الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
11 -
الإشارة إلى أن الأشجار تذبل وتزدهر وتجود بعطائها من الثمار في الرُبا المرتفعة سواء كثر عليها المطر أو قل، وهو مما أثبته الدراسات العلمية مؤخرا.
12 -
الإشارة إلى البعوضة وما فوقها من الخلق؛ وهي من أبسط الحشرات، لكنها تبلغ في روعة بنائها ودقة خلقها ما تعجز البشرية كلها عن الإتيان بش يء من مثلها، كما تبلغ في خطرها على حياة الإنسان أنها تعد اليوم واحدة من أخطر الآفات الحشرية على الإطلاق.
وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلى معالجة خاصة بها، ولذلك ف إ ن الحديث سيقتصر على البعوضة؛ لأنها هي الأساس في درسنا.
أقوال المفسرين في توجيه الآية، والدلالات العلمية فيها
من أقوال المفسرين في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} (البقرة: 26).
ذكر صاحب (صفوة البيان بمعاني القرآن) ما نصه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا} ؛ أي ليس الحياء بمانع لله تعالى من ضرب الأمثال بهذه المخلوقات الحقيرة والصغيرة في نظركم؛ كالبعوض والذباب والعنكبوت ف إ ن فيها من دلائل القدرة وبدائع الصنعة ما تحار فيه العقول ويشهد بحكمة الخالق، وقد جعلوا ضرب المثل بها ذريعة إلى إنكار كون القرآن من عند الله تعالى.
وفي الآية الكريمة إشعار بصحة نسبة الحياء إليه تعالى، ومذهب السلف إمرار هذا وأمثاله على ما ورد، وتفويض علم كنهه وكيفيته إلى الله تعالى، مع وجوب
تنزيهه عما لا يليق بجلاله من صفات المحْدَثات واختاره الألوسي، وذهب جمع من المفسرين إلى تأويله بإرادة أو لإرادة لازمة وهو ترك ض رب الأمثال بها؛ لأن الاستحياء من الحياء، وهو تغير وانكسار يعتري الإنسان من تخوف ما يعاب ويذم به، أو هو انقباض النفس عن القبائح، وهذا المعنى محال في حقه تعالى؛ فيصرف اللفظ إلى لازم معناه؛ وهو الترك.
قوله: {بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} البعوض ضرب من الذباب، ويطلق على البق المعروف وعلى الناموس {فَمَا فَوْقَهَا} أي في الحجم أو في المعنى الذي وقع التمثيل فيه وهو الصغر والحقارة.
قوله: {ومَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} الفسق الخروج عن الطاعة، ويقع بالقليل والكثير من الذنوب، ولكن ت ُع ُو ر ِ ف َ فيما كان كثيرا وهو أعم من الكفر. وكلام المفسرين الباقين لم يخرج عن ذلك.
من الدلالات العلمية للنص الكريم:
أول ً ا: النص الكريم يشمل ما فوق البعوضة حجما، وما هو أقل منها، وما هو أشد منها خطرا، وما هو أهون منها، من معاني هذا النص الكريم أن قدرة الله المبدعة في الخلق تتجلى في أدق المخلوقات حجما، كما تظهر في أضخمها بناء، وتجليها في الكائنات المتناهية الضآلة في الحجم قد يكون أبلغ من وضوحها في الكائنات العملاقة، وكان الجهل بأخطار البعوض وبوجود كائنات أدق منه بكثير من وراء استنكار كل من الكفار والمشركين والمنافقين ضرب المثل في القرآن الكريم ببعض الحشرات؛ من مثل البعوض والذباب والنحل والنمل الأبيض والفراش والجراد والقمل والمن وببعض العناكب الصغيرة مثل العنكبوت.
