المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تتمة الحديث عن الدلالات العلمية لآية سورة الحج - الإعجاز العلمي في القرآن الكريم - جامعة المدينة

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 التفسير العلمي: تعريفه - كثرة القائلين به - مؤلفاته

- ‌معنى التفسير العلمي

- ‌التوسع في هذا النوع من التفسير وكثرة القائلين به

- ‌نماذج لمؤلفات التفسير العلمي في العصر الحديث

- ‌الدرس: 2 أهم الكتب التي عنيت بالتفسير العلمي

- ‌تتمة الحديث عن نماذج لمؤلفات التفسير العلمي في العصر الحديث

- ‌منهج الشيخ طنطاوي جوهري في كتاب (الجواهر)

- ‌الدرس: 3 تابع: أهم الكتب التي عنيت بالتفسير العلمي - المعارضون للتفسير العلمي

- ‌نماذج من تفسير الشيخ طنطاوي جوهري في كتابه (الجواهر)

- ‌المعارضون والمنكرون للتفسير العلمي

- ‌الدرس: 4 التفسير العلمي بين المؤيدين والمعارضين والمتساهلين

- ‌تتمة الكلام عن المعارضين والمنكرين للتفسير العلمي

- ‌التفسير العلمي بين المؤيدين والمعارضين والمتساهلين

- ‌الدرس: 5 من قواعد التفسير العلمي - الإعجاز العلمي للقرآن الكريم

- ‌القواعد التي يجب أن تُراعى عند تفسير القرآن تفسيرًا علميًا

- ‌قضية الإعجاز العلمي للقرآن الكريم

- ‌الإعجاز القرآني

- ‌وجوه إعجاز القرآن

- ‌الدرس: 6 الضوابط اللازمة للتعامل مع قضية الإعجاز العلمي

- ‌معنى إعجاز القرآن الكريم

- ‌الضوابط اللازمة للتعامل مع قضية الإعجاز العلمي للقرآن الكريم

- ‌الدرس: 7 الفرق بين الإعجاز العلمي والتفسير العلمي

- ‌بيان الفرق بين الإعجاز العلمي والتفسير العلمي

- ‌قضية توسيع الكون

- ‌الدرس: 8 انفجار الكون في بداية الخلق - خلق السموات والأرض

- ‌المفسرون وقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السموات وَالْأَرْضَ كَانَتَا رتقًا فَفَتَقْنَاهُمَا}

- ‌العلوم المكتسبة وعملية الانفجار العظيم

- ‌بقايا الإشعاع الكوني كدليل على الانفجار العظيم

- ‌تصور بقايا الدخان الكوني دليل على عملية الانفجار العظيم

- ‌القرآن الكريم وخلق السموات والأرض

- ‌الدرس: 9 شرح قوله تعالى: {ثم استوى إلى السماء وهي دخان

- ‌المفسرون وقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ

- ‌دخانية السماء بعد الانفجار الكوني العظيم

- ‌الفيزياء الفلكية ودخانية الكون

- ‌تصوير الدخان الكوني

- ‌انتشار مختلف صور الطاقة بالكون، ووحدة القوى في الكون

- ‌الدرس: 10 شرح قوله تعالى: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا

- ‌ذكر الآيات التي أجملت خلق السموات والأرض

- ‌المفسرون وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا

- ‌علوم الكون وخلق السموات والأرض

- ‌تخليق العناصر في الكون الابتدائي

- ‌مراحل خلق الكون عند كل من الفلكيين والفيزيائيين

- ‌دعوة قرآنية لإعادة التفكير

- ‌الدرس: 11 الإعجاز في ضرب المثل بالذباب

- ‌عرض موجز لسورة الحج التي ذكرت فيها الآية

- ‌من أسس العقيدة الإسلامية في سورة الحج

- ‌من العبادات المفروضة والإشارات الكونية في سورة الحج

- ‌أقوال المفسرين في تفسير الآية، والدلالات العلمية فيها

- ‌الدرس: 12 تابع الإعجاز في ضرب المثل بالذباب - ضرب المثل بالبعوضة

- ‌تتمة الحديث عن الدلالات العلمية لآية سورة الحج

- ‌عرض موجز لسورة البقرة التي ذكرت فيها آية البعوضة

- ‌من مكارم الأخلاق التي دعت إليها سورة البقرة

- ‌من القصص القرآني في سورة البقرة

- ‌الدرس: 13 تابع: الإعجاز في ضرب المثل بالبعوضة

- ‌من الإشارات الكونية في سورة البقرة

- ‌أقوال المفسرين في توجيه الآية، والدلالات العلمية فيها

- ‌الدرس: 14 شرح قوله تعالى: {والبحر المسجور}

- ‌عرض موجز لسورة الطور التي ذكرت فيها الآية

- ‌من شروح المفسرين لقوله تعالى: {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ}

