الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
25 - باب الجمع بين الصلاتين بالسفر
133/ 1/ 25 - ذكر فيه رحمه الله حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: "كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يجمعُ بين صلاةِ الظهرِ والعصرِ، إذا كانَ على ظهرِ سيرٍ، ويجمعُ بين المغربِ والعشاءِ"(1).
وهذا اللفظ المذكور هو لفظ البخاري دون مسلم كما نبه عليه الشيخ تقي الدين أيضًا، وأطلق المصنف إخراجه عنهما، نظرًا إلى
أصل الحديث على عادة المحدثين (2)، فإن مسلمًا أخرجه بألفاظ نحو رواية البخاري فإذا أرادوا التحقيق فيه قالوا أخرجاه [بلفظه](3) إن كان أو بمعناه إن كان.
ثم اعلم. أن الفقهاء لم يختلفوا في جواز الجمع في الجملة،
(1) البخاري تعليقًا (1107). انظر: تغليق التعليق (2/ 426)، ومسلم (705)، والبيهقي (3/ 164)، باب: الجمع بين الصلاتين في السفر.
(2)
انظر: تصحيح العمدة للزركشي (98)، من مجلة الجامعة الإِسلامية عدد (75، 76)، تحقيق د. الزهراني.
(3)
في ن ب ساقطة.
لكنَّ أبا حنيفة رحمه الله يخصه بالجمع بعرفة ومزدلفة، ويقول: العلة في جوازه النسك لا السفر، والأكثرون لم يخصوه.
ونقل القاضي عياض: كراهته عن الحسن وابن سيرين، ورُوي مثلُه عن مالك.
قال (1): ورُوي عنه كراهته للرجال دون النساء. والحنفية يؤولون أحاديث الجحع بعذر السفر على أن المراد بها تأخير الصلاة
الأولى إلى آخر وقتها وتقديم الثانية في أول وقتها (2).
وجعل بعض الفقهاء الجمع المطلق نوعين: جمع مقارنة، وجمع مواصلة.
(1) إكمال إكمال المعلم (2/ 355).
(2)
وهذا يسمى الجمع الصوري هو أن يصلي الأولى منهما، وهي: الظهر والمغرب، في آخر وقتها، ثم يدخل وقت الأخرى منهما، فيصليهما، وهي: العصر والعشاء. انظر: رؤوس المسائل (177)، ومختصر الطحاوي (33، 34)، والقدوري (27)، والمبسوط (4/ 14/ 15)، والهداية (1/ 134).
وقال الخطابي في معالم السنن (2/ 52) متعقبًا هذا: إن الجمع رخصة، فلو كان على ما ذكره لكان أعظم ضيقًا من الإِتيان بكل صلاة في وقتها، لأن أوائل الأوقات وأواخرها مما لا يدركه أكثر الخاصة فضلًا عن العامة. قال ابن حجر في الفتح (2/ 580): ومن الدليل على أن الجمع رخصة قول ابن عباس: "أراد أن لا يحرج أمته"، أخرجه مسلم، وأيضًا فإن الأخبار جاءت صريحة بالجمع في وقت إحدى الصلاتين، ومما يرد على احتمال الجمع الصوري جمع التقديم في حديث أنس.
فجمع المقارنة: كون الشيئين في وقت واحد كالأكل والقيام مثلًا فإنهما يقعان في وقت واحد.
وجمع المواصلة: أن يقع أحدهما عقب [الآخر](1) وقصد [بذلك](2) إبطال [تأويل](3)[أصحاب أبي حنيفة (4) لما ذكرناه. لأن جمع المقارنة لا يمكن في الصلاتبن إذ لا يقعان في حالة واخدة وأبطل جمع المواصلة (5) أيضًا](6) وقصد بذلك إبطال التأويل المذكور [إذ](7) لم يتنزل على شيء من النوعين لكن الروايات
(1) في ن ب (آخره).
(2)
زيادة من ن د.
(3)
في ن د (التأويل).
(4)
في ن ب زيادة (أحدهما عقب الآخر).
(5)
استدل أبو حنيفة رحمه الله على ذلك بقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} ، وقال:"إن فرضًا مؤقتًا"، فالمحافظة على الوقت في الصلاة بيقين، فلا يجوز تركه إلَّا بيقين، وهو: الموضوع الذي ورد به النص. انظر: رؤوس المسائل (177).
أقول: وبحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فيما يرويه عنه البخاري (1775)، ومسلم (3059):"والذي لا إله غيره ما صلى رسول صلى الله عليه وسلم صلاة قط إلَّا في وقتها إلَّا صلاتين: جمع بين الظهر والعصر يوم عرفة وبين المغرب والعشاء يوم مزدلفة"، وليس في هذا حجة لأن عند ابن مسعود فقط عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمع بين الصلاتين في السفر بغير عرفة والمزدلفة، رمن حفظ وشهد حجة على من لم يحفظ ويشهد.
(6)
في ن د ساقطة.
(7)
في ن ب (أي).
