المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثاني 130/ 2/ 24 - عن وَرَّاد مولى المغيرة بن - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٤

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌25 - باب الجمع بين الصلاتين بالسفر

- ‌26 - باب قصر الصلاة في السفر

- ‌27 - باب الجمعة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌29 - باب صلاة الكسوف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث [الرابع]

- ‌30 - باب صلاة الاستسقاء

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌31 - باب صلاة الخوف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كتاب الجنائز

- ‌32 - باب الجنائز

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

الفصل: ‌ ‌الحديث الثاني 130/ 2/ 24 - عن وَرَّاد مولى المغيرة بن

‌الحديث الثاني

130/ 2/ 24 - عن وَرَّاد مولى المغيرة بن شعبة قال: أملى عليَّ المغيرة ابن شعبة رضي الله عنه في كتاب إلى معاوية: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول دبر كل صلاة مكتوبة: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد"، ثم وفدت بعد على معاوية فسمعته يأمر الناس بذلك.

وفي لفظ: "كان ينهى عن قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال. وكان ينهى عن عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات"(1).

الكلام عليه من ثلاثين وجهًا:

(1) البخاري (844، 1477، 2408، 5975، 6330، 6473، 6615، 7292)، ومسلم (593)، وأبو داود (1505) في الصلاة، باب: ما يقول الرجل إذا سلم، والنسائي (3/ 70، 71) في السهو، باب: نوع آخر من القول عند انقضاء الصلاة، وأحمد (4/ 245، 247، 250، 254، 255)، والطبراني في الدعاء (2/ 1109)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (29)، والبيهقي (2/ 185)، وعبد الرزاق (3224).

ص: 15

الأول: "المغيرة" تقدم التعريف به في (باب المسح على الخفين) وأنه بضم الميم. وحُكِيَ كسرها اتباعًا للغين، كما جاء ذلك

أيضًا في رِغيف اتباعًا للغين. ومثله أيضًا مِنن بكسر الميم للاتباع أيضًا، لأن [مفعل](1) ليس من الأبنية ولم يعتد بالنون لسكونها

والساكن عندهم حاجز غير حصين.

الثاني: "ورَّاد" بفتح أوله وتشديد ثانيه وبالدال المهملة مولى المغيرة [كما ذكره المصنف وكاتبه أيضًا](2) وهو ثقفي كوفي كنيته

أبو سعيد. ويقال: أبو الورد تابعي ثقة (3). روى عنه جماعة من صغار التابعين.

الثالث: "معاوية" رضي الله عنه ترجمته مستوفاة فيما أفردته في الكلام على رجال هذا الكتاب فراجعه منه. وكانت وفاته بدمشق سنة ستين عن ثمان وسبعين سنة.

وقيل: ابن ست وثمانين. وأُخْفِيَ قبره. وصلَّى عليه ابنه يزيد.

وقيل: الضحاك بن قيس لغيبة يزيد. وكان أميرًا بالشام نحو عشرين سنة. وخليفة مثل ذلك. وكان في خلافة عمر نحو أربعة

أعوام. وخلافة عثمان كلها اثنتي عشرة سنة. وبايع له أهل الشام خاصة بالخلافة سنة ثمان أو تسع وثلاثين. واجتمع الناس عليه حين بايع له الحسن بن علي وجماعة سنة إحدى وأربعين فَسُمَّي عام

(1) في ن ب (مفعلا).

(2)

في ن ب ساقطة.

(3)

انظر: تقريب التهذيب (2/ 330).

ص: 16

الجماعة. ورزقه عمر بن الخطاب على عمله بالشام عشرة آلاف دينار كل سنة.

الرابع: "يقال" أملى يملي وأمل يمل قال تعالى: {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ} (1). ففيه دليل على استحباب إملاء العالم العلم على

أصحابه ليقيدوه ويكتبوه، وعلى المبادرة إلى امتثال السنن وإشاعتها.

الخامس: فيه دليل على جواز العمل بالمكاتبة بالأحاديث وإجرائها مجرى المسموع [والكتابة نوعان: مقرونة بالإِجازة، ومجردة عنها، والصحيح عند المحدثين إجازة الثاني أيضًا](2).

السادس: فيه العمل بالخط في مثل ذلك إذا وثق بأنه [خط](3)[الكاتب](4) وهو دليل لمالك رحمه الله في قبول الشهادة على الخط وجعل خط الشاهد كشخصه.

السابع: فيه قبول خبر الواحد، وهذا فرد من أفراد ما لا يحصى.

الثامن: "دبر" بضم الدال والباء على المعروف المشهور في الروايات واللغة، ويجوز التخفيف كعتق.

(1) سورة البقرة آية 284.

(2)

ما بين القوسين في الأصل بعد كلمة الحق في آخر الجملة، وفي ن ب د (أثبت).

(3)

في الأصل (خطه)، وما أثبت من ن ب د.

(4)

زيادة من ن ب د.

ص: 17

وقال ابن الأعرابي: "دبر" الشيء و"دبره" بالضم والفتح آخر أوقاته. والصحيح الضم. ولم يذكر الجوهري (1) وآخرون غيره.

وقال أبو عمر المطرز في كتابه "اليواقيت"(2): دبر كل شيء بفتح الدال آخر أوقاته من الصلاة وغيرها. قال: هذا هو المعروف

في اللغة، وأما الجارحة فبالضم.

والمراد به في الحديث عقب السلام منها، سواء كان آخر أوقاتها أو أوسطه أو أوله، إلَّا أن يكون مراد أهل اللغة بآخر أوقات

الشيء الفراغ [منه](3) فيتطابق تفسيرهم ومراد الحديث.