- ‌الدرس: 15 تابع: شرح قوله تعالى: {والبحر المسجور} - قوله: {ألم نجعل الأرض مهادا

- ‌تتمة الحديث عن شرح المفسرين لقوله تعالى: {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ}

- ‌عرض موجز لسورة النبأ التي ذكرت فيها الآية

- ‌أقوال المفسرين في هذه الآية

- ‌الدرس: 16 تابع: شرح قوله تعالى: {ألم نجعل الأرض مهادا…} - قوله: {والجبال أرساها

- ‌تتمة أقوال المفسرين في هذه الآية

- ‌من الدلالات العلمية للآيتين الكريمتين

- ‌من الدلالات العلمية لقوله تعالى:} وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا

- ‌الدرس: 17 تابع: شرح قوله تعالى: {والجبال أرساها…} - قوله: {يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل}

- ‌تتمة الحديث عن الدلالات العلمية لقوله تعالى: {وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا

- ‌تثبيت الحبال لكوكب الأرض

- ‌عرض موجز لسورة الزمر التي ذكرت فيها الآية

- ‌الإشارات الكونية في سورة الزمر

- ‌الدلالة اللغوية لقوله تعالى: {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ}

- ‌من شروح المفسرين في تفسير الآية

- ‌الدرس: 18 تابع: شرح قوله تعالى: {يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل} - قوله: {وأوحى ربك إلى النحل

- ‌أول من قال بكروية الأرض

- ‌كروية الأرض في القرآن الكريم

- ‌إعجاز القرآن في آية تكو ن الشراب الذي يخرج من بطون النحل

- ‌التحقيق العلمي

- ‌الدرس: 19 تابع: شرح قوله تعالى: {وأوحى ربك إلى النحل

- ‌عسل النحل، وغذاء الملكات، وشمع النحل، والعَكْبَر أو صمغ النحل

- ‌وجه الإعجاز في الآيتين الكريمتين

- ‌الدرس: 20 شرح قوله تعالى: {ألم تر أن الله يزجي سحابا

- ‌المعاني اللغوية وأقوال المفسرين حول الآية

- ‌التحقيق العلمي للآية

- ‌الدرس: 21 شرح قول الله تعالى: {وهو الذي مرج البحرين

- ‌المعاني اللغوية وأقوال المفسرين حول الآية

- ‌التحقيق العلمي

- ‌وصف الحاجز بين البحرين

- ‌الدرس: 22 تابع: شرح قوله تعالى: {وهو الذي مرج البحرين…} - قوله: {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا}

- ‌ما جاء في بحث الظواهر البحرية

- ‌أوجه الإعجاز في قوله تعالى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ}

- ‌شرح قوله تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}

- ‌ذكر السمع قبل البصر في القرآن الكريم والحديث الشريف

- ‌الإعجاز العلمي في القرآن الكريم في السمع والبصر والفؤاد

الفصل: ‌تتمة الحديث عن الدلالات العلمية لآية سورة الحج

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس الثاني عشر

(تابع الإعجاز في ضرب المَثَل بالذباب - ضرب المَثَل بالبعوضة)

‌تتمة الحديث عن الدلالات العلمية لآية سورة الحج

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

سنتابع شرح قوله تعالى: {وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ} (الحج: 73) ونتابع الدلالات العلمية لهذا النص الكريم:

تستمد الذبابة مهاراتها الفائقة في الإقلاع والطيران والهبوط من التصميم المثالي لجسدها ولأجنحتها؛ إذ إن النهايات السطحية للأوردة المنتشرة في تلك الأجنحة تحمل شعيرات حساسة جدا لقياس ضغط الهواء واتجاه الريح، كذلك فإن أجهزة الحس الموجودة تحت الأجنحة وخلف رأس الذبابة تقوم بنقل معلومات الطيران إلى دمائها باستمرار، ثم إلى رأسها الذي يرسل أوامر إلى العضلات باستمرار أيضا؛ لتوجيه الأجنحة في الاتجاه الصحيح، وبذلك يتم توجيه الذبابة في أثناء الطيران بدقة وإحكام فائقين، مما يعينها على إصابة الهدف وتجنب المخاطر بكفاءة عالية.

