الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عرض موجز لسورة البقرة التي ذكرت فيها آية البعوضة
سورة البقرة سورة مدنية وعدد آياتها 286 آية، وهي أطول سور القرآن الكريم على الإطلاق، وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلى تلك المعجزة التي أجراها الله -سبحانه- على يد نبيه موسى عليه السلام حين تعرض شخص من بني إسرائيل في زمانه للقتل ولم يعرف قاتله، فأوحى الله تعالى إلى عبده موسى أن يأمر قومه بذبح بقرة، وأن يضربوا الميت بجزء منها فيحيا بإذن الله ويخبرهم عن قاتله، ثم يموت إحقاقا للحق وشهادة لله بالقدرة على إحياء الموتى.
ومن مزايا سورة البقرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال فيها: ((لا تجعلوا بيوتكم مقابر، وأن البيت الذي تقرأ فيه البقرة لا يدخله الشيطان)) رواه الترمذي. وقال صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه)) رواه البخاري ورواه مسلم ورواه الترمذي. وقال صلى الله عليه وسلم: ((يأتي القرآن وأهله الذين يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران تأتيان كأنهما غيابتان، أو كأنهما غمامتان سوداوان، أو كأنهما ظلة من طير صواف تجادلان عن صاحبهما)) أخرجه مسلم وأخرجه الترمذي.
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث رواه الإمام أحمد عن أبي أمامة الباهلي قال صلى الله عليه وسلم: ((اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا يستطيعها البطلة)).
ويدور المحور الرئيسي لسورة البقرة حول قضية التشريع الإسلامي في العبادات والأخلاق والمعاملات، وإن لم تغفل قضية العقيدة الإسلامية؛ لأنها صلب الدين، كذلك حددت السورة الكريمة صفات كل من المؤمنين والمنافقين والكافرين، وسجلت قصة خلق الإنسان بدءا بآدم وحواء عليهما السلام وأشارت السورة إلى عدد من أنبياء الله ورسله منهم إبراهيم وولده إسماعيل وحفيده يعقوب، ومن نسله موسى وداود وسليمان وعيسى بن مريم على نبينا وعليهم من الله السلام.
وبتفصيل بلغ أكثر من ثلث السورة تناولت سورة البقرة قضية أهل الكتاب وموقفهم من الرسالة الخاتمة، ومن النبي والرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم وختمت بإقرار حقيقة الإيمان وبدعاء يهز القلب والروح والوجدان، على لسان العبد مناجيا ربه -سبحانه- بما يجب أن يقول فيقول:{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (البقرة: 286).
ويمكن إيجاز أهم معطيات سورة البقرة فيما يلي:
من التشريعات الإسلامية في سورة البقرة؛ فصلت سورة البقرة أحكام الأسرة المسلمة من الخطبة إلى الزواج والإنجاب والطلاق في بعض الحالات والمتعة والرضاع والعدة وغيرها، وأمرت باعتزال النساء في المحيض، ونهت عن نكاح المشركات والمشركين حتى يؤمنوا، وعددت المحرمات من الطعام من مثل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به، فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه. كما حرمت كلا من الخمر والميسر.
وشرعت سورة البقرة القصاص في القتلى حماية للمجتمعات الإنسانية من إجرام المجرمين، وحضت على كتابة الوصية قبل الموت، وحرمت وجرمت تبديلها أو إخفاءها، وحرمت أكل أموال الناس بالباطل مهما صغرت القيمة، ووضعت ضوابط للتعامل بالدين؛ وكيفية كتابته والشهادة عليه وطبيعة شهوده، وحرمت التعامل بالربا تحريما قاطعا، وهددت الواقعين فيه بحرب من الله ورسوله، والغالبية الساحقة من بنوك العالمين العربي والإسلامي لا تتعامل اليوم إلا بالربا المعلن، والقليل من البنوك الإسلامية تحارب في كل أرض.
وحضت السورة على رعاية اليتيم حتى يبلغ أجله، وحددت ضوابط الإنفاق في سبيل الله، وحرمت سورة البقرة إنكار أي معلوم من الدين بالضرورة.
من قواعد العبادة في سورة البقرة:
1 -
أمر ربنا تبارك وتعالى في سورة البقرة بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصو م رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا، وحدد آداب كل عبادة من تلك العبادات وضوابطها الشرعية، وشرعت السورة الإنفاق في سبيل الله والإحسان إلى الخلق بصفة عامة، وأكدت بأن ذلك كله كان من قواعد العبادة في كل الشرائع السماوية السابقة، وكلها كانت إسلامًا لله علمه ربنا تبارك وتعالى لأبينا آدم عليه السلام وأنزله على فترة من الأنبياء والمرسلين، وأكمله وأتمه في بعثة النبي الخاتم والرسول الخاتم سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
2 -
الدعوة إلى الجهاد في سبيل الله؛ ردعًا للمعتدين والغاصبين والمتجبرين في الأرض، ودفعًا للمعتدين على أراضي المسلمين وعلى دمائهم وأموالهم وأعراضهم ومقدساتهم، وللمعتدين على غيرهم من المستضعفين في الأرض من غير المسلمين؛ وذلك صونا لكرامة الإنسان وإقامة لعدل الله في الأرض.
3 -
الدعوة إلى التوجه بالدعاء لله تعالى وحده دون سواه وتحديد الأوقات المفضلة لذلك وآدابه والتزام تقوى الله في كل حال.
