ منه مطلقًا، وهو بالإجماع جائزٌ، غايتُه: أنه بغير لفظه، ولو كان المانعُ معنويًّا لم يكن لتحويل الصيغة أثرٌ

(6)

.

(خ 2)

* [«وغيرِ ذِي وَصْفٍ يُضَاهِي "أَشْهَلَا"»]: هذه العبارة أَخْصَرُ وأسهلُ من قولهم: أفعال الألوان والعيوب، وأَسْلمُ عن الاعتراض؛ لأن تلك لا بدَّ أن تُقيَّد العيوبُ فيها بالظاهرة؛ وإلا دَخَل نحو: جَهِلَ، وخِرف

(7)

، ونَهِمَ، وأشملُ؛ لأنه يدخل فيها:

هَيِفَ

(1)

(2)

.

* ع: ينبغي أن يُفهم من قوله: «سَالِكٍ سبيلَ "فُعِلَ"» ، وكونِه لم يقل: وغيرِ فعلِ المفعول؛ أنه إن كان ملازمًا للبناء للمفعول تُعُجِّبَ منه، نحو: وُقِصَ

(3)

، وسُقِطَ في يده، وزُهِيَ زيدٌ، وعُنِيَ الحاجتك

(4)

؛ لأن السالك طريقَ "فُعِلَ" على معنى: السالك جادَّةَ "فُعِلَ"، وجادَّةُ "فُعِلَ": أنه لا يكون لازمًا، بل جائزًا، وذلك أنه إذا جاء الفاعل رجع البناءُ له، أعني: أنك متمكِّنٌ من الرجوع بصيغته إلى صيغة فعل الفاعل.

وفائدةٌ أخرى في قوله: «سَالِكٍ» البيتَ، وكونِه لم يقل: و"فُعِلَ"؛ لأن ذلك يقصُر المنعَ على هذه الصيغة، فيَخرج عنه نحو: قِيلَ، وبِيعَ، باعتبار ظاهرِ أمرِهما، ويَخرج عنه أيضًا نحو: استُخرِجَ المالُ.

فإن قيل: فإنَّ هذا

(5)

لا يُحتاج لإخراجه هنا؛ لأنه قد عُلم أنه لا يُتَعَجَّبُ منه من حيث هو غيرُ

(6)

ثلاثيٍّ.

قلت: قد يُتَوَهَّمُ أن صيغة فعلِ المفعولِ إنما تقتضي المنعَ في الثلاثي، فبَيَّن أنها مانعةٌ في الثلاثي وفي غيره، حتى لو فُرض أن غير الثلاثي يجوز التعجُّبُ منه لم يَجُزِ التعجُّبُ منه إذا بُني للمفعول، ويُستفاد حينئذٍ في نحو: استُخرِجَ مانعان

(7)

، لا مانعًا واحدًا.

ويُعلمُ حينئذٍ أن مَنْ قال في "أَفْعَلَ": إنه يجوز التعجُّبُ منه؛ لكونه على صيغةِ فِعلِ التعجُّبِ؛ أنه لا يُتَعَجَّبُ منه إذا كان مبنيًّا للمفعول

(8)

.

* الصَّيْمَريُّ

(1)

: ولا يُنقَل فعلُ التعجُّب إلا من فِعلِ الفاعل، فأما قولهم: ما أَبْغَضَه إليَّ، وما أَمْقَتَه عندي، وأنت تريد [أنه]

(2)

مَقِيتٌ، وأنه مُبْغَضٌ؛ فإنه مأخوذٌ من: بَغُضَ، ومَقُتَ، وهما فعلُ فاعلٍ

(3)

.

* لَحَّنَ ابنُ

(4)

سِيدَه في كتاب "الإِعْراب عن مَرَاتب قراءةِ الآدابِ"

(5)

أبا الطَّيِب في قوله:

اِبْعَدْ بَعِدتَّ بَيَاضًا لَا بَيَاضَ لَهُ

…

لَأَنْتَ أَسْوَدُ فِي عَيْنِي مِنَ الظُّلَمِ

(6)

؛

لأن الألوان كالخَلْق، فكما لا يقال: ما أَيْدَاه، ولا: ما أَرْجَلَه

(7)

؛ كذلك هذا؛ ولأن أفعال الألوان والعيوبِ في الأصل على "افْعَلَّ" و"افْعَالَّ"، وما يُجاوز الثلاثةَ لا يُتَعَجَّبُ منه.