التاسع: فيه دليل على استحباب هذا الذكر المخصوص عقب الصلاة المكتوبة وذلك لما اشتمل عليه من معاني التوحيد ونسبة

الأفعال إلى الله -تعالى- والمنع والإِعطاء وتمام القدرة.

والثواب المرتب على الأذكار يرد كثيرًا مع خفة اللسان بالأذكار وقلتها، وإنما كان ذلك اعتبارًا بمدلولاتها لأنها كلها راجعة إلى الإِيمان الذي هو أشرف الأشياء.

واعلم أن الذكر مطلوب محثوث عليه من الشرع وهو مطلق ومقيد. فالمطلق: لا يكره في وقت من الأوقات ولا حالة من [الأحوال](4) إلَّا في حالة قضاء حاجة الإِنسان من البول والغائط والجماع.

(1) انظر: مختار الصحاح (89).

(2)

انظر: شرح مسلم للنووي (5/ 96) وما قبله.

(3)

زيادة من ن ب د.

(4)

في ن د (الحالات).

ص: 18

واختلف العلماء في كراهته في الحمام [والمواضع](1) النجسة: وقراءة القرآن أفضل من المطلق منه.

والمقيد: منه هو الذي ورد فيه نص بزمان أو مكان أو حال وهو أفضل من تلاوة القرآن، هكذا نص عليه العلماء.

فائدة: من الناس من يزيد في هذا الدعاء "ولا راد لما قضيت"، ورأيت من ينكر هذه اللفظة وهو عجيب، فقد أخرجها عبد بن حميد في "مسنده"(2)، عن عبد الررزاق، عن معمر، عن ورَّاد قال: كتب معاوية إلى المغيرة أن اكتب لي بشيء من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فكتب إليه إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من ثلاثة: من عقوق الأمهات و (3) وأد البنات و (4) منع وهات، وسمعته ينهى عن ثلاث: عن قيل وقال. وإضاعة المال. وكثرة السؤال.

وسمعته يقول: اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا راد لما قضيت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد" فاستفد ذلك.

(1) في ن ب (ومواضع).

(2)

رواه عبد بن حميد (391)، والطبراني في الكبير (2/ 3860)، وفي الدعاء له (1110). قال ابن حجر -رحمه الله تعالى- في نتائج الأفكار (2/ 244): بعد أن ساق هذه الرواية من طريق شيخه أبي الفضل بن الحسين بسنده إلى الطبراني، قال: قال شيخنا: هذا حديث صحيح ورجاله ثقات. وانظر: إشكال هذه الزيادة على ابن حجر رحمه الله حتى تم له الاطلاع على نسخة معتمدة من كتاب الدعاء، حتى أنه تأكد من ذلك من عدة نسخ. اهـ. (2/ 245).

(3)

في ن ب د زيادة (ومن).

(4)

في ن ب د زيادة (ومن).

ص: 19

فائدة ثانية: روى النسائي (1) هذا الحديث إلى قوله: "على كل شيء قدير" وزاد ثلاث مرات.

العاشر: قوله: "وحده لا شريك له" هو على طريق التوكيد مع التكثير لحسنات الذاكر، وإلَّا فالحصر الذي قبله يقيده.

قال ابن العربي (2): وهو إشارة إلى نفي الإِعانة لما كانت العرب تقول: "لبيك لا شريك لك إلَّا شريكًا هو لك تملكه وما ملك".

الحادي عشر: قوله: "له الملك" قال أبو الحسن (3) الأخفش: يقال: ملك بين الملك، -بضم الميم-. ومالك بين المَلك والمِلك -بفتح الميم وكسرها-. وزعموا أن [ضم الميم](4) لغة في هذا المعنى. رُوي [عن](5) بعض البغداديين [ما](6) في هذا الوادي ملك وملك [وملك](7) بمعنى واحد.

الثاني عشر: "الحمد" تقدم الكلام عليه في "شرح الخطبة" فراجعه من ثم.

(1) أخرج هذه الزيادة أحمد في المسند (4/ 250)، والنسائي (3/ 71)، وابن خزيمة (1/ 365)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (197).

(2)

انظر: القبس (2/ 407).

(3)

انظر: معاني القرآن (2/ 550)، سورة الناس.

(4)

في جميع النسخ (الضم)، وما أثبت من المعاني.

(5)

زيادة من ن ب.

(6)

في ن د (لي).

(7)

زيادة من ن ب د.

ص: 20

الثالث عشر: قوله: "وهو على كل شيء قدير". قال الفاكهي: الظاهر أن هذا العموم غير مخصوص، [قال: وذهب بعضهم إلى أنه مخصوص] (1) من [حيث](2) إن القدرة لا تتعلق [إلا](3) بالممكنات دون المستحيلات. والتقدير: وهو على كل شيء (4) ممكن قدير (5)، وهذا غلط لأنه وقع الخلاف في الممكن المعدوم. هل يطلق عليه حقيقة أم لا فما ظنك بالمستحيل؟ فالمستحيلات غير داخلة في هذا العموم.

فائدة: قيل: إن عمومات القرآن كلها مخصوصة إلَّا أربع آيات:

الأولى: قوله- تعالى -: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} (6).

الثانية: قوله -تعالى-: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} (7).

(1) زيادة من ن ب.

(2)

في ن ب (حديث).

(3)

زيادة من ن ب.

(4)

في الأصل زيادة (قدير)، والتصحيح من ن ب.

(5)

قال الشيخ علي الهندي في تعليقه على حاشية العمدة (3/ 67): قلت: هذا من مبادئ مذهب المعتزلة ومن وافقهم، ولذا يقولون إنه على ما شاء قدير فالقدرة لديهم متعلقة بالمشيئة، ومذهب أهل السنة والجماعة أنه على كل شيء قدير حتى المستحيل إذا أراد إيجاده فإنما يقول له كن فيكون. اهـ.

