الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقولها المتعوذ، وقد فسرناها، وهي واقعة على سبيل المجاز، كأن كل واحد من البحرين يتعوَّذ من صاحبه ويقول:{حِجْرًا مَحْجُورًا} "، وبمثل ما قال الزمخشري قال غيره من المفسرين، كأبي حيان، والرازي، والألوسي، والشنقيطي.
التحقيق العلمي
شاهد الإنسان منذ القديم النهر يصب في البحر، ولاحظ أن ماء النهر يفقد بالتدريج، لونه المميز وطعمه الخاص كلما تعمق في البحر، ففهم من هذه المشاهدة أن النهر يمتزج بالتدريج بماء البحر، ولولا ذلك لكان النهر بحرًا عذبًا، يتسع كل يوم حتى يطغى على البحر.
ومع تقدم العلم وانطلاقه لاكتشاف أسرار الكون، أخذ يبحث عن كيفية اللقاء بين البحر والنهر، ودرس عيِّنات من الماء حيث يلتقي النهر بالبحر، ودرس درجات الملوحة والعذوبة بأجهزة دقيقة، وقاس درجات الحرارة، وحدد مقادير الكثافة، وجمع عينات من الكائنات الحية، وقام بتصنيفها، وحدد أماكن وجودها، ودرس قابليتها للعيش في البيئات النهرية والبحرية.
وبعد مسح لعدد كبير من مناطق اللقاء بين الأنهار والبحار، اتضحت للعلماء بعض الأسرار التي كانت محجوبة عن الأنظار، واكتشف الباحثون أن المياه تنقسم إلى ثلاثة أنواع:
1 -
مياه الأنهار: وهي شديدة العذوبة.
2 -
مياه البحار: وهي شديدة الملوحة.
3 -
مياه في منطقة المصبّ، مزيج من الملوحة والعذوبة، وهي منطقة فاصلة بين النهر والبحر، متحركة بينهما بحسب مدّ البحر وجزره، وفيضان النهر وجفافه، وتزداد الملوحة فيها كلما قربت من البحر، وتزداد درجة العذوبة كلما قربت من النهر.
4 -
يوجد برزخ مائي يُحيط بمنطقة المصبّ، ويحافظ على هذه المنطقة بخصائصها المميزة لها، حتى ولو كان النهر يصب إلى البحر من مكان مرتفع في صورة شلال.
5 -
عدم اللقاء المباشر بين ماء النهر وماء البحر في منطقة المصب، بالرغم من حركة المد والجزر وحالات الفيضان والانحسار، التي تُعتبر من أقوى عوامل المزج؛ لأن البرزخ المحيط بمنطقة المصب يفصل بينهما على الدوام.
6 -
يمتزج ماء النهر بماء البحر بصورة بطيئة، مع جود المنطقة الفاصلة من مياه المصب، والبرزخ المائي الذي يُحيط بها، ويحافظ على جوِّدها.
7 -
تختلف الكتل المائية الثلاث؛ ماء النهر، ماء البحر، ماء المصب؛ في الملوحة والعذوبة.
وقد شاهد الباحثون الذين قاموا بتصنيف الكائنات الحية الموجودة فيها، ما يلي:
أ- معظم الكائنات التي في البحر والنهر والمصب لا تستطيع أن تعيش في غير بيئتها، ويوجد بعض الأنواع القليلة مثل سمك السلامون وثعابين البحر، تستطيع أن تعيش في البيئات الثلاث، ولها قدرة على أن تتكيَّف مع كل بيئة، فعديدات الأشواك ومعديات الأرجل والسركانات توجد في المصبات، ولكنها يُمكن أن تعيش في المناطق البحرية عند مناسبة الظروف البيئية، أما النيريس وهي من عديدات الأشواك ومعديات الأرجل والقشريات فتعتبر حيوانات لمنطقة
المصب ولا توجد في البحر، ومعظم كائنات البيئات الثلاث تموت إذا خرجت من بيئتها الخاصة بها.
ب- وبتصنيف البيئات الثلاث، باعتبار الكائنات التي تعيش فيها، تُعتبر منطقة المصب منطقة حجر على معظم الكائنات الحية التي تعيش فيها؛ لأن هذه الكائنات لا تستطيع أن تعيش إلا في نفس الوسط المائي المتناسب في ملوحته وعذوبته، مع درجة الضغط الأسموزي في تلك الكائنات، والضغط الأسموزي ظاهرة تتعلق بمقدار نفاذ الأملاح في الأغشية، وتموت إذا خرجت من المنطقة المناسبة لها، وهي منطقة المصب، وهي في نفس الوقت منطقة محجورة، على معظم الكائنات الحية التي تعيش في البحر والنهر؛ لأن هذه الكائنات تموت إذا دخلتها، بسبب اختلاف الضغط الأسموزي أيضًا.
وبعدُ: فإن هذا النظام البديع، قد جعله الله تعالى لحفظ الكتل المائية الملتقية، من أن يفسد بعضها خصائص البعض الآخر؛ ليبقى ذلك الاختلاف رحمة للناس وسائر الكائنات، وإذا كانت العين المجردة لا تستطيع أن ترى هذا الحاجز الذي يحفظ الله تعالى به منطقة المصبِّ؛ فإن الأقمار الصناعية اليوم قد زوَّدتنا بصورة باهرة تُبيِّن لنا حدود هذه الكتل المائية الثلاث، التي تزداد وضوحًا كلما ازداد الفارق في حرارة الماء وما يحمله من مواد. وبالرغم من أن الماء العذب يمتزج مع ماء البحر، فإن هناك حدودًا على طرفي منطقة الامتزاج المحدودة، التي تفرض قيودًا على ما يدخلها أو يخرج منها، وهذا الوصف ينطبق تمامًا على نظام المصبِّ.
ويوجد اليوم اختلاف حول التعريف الأساسي لهذا المصطلح، ولكن العلم الحديث أثبت وجود حدودٍ على طرفي منطقة الامتزاج.
فانظر كيف حارت العقول الكبيرة عدَّة قرون بعد نزول القرآن الكريم في فهم الدقائق والأسرار، وكيف جاء العلم مبينًا لتلك الأسرار، وصدق الله القائل: