الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الخامس
(من قواعد التفسير العلمي - الإعجاز العلمي للقرآن الكريم)
القواعد التي يجب أن تُراعى عند تفسير القرآن تفسيرًا علميًا
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
فبينا أن الذين رفضوا التفسير العلمي رفضًا مطلقًا ليسوا على صواب، وكذلك المتساهلون في التفسير العلمي ليسوا على صواب، لكن لا مانع أن نفسر القرآن الكريم تفسيرًا علميًّا، لكن بحسب قواعد وضوابط يلتزم بها المفسر، وهو يفسر القرآن بالعلوم الحديثة؛ فلا بد أن يراعي هذه القواعد. نذكر من هذه القواعد:
أولًا: هذه النزعة التفسيرية محفوفة بالمخاطر صعبة المراس فيجب أن تؤخذ بالكثير من الحيطة والحذر، والتسلح بالعلوم الدينية والدنيوية معًا فلا يقتصر اهتمام أصحابها على ما برعوا فيه من علم دنيوي فقط؛ لأنهم أمام أخطرِ عملٍ يمارسه الإنسان ألا وهو بيانُ كتاب الله سبحانه وتعالى.
ثانيًا: القرآن كتاب هداية إلى أحسن حال، وأعظم مآل، وقد نزل ليضع الخطوط العريضة لهذا الحال وذاك المآل، وليس من وظيفة القرآن التعرض لتفاصيل العلوم الدنيوية؛ فتلك متروكة للناس واجتهادهم، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم للناس:((إن كان شيئًا من أمرِ دنياكم، فشأنكم به، وإن كان من أمر دينكم فإليَّ)) أخرجه ابن ماجه في كتاب الرهون باب 15. لكننا نجد في القرآن لفتاتٍ علميةً تزرع في قلب المتشكك اليقين، وتزيد المؤمن إيمانًا على إيمانِهِ، فالقرآنُ منهجٌ إلهي لسعادة الفرد، وسلامة المجتمع فيه لفتات علميةٌ تخاطب العقل؛ لتثبت له أنه وحي يوحى من عند الله، لفتات كونية، وأخرى طبيعية، وغيرها أنزلت على قلب المصطفى صلى الله عليه وسلم لتكون معجزات ٍ خالدةً على مرِّ الزمان تثبِّت الإيمان بالله، وتزيد من يقين المؤمن بكتاب الله، وترفع دعائمَ بناءٍ شامخٍ في القلب والفكر على أن سيدنا محمدًا الأمي صدقًا وحقًّا رسول من عند الله.
ثالثًا: حينما يشير القرآن إلى تلك الكونيات؛ فإنه يتحدث عنها بأسلوب لا يتعارض إطلاقًا مع أيِّ حقيقةٍ علميةٍ ثابتة، وهذا شيء بدهي؛ لأن القرآن قول الله، والكون فعل الله، ويستحيل أن يتعارض قول الله مع فعل الله.
رابعًا: يجب علينا أن ننظر إلى ما في القرآن على أنه حقائق فما وافق من الاكتشافات الحديثة على وجه اليقين قبلناه فمعنى هذا أننا لا نريد أن نثبت القرآن بالعلم، بل إن العلم هو الذي يجب أن يثبت، ويلتمس الدليل من آيات القرآن؛ ذلك أن القرآن أصدق من أيِّ علمٍ من علومِ الدنيا، ومن أي علم في هذا العالم؛ لأن مكتشف هذا العلم أو مخترعه بشر، وقائل القرآن هو الله سبحانه وتعالى.
خامسًا: لا يجوز لنا أن نعدل عن حقيقة اللفظ القرآني، ونتجه إلى معنى مجازي إلا إذا كانت هناك قرائن قوية تحيل الأخذ بحقيقة اللفظ، وقد وقع كثيرٌ من العلماء في أخطاء جسيمة حينما عدلوا عن حقيقة اللفظ إلى معنى مجازي دون أي مبرر لذلك، وقد لوحظ على آيات القرآن أن التطابق بينها وبين العلوم الحديثة يكون أتم إذا ما روعيت هذه القاعدة بكل دقة.