(6)

سورة آل عمران: آية 185.

(7)

سورة هود: آية 6.

ص: 21

الثالثة: قوله -تعالى-: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176)} (1).

الرابعة: قوله -تعالى -: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284)} (2).

الرابع عشر: في هذا دلالة على التفويض إلى الله -تعالى- واعتقاد أنه سبحانه وتعالى[مالك الملك وأن له الحمد ملكًا واستحقاقًا وأن قدرته سبحانه وتعالى](3) تعلقت بكل شيء من الموجودات: خيرها وشرها نفعها وضرها.

الخامس عشر: قوله: "اللهم لا مانع لما أعطيت" إلى آخره فيه أن العطاء والمنع بيده.

السادس عشر: "الجد" بفتح الجيم على المشهور الذي عليه الجمهور، ومعناه لا ينفع ذا الغنى والحظ منك غناه. وضبطه جماعة

بكسر الجيم فيهما (4).

والجد: هنا وإن كان مطلقًا فهو محمول على حظوظ الدنيا، يعني إنما ينفعه العمل [الصالح](5) والنافع في الحقيقة هو الله

(1) سورة النساء: آية 176.

(2)

سورة البقرة: آية 284.

(3)

في ن ب ساقطة.

(4)

قال أبو الحسن الأخفش في معاني القرآن (2/ 553): الجد: بفتح الجيم وتكسر، إذا فتحت، عني بالجد البخت، أي من كان له جَد لم ينجه جَدهُ من الله، إذا أراد الله به غير ذلك. ومن كسر الجيم جعله من الاجتهاد، يقول: من جَد في أمره وجهد، لم ينجه ذلك من ربه إذا أراد به غير ذلك. اهـ. ثم ساق شواهد. وانظر أيضًا: حاشية الصنعاني (3/ 68)، انظر: أعلام الحديث للخطابي (1/ 551).

(5)

في ن ب (الخالص).

ص: 22

-تعالى- بالتوفيق للعمل الصالح والإِخلاص فيه وقبوله.

السابع عشر: في هذا دليل على أن الأسباب إنما تنفع بإذنه، وأنه متصرف فيها كسائر المخلوقات، لا تأثير لها في شيء من

الأشياء إلَّا بتقديره [وإذنه](1).

الثامن عشر: فيه أيضًا دلالة على أن العمل لا أثر له إلَّا مع سبق العناية (2).

قال القاضي عياض: وقد ترجم البخاري على هذا الحديث وأدخله في كتاب "القدر"(3)، وكذا مالك أدخل هذه الكلمة في جامع

ما جاء في القدر (4)[فذكر](5) أن معاوية كان يقول على المنبر: أيها الناس! إنه لا مانع لما أعطى الله [ولا معطي لما منع الله](6) ولا ينفع ذا الجد [منه](7) الجد، من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين. ثم قال: سمعت هذه الكلمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه الأعواد. وبهذا يستدل على أن هذا الحديث ليس جميعه مما تحمله معاوية بالمكاتبة، بل سمع بعضه منه صلى الله عليه وسلم (8).

(1) في ن ب (وإذن له جلاجل له).

(2)

أي عناية الله بعبده وتوفيقه للخير.

(3)

البخاري كتاب القدر، باب: لا مانع لما أعطى الله.

(4)

الموطأ (2/ 900).

(5)

في ن ب (فقد ذكر).

(6)

زيادة من ن ب د.

(7)

في ن ب (منك).

(8)

انظر: فتح البارى (2/ 332).

ص: 23

التاسع عشر: قوله: ["منك" هو](1) متعلق "بينفع"، "وينفع" متضمن معنى "يمنع". أو ما يقاربه، ولا يعود "منك" إلى "الجد" فإن

ذلك نافع نبه عليه الشيخ تقي الدين، وهو حسن (2).

العشرون: قوله: "وكان ينهى عن قيل وقال". قال الجوهري هما اسمان، يقال: كثر القيل والقال.

والأشهر فيه كما قال الشيخ تقي الدين (3). قيل -بفتح اللام- على سبيل الحكاية. وهو الذي يقتضيه المعنى لأن القيل، والقال إذا كانا اسمين بمعنى واحد كالقول ألم يكن من عطف أحدهما على الآخر] (4).

فائدة: وهذا النهي لا بد فيه من [تقييده](5) بالكثرة التي

(1) في ن ب (هو منك).

(2)

إحكام الأحكام (3/ 69).

قال الخطابي -رحمنا الله وإياه- في أعلام الحديث (1/ 552): معنى "منك" ها هنا البدل. وساق الشاهد:

فليت لنا من ماء زمزم شربة

مبردة باتت على الطهيان. اهـ.

والمعنى: أن المجدود لا ينفعه شك الجد الذي يستحقه، إنما ينفعه أن تمنحه منك التوفيق واللطف. وقال الجوهري:"من" بمعنى عند، أي عندك جده. اهـ، من الحاشية (3/ 68).

(3)

إحكام الأحكام (3/ 70).

(4)

العبارة هكذا: "فلا يكون في عطف أحدهما على الآخر كبير فائدة، بخلاف ما إذا كانا فعلين". اهـ، من فتح الباري (11/ 306).

(5)

زيادة من إحكام الأحكام (2/ 91)، وفتح الباري (11/ 306).

ص: 24

[لا يؤمن](1) معها وقوع الخطل (2) والخطأ (3) والتسبب إلى وقوع المفاسد (4) من غير يقين والإِخبار [بالأمور](5) الباطلة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"كفى بالمرء إثمًا أن يُحدِّثَ بكل ما سمع"(6).

وقال بعض السلف: لا يكون إمامًا من حدَّث بكل ما سمع.

وقد أسلفنا في أوائل الصلاة في الوجه العاشر في الكلام على الحديث الرابع منه شيئًا يتعلق بما نحن فيه فراجعه منه.

تنبيه: في الحديث دليل على الامتناع من اللغط وفضول الكلام وما لا فائدة فيه.

الحادي والعشرون: إنما جمع بين "قيل، وقال" للتنبيه على منع [ذلك](7) سواء عيَّن القائل الذي يخبر عنه بقوله: قال، أو لم

يعينه بقوله: قيل كذا. والنهي عن الأول أشد من الثاني.

(1) في ن ب د (يؤثر).

(2)

الخطل: هو المنطق الفاسد.

(3)

الخطأ: هو خلاف الصواب.

(4)

وذلك كنقل الأراجيف والأخبار الموقعة في إخافة العباد وعموم المفاسد، ومنه النميمة فإنها محرمة لما فيها من جلب الوحشة وإن كانت كلامًا صادقًا.

(5)

زيادة من إحكام الأحكام (2/ 91).

(6)

مسلم، المقدمة (10).

(7)

زيادة من ن ب.

ص: 25

وقال المحب الطبري في "أحكامه": في قيل [وقال](1) أوجه:

[أحدها](2): أنهما مصدران للقول، تقول [قلت] (3): قال: قولًا وقيلًا وقالًا [وقولًا](4). وفي قراءةً ابن مسعود "ذلك عيسى ابن مريم قال الحق الذي فيه تمترون"(5). والمراد -والله أعلم- كثرة الكلام لأنها تؤول إلى الخطأ والتكرار للمبالغة.

ثانيها: إرادة حكايته [أقاويل](6) الناس والبحث عنها [ليخبر عنها](7). فيقول: قال فلان كذا. وقيل له: كذا مما يكره حكايته

عنه.

ثالثها: أن ذلك في أمر الدين، وذكر مواضع الاختلاف. يقول: قال فلان كذا. وقال فلان كذا من غير تثبت ولا بد. ولكن [يقلد](8) فيما سمعه ولا يحتاط لموضع الاختيار من الأقاويل.

فائدة حديثية: قال ابن منده في "مستخرجه": حديث النهي عن

(1) زيادة من ن ب د.

(2)

في الأصل (إحداها).

(3)

زيادة في إحكام الأحكام.

(4)

زيادة في إحكام الأحكام.

(5)

سورة مريم: آية 33.

(6)

في الأصل (أقاول)، وما أثبت من ب د. وفي العدة حاشية شرح العمدة "أقوال".

(7)

زيادة من ن ب د. وفي العدة ليخبر بها مع الاطلاع عليه لمراجعة الفروق.

(8)

في الأصل (يقيد)، وما أثبت من ن ب د.

ص: 26

قيل وقال، رواه مع المغيرة: أبو هريرة، وجابر بن عبد الله، وابن مسعود، وعمار بن ياسر، وسبرة، والحجاج بن عامر الثمالي.

الثاني والعشرون: "إضاعة المال" ما أنفق في غير وجهه المأذون فيه شرعًا، سواء كانت دينية أو دنيوية وهو ممنوع منه لأن الله -تعالى- جعل الأموال قيامًا لمصالح العباد. وفي تبذيرها تفويت تلك المصالح المأذون فيها، إما في حق مضيعها أو في حق غيره. أما بذله وإنفاقه كثيرًا في تحصيل مصالح الآخرة فهو مطلوب محثوث عليه، شرط أن لا يبطل حقًا أخرويًّا أهم منه. وقد قال السلف: لا سرف في الخير، كما لا خير في السرف. وبذل المترفين من أهل الدنيا وإنفاقهم غالبًا إنما هو فيما لم يأذن فيه الشرع فيقدمون حظوظ نفوسهم في الأموال على حقوق الله تعالى. فيقع الهلاك بعد الإِمهال من غير إهمال، لأن فعلهم عين الإِضاعة. وأما إنفاق المال في مصالح الدنيا وملاذ النفس على وجه لا يليق بحال المنفق وقدر ماله فإن [كان](1) لضرورة مداواة أو دفع مفسدة يترتب عليه فليس بإسراف، وإلَّا ففي كونه إسرافًا خلاف.

قال الشيخ تقي الدين (2): والمشهور أنه إسراف.

وقال بعض الشافعية: ليس بإسراف لأنه تقوم به مصالح البدن وملاذه، وهو غرض صحيح. وظاهر القرآن يمنع من ذلك.

قال: والمشهور في مثل هذا أنه مباح، أعني إذا كان الإِنفاق في غير معصية، ونوزع فيه.

(1) زيادة من ن د.

(2)

إحكام الأحكام (3/ 72).

ص: 27

قلت: قال القاضي حسين في كتاب "قسم الصدقات"[أنه حرام](1) وتابعه عليه الغزالي. وجزم به الرافعي في الكلام على الغارم. وظاهر القرآن يقويه ففي غير آية أنه إسراف. وأما الإِمام [فقال](2) إنه ليس بحرام وإن لم يكن محمودًا، أي لأنه وإن كان يقوم به مصالح البدن وملاذه وهو غرض صحيح، لكنه يؤدي به الحال غالبًا إلى ارتكاب المحذور والذل. وما أدى إلى المحذور فهو

محذور. وصحح الرافعي في "الشرح" في (باب الحجر) والمحرر أنه ليس بتبذير. وتبعه النووي (3).

أحدها: يدخل في إضاعة المال الإِنفاق على البناء. ومجاوزة حد الاقتصاد فيه. وتمويه الأواني والسقوف بالذهب والفضة. وسوء القيام على ما يملكه من الرقيق والبهائم حتى يهلك. وقسمة ما [لا](4) ينتفع به الشريك كالجوهرة ونحوها واحتمال الغبن الفاحش في البياعات. ودفع مال من لم يؤنس منه الرشد إليه.

