الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحياة لأشخاص دُفنوا تحت الجليد لعدة أيام، ثم عادت إليهم الحياة بعد تدفئتهم، خاصة لصغار السن، فيمكن بالتبريد وقف جميع عمليات الهدم، التي تتسبب في دمار الأنسجة.
الإعجاز العلمي في القرآن الكريم في السمع والبصر والفؤاد
قال الله تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} ذُكرت كلمة {السَّمْعَ} ومشتقاتها وتصاريفها في القرآن الكريم مائة وخمس وثمانون مرة، بينما وردت فيه كلمة {الْبَصَرَ} ومشتقاتها وتصاريفها مائة وثماني وأربعون مرة، وحيثما وردت كلمة السمع في القرآن الكريم، عنت دائمًا سماع الكلام والأصوات، وإدراك ما تنقله من معلومات؛ بينما لم تعنِ كلمة البصر رؤية الضوء والأجسام والصور بالعينين، إلا في ثماني وثمانين حالة فقط؛ إذ أنها دلت في باقي المرات، على التبصر العقلي والفكري في ظواهر الكون والحياة، أو فيما يتلقاه المرء ويسمعه من آيات وأقوال، وقد ترافقت كلمتا السمع والبصر في ثمانية وثلاثين آية كريمة.
كما قال تعالى: {ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} (السجدة: 9)، وقال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} (المؤمنون: 78)، وقال تعالى:{وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ} (الأحقاف: 26)، وقال تعالى:{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (النحل: 78)، وقال تعالى: {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ
قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} (الملك: 23)، وقال تعالى:{أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} (يونس: 31)، وقال تعالى:{مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ} (هود: 20)، وقال تعالى:{إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (الإنسان: 2).
وقد وردت كلمة الصمم مترافقة مع كلمة العمى في ثماني آيات، سبقت في معظمها كلمة الصمم كلمة العمى، كما في قوله تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} (محمد: 23)، وقال تعالى:{صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} (البقرة: 171)، وقال تعالى:{صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} (البقرة: 18)، وقال تعالى:{وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} (الفرقان: 73).
ومن الملاحظ في هذه الآيات الكونية أن كلم ة السمع قد سبقت كلم ة البصر، وبلا استثناء، فلا بد وأن نتساءل هل لهذا السبق من دلالة خاصة، قد تبدو الإجابة عن هذا السؤال وللوهلة الأولى، وعلى ضوء المعلومات الأولية التي نعرفها عن هذين الحسيين صعبة وعسيرة الفهم، فمن المعلوم فسيولوجيًّا وتشريحيًّا أن العصب البصري الواحد يحتوي على أكثر من مليون ليف عصبي، بينما لا يحتوي العصب السمعي إلا على ثلاثين ألف ليف فقط، كما أن من المعروف فسيولوجيًّا، أن ثُلثي عدد الأعصاب الحسية في الجسم هي أعصاب بصرية، ولا يرد إلى الجسم من مجموع المعلومات الحسية عن طريق الجهاز السمعي أكثر من 12%، بينما يرد إلى الجسم عن طريق الجهاز البصري، حوالي 70% من مجموع المعلومات الحسية.
إذًا لماذا هذا التقدم بحاسة السمع، وإراده قبل حس البصر في كل الآيات تقريبًا، فلا بد وأن هناك سبب لم نعرفه بعدُ، ولكننا لو تبصرنا بالحقائق العلمية، التي عُرفت حديثا في علوم الأجنة والتشريح والفسيولوجي والطب، لتمكنا من إيجاد الأجوبة، ولاتضح لنا الإعجاز العلمي في هذه الآيات الكريمة. فمما عرفناه حتى الآن من هذه الحقائق:
1 -
تتطور آلتا حسي السمع والبصر في وقت متزامن تقريبًا في الحياة الجنينية الأولى؛ إذ تظهر الصحيفة السمعية في أواخر الأسبوع الثالث، وهي أول مكونات آلة السمع، بينما تظهر الصحيفة البصرية في أول الأسبوع الرابع من حياة الجنين، وتتطور الأذن الداخلية للجنين من هذه الصحيفة السمعية؛ فيظهر في الأسبوع الرابع الكيس الغشائي لحلزون الأذن الذي ينمو طوليًّا ويلتف لفتين ونصف مكونًا الحلزون الكامل في الأسبوع الثامن، ثم تتم إحاطة الحلزون بغلاف غضروفي في الأسبوع الثامن عشر، وينمو هذا حتى يصل حجمه الحجم الطبيعي له عند البالغين في نهاية الأسبوع الحادي والعشرين، عندما ينمو فيه عضو الكردي، وهو عضو حس السمع، وتظهر فيه الخلايا الشعرية الحسية، التي تحاط بنهايات العصب السمعي.
وبذا تكون الأذن الداخلية قد نمت ونضجت، لتصل إلى حجمها الطبيعي عند البالغين، وأصبحت جاهزة للقيام بوظيفة السمع المخصصة لها، في الشهر الخامس من عمر الجنين، وهذا القسم من الأذن يتمكن منفردًا من التحسس للأصوات، ونقل إشاراتها إلى الدماغ؛ لإدراكها دون أية ضرورة لمساهمة الأذنين الوسطى والخارجية من الأديم الظاهر، والأذن الوسطى من الأديم المتوسط، فتتولَّد عُظيمات وعضلات الأذن الوسطى، وبوق وغشاء الطبلة
والصماغ السمعي الخارجي خلال الأسابيع من عشرة إلى عشرين، ثم يتم اتصالها بالأذن الداخلية في الأسبوع الحادي والعشرين.
أما العين فلا يتمُّ تكامل طبقتها الشبكية الحساسة للضوء، إلا بعد الأسبوع الخامس والعشرين، ولا تتغطى ألياف العصب البصري بالطبقة النخاعية، لتتمكن من نقل الإشارات العصبية البصرية بكفاءة، إلا بعد عشرة أسابيع من ولادة الجنين، كما يبقى جفنا عيني الجنين مغلقين، حتى الأسبوع السادس والعشرين من الحياة الجنينية.
يتضح مما تقدَّم أن الأذن الداخلية للجنين، تنضج وتصبح قادرة على السمع في الشهر الخامس، بينما لا تفتح العين ولا تتطور طبقاتها الحساسة للضوء إلا في الشهر السابع، وحتى عند ذلك لن يكون العصب البصري مكتملًا؛ لينقل الإشارات العصبية الضوئية بكفاءة، ولن تبصر العين؛ لأنها غارقة في ظلمات ثلاثة.
السمع والبصر:
لقد ثبت علميًّا أن الأذن الداخلية للجنين، تتحسس للأصوات في الشهر الخامس، ويسمع الجنين أصوات حركات أمعاء وقلب أمه، وتتولد نتيجة هذا السمع إشارات عصبية سمعية، في الأذن الداخلية، والعصب السمعي والمنطقة السمعية في المخ، يمكن تسجيلها بآلات التسجيل المختبرية، وهذا برهان علمي، يُثبت سماع الجنين للأصوات، في هذه المرحلة المبكرة من عمره، ولم تُسجل مثل هذه الإشارات العصبية، في الجهاز البصري للجنين إلا بعد ولادته.
كما أن من المهم أن نعرف، أن الأصوات تصل إلى الأذن الداخلية عادة عن طريقين، الطريق الأول: هو طريق الأذن الخارجية ثم الوسطى، والمملو ءا ن بالهواء في الإنسان الطبيعي. الطريق الثاني: هو طريق عظام الجمجمة، فالاهتزازات الصوتية تنتقل بالطريقة الأولى بواسطة الهواء، وتنتقل بالطريقة الثانية بواسطة عظام الجمجمة، وهي ناقلة جيدة للأصوات، ولكن الأذن الخارجية للجنين مملوءة ببعض الألياف وبسائل السلا، ولكن من السوائل هي الأخرى ناقلة جيدة للأصوات، فعند غمر رءوسنا بالماء عند السباحة، نتمكن من سماع الأصوات جيدًا.
