الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منهج الشيخ طنطاوي جوهري في كتاب (الجواهر)
وأكثرهم إنتاجًا لهذا التفسير العلمي هو المرحوم الشيخ طنطاوى جوهري؛ إذ إنه جمع كثيرًا من هذا العلم، وأطال في تفسيره (الجواهر) الذي يقع في خمسة وعشرين جزءًا كبارًا، والمطبوع بمصر سنة 1341هـ / 1351 هـ، يعني في هذه المد
يقول الدكتور الذهبي: "ولهذا أرى أن أتكلم عنه بما يكشف عن طريقة مؤلفه ومنهجه، الذي سلكه فيه". أولًا: الدوافع التي حملت المؤلف على كتابة هذا التفسير، الشيخ طنطاوي جوهري يقول عن نفسه:"إنه مغرم بالعجائب الكونية، معجب بالبدائع الطبيعية، مشوق إلى ما في السماء من جمال وما في الأرض من بهاء وكمال".
ثم يقول الشيخ طنطاوي جوهري: "إنه لما تأمل الأمة الإسلامية وتعاليمها الدينية، وجد أكثر العقلاء وبعض أجلة العلماء عن تلك المعاني معرضين، وعن التفرج عليها ساهين لاهين، فقليل منهم من فكر في خلق العوالم، وما أودع فيها من الغرائب. فدفعه ذلك إلى أن ألف كتبًا كثيرة مزج فيها الآيات القرآنية بالعجائب الكونية، وجعل آيات الوحي مطابقة لعجائب الصنع، وحكم الخلق، وكان من أهم هذه الكتب كتاب (نظام العالم والأمم) و (جواهر العلوم) و (التاج المرصع) و (جمال العالم) و (النظام والإسلام) و (الأمة وحياتها) ". لكنه وجد أن هذه الكتب رغم كثرتها وانتشارها وترجمتها إلى اللغات الأجنبية، لم تشف غليله، فتوجه إلى ذي العزة والجلال أن يوفقه إلى أن يفسر القرآن تفسيرًا ينطوي على كل ما وصل إليه البشر من علوم، فاستجاب الله دعاءه، وتم له ما أراد.
متى وكيف شرع المؤلف في كتابة هذا التفسير؟ ابتدأ المؤلف هذا التفسير أيام أن كان مدرسًا بمدرسة دار العلوم، فكان يلقي تفسير بعض آيات على طلبة مدرسة دار العلوم، وبعض هذه الدروس كان يكتب في مجلة الملاجئ العباسية. ثم والى وتابع سيره في التفسير حتى أخرج لنا ذلك التفسير المكون من خمسة وعشرين جزءًا.
غرض المؤلف من تفسيره: لقد رجا المؤلف رحمه الله من وراء هذا التفسير -كما يقول- أن يشرح الله به قلوبًا ويهدي به أممًا. وتنقشع به الغشاوة عن أعين عامة المسلمين، فيفهموا العلوم الكونية، وقال:"وإني لعلى رجاء أن يؤيد الله هذه الأمة بهذا الدين. ويسير على منوال هذا التفسير المسلمون، وينتشر في مشارق الأرض ومغاربها مقرونًا بالقلوب، وليتفاعل الموحدون بالعجائب السماوية، والبدائع الأرضية ويكون هؤلاء الشباب دعاة إلى نشر هذا العلم. وليقومن من هذه الأمة من يفوقون الفرنجة في الزراعة والطب والمعادن والحساب والهندسة والفلك، وغيرها من العلوم والصناعات".
منهج المؤلف في تفسيره: لقد وضع المؤلف في تفسيره هذا ما يحتاجه المسلم من الأحكام والأخلاق وعجائب الكون، وأثبت فيه غرائب العلوم، وعجائب الخلق مما يشوق المسلمين والمسلمات إلى الوقوف على حقائق معاني الآيات البينات في الحيوان والنبات، والأرض والسموات. هذا وإن المؤلف رحمه الله ليقرر في تفسيره، أن في القرآن من آيات العلوم ما يزيد على سبعمائة وخمسين آية، في حين أن علم الفقه لا تزيد آياته الصريحة على مائة وخمسين آية، كما يقرر أن الإسلام جاء لأمم كثيرة، وأن سور القرآن الكريم متممات لأمور أظهرها العلم الحديث.
