الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ففي تفسير الآية رقم 22 من سورة البقرة في قوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا والسَّمَاءَ بِنَاءً} (البقرة: 22) رأى العديد من المفسرين أن معناها: أن الله تعالى قد خلق جميع النعم الموجودة في الأرض لمنفعة الناس، ثم توجهت إرادته تعالى إلى السماء، فجعل منها سبع سموات، وهو تعالى محيط بكل شيء عالم بتفاصيله، والاستواء الإلهي رمز للسيطرة الكلية، والقصد بإرادة الخالق الخلق والتكوين، والتسوية للكون لأرضه وسمائه.
وهو تعالى خالق هذا الكون، ومدبره ربه ومليكه، ويأتي ذلك في معرض الاستنكار والاستهجان لكفر الكافرين من الناس بالخالق المبدع المهيمن المسيطر على الكون، الذي سخر لهم الأرض بكل ما فيها، وسخر لهم السموات بما يحفظ الحياة على الأرض ويحميها، ويجعل الأرض قرارًا لهم.
المفسرون وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا
…
}
بعد هذا التمهيد نأتي إلى أقوال المفسرين في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} .
قال ابن جوزي في كتابه (التسهيل في علوم التنزيل) الجزء الأول ص43 ما نصه:
وهذه الآية: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} تقتضي أنه خلق السماء بعد الأرض، وقوله تعالى:{وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} (النازعات: 30) ظاهره خلاف ذلك.
والجواب من وجهين: أن الأرض خلقت قبل السماء ودحيت بعد ذلك، فلا تعارض، والآخر: تكون ثم لترتيب الأخبار.
وقال ابن كثير: الاستواء يتضمن معنى القصد والإقبال؛ لأنه عدي بإلى فسواهن؛ أي: فخلق السماء سبعًا، والسماء اسم جنس؛ فلهذا قال:{فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ} ؛ أي: وعلمه محيط بجميع ما خلق، ففي هذا دلالة على أنه تعالى ابتدأ بخلق الأرض أولًا، ثم خلق السموات سبعًا، وقد صرح المفسرون بذلك.
فأما قوله تعالى: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّا ها * وأَغْطَشَ لَيْلَهَا وأَخْرَجَ ضُحَاهَا * والْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} (النازعات: 27 - 30) فقد قيل: إن ثم هنا إنما هي لعطف الخبر على الخبر، لا لعطف الفعل على الفعل.
وأضاف ابن كثير أن الدحي كان بعد خلق السموات والأرض، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وفي قوله تعالى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} البقرة، قال مجاهد: خلق الله الأرض قبل السماء.
فهذه دال ة على أن الأرض خلقت قبل السماء، وهذا ما لا أعلم فيه نزاعًا بين العلماء، إلا ما نقله ابن جرير عن قتادة أنه زعم أن السماء خلقت قبل الأرض.
وقد توقف في ذلك القرطبي في (تفسيره) لقوله تعالى: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا ومَرْعَاهَا * والْجِبَالَ أَرْسَاهَا} (النازعات: 30 - 32)، قال: فذكر خلق السماء قبل الأرض.
وفي (صحيح البخاري) أن ابن عباس سئل عن هذا بعينه، فأجاب: بأن الأرض خلقت قبل السماء، وأن الأرض إنما دحيت بعد خلق السماء، وكذلك أجاب غير واحد من علماء التفسير قديمًا وحديثًا.
وقال عدد من المفسرين المحدثين: إن لفظ خلق في هذه الآية الكريمة من سورة البقرة يعني: التقدير دون الإيجاد؛ بمعنى أن جميع مكونات الأرض من نوى
العناصر كانت جاهزة في الدخان الكوني، الناتج عن عملية فتق الرتق؛ ال ذ ي هو الانفجار العظيم، ولو أن كوكب الأرض لم يكن قد تم تشكيله بعد، ثم توجهت إرادة الله إلى السماء وهي دخان، فخلق منها سبع سماوات كما خلق الأرض.
ويستنتج من هذه الآيات الكريمة: أن الأرض قد خلقت من السماء الدخانية على مراحل أربع متتالية، بينما تم تشكيل السماء الدخانية على هيئة سبع سماوات على مرحلتين، وتم دحو الأرض بمعنى تكوين كل من أغلفتها الغازية، والمائية، والصخرية بعد ذلك؛ استنادًا إلى قوله تعالى:{أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّا ها * وأَغْطَشَ لَيْلَهَا وأَخْرَجَ ضُحَاهَا * والْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أ َخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا ومَرْعَاهَ ا * والْجِبَالَ أَرْسَ اها * مَتَاعًا لَكُمْ ولِأَنْعَامِكُم} (النازعات: 27 - 3 3).
وهذه الآيات الكريمة جاءت في مقام الاحتجاج على منكري البعث، فيسألهم ربنا سبحانه هل خلقكم أكبر من خلق السماء التي بنيناها بهذه السعة المبهرة، والنظام الدقيق، والانضباط في الحركة، والإحكام في العلاقات، والارتباط بتلك القوى الخفية، والإشعاعات غير المرئية التي تتحرك كأمر كوني واحد بسرعات كونية عظمى؛ لتربط بلايين النجوم والكواكب والكويكبات والأقمار والمذنبات في داخل المجرات، كما تربط مئات البلايين من المجرات مع بعضها البعض في ركن من السماء الدنيا، التي لا يستطيع العلم إدراك أبعادها، ولا تحديد ما فوقها.