الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدين يدعو إلى العلم وأول آية نزلت في القرآن: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} (العلق: 1) ويقول سبحانه: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (الزمر: 9).
قضية الإعجاز العلمي للقرآن الكريم
بعد أن أسهبنا القول في التفسير العلمي نأتي بعد ذلك إلى الإعجاز العلمي للقرآن الكريم:
لكن قبل أن نخوض في هذه المسألة نتحدث عن البيئة العلمية التي نزل فيها القرآن والسنة:
لقد أرسل اللهُ سبحانه وتعالى محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى الناسِ كافةً على اختلاف عصورهم وثقافاتهم، ومداركهم وأيده ببينات متنوعة تتناسب مع جميع من أُرسل إليهم إلى يوم القيامة؛ فمعجزة الفصاحة في كتاب الله أخضعت فصحاء العرب، ومعجزة البشارات أقامت الدليل لأهل الكتاب على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعجزة الخوارق أرغمت الكافرين المعاندين وأوضحت لهم حجةَ النبي صلى الله عليه وسلم الساطعة.
ومعجزة الإخبار بالغيب تجلت ولا تزال تتجلى، وتتحقق على مر القرون والعصور، لكن هناك معجزة أخرى وعد بها القرآن، وتجلت في عصرِنَا، وشاهد حقائقها أهل الاختصاصات الكونية العلمية الدقيقة في عصرنا كعلم الفلك، وعلوم الأرض، والأرصاد، والنبات، والحيوان، وعلوم الطب المختلفة، وعلوم البحار وغيرها من العلوم الكونية ليكون ذلك دليلًا لكل عاقل في عصرنا أن هذا القرآن نزل من عند الله، وأن العلامة الإلهية الشاهدة بأنه من الله هي العلم الذي تحمله الآيات، وتجليه الاكتشافات العلمية الدقيقة بعد رحلة طويلة
من البحث، والدراسة، وباستخدام أدق الآلات التي لم تصنع إلا في عصر الثورة الصناعية الحاضرة.
ولقد أشار القرآن إلى هذا النوع من الإعجاز، ووعد بإظهاره في قوله تعالى:{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (فصلت: 53). إن البينة أقصد المعجزة القرآنية الموجودة بين أيدينا والباقية بعدنا إلى ما شاء الله تحمل الرسالة الإلهية إلى البشر، كما تحمل الدليل على صدق هذه الرسالة فهي الشاهد والمشهود عليه كما قال تعالى:{أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} (هود: 17). أي: أفمن كان على بينة من ربه كمن ليس كذلك، والبينة البرهان الذي يدل على الحق، والمعنى: ويتلو البرهان الذي هو البينة شاهد يشهد بصحته من القرآن أو من الله عز وجل والشاهد هو الإعجاز الكائن في القرآن أو المعجزات النبوية، والقرآن معجز بلفظه ومعناه؛ لأنه من عند الله فألفاظه إلهية ومعانيه وعلومه إلهية، وكل منها يدل على المصدر الذي جاء منه هذا القرآن، وهو بذلك أكبر دليل وشهادة بين أيدينا. قال تعالى:{قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (الأنعام: 19).
فهو رسالة ومعجزة لمن نزل عليهم ولمن يأتي بعدهم إلى يوم القيامة، وقد جعل الله العلم الإلهي الذي تحمله آيات القرآن هو البينة الشاهدة على كون هذا القرآن من عند الله. قال تعالى:{لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} (النساء: 166) أي: أنزله وفيه علمه ففي هذه الآية بيان لطبيعة المعجزة العلمية التي نزلت ردًّا على إنكار الكافرين لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم التي تبقى بين يدي الناس، وتتجدد مع كل فتح بشري في آفاق العلوم والمعارف ذات الصلة بمعاني الوحي الإلهي.
قال ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية: "فالله يشهد بأنك رسوله الذي أنزل عليه الكتاب، وهو القرآن العظيم؛ ولهذا قال: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} أي: فيه علمه الذي أراد أن يطلع العباد عليه من البينات والهدى والفرقان، وما يحبه الله ويرضاه، وما يكرهه ويأباه، وما فيه من العلم بالغيوب من الماضي والمستقبل، وكل آية من كتاب الله تحمل علمًا إلهيًّا يعرفه البشر عند ارتقائهم بأسباب العلوم والمعارف في الميدان الذي تتحدث عنه الآية القرآنية، والقرآن مليء بالآيات التي تتحدث عن مظاهر الكون وحديثه عن الكون هو حديث من يعلم أسراره ودقائقه؛ لأنه هو الذي خلقه، وأوجده فهو الأعلم بحقائقِهِ، ودقائقِهِ".
مع أن البشرية كلها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن تعلم تلك الأسرار، بل كانَ يَغْلِبُ على تفكيرها الأسطورة والخرافة، لكن القرآن الكريم أوقفهم على الحقائق؛ لأن القرآن الكريم إذا كان من عند محمد صلى الله عليه وسلم وهو مملوء بالوصف لمظاهر الكون الأرض السماء الجبال، البحار، الأنهار، الشمس، القمر، النبات، الحيوان، الإنسان، الرياح الأمطار، وغير ذلك؛ فإن حديثه عن هذه المظاهر الكونية سيعكس لنا علم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وثقافته عن المخلوقات وأسرارها كما يعكس لنا علم مجتمعه وبيئته وعلوم عصره في ذلك المجال، وهي علوم غلبت عليها السذاجة والخرافة والأسطورة فكان ينبغي أن نجد القرآن عندنا مملوءا بالخرافة، والأسطورة، والخبر الساذج عند حديثه عن الكون وأسراره، كما هو شأن كل الكتب التي دونت في تلك الأزمنة بما فيها الكتب المقدسة عند اليهود والنصارى التوراة والإنجيل التي طرأ عليهما التحريف. هذا إذا كان القرآن من عند سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. أما إذا كان القرآن من عند الله؛ فسنراه في حديثه عن المخلوقات وأسرارها يسبق مقررات العلوم الحديثة، وهذه الاكتشافات العلمية تلهث وراء القرآن، فتقرر ما فيه من حقائق وتؤكد ما فيه من مقررات في شتى المجالات والله سبحانه وتعالى وعد بذلك وقال:{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} (فصلت: 53).