يقول الذهبي في كتابه (التفسير والمفسرون): "كثيرًا ما نجد المؤلف رحمه الله في تفسيره يهيب بالمسلمين أن يتأملوا في آيات القرآن، التي ترشد إلى علوم الكون، ويحثهم على العمل بما فيه، ويندد بمن يغفل هذه الآيات على كثرتها، وينعي على من أغفلها من السابقين الأولين. ووقف عند آيات الأحكام وغيرها مما يتعلق بأمور العقيدة"، كذلك يقول الذهبي في كتابه (التفسير والمفسرون): "نجد المؤلف يكرر هذه النغمة في كثير من مواضع الكتاب.
فيقول في موضع منه: يا أمة الإسلام آيات معدودات في الفرائض اجتذبت فرعًا من علم الرياضيات، فما بالكم أيها الناس بسبعمائة آية فيها عجائب الدنيا كلها، هذا زمان العلوم وهذا زمان ظهور نور الإسلام، هذا زمان رقي، يا ليت شعري لماذا لا نعمل في آيات العلوم الكونية ما فعله آباؤنا في آيات الميراث؟ ولكني أقول -أي المؤلف يقول: الحمد لله إنك تقرأ في هذا التفسير خلاصات من العلوم، ودراستها أفضل من دراسة علم الفرائض؛ لأنه فرض كفاية فأما هذه فإنها للازدياد في معرفة الله، وهي فرض عين على كل قارئ.
إن هذه العلوم التي أدخلناها في تفسير القرآن هي، التي أغفلها الجهلاء المغرورون من صغار الفقهاء في الإسلام، فهذا زمان الانقلاب وظهور الحقائق، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم". ويقول المؤلف في موضع آخر: "إن نظام التعليم الإسلامي لابد من ارتقائه، فعلوم البلاغة ليست هي نهاية علوم القرآن، بل هي علوم لفظه، وما نكتبه اليوم علوم معناه، وانطباقها على العلوم التي أظهرها الله في الأرض.
ولعل هذا الزمان سيظهر فيه آثار من قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} (القيامة: 38) فإن البيان المذكور في سورة القيامة فسر بمعنى: أننا نبينه بلسانك، فتقرؤه كما
أقرأك جبريل، وبمعنى أنه إذا أشكل شيء من معانيه، فنحن نبينه لك وعلينا بيان ما فيه من الأحكام والعجائب. ولا جرم أن ما يتجدد اليوم من العلوم مما ذكر في هذا التفسير، ولم يذكر من البيان الذي أكد الله أنه يظهره لأمة الإسلام، فالحمد لله الذي وفق في هذا التفسير لبعض العرفان تصديقًا لما ذكر الله، من أن عليه البيان".
ويقول في موضع آخر: "لماذا ألف علماء الإسلام عشرات الألوف من الكتب الإسلامية في علم الفقه، وعلم الفقه ليس فيه في القرآن إلا آيات قلائل لا تصل مائة وخمسين آية؟ فلماذا كثر التأليف في علم الفقه وقل جدًّا في علوم الكائنات، التي لا تخلو منها سورة، بل هي تبلغ سبعمائة وخمسين آية صريحة؟ وهناك آيات أخرى دلالتها تقرب من الصراحة، هل يجوز في عقل أو شرع أن يبرع المسلمون في علم آياته قليلة، ويجهلوا علمًا آياته كثيرة جدًّا؟! إن آباءنا برعوا في الفقه، فلنبرع نحن الآن في علم الكائنات؛ لنقم به لترقى الأمة".