الثاني: التقلل من شهوات الدنيا خير من الإِكثار منها. وهو حال الأنبياء وتابعيهم. وقد صح عنه أنه عليه الصلاة والسلام.

كان يشد على بطنه الحجر (5) من الجوع، ولم يشبع من خبز البر ثلاثًا

(1) زيادة من ن ب د.

(2)

زيادة من ن ب.

(3)

انظر: شرح مسلم (12/ 11).

(4)

في ن ب ساقطة.

(5)

انظر: البخاري (3070)، من رواية جابر وعند أحمد (3/ 301، 330)، وهناد في الزهد (703)، والدارمي (1/ 20)، ومعجم ابن الأعرابي =

ص: 28

متواليات، حتى قبض (1) صلى الله عليه وسلم. وقد أوتي مفاتيح كنوز الأرض.

وقال: "حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه"(2) الحديث. فحق للمتدين أن يكون له أسوة بنبيه صلى الله عليه وسلم.

الثالث: الأصح عند الشافعية أنه لا يكره [أن](3) يتصدق بجميع ماله الفاضل عن الحاجة، إن كان يصبر على الضيق والإِضاقة

وإلَّا فيكره. وبذلك يجمع بين أخبار الباب.

وقال الباجي من المالكية: استيعاب جميع المال بالصدقة ممنوع منه. وقال مرة يكره كثرة إنفاقه في مصالح الدنيا، ولا بأس بذلك في النادر لضيف أو وليمة أو عيد ونحو ذلك وإنما يكره من ذلك الخروج إلى حد السرف. وأقبح ما يكون ذلك عند الحاجة [للناس](4).

الثالث والعشرون: قوله: "وكثرة السؤال"[يستثنى من كثرة السؤال ما أذن الشرع](5) فيه وجهان:

= (21)، ووكيع في الزهد (124)، وابن سعد في الطبقات (1/ 400)، وفي الترمذي (3/ 276)، في الزهد وفي الشمائل له (78) من رواية أبي طلحة.

(1)

البخاري مع الفتح (11/ 282، 570)، ومسلم (4/ 2281)، وابن ماجه (2/ 1110)، وأحمد (6/ 277) من رواية عائشة رضي الله عنها.

(2)

الترمذي (2380)، وأحمد (4/ 132)، والبغوي (4048)، وابن ماجه (3349)، وصححه الحاكم (4/ 121)، وحسنه ابن حجر في الفتح (10/ 128).

(3)

في ن ب ساقطة.

(4)

في ن ب ساقطة، ون د (حاجة الناس).

(5)

زيادة من ن ب د.

ص: 29

أحدهما: أنه راجع إلى الأمور العلمية. وقد كانوا يكرهون تكلف المسائل التي لا تدعو الحاجة إليها. وقال صلى الله عليه وسلم: "أعظم الناس جرمًا عند الله من سأل عن شيء لم يحرم على المسلمين فحرم عليهم من أجل مسألته"(1).

وفي حديث اللعان، لما سئل عن الرجل يجد مع امرأته رجلًا فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها (2). وفي حديث معاوية (3) نهى عن الأغلوطات: وهي شداد المسائل وصعابها. وإنما كان ذلك

(1) البخاري في الاعتصام (7289)، ومسلم في الفضائل (2358)، وأبو داود (4610)، باب: لزوم السنَّة، وأحمد (1/ 176، 179)، وأبو يعلى في مسنده (2/ 104، 105).

(2)

البخاري مختصرًا (5311، 5312، 5349)، ومسلم (1493)، والمسند (2/ 4، 19، 42)، والترمذي (1202).

(3)

مسند الإمام أحمد (5/ 435)، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الغلوطات واللفظ الآخر. وعن عبد الله بن سعد عن الصنابحي عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"إن الله عز وجل نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغلوطات". قال الأوزاعي: "الغلوطات [شداد]، وفي أبي داود [شرار] المسائل وصعابها". جامع بيان العلم وفضله (2/ 139) في النهي عن المسائل، وأبو داود (3509) في العلم، باب: التوفي في الفتيا. قال الشيخ: وقد روي "أنه نهى عن الأغلوطات". البغوي (1/ 308)، والمعجم الكبير (19/ 865، 896، 913)، ومعجم الشاميين له.

وقد ضعف الحديث بسبب عبد الله بن سعد البجلي. انظر: تهذيب التهذيب (5/ 224)، والجرح والتعديل (5/ 264)، والنوافح العطرة (2421).

ص: 30

مكروهًا لما يتضمن كثير منه من التكلف في الدين والتنطع والرجم بالظن من غير ضرورة تدعو إليه مع عدم الأمن من العثار، وخطأ

الظن. والأصل المنع من الحكم بالظن إلَّا حيث تدعو الضرورة إليه، ومما دعت الضرورة إليه من ذلك جواز الاجتهاد في المياه والأخذ بما غلب على الظن طهارته مع وجود الماء المتيقن طهارته.

وكذلك الأخذ بالأصل في طهارتها. وإن شك في نجاستها. وكذلك إلحاق الولد بالفراش لتعذر اليقين فيه. وكذلك عدم الحكم

بالعلم والعمل بالبينة استبراءً للعرض المحثوث عليه شرعًا. وأما قول الشافعي رضي الله عنه. لولا قضاة السوء لقلت بجواز

الحكم بالعلم فإنما كان ذلك لما يقع الاشتباه بالقاضي المحق والمبطل، ولا يقع النقاد من العلماء في كل عصر، ولو وقع قد

تضعف نفوسهم عن إظهار الزيف، ولو أظهروا الحق قد لا يجدوا من يعينهم على إظهاره والعمل به، فمنع القول بجوازه سدًّا للتهمة

في الدين والعرض عملًا بتخصيص الشرع على ذلك حيث قال: "فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه"(1) وأمره صلى الله عليه وسلم بالحكم بالظاهر وقطعه عليه الصلاة والسلام قطعة من النار (2) لمن حكم له بالظاهر الذي يخالف الباطن.

