الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 -
بعد دقائق من الانفجار الكوني العظيم، تشير الحسابات النظرية إلى أن درجة حرارة الكون قد انخفضت إلى مائة مليون درجة مطلقة، مما شجع على الاستمرار في عملية الاندماج النووي، حتى تم تحويل 25% من كتلة الكون إلى غاز الهليوم، وبقيت غالبية النسبة الباقية 75% مكونة من غاز الإدروجين، وينعكس ذلك على التركيب الحالي للكون المدرك، الذي لا يزال الإدروجين يشكل مكونه الأساسي بنسبة تزيد قليلًا على 74%، يليه الهيليوم بنسبة تبلغ 24%، وباقي المائة لخمسة من العناصر المعروفة تكون أقل من 2%، ولذلك يعتقد الفلكيون المعاصرون أن تخلق العناصر في كوننا المدرك قد تم على مرحلتين متتاليتين؛ في الأولى منهما تكونت العناصر الخفيفة عقب عملية الانفجار الكوني مباشرة، وفي المرحلة الثانية: تكونت العناصر الثقيلة بالإضافة إلى كميات جديدة من معظم العناصر الخفيفة، وذلك في داخل النجوم خاصة الشديدة الحرارة منها مثل المستعرات، أو في مراحل انفجارها على هيئة ما يعرف باسم المستعرات العظمى.
دعوة قرآنية لإعادة التفكير
يقول الدكتور زغلول النجار: لقد أشرنا في الأسطر السابقة إلى أن كلًّا من الحسابات النظرية في مجالات علمي الفلك والفيزياء الفلكية تدعو إلى الاعتناق بأن تخلق العناصر المعروفة لنا في الكون قد تم بعملية الاندماج النووي على مرحلتين كما يلي:
المرحلة الأولى: وقد تكونت فيها العناصر الخفيفة عقب عملية الانفجار الكوني مباشرة.
المرحلة الثانية: وقد تكونت فيها العناصر الثقيلة بالإضافة إلى كميات جديدة من العناصر الخفيفة، ولا تزالان تتكونان في داخل النجوم، وفي مراحل استعارها، وانفجارها المختلفة.
ولكن الآية الحادية والعشرين من سورة البقرة، التي هي قول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ والَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: 21) بعدها {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا والسَّمَاءَ بِنَاء} (البقرة: 22).
هذه الآية تقرر أن الله خلق لنا ما في الأرض جميعًا قبل تسمية السماء الدخانية الأولى إلى سبع سماوات، ويؤيد ذلك ما جاء في الآيات 9 إلى 12 من سورة فصلت، ومعنى هذه الآيات مجتمعة أن كل العناصر اللازمة للحياة على الأرض، بل إن الأرض الابتدائية ذاتها كانت قد خلقت قبل تمايز السماء الدخانية الأولى إلى سبع سماوات، هل يمكن لكل من علماء الفلك والفيزياء الفلكية والنظرية، وعلماء الأرض المسلمين مراجعة الحسابات الحالية انطلاقًا من هذه الآيات القرآنية لإثبات ذلك، فيخلصون إلى سبق قرآني كوني معجز يثبت المؤمنين على إيمانهم، ويكون دعوة لغير المسلمين في زمن فتن الناس بالعلم، ومعطياته فتنة كبيرة.
- بعد ذلك نأتي إلى نقطة أخرى، وهي ترتيب خلق السموات والأرض:
إن عملية الخلق خلق الكون والحياة، وخلق الإنسان هي من الأمور الغيبية، التي لا تخضع مباشرة لإدراك الإنسان، كما قال ربنا في محكم كتابه:{مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ والْأَرْضِ ولَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ ومَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} (الكهف: 51).
ولكن من رحمة الله تعالى بنا أنه قد أبقى لنا في صفحة السماء، وفي صخور الأرض من الشواهد الحسية ما يمكنه أن يعيننا على استقراء ذلك، كما أبقى لنا في محكم كتابه، وفي سنة خاتم أنبيائه ورسله من الآيات، والأحاديث ما يمكن أن يدعم هذا الاستقراء، أو أن يهذبه.
وفي ذكره لآيات خلق السموات والأرض يقدم القرآن الكريم يقدم السموات على الأرض في الغالبية العظمى، من الآيات التي تشير إليهما فيما عدى خمس آيات بما فيها ذكر الأرض على ذكر السماء.
وهي على التوالي قول الحق سبحانه: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا والسَّمَاءَ بِنَاء} (البقرة: 22) الآية الثانية: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} (البقرة: 29)، وقوله تعالى:{تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ والسَّمَاوَاتِ الْعُلَا} (طه: 4)، وقوله تعالى:{اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا والسَّمَاءَ بِنَاءً} (غافر: 64)، الآية الخامسة:{قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وبَارَكَ فِيهَا وقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا ولِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا وْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (فصلت: 9 - 12).
ونحب أن ننوه أن الآية التي ذكرناها، وهي قوله تعالى:{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا والسَّمَاءَ بِنَاءً} هي سورة البقرة الآية رقم 22، أما الآية 29 من سورة البقرة هي قوله تعالى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} .
والآيتان الأولى والرابعة التي هي آية البقرة الآية 22، وغافر 64 هما من الآيات الوصفية، التي لا تتعرض لترتيب الخلق، والآية الثالثة طه 14 جاء الترتيب فيها لموافقة النظم في السورة، التي ذكرت فيها السماء بعد الأرض بعد آية واحدة.
أما الآية الثانية سورة البقرة آية 29، فواضحة الدلالة على خلق جميع العناصر اللازمة للأرض قبل تمايز السماء الدخانية إلى السموات السبعة؛ وذلك لأنه من الثابت علميًّا، والراجح منطقيًّا أن خلق العناصر سابق على خلق الأرض،
وخلق جميع أجرام السماء، وأن خلق الوحدات الكونية الكبرى كالسند، والمجرات سابق على ما يتعلق بداخلها من نجوم، وتوابع تلك النجوم من الكواكب والكويكبات والأقمار.
وأما الآيات في سورة فصلت 9 إلى 12 تشير إلى أن خلق الأرض الابتدائية كان سابقًا على تمايز السماء الدخانية الأولى إلى سبع سماوات، وأن دحو الأرض الابتدائية؛ بمعنى تكون أغلفتها الغازية، والمائية، والصخرية جاء بعد ذلك، ويدعم هذا الاستنتاج ما جاء في سورة النازعات من قول الحق سبحانه:{أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّا ها * وأَغْطَشَ لَيْلَهَا وأَخْرَجَ ضُحَاهَا * والْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أ َخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا ومَرْعَاهَ ا * والْجِبَالَ أَرْسَ اها * مَتَاعًا لَكُمْ ولِأَنْعَامِكُم} .
وفي الآيات من 9 إلى 12 من سورة فصلت يخبرنا ربنا سبحانه بأنه قد خلق الأرض في يومين، وجعل لها رواسي، وبارك فيها، وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام؛ أي: أربع مراحل، ثم خلق السموات في يومين؛ أي: مرحلتين.
وهو القادر على أن يقول للشيء: كن فيكون، ولكن هذا التدرج كان لحكمة مؤداها أن يفهم الإنسان سنن الله في الخلق، فقد يلتبس على القارئ لأول وهلة أن خلق الأرض وحدها قد استغرق ستة أيام؛ أي: ستة مراحل، وأن خلق السماء قد استغرق يومين؛ أي: مرحلتين، فيكون خلق السموات والأرض قد استغرق ثمانية مراحل، والآيات القرآنية التي تؤكد خلق السموات والأرض في ستة أيام؛ أي: ستة مراحل آيات عديدة، لكن الآيات في سورة فصلت تشير إلى أن يومي خلق الأرض هما يوم خلق السموات السبع؛ وذلك لأن الأمر الإلهي كان للسماء والأرض معًا؛ لقول الحق:{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا ولِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.