الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التي ألهمك في عمل العسل، أو فاسلكي راجعة إلى بيوتك سبل ربك لا تتوعَّر عليك.
قوله: {فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا} قيل: هي نعت الطرق، يقال: هي مذللة للنحل سهلة المسالك. قال مجاهد: "لا يتوعر عليها مكان سلكته". وقال آخرون: الذلل نعت النحل يقول: أي مطيعة منقادة بالتسفير.
قوله: {يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ} يعني: العسل مختلف ألوانه أبيض، وأحمر، وأصفر.
{فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} ؛ أي: في العسل. عن أبي سعيد الخدري قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((إن أخي استطلق بطنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسقه عسلًا، فسقاه، ثم جاء فقال: إني سقيته فلم يزده إلا استطلاقًا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاث مرات، ثم جاء الرابعة، فقال: اسقه عسلًا. قال: فقد سقيته فلم يزده إلا استطلاقًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدق الله وكذب بطن أخيك، اسقه عسلًا، فسقاه فبرأ)).
قال عبد الله بن مسعود: العسل شفاء من كل داء، والقرآن شفاء لما في الصدور، وروي عنه أنه قال: عليكم بالشفاءين: القرآن والعسل.
التحقيق العلمي
أثبت العلماء بإعجاب ودهشة أن النحل أمة منظمة حقَّ ة، وأنها مأمورة وميسرة إلى نظام من المعلومات يُعينها على اجتياز الآفاق من حولها، والعودة إلى خليتها وبيتها دونما خطأ، وترتَّب على هذه الملاحظة أن عكف العلماء على دراسة لهذا النظام المعلوماتي للنحل، فوجدوا ما يتفق مع القرآن الكريم بعد بحوث طويلة على النحو الآتي:
فتجد النحل الشغالة المختصة بجمع الرحيق بهدف الاستطلاع والبحث عن أماكن الرحيق الجيد، حتى تعثر عليه، وعلى مسافات تصل إلى عدة أميال، تعود النحلة إلى خليتها، وتدخل فتجتمع حولها وخلفها جمهور الشغالات، كأنها دعتهم إلى مؤتمر هام يتحلَّق الجميع على قرص الشمع حول النحلة الشغالة الداعية، وتشرع هي في الدوران حول نفسها عددًا محدد من الدورات، وهي تميل بزاوية محددة من ناحية قرص الشمس.
واصل العلماء البحث مع النحل، فوضعوا خلاياه على مسافات محددة من مصدر الرحيق الواحد في مكان البحث؛ فلاحظوا أن تغير مكان الرحيق يترتب عليه تغيرًا في عدد دوران النحلة حول نفسها تغيرًا في سرعة الدوران، وتغيرًا في ميل جناحها على ناحية الشمس.
فالنحل ينطلق بزاوية ارتفاع محددة إلى مسافة في السماء، تُحدد بعدد من الدورات، ثم ينطلق موازيًا للأرض مسافة محددة، ثم يهبط كأنه قذيفة موجهة إلى حيث يوجد الأزهار، وقد ثبت أن النحل يُوظِّف عدَّة حواس لأداء مهمته تلك، فهو يشمُّ ويتذوَّق ويبصق، وحتى يُصدر أصواتًا إنه يشم، فما هي أعضاء الشم التي يمتلكها: إنها خلايا متخصصة تنتشر على قرون استشعار، وهي الخلايا؛ أي: الأعضاء التي يستطيع بها النحل تمييز رائحة الزهرة في الحقل، وكذلك يستطيع بها أن يميِّز رائحة الخلية التي ينتمي إليها. إن الرائحة الأسرية، أو رائحة المستعمرة عبارة عن مادة تسمى فرمون، تفرزه ملكة الخلية من غُددها الفكية، وهي المادة التي تجذب بها الذكور التي تلاحقها في طيران الزفاف الملكي، وهي المادة نفسها التي تنثُرها الملكة في الخلية على الشغالات، فتصيبها بالعقم، فلا يكون لهنَّ عمل في الإنجاب، وهي المادة نفسها التي تشيع في أرجاء الخلية، ويعرفها كل فرد يعيش في هذه الخلية.
