الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرح قوله تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}
بعد ذلك نأتي إلى شرح قوله تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (الإسراء: 36).
أولًا: نأتي إلى كلام فضيلة الإمام الشيخ محمد متولي الشعراوي، في حكمة تقديم {السَّمْعَ} على َ {الْبَصَر} َ في القرآن الكريم.
ينقل صاحب كتاب (الإعجاز العلمي في القرآن والسنة) جمع وتخريج المهندس نايف منير فارس، ينقل عن الشيخ الشعراوي هذه الحكمة، فيقول: الإنسان حين يفقد بصره يفقد كل شيء، يعيش في ظلام دائم، لا يرى شيئًا على وجه الإطلاق يصطدم بكل شيء، ولكن حين يفقد سمعه فإنه يرى، وحينئذٍ تكون المصيبة أهون، ولكن الله سبحانه وتعالى حين يذكر السمع يقدمه دائمًا على البصر، إن هذا من إعجاز القرآن الكريم، لقد فضل الله سبحانه وتعالى السمع على البصر؛ لأنه أول ما يؤدي وظيفته في الدنيا؛ لأنه أداة الاستعداد في الآخرة، فالأذن لا تنام أبدًا، إن السمع أول عضو يؤدي وظيفته في الدنيا، فالطفل ساعة الولادة يسمع عكس العين، فإنها لا تؤدِّي مهمتها لحظة مجيء الطفل إلى الدنيا.
فكأنَّ الله سبحانه وتعالى يريد أن يقول لنا: إن السمع هو الذي يؤدي مهمته أولًا، فإذا جئت بجوار طفل ولد منذ ساعات وأحدثت صوتًا مزعجًا، فإنه ينزعج ويبكي، ولكن إذا قربت يدك من عين الطفل بعد الميلاد مباشرة، فإنه لا يتحرك ولا يحسّ بالخطر، هذه واحدة.
وإذا نام الإنسان فإن كل شيء يسكن فيه إلا سمعه، إنك إذا أردت أن توقظ النائم، ووضعت يدك قرب عينه فإنه لا يحس، ولكنك إذا أحدثت ضجيجًا بجانب أذنه، فإنه يقوم من نومه فزعًا، هذه الثانية.
أما الثالثة فهي أن الأذن هي الصلة بين الإنسان والدنيا، فالله سبحانه حين أراد أن يجعل أهل الكهف ينامون مئات السنين، قال: {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ
سِنِينَ عَدَدًا} (الكهف: 11)، ومن هنا عندما تعطَّل السمع، استطاعوا النوم مئات السنين دون أي إزعاج، ذلك أن ضجيج الحركة في النهار، يمنع الإنسان النوم العميق، وسكونها بالليل يجعله ينام نومًا عميقًا، وهي لا تنام ولا تغفل أبدًا.
على أن هناك شيئًا آخر نلاحظه، هو أن الله سبحانه وتعالى يأتي بكلمة {السَّمْعَ} مفردة دائمًا، وكلمة الأبصار مجموعة، يقول الله سبحانه وتعالى في سورة فصلت:{وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ} (فصلت: 22)، لماذا تأتي كلمة {السَّمْعَ} مفردة وكلمة {وَالْبَصَرَ} مجموعة، مع أنه يمكن أن يقول أسماعكم وأبصاركم، وكان من المنطقي أن يكون هناك سمع وبصر أو أسماع وأبصار، ولكن الله سبحانه وتعالى بهذا التعبير الدقيق، أراد أن يكشف لنا دقة القرآن الكريم، فالبصر حاسَّة يتحكم فيها الإنسان بإرادته، فأنا أستطيع أن أ ُ بصر ولا أ ُ بصر، وأستطيع أن أُغمض عيني عما لا أريد أن أراه أو أدير وجهي، أو أدير عيني بعيدًا عن الشيء الذي أريد أن أتجاهله، ولكن الأذن ليس لها اختيار في أن تسمع أو لا تسمع، فأنت في حجرة يتكلم فيها عشرة أشخاص، تصل أصواتهم جميعًا إلى أذنيك، سواء أردت أو لم ترد، أنت تستطيع أن تدير بصرك، فترى منهم من تريد أن تراه، ولا ترى مَن لا تريد رؤيته، ولكنك لا تستطيع أن تسمع ما تريد أن تسمعه، ولا تسمع ما لا تريد، قد تتجاهله وتحاول أن تبدو وكأنك لم تسمعه، ولكنه يصل إلى أذنيك، سواء أردت أو لم ترد.
إذًا فالأبصار تتعدد، أنا أرى هذا وأنت ترى هذا وثالث يرى هذا، إلى آخر تعدد الأبصار، وإنسان يغمض عينيه فلا يرى شيئًا، ولكن بالنسبة للسمع فنحن جميعًا، ما دمنا جالسين في مكان واحد، فكلنا نسمع نفس الشيء، ومن هنا اختلف البصر، ولكن توحَّد السمع؛ كل واحد له بصر ينظر به إلى المكان الذي