سادسًا: الحقائق العلمية الثابتة التي لا تقبل النقد ولا التعديل هي المعتبرة في مجال التفسير العلمي للقرآن، أما النظريات التي تحت التجربة، والخاضعة للفحص، والتمحيص، فلا مكَانَ لَهَا في هذا المجال فالآيات القرآنيةُ حقائق ثابتة فلا تفسر إلا بحقائق ثابتة.
سابعًا: يجب مراعاة معاني المفردات على النحو الذي كانت مستعملة فيه أثناء نزول القرآن والحذر مما طرأ عليها من تطور بعد العهد النبوي.
ثامنًا: عدم التحرر من أي قاعدة نحوية؛ فالقرآن عربي نزل بلسان عربي جارٍ على ما أَلِفُوهُ من قواعد ودلالات.
تاسعًا: يجب مراعاة الأساليب البلاغية بصورها المتعددة، ودلالاتها المتنوعة.
عاشرًا: إن من خصائص الأسلوب القرآني أن عبارته حمالة أي تحتمل في كثير من الأحيان أكثر من معنى صحيح، ولا يوجد تناقض بين كل هذه المعاني. وعلى ذلك فمن المرفوض علميًّا قصر اللفظ على معنى واحدٍ وردِّ بقية المعاني الصحيحة الأخرى دون مرجح.
الحادي عشر: يجب الجمع بين كل الآيات القرآنية التي تتحدث عن موضوع واحد من هذه الموضوعات الكونية فلا تترك آية في نفس الموضوع بل لا تترك آية تتصل بالموضوع ولو من بعيد؛ لأن كثيرًا من الآيات لا يمكن فهمُهُ إلا بفهم كل ما يتصل بهذه الآية.
الثاني عشر: يستحيل أن يتعارض شيء من قرآن الله تعالى مع شيء ثابت من ثوابت هذا الكون؛ لأن القرآن كتاب الله المسطور، والكون كتابه المنظور؛ فهما صادران من مشكاة واحدة.
الثالث عشر: يستحيل أن تتعارض آية من القرآن الكريم مع آية أخرى منه ومن ظن ذلك فمرجع ظنه إلى جهله وسوء فهمه.
هذه هي قواعد التفسير للعلوم الحديثة، فإذا ما فسر مفسرٌ آية بما ظن أنه حقيقة علمية بينما الأمر ليس كذلك حيث ظهر له ما ينقض تفسيره هذا؛ فإن النقد حينئذ يجب أن يتوجه إلى التفسير لا إلى النص القرآني لأن النص القرآني ثابت لا يتغير، وألفاظه حمالة بوجوهٍ كثيرة؛ فلا نفرض عليه رأي باحث لم يعرف عن ذاته إلا النادر فضلًا عن جهله التام بأسرار هذا الكون العظيم، ومعاني القرآن الكريم.
هذه هي أهم قواعد التفسير العلمي الحديث فإذا ما طبقناها وعرفناها جاء التفسير غير مصادم للنص القرآني، وبهذا يتبين أنه لا عداوة بين العلم والدين، ولا تناقض أبدًا بين الدين والعلم؛ لأن القرآن لم يعارض العلم فليس هناك آية في القرآن تشيرُ إلى علومٍ كونية، وتتناقض مع العلم؛ فإن التناقض بين الدين والعلم غير متصور؛ لأنهما يعملان لتحقيق غرض واحد وهو تفسير الكون تفسيرًا صحيحًا، والعمل على تعميره بما يحقق سعادةَ من فيه، فإذا انفَصَلَ أحدهما عن الآخر لم يتحقق ذلك الهدف؛ إنهما جناحان لطائر واحد يريد أن يصل إلى أسعد حال، وأعظم مآل، وإن شئت قلت: هما كالإطارين لدراجة واحدة لا يمكن السير بها إلا بهما معا وفي حالة جيدة.