ويعين الذباب في ذلك أيضا عينان مركبتان لا يزيد حجم الواحدة منها على نصف المليمتر مكعب، وتتكون كل عين منهما من ستة آلاف عيينة سداسية لها القدرة على الرؤية في جميع الاتجاهات، وكل واحدة من هذه العيينات مرتبطة مع ثمانية أعصاب مستقبلة للضوء؛ اثنان منها للألوان وستة متخصصة في ضبط تحركات الذبابة؛ لأنها تكشف كل شيء في المجال البصري لها، وبذلك يكون مجموع الخيوط العصبية في الواحدة من عيني الذبابة ما يقدر بثمانية وأربعين ألف خيط عصبي، يمكنها معالجة أكثر من مائة صورة في الثانية الواحدة.

هذا بالإضافة إلى مليون خلية عصبية متخصصة بالتحكم في حركة الذبابة من أعلى إلى أسفل وبالعكس، ومن الأمام إلى الخلف وبالعكس، كل ذلك يعين

ص: 181

الذبابة على الانقضاض على الشراب أو الطعام، فتحمل منه بواسطة كل من فمها والزغب الكثيف المتداخل الذي يغطي جسمها ما تحمل، ثم تهرب مبتعدة في عملية استلاب حقيقية بمعنيها لاختلاس ونزع الشيء على القهر.

ثانيًا: في قوله تعالى: {لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ} يعرف العلماء اليوم من أنواع الذبابة الحقيقية المجموعة في رتبة ثنائيات الأجنحة حوالي مائة ألف نوع، وتنتشر هذه الأنواع من الذباب انتشارا هائلا في مختلف بيئات الأرض، وتسيطر على مساحات شاسعة من أماكن انتشارها سيطرة كاملة، لا تُمكِّن الإنسان من مجرد اجتيازها فضلا عن العيش فيها، ومن حيث الانتشار على الأرض تأتي الحشرات في المقام الأول بين مختلف مجموعات الحياة، ويأتي الذباب في المرتبة الثالثة بعد كل من النمل والبعوض.

ولولا التوازن الدقيق الذي وضعه ربنا تبارك وتعالى بين مختلف مجموعات الحياة لغطت جيوش الذباب سطح الأرض بالكامل، وجعلت الحياة عليها مستحيلة وذلك لأن الذبابة تضع نحو أربعمائة بيضة في المرة الواحدة في المتوسط، وأن من أنواع الذباب ما يتكاثر بمعدلات أعلى من ذلك بكثير، بحيث لو قدر لجميع بيضها أن يفقس وأن يعيش كل ما يخرج منه ويتوالد لنتج عن الزوج الواحد من الذباب خلال فصل واحد من فصول السنة ما تعداده يفوق رقم 10 مسبوقا بستين صفرا، ولكن الله تعالى من عظيم حكمته يسلط من مخلوقاته مثل الطيور والنمل وغيرها ما يستهلك أغلب بيض الذباب كطعام له.

والذباب يتغذى عادة على النفايات المختلفة، وإن كانت أشربة الناس وأطعمتهم لا تسلم من هجماته، والذباب المنزلي تتذوق الشراب أو الطعام بمجرد أن تحط عليه، وذلك بواسطة خلايا حسية منتشرة في كل من شفتها وأقدامها، فإن راقها

ص: 182

سلبت منه ما تستطيع وهربت بسرعة فائقة كما يفعل اللصوص، فإن كان ما سلبته شرابا امتصته بواسطة خرطومها ليصل إلى جهازها الهضمي، المزود بالقدرة على إفراز الخمائر القادرة على هضمه، وتمثيله تمثيلا كاملا في ثوان معدودة، وبذلك لا يمكن استنقاذه منها.

أما إذا كان الطعام صلبا فإن الذباب المنزلي تفرز عليه من بطنها عددا من الإنزيمات والعصائر الهاضمة، بالإضافة إلى لعاب، وهذه تبدأ في إذابة ما تقع عليه من الطعام الصلب فورا، مما يمكن الذباب من امتصاصه بخرطومها وبأجزاء فمها ذات الطبيعة الإسفنجية، ومن ثم لا يمكن استرجاعه أبدا أو استنقاذه بأي حال من الأحوال.

وحتى الذباب الذي يعيش على امتصاص بعض رحائق الأزهار، أو امتصاص دماء غيره من الحشرات فإنه يقوم بتحقيق ذلك بواسطة خرطوم الفم الماص وأجزائه الإسفنجية المهيأة لذلك.

هذا بالإضافة إلى أن جسم الذبابة مغطى بزغب كثيف متداخل يغطي كلا من رأسها وصدرها وبطنها وأرجلها الست وأقدامها وجناحيها، فإذا غطت نفسها في سائل من السوائل أو مسحوق من المساحيق حمل هذا الزغب منه ما لا يمكن استنقاذه أبدا.