ولما لم يكن في زمن الوحي من يدرك من الكائنات الحية ما هو أدق من البعوضة؛ وذلك من مثل الفيروسات، البكتريا، الطحالب، وغيرها من البدائيات والأوليات والفطريات؛ وغير ذلك من الكائنات الدقيقة، ومنها المتطفل وغير المتطفل، ف قد جاءت الصياغة القرآنية المعجزة بقول الحق تبارك وتعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} وتعبير {فَمَا فَوْقَهَا} يشمل المعنيين المتضادين معًا؛ أي ما يفوقها ضآلة في الحجم حتى لا يُرى بالعين المجردة، وما يفوقها ضخامة في البنيان.
وكذلك يشمل هذا التعبير القرآني أخطار البعوضة، كما يشمل أخطار غيرها من الكائنات الدقيقة التي لم تكن معروفة في زمن الوحي في القرآن الكريم، والكائنات التي تفوقها حجما؛ لأن الفوقية في اللغة تعني الزيادة والعلو في صفة يوضحها السياق، وقد استهان الناس في القديم بالبعوضة لضآلة حجمها، فاستنكر القرآن الكريم عليهم ذلك واتخذها مثلا يتحدى به الكفار والمشركين، قبل أن يعرف دورها في نقل العديد من الأمراض الفتاكة بكل من الإنسان والحيوان، بل من قبل أن يعرف الإنسان من ناقلات الأمراض ما هو دونها حجما بما يزيد على اثني عشر قرنًا من الزمان.
ثانيا: من الدلالات العلمية للنص الكريم: النص القرآني يشير إلى خطر البعوضة، والبعوضة هي حشرة ضئيلة الحجم من ثنائيات الأجنحة تتبع عائلة ضخمة من الحشرات، وتضم ما بين الألفين والثلاثة آلاف نوع من البعوض، وتأتي في المرتبة الثانية إعدادا بعد النمل، ويتراوح طول البعوضة بين الثلاثة والتسعة مليمترات.
وهي مع ضآلة حجمها فإن جسمها يتكون كما تتكون أجساد غيرها من الحشرات من رأس وصدر وبطن، ولها ثلاثة أزواج من الأرجل الطويلة النحيلة، وزوج
من الأجنحة الدقيقة القوية والقادرة على الخفق المتواصل السريع، الذي يصل إلى ستمائة خفقة في الثانية الواحدة، ولها قرنا استشعار في قمة الحساسية والكفاءة، وعين البعوضة عين مركبة تتألف من مئات العيينات المستقلة تشريحا والمتكاملة وظيفيا، مما يعطيها قدرة هائلة على الرؤية بالليل وبالنهار في كل أطياف الضوء، ولها جميع الأجهزة الحيوانية كاملة على الرغم من ضآلة حجمها.
وأنثى البعوض تتغذى على دماء ذوي الدماء الحارة؛ ولذلك فإن لها فمًا ثاقبًا ماصًّا تستخدمه في امتصاص الدم من الإنسان، ومن كل حيوان ذي دم حار، وعندما تغرس مثقابها في جلد الإنسان أو الحيوان فإنها تفرز لعابها الذي يحمل مركبات عضوية تؤدي إلى احتقان الجلد، وأخرى تمنع الدم من التجلط حتى يسهل امتصاصه.
بينما يتغذى ذكر البعوض على رحائق الأزهار فقط، وتضع أنثى البعوض البالغة ما بين مائة وأربعمائة بيضة في المرة الواحدة، والذي ينجو من افتراس الحيوانات الأخرى من بيض البعوضة قد يفقس بعد يوم أو يومين، أو يبقى في فترة قد تمتد إلى الأسبوعين، ويعتمد ذلك على عوامل كثيرة منها وفرة الماء؛ لأنه ضروري لفقس البيض ولحياة كل من اليرقات والعذارى.
ومع ضآلة حجم البعوضة فإنها تمثل خطرا لا يستهان به على صحة كل من الإنسان والحيوان؛ فالبعوض الأنثى التي تتغذى على دماء الإنسان وعلى دماء غيره من الحيوانات ذوات الدم الحار تصبح وسيلة خطيرة لنقل العديد من مسببات الأمراض؛ من مثل الفيروسات البكتريا الطحالب وغيرها من البدائيات والأوليات، ومن مثل الفطريات وغير ذلك من الكائنات الدقيقة التي تصيب كلا من الإنسان والحيوان.
ومن الأمراض التي تنقلها البعوضة الملاريا، الملاريا الخبيثة، داء الفيل، الحمى الصفراء، الحمى الدماغية، الحمى الشوكية، الحمى النازفة، مرض حمى أبي الركب، أو حمى تكسير العظام، أو حمى الركب النازفة، حمى الوادي المتصدع، مرض دودة القلب، الالتهاب السحائي، الالتهاب المخي، الالتهاب المخي الشوكي، وأمراض ضعف المناعة ومنها الإيدز.
ومن أخطر ما تحمله البعوضة فيروسات تغزو الجهاز العصبي للإنسان مما قد يصيبه بعدد من الأمراض فائقة الخطورة؛ من مثل مرض التهاب الدماغ والسحايا ومرض التهاب الدماغ والنخاع، والأمراض التي تنقلها البعوضة قد أدت إلى هلاك الملايين من البشر منذ بدء الخليقة وإلى يومنا الراهن؛ حيث لا تزال تصيب الملايين في كل عام إلى أن يشاء الله، ولذلك تعد هذه الحشرة الضئيلة الحجم واحدة من أخطر الآفات الحشرية المعروفة.
ومن هنا كان ضرب المثل بها في القرآن على شدة خطرها مع ضآلة حجمها، وعلى وجود ما هو أخطر وأدق منها، وما هو أعظم منها حجما وخطرا من مخلوقات الله الأخرى، ومن هنا أيضا كان تحدي الله -سبحانه: قل للكافرين والمنافقين والمشركين من أهل الجزيرة العربية وغيرهم من أهل الأرض إلى قيام الساعة بهذه الحشرة المتناهية الصغر في الحجم، وفي زمن الوحي لم يكن أحد من الناس يدرك حقيقة خطر البعوضة فكانوا يستهينون بها، وفي زماننا زمن التقدم العلمي والتقني الذي نعيشه تقف البشرية عاجزة أمام أخطار هذه الحشرة الصغيرة، على الرغم من كل مستويات التقدم التي حققها إنسان هذا العصر.
والبعوض يتراوح عدد أنواعه بين ألفين وثلاثة آلاف نوع، من أخطرها الأنواع الثلاثة التالية:
1 -
بعوضة الإنفيل؛ التي تنقل طفيل مرض الملاريا، مرض البرداء، وهذا الطفيل خطير، كما تنقل طفيليات العديد من الأمراض الأخرى؛ مثل: طفيل مرض الفلاريا الذي يسبب داء الفيل، وتنقل فيروس حمى التهاب الدماغ المعروف باسم الحمى الدماغية.
2 -
بعوضة الكيولكس؛ التي تنقل كلا من طفيل مرض الفلاريا وفيروس الحمى الدماغية.
3 -
البعوضة الزاعجة؛ التي تنقل فيروسات الحمى الصفراء والحمى الدماغية، وحمى الضنك المعروفة باسم حمى داء الركب أو حمى الركب النازفة أو حمى تكسير العظام.
وتتم دورة طفيل مرض الملاريا البرداء بين بعوضة الإنفيل والإنسان، حيث تنفذ البعوضة مسببات المرض إلى مجرى دم الإنسان عند قرصه، فتحملها مجاري الدم إلى الكبد حيث يبدأ الطفيل في التكاثر لا جنسيًّا، وفي مهاجمة خلايا الدم الحمراء التي تنفجر لتملأ مجرى الدم بجراثيم المرض التي تبدأ في التكاثر جنسيًّا بعد عدد من الأجيال فتؤدي إلى الحمى وإلى تضخم الطحال.