قال: فأما استشهادُ بعضِهم بقوله

(8)

:

جَارِيَةٌ فِي دِرْعِهَا القضاض

(9)

أَبْيَضُ مِنْ أُخْتِ بَنِي إِبَاضِ

(1)

فَغُفْلٌ مجهولٌ، غيرُ موسومٍ ولا معلومٍ.

وأما قولُ طَرَفَةَ:

إِذ

(2)

الرِّجَالُ شَتَوا واسند

(3)

أَكْلُهُمُ

…

فَأَنْتَ أَبْيَضُهُمْ سِرْبَالَ طَبَّاخِ

(4)

فإنه لا يعني بـ"أَبْيَضَ" هنا صيغةَ المفاضلة، وإنما عَنَى به: الأبيضَ، فكأنه قال: فأنت واضِحُهم -أو: نقيُّهم- سِرْبَالَ طبَّاخِ.

ثم قال: وقد يُتَأَوَّلُ قولُ المُتَنَبِّي على أن "مِنْ" للتبعيض، أي: لَأنت أسودُ في عيني، ولَأنت ظلمةٌ من الظُّلَم، فيكونُ كبَيْت طَرَفَةَ.

ع: جَعَلَ "من الظُّلَمِ" خبرًا ثانيًا

(5)

.

* ع: بَقِيَ عليه من الشروط: وغير مستغنًى عنه بـ: ما أَفْعَلَه، وذلك نحو: أجاب، فقال

(6)

-من القائلة-، وقَعَدَ، وجَلَسَ، وسَكِرَ، ونَامَ

(7)

.

وأَشْدِدَ اوْ أَشَدَّ أَو شِبْهُهُما

…

يخلفُ ما بعضَ الشروط عدما

ومصدرُ العادِم بعدُ ينتصِب

…

وبعدَ أفعِلْ جَرُّه بالبا يجبْ

(خ 2)

* ما فِعْلُه مزيدٌ فيه، وما اسمُ فاعلِه على "أَفْعَلَ" يُؤتى لهما بالمصدر الصريحِ.

وأما ما لا مصدرَ له وهو متصرِّفٌ تصرُّفًا ناقصًا، كـ: يَذَرُ، ويَدَعُ؛ والمنفيُّ؛ والمبنيُّ للمفعول -إن قلنا: إنه لا يجوز: أعجبني ضربُ زيدٍ، وتريد أنه مضروبٌ، حيث لا قرينةَ-؛ والناقصُ -إن قلنا: لا مصدرَ له-؛ فيُؤتى بالمصدر المؤوَّلِ.

وأما ما لا يَتَفَاوتُ أصلًا؛ وما لا يتصرَّفُ أصلًا؛ فلا يُتَعَجَّبُ منها أصلًا

(1)

.

وبالنُدور احكُم لغير ما ذكر

…

ولا تقِس على الذي منه أُثِر

(خ 2)

* [«لغير ما ذُكِر»]: كقولهم: ما أَذْرَعَها، أي: أخفَّها في الغَزْل، من قولهم: امرأةٌ ذَرَاعٌ

(2)

، ولا فِعلَ له، و: أَقْمِنْ به، اشتَقُّوه من: هو قَمِنٌ بكذا، و: ما أَعْسَاه، و: أَعْسِ به، أي: ما أحقَّه، و"عسى" جامدٌ.

قيل: وما أَعْنَاه، وما أَفْقَرَه، وما أَشْهَاه، وما أَحْيَاه، من: اشتَهى، واستَحيا، قال الشيخُ

(3)

: والحقُّ أنهنَّ من: عُنِي، وفَقُر، وشَهِي، ومَقُت.

وقيل: وما أَمْقَتَه، بناءً على أنه من: مُقِتَ، وأنه لم يُبْنَ للفاعل، وليس كذلك، بل قالوا: مَقُتَ.