هكذا تعمل هذه الرائحة المميزة بمثابة كلمة السر، أو بطاقة الهوية لهذه الخلية، فإذا دخلت نحلة غريبة عن الخلية كان من السهل على العاملات المسئولات عن الحراسة أن يكتشفن وجودها، وعلى التوِّ يهاجمنها ويطردنها.
وللنحل قدرات واضحة على تذوُّق الرحيق والمواد السائلة الأخرى، ولديه القدرة على الإبصار ويميز بين البياض والسواد وبين بعض الألوان، وخصوصًا بين اللونين الأزرق والأصفر، ويستطيع أن يبصر ما لا يبصره الإنسان مثل بصر الأشعة فوق البنفسجية، وهكذا بالشم والتذوق والإبصار تستطيع شغالات النحل أن تُزاول أعمالها النشطة بين عالم الأزهار الذي تعشقه وتحبه، فتزوره مرات ومرات كل يوم في الأيام الدفيئة الوادعة.
لكن ماذا يجري للنحلة الشغالة عندما تخرج من بيتها للمرة الأولى في حياتها، حيث تخرج للبحث عن الرزق؛ إنها قبل أن تُغادر موقع البيت في الخلية تستدير إليه، وتقف، وتحلّق أمامه فترة، وكأنها تُشعر نفسها بأنها سوف لا تستطيع أن تعود إلى هذا البيت، فهي تقف وتستدير وتُحلق أمامه حتى ينطبع في ذاكرتها، ثم هي بعد ذلك تطير من حوله في دوائر تأخذ في الاتساع شيئًا فشيئًا، وإضافة إلى هذه الحيطة، فإنها لا تبتعد كثيرًا عن بيتها في هذه الرحلة الأولى، بل تعمد إلى الطيران القريب من المنطقة المتاخمة للخلية.
ولقد أثارت معرفة الطرق التي تسلكها شغالات النحل في رحلات الذهاب والإياب عقول الناس منذ سنوات بعيدة، وحاول العلماء أن يفسِّروا هذا الأمر، ويقترحوا له الاقتراحات، وكان من أشهر العلماء كارلثون فريتش الذي قضى كل عمره أو معظم عمره يجري تجارب وبحوثًا لفك ألغاز، وأسرار مسارات النحل، ومعرفة اللغات التي تتفهَّم أفراده مع بعضها بواسطتها، ومن أجل ذلك
نال جائزة نوبل عام 1973، وقد اكتشف فريتش وتلامذته خلال بحوثهم، ومحاولاتهم، وتجاربهم أن شغالات النحل الاستكشافية تستطيع أن تُخبر زميلاتها في الخلية بالأخبار الآتية:
1 -
وجود أزهار مرغوبة في حقل محدد.
2 -
تحديد المسافة بين موقع الخلية وموضع هذه الأزهار.
3 -
نوع الأزهار المقصودة.
4 -
اتجاه الطيران للوصول إلى ذلك الموقع.
واستخلص فريتش ومساعدوه أن هناك نوعين من الحركات تؤديهما الشغالات بعد عودتهنَّ من الرحلات الاستكشافية، هما: الرقص الدائري، والرقص الاهتزازي، هذا كان فريتش في بحوثه الأولى في العشرينات، يعتقد بأهمية الروائح في اهتداء النحل إلى غذائه في رحلات جني الرحيق، وهي الروائح التي يشمها من شقيقاته المستكشفات، لكنه عدل عن هذا الرأي في الأربعينات إلى أهمية لغة الرقص، وتقوم الشغالات بأداء الرقص الدائري في الخلية إذا كانت المسافة بين موضع الرحيق، وبين موضع الخلية لا يتجاوز خمسين مترًا، تدخل الشغالات الخلية، فتفرغ حمولتها من حبوب اللقاح، ثم تقف على أحد الأقراص الشمعية، وتبدأ في الدوران حول نفسها في دائرة ضيقة مغيرة اتجاهها بثبات، فتدور إلى اليمين تارة، وتارة أخرى إلى اليسار راقصة في اتجاه عقرب الساعة، وفي اتجاه معاكس في تتابع سريع، فترسم بذلك دائرة، أو دائرتين في كل اتجاه، وذلك وسط ضجيج صاخب في الخلية حيث يتراص النحل وراءها، محاولًا أن يلمس بطنها بقرون استشعاره، آخذًا في أداء حركات الرقص معها،
فتبدو هذه النحلة الراقصة الأولى كما لو كانت تجرُّ خلفها ذيلًا طويلًا من النحل المتحرك حركة مستمرة.
