الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أوجه الإعجاز في قوله تعالى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ}
أوجه الإعجاز في الآية السابقة.
مما سبق يتبيَّن أن العلماء الدارسين لمناطق اللقاء بين الأنهار والبحار مناطق المصبَّات اكتشفوا أن ماء النهر والبحر في منطقة اللقاء بينهما، في حالة ذهاب وإياب واختلاط واضطراب، ويفصل بينهما ماء المصبّ، الذي يعتبر حجرًا على الكائنات الحية، التي فيه محجورًا على الكائنات الخاصة بالبحار والأنهار، وأن ماء المصب محاط ببرزخ مائي يفصل بين البحر والنهر، وذلك ما قرَّره القرآن الكريم قبل ألف وأربعمائة عام على لسان نبي أمي، عاش في أرض صحراوية ليس فيها نهر ولا مصب، قال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا} (الفرقان: 53).
فهل تيسَّر لرسول الله صلى الله عليه وسلم في زمنه من أبحاث وآلات ودراسات ما تيسر للعلماء الذين اكتشفوا تلك الأسرار بالبحث والدراسة، والواقع أن الذي تيسر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر من ذلك، فقد جاءه النبأ من العليم الخبير، الذي أنزل عليه {قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (الفرقان: 6).
وقد دلَّ الوصف التاريخي في أول البحث عن تطور علوم البحار، على عدم وجود أيَّة معلومات علمية في هذا الموضوع، قبل أربعة عشر قرنًا من الزمان عند نزول القرآن الكريم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أن علوم البحار لم تتقدم إلا في القرنين الأخيرين، وخاصة في النصف الأخير من القرن العشرين، وقبل ذلك كان البحر مجهولًا مخيفًا، تكثر عنه الأساطير والخرافات، وكل ما يهتم به راكبوه هو السلامة، والاهتداء إلى الطريق الصحيح أثناء رحلاتهم الطويلة.
وما عرف الإنسان أن البحار الملحة بحار مختلفة إلا في الأربعينات من هذا القرن، بعد أن أقام الدارسون آلاف المحطات البحرية لتحليل عينات من مياه البحار، وقاسوا في كل منها الفروق في درجات الحرارة، ونسبة الملوحة، ومقدار الكثافة، ومقدار ذوبان الأكسجين في مياه البحار في كل المحطات، فأدرك بعدئذٍ أن البحار متنوعة.
وما عرف الإنسان البرزخ الذي يفصل بين البحار الملحة إلا بعد أن أقام محطات الدراسة البحرية المشار إليها، وبعد أن قضى وقتًا طويلًا في تتبُّع وجود هذه البرازخ المتعرجة المتحركة التي تتغير في موقعها الجغرافي بتغيّر فصول العام.
وما عرف الإنسان أن ماء البحرين منفصلان عن بعضهما بالحاجز المائي ومختلطان في نفس الوقت إلا بعد عكف يدرس بأجهزته وسفنه حركة المياه في مناطق الالتقاء بين البحار، وقام بتحليل تلك الكتل المائية في تلك المناطق، وما قرر الإنسان هذه القاعدة على كل البحار التي تلتقي، إلا بعد استقصاء ومسح علمي واسع، لهذه الظاهرة التي تحدث بين كل بحرين.
فهل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك تلك المحطات البحرية، وأجهزة تحليل كتل المياه، والقدرة على تتبع حركة الكتل المائية المتنوعة، وهل قام بعملية مسح شامل، وهو الذي لم يركب البحر قط، وعاش في زمن كانت الأساطير هي الغالبة على تفكير الإنسان، وخاصة في ميدان البحار، وصدق الله القائل:{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (فصلت: 53).