من ذلك يتضح أن الجنين يمكنه أن يسمع الأصوات، التي قد تصل إلى أذنيه الداخلية، إما عن طريق الجمجمة، أو عن طريق الأذن الخارجية المملوءة بسائل السلا والأنسجة من الناحية الأخرى، لا يتمكن الجنين من أن يُبصر خلال حياته الجنينية، لا لظلام محيطه فقط، بل لانسداد أجفانه، وعدم نضوج شبكية عينيه، وعدم اكتمال العصب البصري حتى وقت متأخر من حياته الجنينية.
- اكتمال حاستي السمع والبصر:
يمكن للجنين أن يسمع الأصوات بالطريقة الطبيعية بعد بضعة أيام من ولادته، بعد أن تمتصَّ كل السوائل وفضلات الأنسجة المتبقية في أذنه الوسطى والمحيطة بعظيماتها، ثم يصبح السمع حادًّا بعد أيام قلائل من ولادة الطفل. ومن الملاحظ أن الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يبدأ بسماع الأصوات وهو في رحم أمه، فجميع الحيوانات لا تبدأ بسماع الأصوات إلا بعد ولادتها بفترة، وفيما يلي بعض الأمثلة التي توضح ذلك:
فالإنسان يسمع الأصوات قبل ولادته، بأكثر من ست ة عشر أسبوعًا، وخنزير غينيا بعد ولادته بحوالي خمسة إلى ست ساعات، والقط يسمعها بعد ولادته بحوالي خمسة إلى ستة أيام، والأرنب يسمعها بعد ولادته بسبعة أيام، والكلب يسمعها بعد ولادته بعشرة أيام.
أما حاسة البصر فهي ضعيفة جدًّا عند الولادة؛ إذ تكاد أن تكون معدومة، ويصعب على الوليد تمييز الضوء من الظلام، ولا يرى إلا صورًا مشوَّشة للمرئيات، وتتحرك عيناه دون أن يتمكن من تركيز بصره وتثبيته على الجسم المنظور، ولكنه يبدأ في الشهر الثالث أو الشهر الرابع، تمييز شكل أمه أو قنينة حليبه وتتبُّع حركاتهما، وعند الشهر السادس يتمكن من تفريق وجوه الأشخاص، إلا أن الوليد في هذا السن يكون بعيد البصر، ثم يستمر بصره على النمو والتطور حتى السنة العاشرة من عمره.
- تطور المناطق السمعية والبصرية المخية:
لقد ثبت الآن أن المنطقة السمعية المخية تتطور وتتكامل وظائفها قبل مثيلتها البصرية، وقد أمكن تسجيل إشارات عصبية سمعية من المنطقة السمعية لقشرة المخ عند تنبيه الجنين بمنبه صوتي في بداية الشهر الجنيني الخامس، وتحفز الأصوات التي يسمعها الجنين خلال النصف الثاني من حياته الجنينية، هذه المنطقة السمعية لتنمو وتتطور وتتكامل عضويًّا ووظائفيًّا، ومن الناحية الأخرى لا تنبه المنطقة البصرية للمخ، في هذه الفترة بأي منبهات، ولذلك فهي لا تتطور كثيرًا ولا تنضج ولا تتكامل، فمن المعلوم فسيولوجيا أن المنبهات النوعية التي ترد أيَّ طريق عصبي حسي، تحفزه على النمو والنضوج، وبهذه الطريقة يحفز
الجهاز العصبي على النمو منذ الشهر الخامس الجنيني، ولا يحفز الجهاز البصري بمثل ذلك إلا بعد ولادة الوليد.
ولهذه الأسباب يتعلم الطفل المعلومات الصوتية في أوائل حياته قبل تعلُّمه المعلومات البصرية، ويتعلمها ويحفظها أسرع بكثير من تعلمه المعلومات المرئية، فهو مثلًا يفهم الكلام الذي يسمعه ويدركه ويعيه، أكثر من فهمه للرسوم والصور والكتابات التي يراها، ويحفظ الأغاني والأناشيد بسرعة، ويتمكَّن من تعلم النطق في وقت مبكر جدًّا، بالنسبة لتعلمه القراءة والكتابة، وكل ذلك لأن مناطق دماغه السمعية نضجت قبل مناطقه البصرية، قال تعالى:{لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} (الحاقة: 12).
وإلى هنا وصلنا إلى نهاية دروس مادة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.