ويدوم هذا الرقص الجماعي ثوانٍ، أو قد يصل إلى دقيقة كاملة، وأخيرًا تنسلُّ من أخواتها وتصل إلى فتحة الخلية؛ لتخرج وتذهب في رحلة جديدة بحثًا عن الغذاء.
وفي لحظات تقوم الشغالات اللاتي كنَّ يُتابعن أختهنَّ الراقصة تلك بالتوجه نحو فتحة الدخول، ومغادرة الخلية جميعًا نحو موضع الغذاء المحدد.
وهناك نوع آخر من الرقص رصده فريتش ومساعدوه، وهو الرقص الاهتزازي، واستخلصوا في نتائج تجاربهم أنه النوع الذي به تبلغ النحلة الشغالة عن تقدير المسافة بين الخلية ومصدر الغذاء، وخصوصًا المسافات البعيدة التي تزيد عن خمسين مترًا، فتدخل الشغالة من فتحة الخلية وتقف وسط أخواتها على قرص الشمع، وتسير مسافة قصيرة في خطٍّ مستقيم، وتحرك بطنها بسرعة من جانب لآخر، ثم تتحرك في قوس إلى اليسار، ثم في خط مستقيم ثانية، ثم تتحرك في قوس إلى اليمين.
ولقد اكتشف الباحثون أن هنالك ارتباط بين عدد اللفات الكاملة أثناء هذا الرقص الاهتزازي، وبين تحديد المسافة المطلوبة، فإذا كانت المسافة 100 متر كان عدد الرقصات من 9 إلى 10 لفات كل 15 ثانية، وإذا كانت 200 متر كان عدد الرقصات 7 لفات كل 15 ثانية، وإذا كانت المسافة كيلو مترًا واحدًا يتناقص عدد اللفات إلى 4.5 لفات كل 15 ثانية، وإذا كانت المسافة 6 كيلو مترات يكون عدد اللفات لفتين فقط.
ولاحظ فريتش ومساعدوه خلال مراقبة الرقص الاهتزازي لشغالات النحل أن الواحدة منهنَّ تُغيِّر اتجاه الجزء المستقيم من الرقص مع تقدم النهار، فاستدلوا بذلك أن موضع الشمس في السماء له أثر في هذا السلوك على النحو التالي: إذا كان موضع الغذاء في اتجاه الشمس بالنسبة لبيت النحل كان اتجاه مسار الجزء المستقيم من الرقصة إلى أعلى، وإذا كان موضع الغذاء في الاتجاه المضادّ للشمس لبيت النحل؛ كان اتجاه مسار الجزء المستقيم من الرقصة إلى أسفل، وإذا كان موضع الغذاء منحرفًا عن اتجاه الشمس بالنسبة لبيت النحل؛ فإن النحلة تنحرف من الجزء المستقيم في رقصتها عن الخط العمودي بزاوية تساوي الزاوية الواقعة بين خط مرسوم بين الخلية والشمس، وخط آخر بين الخلية والغذاء، وأما الخلط بين الخلية والشمس فيُعبَّر عنه خط الجاذبية الأرضية.
وإذا كان اليوم غائمًا والشمس محتجبة، أو أن شغالات النحل تسرح في الفترة المتأخرة من النهار حيث الضوء الضعيف؛ فإن النحل يستطيع أن يهتدي بالمساحات الصافية من السماء في هذا الموضوع، وذلك لأن عين النحلة قادرة على تحديد مواضع الأجسام المضيئة.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.