هل وجد (تفسير الجواهر) قبولًا لدى كثير من المثقفين؟ هذه المقالات وغيرها كثير في تفسير (الجواهر) نجد أغلبها قد صدر من المؤلف في مقام الرد على من كان يوجه إليه اللوم، والاعتراض على ما كان منه من تحميل القرآن الكريم علوم، ونظريات مستحدثة لا عهد للعرب بها، ولا صلة للقرآن بشيء منها. ويظهر لمن يتصفح هذا التفسير أن المؤلف رحمه الله لاقى الكثير من لوم العلماء على مسلكه، الذي سلكه في تفسيره، مما يدل على أن هذه النزعة التفسيرية لم تلق قبولًا لدى كثير من المثقفين.
مصادرة المملكة السعودية لـ (تفسير الجواهر): ولعل هذا المنزع في تفسير القرآن الكريم هو السر، الذي من أجله صادرت المملكة العربية السعودية هذا الكتاب،
ولم تسمح بدخوله إلى بلادها. كما يجد القارئ ذلك في نص الكتاب المرسل من المؤلف إلى الملك عبد العزيز آل سعود، ملك نجد والحجاز، وذلك في صـ 238 من الجزء الخامس والعشرين.
طريقة المؤلف في هذا التفسير: يقول الدكتور حسين الذهبي: "بعد أن قرأت الكثير من التفسير أستطيع أن أعطيك صورة واضحة عن منهج المؤلف وطريقته، التي سلكها فيه. وذلك أن المؤلف رحمه الله يفسر الآيات القرآنية تفسيرًا لفظيًّا مختصرًا لا يكاد يخرج عن ما كتب في التفاسير المألوفة لنا، والمتداولة بين أيدينا، لكنه سريعًا ما يخلص من هذا التفسير الذي يسميه لفظيًّا، ويدخل في أبحاث علمية مستفيضة، يسميها هو لطائف أو جواهر. هذه الأبحاث عبارة عن مجموعة كبيرة من أفكار علماء الشرق والغرب في العصر الحديث. أتى بها المؤلف ليبين للمسلمين ولغير المسلمين أن القرآن الكريم قد سبق إلى هذه الأبحاث، ونبه على تلك العلوم قبل أن يصل إليها هؤلاء العلماء بقرون متطاولة".
يواصل الدكتور الذهبي حديثه عن هذا الكتاب يقول: "ثم إننا نجد المؤلف رحمه الله يضع لنا في تفسيره هذا كثيرًا من صور النباتات والحيوانات ومناظر الطبيعة، وتجارب العلوم بقصد أن يوضح للقارئ ما يقول توضيحًا يجعل الحقيقة أمامه كالأمر المشاهد المحسوس". ثم يواصل الدكتور الذهبي كلامه عن (تفسير الجواهر) يقول: "كذلك نجد المؤلف رحمه الله يستشهد أحيانًا على ما يقول بما جاء في الإنجيل، واعتماده فيما ينقل على إنجيل برنابا لأنه كما يرى أصح الأناجيل، بل هو الإنجيل الوحيد الذي لم تصل إليه يد التحريف والتبديل كما قيل".
يقول الذهبي: "وكثيرًا ما نرى المؤلف رحمه الله يشرح بعض الحقائق الدينية بما جاء عن أفلاطون في جمهوريته أو بما جاء عن إخوان الصفا في رسائلهم، وهو حين ينقلها يبدي لنا رضاه عنها، وتصديقه بها مع أنها تخالف الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. كما أنه يستخرج كثيرًا من علوم القرآن بواسطة حساب الجمل، الذي لا نصدق أنه يوصل إلى حقيقة ثابتة، وإنما هي عدوى تسربت من اليهود إلى المسلمين، فتسلطت على عقول الكثير منهم. يواصل الدكتور الذهبي كلامه عن هذا التفسير فيقول: "هذا وإنا لنجد رحمه الله يفسر آيات القرآن تفسيرًا علميًّا يقوم على نظريات حديثة، وعلوم جديدة لم يكن للعرب عهد بها من قبل". ثم يقول الدكتور الذهبي:"ولست أرى هذا المسلك في التفسير إلا ضربًا من التكلف إن لم يُذهب بغرض القرآن، فلا أقل من أن يذهب بجلاله وجماله".
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.