الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والكتاب مملوء بالاستنتاجات المؤكدة لحقيقة الخلق، وعظيمة الخالق، وإن جاءت كلها مغلفة بسحابةٍ من الاستحياء، والتردد الشديدين.
القرآن الكريم وخلق السموات والأرض
في ظل سيادة الاعتقاد الخاطئ بأن الكون الذي نحيا فيه كان منذ الأزل وسيبقى إلى الأبد، وأنه كون لا نهائي لا تحده حدود، وأنه كونٌ ساكن ثابت في مكانِه لا يتغير، وأن النجوم مثبتةٌ في السماء التي تدور بنجومِهَا كقطعة واحدة حول الأرض، وأن الكون شاملٌ للعناصر الأربعة التراب، والماء، والهواء والنار، وحول هذه الكُرَات الأربع تدور السماء بنجومها، وغير ذلك من الخرافات والأساطير.
في هذا الوقت جاء القرآن الكريم مؤكدا أن الكون مخلوق له بداية، ولابد أن ستكون له في يوم من الأيام نهاية، وأنه محدود بحدود لا يتجاوزها، وإن كنا لا نستطيع أن ندركها. ومؤكِّدًا أن جميع أجرام السماء في حركة دائبة وجري مستمر إلى أجل مسمى وأن السماء ذاتها في توسع دائب إلى أجل مسمى، وأن السموات والأرض كانتا في الأصل جرمًا واحدًا، ففتقهما الله؛ فتحولت مادة هذا الجرم الأولي إلى الدخان الذي خلقت منه الأرض والسماء، وأن هذا الكون سوف يطوى ليعود كهيئتِهِ الأولى جرمًا واحدًا مفردًا، يتفتق مرة أخرى إلى سحابة من الدخان، تخلق منها أرض غير أرضنا الحالية، وسموات غير السموات التي تظلنا في حياتنا الدنيا.
وهنا تتوقف رحلة الحياة الأولى وتبدأ رحلة الآخرة. وفيها الحياة أبدية خالدة خلودًا بلا موت قال سبحانه: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السموات وَالْأَرْضَ كَانَتَا رتقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} وقال
تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (فصلت: 11) وقال تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} (الأنبياء: 104) وقال تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسموات وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} (إبراهيم: 48).
هذه الآيات القرآنية الكريمة تشير إلى عدد من حقائق الكون الكبرى والتي منها ابتداء خلق الكون من جرم أولي واحد مرحلة الرتق الأول فتق هذا الجرم الأولي، أي انفجاره مرحلة الفتق الأول تحول المادة في الجرم الأول عند فتقه إلى دخان مرحلة الدخان، خلق كل من الأرض والسموات من الدخان الكوني مرحلة الإتيان بكل من الأرض والسماء، توسع الكون منذ اللحظة الأولى لخلقه وإلى أن يشاء الله، حتمية عودة الكون بكل ما فيه وما فيه إلى جرم ابتدائي واحد مشابه تماما للجرم الأولي الذي ابتدئ منه الخلق مرحلة الرتق الثاني أو طي السماء أو الانسحاق الشديد للكون، حتمية فتق هذا الجرم الثاني أي انفجاره مرحلة الفتق للرتق الثاني حتمية تحول الرتق الثاني بعد فتقه إلى سحابة من الدخان الكوني، إعادة خلق أرض غير أرضنا الحالية وسموات غير السموات التي تظللنا اليوم وبداية رحلة الآخرة وهي دار الخلود.
{أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السموات وَالْأَرْضَ كَانَتَا رتقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} والرتق في اللغة عكس الفتق لأن الرتق هو الضم والالتحام والالتئام سواء كان ذلك طبيعيا أو صناعيا، والفتق لغة هو الفصل والشق والانشطار، والقرآن الكريم هنا يعطي الصورة الكاملة الجامعة لهذا الحدوث الكوني العظيم ويترك التفاصيل لجهود العلماء والمفكرين الذين يفكرون في خلق السموات والأرض. هذا السبق القرآني بحقيقة الفتق بعد الرتق يجعلنا نرتقي بنظرية الانفجار الكوني العظيم إلى مقام الحقيقة ونكون هنا قد انتصرنا بالقرآن الكريم للعلم المكتسب، وليس
العكس، والسبب في لجوءنا إلى تلك النظرية لحسن فهم دلالة الآية القرآنية رقم 30 من سورة الأنبياء هو أن العلوم المكتسبة لا يمكن لها أن تتجاوز مرحلة التنظير في القضايا التي لا تخضع لحس الإنسان المباشر.
هذا السبق القرآني بالإشارة إلى حقيقة الفتق بعد الرتق أو ما يعبر عنه بالانفجار الكوني العظيم، وإلى حقيقة توسيع السماء أو تمدد الكون وإلى حقيقة الخلق من الدخان وإلى حقيقة الرتق بعد الفتق وإلى حقيقة إعادة خلق أرض غير الأرض وسموات غير السموات الحالية، وإلى العديد غيرها من الحقائق التي صاحبت خلق السموات والأرض هذه الآية الكونية {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السموات وَالْأَرْضَ كَانَتَا رتقًا} (الأنبياء: 30) تشهد بإعجاز القرآن وأنه من عند الله سبحانه، أفلا يعقلون، أفلا يفكرون، أفلا يتدبرون.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.