4 -
مراعاة الأشهر الحرم وتوقيرها وإقامة السنن التي سنها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها.
5 -
إكرام الوالدين والإحسان إليهما، وإلى كل من ذوي القربى واليتامى والمساكين، وإلى الناس جميعا دون مَنٍّ أو أذى.
من ركائز العقيدة في سورة البقرة:
1 -
الإيمان بالله تعالى ربا واحدا أحدا فردا صمدا بغير شريك ولا شبيه ولا منازع ولا صاحبة ولا ولد، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.
2 -
التصديق بالقرآن الكريم آخر وأتم وأكمل الكتب السماوية التي أنزلها الله تعالى بالحق على فترة من الرسل، ثم جمعها في هذا الكتاب الخاتم الذي أنزله على خاتم أنبيائه ورسله، وأبقاه محفوظا بحفظه في نفس لغة وحيه هدى للمتقين إلى يوم الدين.
3 -
التسليم بالغيب الذي أنزله ربنا في محكم كتابه وفي سنة خاتم أنبيائه ورسله -صلى الله عليهم وسلم جميعا- انطلاقا من الإيمان بالله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، وانطلاقا من الإيمان بملائكته وبجميع كتبه وأنبيا ئ هـ ورسله بغير تمييز ولا تفريق، ومن الإيمان باليوم الآخر الذي ترجع فيه كل الخلائق إلى الله خالقها، ثم ترد إلى الخلود في الحياة الآخرة، إما في الجنة أبدا أو في النار أبدا، وهذه كلها من الغيبيات التي يطالبنا الله -تعالى- بالإيمان بها ويصف المؤمنين بها بوصف المتقين، الذين يؤمنون بجميع رسالات الله دون أدنى تفريق ويؤمنون بالآخرة بيقين لا يتزعزع.
4 -
اليقين بأن الله تعالى هو خالق كل شيء، وأنه على كل شيء قدير، وأن من خلقه السموات السبع والأراضين السبع ومن فيهن، وأنه -سبحانه- قد خلق الخلق من العدم، وأنه سوف يميتهم فردا فردا ثم يحييهم بعثا واحدا ليعودوا إلى بارئهم الذي يعلم غيب السموات والأرض، ويعلم ما تكسب كل نفس فيحاسبهم ويجازيهم، وهو الرحمن الرحيم وهو شديد العقاب، وهو تعالى سريع الحساب.
ولقد وصف الله ذاته بقوله -سبحانه: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (البقرة: 255).
5 -
الإيمان بوحدة الجنس البشري وبانتهاء نسبه إلى آدم وحواء عليهما السلام وانطلاقا من ذلك لابد من نبذ جميع أشكال العصبيات العرفية والاجتماعية والدينية، وغيرها من أشكال التمييز بين الناس على أي أساس غير تقوى الله.
6 -
التسليم بأن الله تعالى قد علم آدم الأسماء كلها، وبذلك يكون الإنسان قد بدأ وجوده عالما عابدا وليس جاهل ًا أو كافر ً ا، كما يدع ي أصحاب الدراسات الوضعية في علم الإنسان.
7 -
اليقين بوحدة رسالة السماء وبأخوة جميع الأنبياء والمرسلين، الذين أرسلهم الله تعالى بالإسلام الصافي والتوحيد الخالص لله - سبحانه - وقد تكاملت رسالاتهم جميعا في الرسالة الخاتمة التي بعث بها النبي الخاتم والرسول الخاتم، الذي أرسله الله تعالى بشيرا ونذيرا للعالمين إلى يوم الدين.
8 -
التصديق بضرورة تنزيه الله تعالى عن كل وصف لا يليق بجلاله من أمثال الشريك والشبيه والمنازع والصاحبة والولد؛ لأن هذه كلها من صفات المخلوقين والله تعالى منزه عن جميع صفات خلقه، والإيمان ب أن الشرك من أبشع صور الاعتقاد وأبغضها إلى الله، وهو من صور الكفر بالله، وأ ن من هذا الكفر منع مساجد الله تعالى أن يذكر فيها اسمه أو السعي في خرابها، وكلها من الأعمال التي لا ي ر ضاها ربنا تبارك وتعالى.
9 -
الإيمان ب أن الشيطان للإنسان عدو مبين، وأنه يأمر بالسوء والفحشاء ويغري الضالين من العباد ب أن يقولوا على الله ما لا يعلمون، ومن هنا فإن مخالفته واجبة على كل مسلم ومسلمة، وللنجاة من حبائل هذا اللعين لا بد من الاعتصام بحبل الله المتين.
وتأكيدا على هذه الحقيقة عرضت السورة الكريمة لقصة الشيطان الرجيم مع آدم وحواء عليهما السلام حتى تم إخراجهما من الجنة بوسوسته وغوايته، ثم كانت توبتهما وقبول الله تعالى منهما تلك التوبة. وبذلك لا يمكن أن يكون أحدا من ذريتهما آثر من معصيتهما انطلاقا من عدل الله القائل:{وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ} (الأنعام: 164) وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (البقرة: 37).
10 -
اليقين ب أن دين الله الإسلام قائم على السماحة واليسر وعلى رفع الحرج عن الخلق، وأن من أصوله الثابتة أنه لا إكراه في الدين.
11 -
التصديق بحتمية الآخرة وبضرورتها وبا لخوف من فجائيتها وأهوالها، وفي ذلك يقول ربنا - سبحانه:{وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} (البقرة: 281).