ثانيا: في قوله تعالى: {ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} (الحج: 73) من الثابت علميًّا أن البشرية كلها عاجزة كل العجز عن خلق خلية واحدة في الزمن الراهن؛ زمن التقدم العلمي والتقني المذهل غير المسبوق في تاريخ البشرية كله، وهي بالتالي أعجز عن خلق ذبابة واحدة.

ص: 183

ونحن نعلم اليوم أن جسد الذبابة مكون من ملايين الخلايا المتخصصة الموزعة في أنسجة متخصصة، وفي أجهزة متعددة تعمل في توافق تام من أجل حياة هذه الحشرة الصغيرة التي ينقسم جسمها إلى رأس وصدر وبطن، ومكون من حلقات مغطاة بزعب كثيف، ومزودة بثلاثة أزواج من الأرجل وبأقدام مغطاة أيضا بزغب كثيف على هيئة الخف، تفرز مواد لاصقة تعين الذبابة على الالتصاق بأي سطح من الأسطح بهيئة معتدلة أو مقلوبة كالتصاقها بأسقف الغرف.

وإذا علمنا أن بجسم الذبابة أكثر من مليون خلية عصبية متخصصة بتحركات تلك الحشرة الضعيفة، وأن هذه الخلايا العصبية مرتبطة بثمانية وثلاثين زوجا من العضلات؛ منها: سبعة عشر زوجا من هذه العضلات من حركة الجناحين وواحد وعشرون زوجا لحركات الرأس، وإذا علمنا أيضا أن للذبابة زوجا من العيون المركبة التي تتكون الواحدة منهما من ستة آلاف عيينة سداسية، يتصل بكل واحدة منها ثمانية خيوط عصبية مستقبلة للضوء، بمجموع ثمانية وأربعين ألف خيط عصبي للعين الواحدة، يمكنها معالجة مائة صورة في الثانية الواحدة.

وإذا فهمنا غير ذلك من الأجهزة المتخصصة وتعقيداتها في جسم الذبابة لأدركنا مدى التحدي الذي أنزله ربنا تبارك وتعالى في سورة الحج بقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} (الحج: 73).

والطالب في هذه الآية الكريمة هو المسلوب الذي سلبه الذباب شيئا مما هو له، والمطلوب هو الذباب السالب، وسواء كان المسلوب هو المعبود من دون الله صنما كان أو بشرا أو نظاما أو قيما أو أوضاعا معينة، فإنهم جميعا عاجزون عن

ص: 184

خلق خلية حية واحدة، فضلا عن ذبابة واحدة؛ فما بالنا بمائة ألف نوع معروف من أنواع الذباب، ويمثل كل نوع منه بلايين البلايين من الأفراد، ويستمر القرآن الكريم في تحديه؛ لأن الإنسان الكافر أو المشرك وما يعبد من دون الله من وثن أو صنم أو بشر أو نظام لن يعجزوا فقط عن خلق الذباب، بل إنهم عاجزون عن استنقاذ ما يسلبه الذباب منهم من طعام أو شراب أو طيب أو دهون.

فالذباب عندما يحط على شيء من ذلك فإن كان سائلا سلب قطرة منه، وأوصلها فورا إلى جهازه الهضمي الذي يمتصها ويحولها إلى جهازه الدوري ومنه إلى مختلف خلاياه، وإن كان مادة صلبة صب عليها لعابه وإنزيمات معدته وعصائرها الهاضمة، فيفككها فورا ويذيبها أي يهضمها قبل أن يمتصها ويوصلها مهضومة إلى جهازها الهضمي، ومنه إلى جهازها الدوري، ثم إلى مختلف خلايا جسم الذبابة حيث يتحول جزء من هذا الطعام إلى طاقة، ويتحول جزء آخر إلى مكونات الخلايا والأنسجة وإلى عدد من المركبات العضوية التي يستخدمها الجسم، ويتحول الباقي إلى فضلات تتخلص منها الذبابة ولا سبيل أبدا إلى استرجاع أي من ذلك.

هذه الحقائق لم يصل إليها علم الإنسان إلا في القرن العشرين، وفي العقود المتأخرة منه وورودها في كتاب الله بهذه الإشارات الدقيقة المحكمة الموجزة لمما يشهد بأن القرآن الكريم لا يمكن أن يكون صناعة بشرية، بل هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه على خاتم أنبيائه ورسله، وحفظه بعهده في لغة وحيه نفسها -اللغة العربية- على مدى أربعة عشر قرنًا أو يزيد، وتعهد بذلك الحفظ إلى قيام الساعة ليبقى هاديا للناس جميعا، وحجة على أهل العلم منهم خاصة، وذلك في قوله تعالى:{لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} (الأنفال: 42).

ص: 185