الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كانت في بدء خلق الأرض على درجة من السرعة والعنف لا تسمح لتربة أن تتجمَّع، ولا لنبتة أن تنبت، ولا لحيوان أو إنسان أن يعيش، خاصة وأن سرعة دوران الأرض حول محورها كانت في القديم أعلى من معدلاتها الحالية بكثير، لدرجة أن طول الليل والنهار معًا عند بدئ خلق الأرض كان يُقدر بأربع ساعات فقط، وأن عدد الأيام في السنة كان أكثر من ألفين ومائتين يوم، وهذه السرعة الفائقة لدوران الأرض حول محورها كانت بلا شكّ تزيد من سرعة انزلاق ألواح الغلاف الصخري للأرض فوق نطاق الضعف الأرض، وهي تُدفع أساسًا ب ظاهرة اتساع قيعان البحار، والمحيطات، وبملايين الأطنان من الصهارى الصخرية والحمم البركانية المندفعة عبر صدوع تلك القيعان، وبتسارع حركة ألواح الغلاف الصخري للأرض تسارعت الحركات البانية للجبال، وبتسارع بنائها هدأت حركة هذه الألواح وهيئت الأرض لاستقبال الحياة.
وقبل مقدم الإنسان كانت غالبية ألواح الغلاف الصخري للأرض قد استقرت؛ لكثرة تكون السلاسل والمنظومات الجبلية، وأخذت الأرض هيئتها لاستقبال هذا المخلوق المقرر الذي حمَّله الله تعالى أمانة ومسئولية الاستخلاف في الأرض.
تثبيت الحبال لكوكب الأرض
بعد ذلك نأتي إلى عنصر آخر؛ وهو تثبيت الحبال لكوكب الأرض:
تسائل العلماء عن إمكانية وجود دور الجبال في اتزان حركة الأرض ككوكب، وجعلها قرارًا صالحًا للحياة، وجاء الرد بالإيجاب؛ لأنه نتيجة لدوران الأرض حول محورها فإن القوة الطاردة المركزية الناشئة عن هذا الدوران تبلغ ذروتها عند خط استواء الأرض، مما يؤدِّي إلى التقليل من دور الجاذبية والعكس تمامًا يتم عند القطبين، ولذلك فإن الأرض انبعجت قليلًا عند خط الاستواء؛ حيث تقلُّ
قوة الجاذبية، وتطغى القوة الطاردة المركزية، وتفلطحت قليلًا عند القطبين؛ حيث تطغى قوة الجاذبية، وتتضاءل القوة الطاردة المركزية.
ونتيجة لاستمرار هذه العمليات، فإن طول قُطر الأرض الاستوائي يزداد باستمرار، بينما يقلُّ طول قطرها القطبي، وإن كان ذلك يتم بمعدلات بطيئة جدًّا إلا أنه قد أخرج الأرض عن شكلها الكروي إلى شبه كروي، وشبه الكره لا يمكن لها أن تكون منتظمة في دورانها حول محورها؛ لأن الانبعاج الاستوائي للأرض يجعل محور دورانها يغيِّر اتجاهه رويدًا رويدًا في حركة معقدة مردُّها إلى تأثير جاذبية أجرام المجموعة الشمسية، وبخاصة الشمس والقمر على الأرض، وتُعرف هذه الحركة باسم الحركة البدارية، أو حركة الترن ح والبدارية، وتنشأ هذه الحركة عن ترنّح الأرض في حركة بطيئة تتمايل فيها من اليمين إلى اليسار بالنسبة إلى محورها العمودي الذي يكون لولبيًّا دون أن يُشير طرفاه الشمالي والجنوبي إلى نقطة ثابتة في الشمال أو في الجنوب.
ونتيجة للتقدم أو التقهقر فإن محور دوران الأرض يرسم بنهايته دائرة حول قطب البروج تتمّ في فترة زمنية قدرها حوالي 62 ألف سنة من سنيننا ومن السنين التي نعرفهويتبع ترنُّح الأرض حول مدارها مسارًا متعرجًا بسبب جذب كلٍّ من الشمس والقمر للأرض، وتبعًا للمتغيرات المستمرة في مقدار واتجاه القوة البدارية لكل منهما، ويؤدي ذلك إلى ابتعاد الدائرة الوهمية التي يرسمها محور الأرض أثناء دورانها وترنحها، فتتحول إلى دائرة مؤلفة من أعداد من الأقواس المتساوية التي يبلغ عددها في الدورة الكاملة 1400 ذبذبة، ويستغرق رسم القوس الواحد 18.6 سنة أي: أن هذه الدائرة تتمُّ في حوالي 62 ألف سنة وتسمى باسم حركة الميثان.
وقد أثبتت الدراسات الفلكية أن لمحور دوران الأرض عددًا من الحركات الترنحية التي تستغرق أوقاتًا مختلفة يبلغ أقصرها عشرة أيام، ويبلغ أطولها 18.6 من سنيننا التي نعرفها، ووجود الجبال ذات الجذور الغائرة في الغلاف الصخري للأرض يُقلِّل من شدة ترنح الأرض في دورانها حول محورها، ويجعل حركتها أكثر انتظامًا وسلاسة تمامًا، كما تفعل قطع الرصاص التي توضع حول إطار السيارة لانتظام حركتها، وقلة رجرجتها، وبذلك أصبحت الأرض مؤهلة للعمران.
وهنا يتضح وجه من أوجه الإعجاز العلمي في القرآن الكريم الذي أُنزل من قبل ألف وأربعمائة سنة على نبي أمي، وفي أمة كانت غالبيتها الساحقة من الأميين، وذلك في قول الله:{وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} ، وقد تكرر هذا المعنى في تسعة مواضع أخرى من كتاب الله وصفت فيها الجبال بأنها رواسي، وهذه الآيات الكريمة يقول فيها ربنا تبارك وتعالى:{وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الرعد: 3)، وقوله تعالى {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ} (الحجر: 19)، وقوله تعالى:{وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (النحل: 15)، وقوله تعالى:{أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (النمل: 62)، وقوله تعال ى:{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} (لقمان: 10)، وقوله تعالى {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} (فصلت: 10)، وقوله تعال ى: {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا