الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله تعالى في سورة البقرة: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (البقرة: 23) ومع صدق هذا التحدي عجز العرب عن تحدي القرآن، وقد كانت العربية في ريعان شبابها وقوتها وإلى اليوم وحتى آخر الزمان.
وجوه إعجاز القرآن
القرآن معجز في ألفاظه وأسلوبه وفي بيانه ونظمه وفي تشريعاته وأحكامه الرامية لتكوين مجتمع إنساني مثالي واقعي، كما أنه معجز فيما احتوى من علوم ومعارف لم يجمعها كتاب قبله ولا بعده، وتحققت باكتشافات العلماء لبعضها في العصور المتأخرة كحقائق ثابتة. وقد اشتهر في كتب علوم القرآن من وجوه الإعجاز الإعجاز اللغوي. إن القرآن الذي عجز العرب عن معارضته لم يخرج عن سنن كلامهم ألفاظًا وحروفًا تركيبًا وأسلوبًا، ولكنه في اتساق حروفه وطلاوة عبارته وحلاوة أسلوبه وجرس آياته ومراعاة مقتضيات الحال في ألوان البيان في الجمل الاسمية والفعلية، وفي النفي والإثبات، وفي الذكر والحذف، وفي التعريف والتنكير، وفي التقديم والتأخير، الحقيقة والمجاز، وفي الإطناب والإيجاز وفي العموم والخصوص، وفي الإطلاق والتقييد، وفي النص والفحوى.
هكذا في كل ما سبق نجد القرآن هو القمة التي تعجز أمامها القدرة اللغوية لدى البشر أجمعين، وعلماء اللغة العربية هم أدرى الناس بذلك وهم يعلمون أن قريشًا الذين نزل القرآن بلغتهم هم أوضحُ العربِ لسانًا وأقدرهم بيانًا، بل هم حكام
أسواق البلاغة والبيان في عكاظ، وذي المجنة والمجاز، وهم من أدرك عظمة بيانِ القرآن، وجلال كلامه، وقد تحداهم الله أن يأتوا بمثله فلم يقدروا على ذلك.
ثانيًا: من وجوه الإعجاز: الإعجاز التشريعي؛ عرفت البشرية في عصور التاريخ ألوانًا من المذاهب والنظريات، والنظم والتشريعات التي تستهدف سعادة الفردِ في مجتمعٍ فاضلٍ، وكَتَبَ الكثيرُ من الفلاسفة عن المدينة الفاضلة، ولكن واحدًا من تلك المذاهب لم يبلغ من الروعة والجلال مبلغ القرآن في إعجازه التشريعي؛ فهو يبدأ بتربية الفرد حيث يحرر وجدانه بعقيدة التوحيد:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (الإخلاص: 1). ويأمر بأداء العبادات من صلاة وزكاة وصوم وحج، ويدعوه إلى الأخلاق الحسنة كالإيثار والجود، والكرم، والصبر، والأمانة، ويغرس في نفسه المسئولية الفردية:{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} (المدثر: 38) وفي قول الله تعالى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} (البقرة: 286).
وينتقل القرآن إلى بناء الأسرة؛ لأنها نواة المجتمع فيشرع الزواج ويقيم رباط الأسرة على الود والرحمة، والسكن النفسي، والعشرة بالمعروف ومراعاة خصائص الرجل وخصائص المرأة، ويقرر القرآن كيفية قيام الدولة التي تسود المجتمع، وصفات حكومتها فهي حكومة تقوم على الشورى. قال تعالى:{وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} (آل عمران: 159) وهي حكومة تقوم على العدل المطلق في نطاق القدرة البشرية. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (النساء: 135). والتشريع في الحكومة المسلمة ليس متروكًا للناس، وإنما هو مقرر من الله في القرآن والسنة النبوية المطهرة. قال تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة: 44) والقرآن يقرر صيانة الضرورات
الخمس للحياة الإنسانية، إذ يستحيل قيام كيان اجتماعي يسوده العدل والأمن النفسي والاجتماعي إلا بالمحافظة على الدين، والنفس، والعرض والمال والعقل.
ويقرر القرآن أيضًا العلاقات الدولية في الحرب والسلم بين المسلمين وجيرانهم، أو معاهديهم، وهي أرفع معاملة عُرِفَتْ في عصورِ الحضَارَةِ الإنسانية، وبهذه التشريعات أخرج القرآن خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتؤمن بالله. قال تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} (آل عمران: 110).
ثالثًا: من وجوه إعجاز القرآن: إعجاز الهداية، وهي أن هذا الدين هو دين الفطرة التي فطر الناس عليها، فإذا حَلَّ في أمةٍ استوطنها؛ فصار جزءًا من كيانها، وما دخل أرضًا إلا وبقي فيها رغم ما يصيب أهلها من الابتلاء في دينهم.
رابعًا: من وجوه إعجاز القرآن: الإعجاز الغيبي. مثل: إخبار القرآن الكريم بانتصار الروم على الفرس بعد هزيمتهم، والذي تحقق بعد بضع سنوات في قوله تعالى:{الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ} (الروم: 1 - 4).
خامسًا: من وجوه إعجاز القرآن: الإعجاز العلمي:
لقد شاع مصطلح الإعجاز العلمي في عصرنا للدلالة على أوجه إعجاز القرآن التي كشفت عنها العلوم الكونية بما يوجب التعريف به، والمقصود بالعلم في هذا المقام العلم التجريبي.
الإعجاز العلمي هو: إخبار القرآن الكريم أو السنة النبوية بحقيقة أثبتها العلم التجريبي، وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم مما يظهر صدقه فيما أخبر به عن ربه سبحانه وتعالى وهو باب من أبواب الإعجاز الغيبي.
أهمية الإعجاز العلمي: لما كانت الرسل عليهم السلام قبل رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم يبعثون إلى أقوامهم خاصة، ولأزمنة محدودة فقد أيدهم الله ببينات حسية، يعني: بمعجزات حسية كالعصا لموسى عليه السلام وإحياء الموتى بإذن الله على يد عيسى عليه السلام وتستمر هذه المعجزات الحسية محتفظةً بقوة إقناعها في الزمن المحدد لرسالة كل رسول، حتى إذا تطاول الزمن، وتقادم، وضعف أثر تلك الرسالة الصافي، واختفت قوة إقناعها الحسية؛ فعندئذ يبعث الله رسولًا آخر، ويؤيده بمعجزة جديدة مناسبة لما برع فيه أهل زمانه.
ولما ختم الله الرسالات بمحمد صلى الله عليه وسلم ضمن له حفظ دينه، وأيده ببينات، أي: معجزات حسية؛ من ذلك نبع الماء بين أصابعه وحنين الجذع، وتسبيح الحصى، وزاده على ذلك بمعجزة كبرى تبقى بين أيدي الناس إلى قيام الساعة، ألا وهي القرآن الكريم. هذه المعجزة التي يتجدد عطاؤها مع كل فتحٍ بشري في آفاق العلوم والمعارف ذات الصلة بمعاني الوحي الإلهي؛ من ذلك في عصرنا هذا الإعجاز العلمي في القرآن والسنة قال صلى الله عليه وسلم:((ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إليّ أرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة)) فمعجزة القرآن مستمرة إلى يوم القيامة، وخرقه للعادة في أسلوبه، وفي بلاغته، وإخباره بالمغيبات مستمر، فلا يمر عصر من العصور إلا ويظهر فيه شيء مما أخبر به أنه سيكون يدل على صحة دعواه، فعم نفعُهُ من حَضَرَ ومن غَاب، ومن وُجِدَ ومن سيُوجَدُ.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.