(1) البخاري (52) في الإِيمان، (2051) في البيوع، ومسلم (1599)، وأبو داود (3329، 3330)، والترمذي (1205)، والنسائي (7/ 241، 243)، وابن ماجه (3984).

(2)

هذا جزء من حديث أخرجه البخاري (2680) في الشهادات، (6967) في الحيل، ومسلم (1713)، والمسند (6/ 203، 290، 291، 308).

ص: 31

الثاني: أن يكون [ذلك](1) راجعًا إلى سؤال المال وهو مناسب لقوله قبله وإضاعة المال. وقد وردت أحاديث في تعظيم تقبيح مسألة الناس، ومدح الله عز وجل تارك السؤال الكثير بقوله:{لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} (2) أي إلحاحًا. فمفهومه ذم السائلين إلحافًا. وفي الحديث: "لا تزال المسألة بالعبد حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم"(3) لا سيما من سأل من غير ضرورة تدعو إلى السؤال. ولا شك أن لفظ الحديث يدل على النهي عن كثرة السؤال لا على السؤال مطلقًا. وهو عام في سؤال الله -تعالى- والناس. خرج سؤال الله -تعالى- بالأمر به والحث عليه في قوله- تعالى-: {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} (4)، وقوله عليه الصلاة والسلام لابن عباس:"إذا سألت فاسأل الله"(5)، وهو مطلق كثيره وقليله. بقي القليل من سؤال الناس لبعضهم. وفي حديث رواه أبو داود أنه عليه الصلاة والسلام قال لبعض من

(1) في ن ب ساقطة.

(2)

سورة البقرة: آية 273.

(3)

البخاري (14874) في الزكاة، ومسلم (1040) في الزكاة، والنسائي (5/ 94)، باب: المسألة، والشهاب القضاعي في مسنده (826)، والبيهقي في السنن (4/ 196) الزكاة، باب: كراهية السؤال والترغيب في تركه، والبغوي في السنة (6/ 119)، وأبو يعلي في مسنده (9/ 430).

(4)

سورة النساء: آية 32.

(5)

أحمد في المسند (1/ 307، 2/ 293)، والترمذي (2156)، والحاكم في المستدرك (3/ 541، 542).

ص: 32

سأله عن المسألة مرارًا [في](1) الثالثة: "فإن كنت لابد سائلًا فاسئل الصالحين"(2) وإذا ثبت بعض سؤال بعض الناس فلا شك أن بعضه ممنوع من حيث أن يكون السائل [غنيًّا](3) لا حاجة به إلى ما سأل [و](4) يُظهر الحاجة وهو في الباطن بخلافها أو يخبر السائل عن أمر هو فيه كاذب. وفي السنة ما يشهد باعتبار ظاهر الحال في هذا وهو ما ثبت "أن رجلًا من أهل الصفة مات وترك دينارين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كيتان" (5)، وإنما كان ذلك -والله أعلم- لأنهم كانوا فقراء مجردين يتصدق عليهم ويأخذون بناء على الفقر والعدم وظهر معه هذان الديناران على خلاف ظاهر حاله.

قال الشيخ تقي الدين (6): والمنقول عن مذهب الشافعي جواز السؤال.

قلت: وكذا قال الشيخ عز الدين في "أماليه": إنه الصحيح من مذهب الشافعي. وبه قال كثيرون لأنه طلب مباح فوجب أن يجوز

(1) في ن ب دساقطة.

(2)

أبو داود (2/ 241)، والنسائي (5/ 96).

(3)

زيادة من ن ب د.

(4)

زيادة من ن ب د.

(5)

أحمد (1/ 412، 415، 421، 457)، وابن حبان (3263)، وأبو يعلى (4997، 5037، 5115)، وذكره الهيثمي في المجمع (10/ 240)، وقال: وفيه عاصم بن بهدلة، وقد وثقه غيرُ واحد، وبقية رجاله رجال الصحيح. اهـ.

(6)

انظر: إحكام الأحكام (3/ 76).

ص: 33

قياسًا على طلب العارية وغيرها. والذم الوارد في الأخبار يحمل على من سأل من الزكاة الواجبة وليس هو من الأصناف الثمانية.

وقال النووي في "شرح مسلم": اتفق العلماء على النهي عن السؤال إذا لم يكن ضرورة.

واختلف أصحابنا في مسألة القادر على الكسب على وجهين:

أصحهما: أنه حرام لظاهر الأحاديث.

والثاني: أنه حلال مع الكراهة [بثلاثة](1) شروط، وهي: أن لا يلح في السؤال، ولا يذل نفسه ذلًّا زائدًا على ذل نفس السؤال،

ولا يؤذي المسؤول. فإن فقد أحد هذه الشروط فهي حرام.

ثم ينظر في السؤال إن كان في سورة لا يحرم من العلم أو المال. فإن [كان](2) في صورة تقتضي المنع منه تنزيهًا. فينبغي الامتناع من قليله وكثيره. وإن لم يقتض المنع منه حمل النهي على الكثير من السؤال المباح دون قليله، لأن كراهتها في الكثير أشد وليس في الحديث ما يدل إلَّا على الكثرة فقط، أو يحمل الحديث على الوجه [الأول](3) عن كثرة السؤال عن المسائل المتعلقة بالدين الحاملة على التنطع والتدقيق والتضييق فيه.

قال الشيخ تاج الدين الفاكهي: والعجب من القائل بكراهة

(1) في جميع النسخ (بثلاث).

(2)

زيادة من ن ب د.

(3)

زيادة من ن ب د.

ص: 34

السؤال مطلقًا حيث لا يحرم مع كون السؤال كانوا في زمنه صلى الله عليه وسلم. وفي زمن الصحابة والتابعين إلى هلم جرا. وقد علمت ما جاء في تفسير قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ ....} (1) الآية. وقال تعالى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)} (2). وفي الحديث "ردوا السائل ولو بشق تمرة"(3). والشارع لا يقر على مكروه، بل لا يبعد عندي [أنه](4) يجب السؤال في وقت الضرورة. ولا أظن أحدًا ينازع في ذلك.

وقال بعضهم: المراد بكثرة السؤال في الحديث سؤال الناس عن أموالهم وما في أيديهم. وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن ذلك.

وقال بعضهم: المراد به كثرة السؤال عن أخبار الناس وأحداث

(1) سورة الإِنسان: آية 8.

(2)

سورة الذاريات: آية 19.

(3)

"ردوا السائل ولو بظلف محترق". أخرجه أحمد (4/ 70، 6/ 435)، وتخريج الأحياء (4/ 205)، وسنن النسائي (5/ 18)، والسنن الكبرى (4/ 177)، وموارد الظمآن (825)، وابن حبان (3374)، والموطأ (2/ 923)، والبغوي (1673)، والتاريخ الكبير (5/ 262)، والطبراني في الكبير (24/ 555، 556). وقد ورد بلفظ آخر: "اتقوا النار ولو بشق تمرة". البخاري (1413) فيه ذكر الأطراف، ومسلم (1016)، والترمذي (2415)، وابن ماجه (1843)، والنسائي (5/ 75)، وأحمد (4/ 258، 379)، وكشف الأستار (1/ 422)، والبحر الزخار عن أبي بكر (82)، وابن حبان (473)، والطيالسي (1135)، وشرح السنة (1640).

(4)

في ن ب د (أن).

ص: 35

الزمان وما لا يعني الإِنسان، فإن هذا قد [عرف](1) من النهي عن قيل وقال.

وقال بعضهم: المراد به كثرة سؤال الإِنسان عن حاله وتفاصيل أمره فيدخل ذلك في سؤاله عما لا يعنيه ويتضمن ذلك حصول [الحرج](2) في حق المسؤل فإنه قد لا يؤثر بإخباره بأحواله فإن أخبره سبق عليه. وإن كذبه في الأخبار أو تكلف التعرض لحقته

مشقة. وإن أهمل جوابه ارتكب سوء الأدب.

فائدة: [مراد الحديث](3) كثرة السؤال لنفسه. فهل يكون السؤال لغيره [حكمه](4) حكم نفسه في الكثرة والقلة، أو يمنع منه

مطلقًا أو يؤذن فيه مطلقًا. الظاهر أنه يختلف ذلك باختلاف المقاصد والنيات وحال السائل والمسؤول.

الرابع والعشرون: قوله: "وكان ينهي عن عقوق الأمهات"(5). العقوق عدم البر والإِحسان إلى الوالدين. يقال: عق والده يُعِق [عقًّا](6) وعقوقًا ومعقة. فهو عاقق وعُقق [بضم العين والقاف](7) مثل عامر وعمير. والجمع: عققة مثل كفرة.

(1) في ن ب (عرفت).

(2)

في ن ب (الخروج).

(3)

في ن ب د (مراد الحديث).

(4)

في ن ب (بحكم).

(5)

انظر: البخاري مع الفتح (2/ 125). وقال ابن حجر: إسناده صحيح.

(6)

زيادة من ن ب د.

(7)

زيادة من ن ب د.

ص: 36

وتوقف الشيخ عز الدين: في ضابط العقوق: وأقرب ما فيه أنه كل فعل يتأذى به الوالد ونحوه تأذيًا ليس بالهين. وقد صنف العلماء في "بر الوالدين"(1) كالطرطوشي وغيره ما يتعين من ذلك وما يندب.

وما أحسن قول ابن عطية في "تفسيره"(2): جملة هذا الباب: أن طاعة الوالدين لا تراعى في ركوب كبيرة. ولا في ترك فريضة على الأعيان. وتلزم طاعتهما في المباحات ويستحسن في ترك الطاعات الندبية. ومنه [أمر](3) جهاد الكفاية. والإِجابة للأم في الصلاة مع إمكان [إعادتها](4) على أن هذا أقوى من الندب، لكن يعلل بخوف هلاكها عليه ونحوه. مما يحيى قطع الصلاة فلا يكون أقوى من الندب.

وخالف الحسن (5) في هذا الفضل. فقال: إن منعته أمه من شهود العشاء الآخرة شفقة عليه فلا يطعها.

وأغرب داود الظاهري فقال في قوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} (6). قال: لا تقل لهما هذا اللفظ. وقل ما سواه واضربهما. وهو قياس فاسد. وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على عد العقوق من الكبائر وهو إجماع.

(1) الكتاب قد طبع في مجلد لطيف.

(2)

المحرر الوجيز (13/ 15) في تفسير سورة لقمان آية الوصية بالوالدين.

(3)

زيادة من ن ب د.

(4)

في ن ب د (الإِعادة).

(5)

الأثر في البخاري، الفتح (2/ 125)، تغليق التعليق (2/ 275).

(6)

سورة الإِسراء: آية 23.

ص: 37

الخامس والعشرون: "أمهات" جمع أمهة. والفرق بين "أُمَّهة" و "أمُ" أن [أمهة](1) إنما تقع غالبًا على من يعقل بخلاف أم.

السادس والعشرون: إنما خص الأمهات بذلك دون الآباء وإن كان العقوق محرمًا في حق الجميع لأجل كثرة [عقوقهن](2) وشدتها ورجحان الأمر ببرهن وتكريره مرات دون الآباء، ولأن أكثر العقوق يقع للأمهات، ويطمع الأولاد فيهن، ونظير تكراره في حقهن دونه. قوله -تعالى-:{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} (3). شرّك الله -تعالى- الأم والوالد في رتبة الوصية. وخص الأم بذكر درجة الحمل وبالرضاع فحصل لها ثلاث مراتب وللأب واحدة. وفي الحديث الآخر: "أمك أمك ثم أباك"(4).

واستدل به بعضهم على أن لها [ثلثي](5) البر.

تنببه: ذكر الأمهات في هذا الحديث من باب تخصيص الشيء بالذكر إظهارًا لعظيم موقعه في الأمر إن كان مأمورًا [به](6). وفي

(1) في ن ب ساقطة.

(2)

في ن ب د (حقوقهن).

(3)

سورة لقمان: آية 14.

(4)

البخاري في الأدب (5971)، باب: من أحق الناس بحسن الصحبة، ومسلم في البر (2448)، والحميدي (2/ 476)، وابن ماجه في الأدب (3658)، وأحمد (2/ 391، 327)، وابن حبان (424)، وأبو يعلي (6082).

(5)

في ن ب (ثلث).

(6)

في ن ب د ساقطة.

ص: 38

النهي إن كان منهيًّا عنه. وقد يراعى في موضع آخر. التنبيه بذكر الأدنى على الأعلى فيخص الأدنى بالذكر [وذلك](1)[بحسب](2) اختلاف المقصود. وقد يقع التنبيه بالأعلى [على](3) الأدنى.

السابع والعشرون: قوله: "ووأد البنات" هو بالهمز. وهو عبارة عن دفنهن بالحياة كما كانت الجاهلية تفعله. وإليه الإِشارة. بقوله تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9)} (4). يقال: وأد بنته يئدها وأدًا فهي "مَوْءودة". وكانت كندة تئد البنات. وكان صعصعة بن ناجية ممن منع الوأد. وبه افتخر الفرزدق في قوله:

[ومنا](5) الذي منع الوائدات

[وأحيا](6) الوليد فلم يُؤدِ

وكان صفة وأدِهِمْ أن الرجل إذا وُلدت له بنت فأراد أن يستحييها ألبسها جبة صوف أو شعر ترعى له الإِبل والغنم في البادية. وإن أراد قتلها تركها حتى إذا كانت سداسية فيقول لأمها: طيبيها وزينيها حتى أذهب بها إلى أحمائها. وقد حفر لها بئرًا في الصحراء

فيبلغ بها البئر فيقول لها: انظري فيها فيدفعها من خلفها ويهيل عليها التراب حتى يستوي البئر بالأرض

(1) في ن ب ساقطة.

(2)

في الأصل (حسب)، وما أثبت من ن ب د.

(3)

في الأصل (عن)، والتصحيح من ن ب د.

(4)

سورة التكوير: آيتان 8، 9.

(5)

في المحبر لمحمد بن حبيب (141): وجدي.

(6)

في الجامع لأحكام القرآن (19/ 233)"فأحيا".

ص: 39

وقيل: كانت الحامل إذا اقتربت حفرت حفرة فتمخضت على رأس الحفرة فإذا ولدت بنتًا رمت بها في الحفرة. وإذا ولدت ابنًا

حبسته.

وكان الحامل لهم على ذلك الخوف من لحوق العار بهم من أجلهن أو الخوف من الإِملاق وكانوا يقولون: الملائكة بنات الله فألحقوا البنات به فهو أحق بهن -تعالى- الله عن ذلك.

ومن كلام بعضهم في الجاهلية: كنا نقتل أولادنا يعني الإِناث ونربي كلابنا.

واعلم إنما خصت البنات بالذكر دون الأبناء لأنه كان هو الواقع، فتوجه النهي إليه لا لأن الحكم مخصوص بالبنات.

والوأد: من الكبائر الموبقات لأنه قتل نفس بغير حق. ويتضمن أيضًا قطيعة الرحم.

الثامن والعشرون: فيه دليل على تحريم قتل النفس بغير حق شرعي.

التاسع والعشرون: قوله: "ومنع وهات" منع مصدر منع، وهات فعل أبو من تهاتى مثل يراني. يقال: هاتِ يا رجل -بكسر التاء- أي اعطني.

قال الخليل: هاتِ من [ائت](1) يؤتى فقلبت الألف هاء فهات على هذا في الحكاية كما تقدم في قيل بالفتح.

(1) في جميع النسخ (أتى)، وما أثبت من حاشية إحكام الأحكام.

ص: 40

الثلاثون: هذا النهي راجع إلى السؤال الصحيح وغير الصحيح بالمنع والإِعطاء وحينئذ يحتمل وجهين:

أحدهما: النهي عن المنع حيث يؤمر بالإِعطاء. وعن السؤال حيث منع منه فيكون كل واحد منهما مخصوصًا بصورة غير سورة الآخر.

الثاني: أن يجتمعا في سورة واحدة فلا تعارض بينهما فتكون وظيفة الطالب ووظيفة المعطي أن لا يمنع إن وقع السؤال وهذا لا بد

أن يستثني منه ما إذا كان المطلوب محرمًا على الطالب فإنه يمتنع على المعطي إعطاؤه لكونه معينًا على الإِثم. ويحتمل أن يكون ذلك محمولًا على الكثرة من السؤال. والعبارة الواضحة في ذلك النهي عن منع ما أُمر بإعطائه. وطلب ما لا يستحق أخذه. وترجم عليه النووي في "شرح مسلم"(1): النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة. والنهي عن منع وهات. وهو الامتناع من أداء حق لزمه، أو طلب ما لا يستحقه.

(1) مسلم (3/ 1340)، والنووي (12/ 10).

ص: 41