فالانقطاع للعبادة لا يعمر الكون، والعلم بدون الدين وأخلاقه يدمر هذا الكون، وعلى ذلك فلابد للإنسان، بل وللكون أيضًا من الدين والعلم معًا فما جدوى التدين إذا ترك الإنسان عمارة الكون، وأهمل تعلم ما به يقي نفسه من أمراض الجسد، وما به يستخدم كنوز الدنيا، وينتفع بها على أحسن وجه، وما جدوى العلم إذا لم يقترن بمبادئ تهذبه، وأخلاق تقومه ليرفع الإنسانية إلى أعلى عليين من مهبطها في أسفل سافلين.
إن أمامنا نماذج كثيرة ممن ظنوا أن الدين يعني الانقطاع للعبادة، ونماذج أخرى لمن ظنوا أن العلم يغني عن الدين، الأولون عاشوا الفقر والمرض والجهل والذل والآخرون عاشوا عيشة الخواء الروحي، والأمراض النفسية والتوترات العصبية، والاضطرابات السلوكية، فلم يغنِ عنهم علمهم هذا، بل كان هو السبب في معظم أمراضهم، وسوء أحوالهم. لقد هوى بهم هذا العلم الخالي من أخلاق الإسلام وتعاليم رب الكون لما فيه ومن فيه إلى مستنقعات الرذيلة، وشريعة
الغاب، فسفكوا دماء الأبرياء وهتكوا أعراض النساء، وجعلوا الحياة فوضى بلا مبدأ، ولا هدف حتى طمس الإنسانُ فطرته التي خُلِقَ عليها؛ فرأينا المرأة استرجلت، وشاهدنا من الرجال نوعًا ثالثًا فلا هم رجال لهم صفات الرجولة الشريفة، ولا هم نساء لهم صفات الأنوثة وأعضاؤها، وإنما هم بين بين لهم من الرجال أعضاؤهم، ومن النساء صفاتهن، وسلوكهن الشائن.
إن القول بالعداوة بين الدين والعلم برز بصورةٍ واضحةٍ في القرنين الثامن عشر، والتاسع عشر حينما اكتشف العلماء كثيرًا من أسرار هذا الكون فظنوا أن الدينَ وهْمٌ، وأنهم ليسُوا بحاجةٍ إليهِ، واعتقدوا أن هذا النظام البديع للكون ناتج عن تلك الأسباب. إن هؤلاء الذين يزعمون أنهم باكتشافاتهم هذه قد وقفوا على أن الكون لا إله له، إنما هم في غاية الجهل؛ لأنهم لم يكتشفوا إلا أسلوب العمل في الطبيعة، وهذا في حد ذاته لا ينافي وجود الإله بل هو أدعى إلى القول بوجوده، وآكد للتساؤل عمن أوجد هذا الأسلوب، وأبدع تلك الأسرار، وسبب تلك الأسباب. لطائرة تقلع من مكان وتهبط في مكان ما أول شيء يتبادر إلى ذهنك؟ إنه هو هذا السؤال كيف أقلعت وكيف طارت وكيف هبطت؟ وبعد وقوفه على أسباب ذلك أيستطيع أن يزعم بعدم وجود قائد خلف هذا الإقلاع والطيران والهبوط إننا يجب أن نعترف بمن صنع تلك الطائرة وأجهزتها، ووضع قواعد إقلاعها وطيرانها وهبوطها فلا يمكن للطائرة أن تعمل كل هذا العمل إلا من خلال أياد كثيرة، وقفت وراءها.
إن فرية العداء بين الدين والعلم ظهرت واضحة في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، لكن القرن العشرين يهدم فرية العداء بين الدين والعلم؛ لأن العلم قد وافق الحقائق الموجودة في الآيات القرآنية، إذًا لا عداء بين الدين والعلم، بل