وقالوا: ما أَخْصَره، من اختُصِرَ

(4)

.

وفعل هذا الباب لن يُقدَّما

…

معمولُه ووصلَه به الزما

وفصله بظرفٍ او بحرف جرّ

…

مستعمل والخلف في ذاك استقر

(خ 1)

* ولكَوْن هذا العاملِ لا يُفصَلُ مَنَع بعضُهم وقوعَ التنازع بين فعلَيْ تعجُّبٍ، وأجازه المصنِّفُ

(1)

بشرط إعمال الثاني، فتقول: ما أَحْسَنَه وأَجْمَلَ زيدًا؛ لأنك لو أعملت الأوَّلَ فَصَلته من معموله بغير الظرف والمجرور، وهو ممتنع بإجماعٍ، وكذا أجاز: أَحْسِنْ به وأَكْرِمْ بزيدٍ، دون: أَحْسِنْ وأَكْرِمْ به بزيدٍ.

ويجوز على قاعدة الفَرَّاءِ

(2)

: أَحْسِنْ وأَكْرِمْ بزيدٍ؛ على أن "بزيدٍ" معمولٌ لهما معًا.

قال: ويجوز على قاعدة ص

(3)

؛ على أن الأصل: أَحْسِنْ به وأَكْرِمْ بزيدٍ، فحُذفت الباءُ، فاتصل الضمير، كما استَتر في الثاني من:{أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ}

(4)

، إلا أن الاستدلال بالأول على الثاني أكثرُ من العكس

(5)

.

* استَدلَّ ابنُ عُصْفُورٍ

(6)

بقولهم: ما أَحْسَنَ بالرجل أن يَصدُق

(7)

، ورُدَّ عليه بوجهين:

الأول: أن التقديم هنا واجبٌ لا جائزٌ؛ لأجل الضمير العائدِ من "يَصدُق" على "الرجل".

وهذا ليس بشيءٍ؛ لأن ذلك

(8)

أدلُّ شيءٍ على الجواز؛ لأنه لولا جوازُه ما وَجَبَ

في صورةٍ

(1)

؛ أَتُرَى يجب ما لا يجوز؟

الثاني: أنه يَحتَمِل أن تكون الباءُ زائدةً، وأنَّ "يَصدُق" بدلُ اشتمالٍ.

وهذا

(2)

ممكنٌ؛ إلا أنه بعيدٌ، لا يَتَبَادَرُ إلى الذهن، فلا ينبغي الالتفاتُ إليه.

الإيرادانِ لأبي

…

(3)

، فيما رأيتُ بخطِّ بعضِ أصحاب

…

(4)

(5)

.

(خ 2)

* [«والخُلْف في ذاك استقرّْ»]: الصحيحُ الجوازُ، وليس لس فيه نصٌّ.

قال الشَّلَوْبِينُ

(6)

: حكى الصَّيْمَريُّ

(7)

أن مذهب س

(8)

منعُ الفصلِ بالظرف

(9)

، والصوابُ الجوازُ، وهو المشهورُ والمنصورُ.

وقال السِّيرَافيُّ

(10)

في قول س

(11)

: ولا يُزيل

(12)

شيئًا عن موضعه: إنما أراد: أنك تُقدِّم "ما"، وتُولِيها الفعلَ، ويكونُ الاسمُ المتعجَّبُ منه بعد الفعل، ولم يتعرَّض للفصل.

قال الناظمُ

(13)

: ويؤيِّد الجوازَ:

أُقِيمُ بِدَارِ الحَرْبِ مَا دَامُ حَرْبُهَا

البيتَ

(1)

،

وقولُ عَمْرِو

(2)

بنِ مَعْدِي كَرِبَ

(3)

: «ما أَحْسَنَ في الهَيْجاء لقاءَها، وأَكْثَرَ في اللَزْبات عطاءَها»

(4)

.

اللَزْبَةُ -بسكون الزاي-: شدَّةٌ وقَحْطٌ، قال الجَوْهَريُّ

(5)

: اللَزْبَةُ: السَّنَةُ، وجمعُها: لزيات

(6)

(7)

.