وإذا تعرض هذا المريض لقرصة أخرى من ناموسة الإنفيل؛ فإن هذا الطور الجنسي من الطفيليات ينتقل إلى معدة البعوضة حيث يتم تكاثره لا جنسيًّا، وانتقاله إلى غددها اللعابية فيصبح جاهزًا لإصابة إنسان آخر تهاجمه هذه البعوضة؛ ولذلك يصاب أكثر من 270 مليون إنسان بالملاريا سنويا في كل أنحاء
الأرض، ويتوفى منهم قرابة المليونين من الأفراد؛ مما يجعل الملاريا من أكثر الأمراض انتشارا في كوكبنا الأرضي.
وقد عجزت أكثر دول العالم تقدمًا في مجال العلوم البحتة والتطبيقية عن مقاومة أخطار البعوضة، ففي أغسطس من سنة 1995 ميلادية انتشرت في مدينة منجيرسي في شرق الولايات المتحدة الأمريكية أسراب من البعوضة الزاعجة، وكانت تهاجم الناس بشراسة بقرصاتها المؤلمة حتى في وضح النهار، وقد عرفت باسم النمر الأسيوي؛ لأصولها الأسيوية ولشراستها في الهجوم.
وكانت هذه الحشرة قد ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1985 ميلادية، بعد أن غزت كلا من جزر هاواي ومناطق من المحيط الهادي عقب الحرب العالمية الثانية، ولا تزال هذه الحشرة الصغيرة تجتاح آلاف الأنفس من أبناء القوة العسكرية الكبرى في العالم، دون أن تنفعها أسلحتها في الدفاع عنها، قال تعالى:{وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} (الفتح: 4).
ثالثا: النص القرآني يفيد أن أنثى البعوض وحدها هي الناقلة للأمراض، ومن ثم كانت مناط التحدي، إن إفراد لفظ بعوضة وتأنيثه في هذا النص القرآني المعجز يشير إلى عيشة البعوض عيشه فردية سوى في حالة التزاوج، وإلى تمايز الأنثى عن الذكر في هذه الحشرة الخطيرة، وإلى تفرد الأنثى وحدها دون الذكر بهذا الخطر الداهم، وهي حقيقة لم يعرفها الإنسان إلا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
كذلك ف إ ن تنكير لفظ البعوضة وإيراد اسم الموصول " ما " مكررا مرتين يشير إلى تعدد أنواع البعوض؛ فضل ً اعن شمول كل مما هو دونها حجما وما هو أكثر منها ضخامة، وكل ما هو دونها أو أكثر منها ضررا من مخلوقات الله الأخرى، وهذه
حقائق لم تصل إلى علم الإنسان إلا بعد مجاهدة، استغرقت جهود آلاف من العلماء منذ نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ولا تزال مستمرة إلى اليوم وإلى أن يشاء الله.
وورودها بهذه الصياغة العلمية الشاملة والدقيقة في كتاب الله، الذي أنزل من قبل ألف وأربعمائة سنة على نبي أمي، عليه من الله أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وفي أمة كانت غالبيتها ال س اح قة من الأميين، لمما يشهد للقرآن الكريم بأنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية، بل هو كلام الله الخالق، ويشهد للنبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقاه بالنبوة والرسالة، فصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلى يوم الدين.
هذه الدلالات العلمية للبعوضة تؤكد أن القرآن كلام الله الخالق، وتؤكد صدق النبوة والرسالة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا النص الكريم يشير إلى قدرة الله المبدعة في الخلق التي تتجلى في أدق المخلوقات حجما وهي البعوضة، وهذا ليؤكد أن كل مخلوق في الوجود له دور في هذا الوجود كبير صغير، وهذا يدل على أن القرآن من عند الله، وليس من عند بشر كما اعتقد الكافرون.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.