الصحيحة كحديث أنس (1) وابن عمر (2) وابن عباس (3) هذا يدل على جواز الجمع بعذر السفر ويُبْطل تأويلَهم ولولا ذلك لكان الدليل يقتضي امتناع الجمع، لأن الأصل عدم جوازه، ووقوع إيقاع الصلاة في وقتها المحدود، لكنَّ هذا الحديثَ دَلَّ على جواز الجمع على ظهر سير في الظهر والعصر، وكذلك المغرب والعشاء، وهو رخصة، وجملة ما ذكروه من التأويل يقتضي الحصر، والزيادة في المشقة على المسافر، وقد صح الجمع أيضًا في حال [النزول](4)
(1) البخاري (1111، 1112) باب: يؤخر الظهر للعصر، وباب: إذا ارتحل بعدما زاغت الشمس، ومسلم في الصلاة، باب: جواز الجمع بين الصلاتين، وأبو داود باب: الجمع بين الصلاتين (1172)، والنسائي (594) باب: الوقت الذي يجمع فيه المسافر بين المغرب والعشاء، والبيهقي في الكبرى (3/ 161)، والصغرى (1/ 227).
(2)
البخاري (1106) باب: الجمع في السفر بن المغرب والعشاء، ومسلم، باب: جواز الجمع بين الصلاتين في السفر، والنسائي (1/ 290)، والدارمي (1/ 295)، وأحمد (2/ 8)، والحميدي (616)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 161)، وابن الجارود (1/ 203)، والبيهقي في الكبرى (3/ 159)، والصغرى (1/ 226)، والموطأ (1/ 144).
(3)
انظر التعليق (1)، والحديث الآخر أنه قال:"صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر والمغرب والعشاء جميعًا من غير خوف ولا سفر". انظر: الموطأ (1/ 144)، ومسلم (705)، والشافعي في مسنده (1/ 118)، وأبو داود (1210)، والنسائي (1/ 290)، وأبو عوانة (2/ 353)، والبيهقي في السنن (3/ 166)، وصححه ابن خزيمة (972).
(4)
في ن ب (نزول).
فالعمل به دليل آخر على الجواز في غير سورة السير وقيام دليلهم يدل على إلغاء اعتبار هذا الوصف، ولا يمكن معارضةُ دليلِ الوصفِ بالمفهوم من هذا الحديث لأن المنطوق أرجح.
وقوله: "ويجمع بين المغرب والعشاء" ظاهره اعتبار الوصف فيهما، وهو كونه على ظهر سير، والإِجماعُ قائمٌ على امتناع الجمع
بين الصبح وغيرها، وبين العصر والمغرب، كما هو قائم على الجواز في الظهر مع العصر بعرفة، وفي المغرب والعشاء بمزدلفة،
ومن هنا ينشأ نظير القياسين في مسألة الجمع، فأصحاب أبي حنيفة يَقِيسُون الجمعَ المختلف على الجمع الممتنع إيقافًا يحتاجون إلى إلغاء الوصف الفارق بين محل النزاع ومحل الإِجماع، وهو الاشتراك الواقع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، إما مطلقًا أو حالة العذر، وغيرُهم يقيس الجوازَ في محل النزاع على الجواز في [موضع](1) الإِجماع، ويحتاج إلى إلغاء الوصف الجامع وهو
النسك.
ثم اعلم أن جمع التقديم بعرفة، والتأخير بمزدلفة عندنا، بسبب السفر على الأصح، لا النسك (2) فلا يجوز للمكي والعرفي
(1) زيادة عنه ن ب.
(2)
قال ابن القاسم في حاشية الروض (3/ 405) نقلًا عن شيخ الإِسلام: الجمع بعرفة ومزدلفة متفق عليه، وهو منقول بالتواتر، فلم يتنازعوا فيه، والصواب: أنه لم يجمع بعرفة ومزدلفة لمجرد السفر، بل لاشتغاله باتصال الوقوف عن النزول، ولاشتغاله بالمسير إلى مزدلفة. اهـ.
وكذا يستحب عند الحاجة، كما كان يصنع صلى الله عليه وسلم في سفره إذا جد به السير =
والمزدلفي، ويجمع الأفاقي (1).
= كما فعل بمزدلفة، وفي غزوة تبوك، وقال أيضًا شيخ الإِسلام: وفعل كل صلاة في وقتها أفضل إذا لم يكن، عند الأئمة كلهم، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع في حجته إلَّا بعرفة ومزدلفة ولم يجمع بمنى، ولا في ذهابه وإيابه ولكن جمع في غزوة تبوك، إذ جد به السير، والذي جمع هناك يشرع أن يفعل نظيره.
(1)
قال شيخ الإِسلام: يصلي الإِمام ويصلي خلفه جميع الحجاج، أهل مكة وغيرهم قصرًا وجمعًا، كما جاءت بذلك الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو مذهب أهل المدينة وأحد الأقوال في مذهب الشافعي وغيره، ومن قال لا يجوز القصر إلَّا لمن كان منهم على مسافة القصر، فهو مخالف للسنَّة، وقال: ويصلى بعرفة ومزدلفة ومنى قصرًا، ويقصر أهل مكة، وغير أهل مكة، وكذلك يجمعون الصلاة بعرفة ومزدلفة، وكذلك كانوا يفعلون خلف أبي بكر، وعمر رضي الله عنهما، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه أحدًا من أهل مكة أن يتموا الصلاة، ولا قالوا لهم بعرفة ومزدلفة ومنى: أتموا الصلاة فإنا قوم سفر، ومن حكى ذلك عنهم فقد أخطأ، وغلط غلطًا بينًا، ووهم وهمًا قبيحًا، وقال قولًا باطلًا، باتفاق أهل الحديث، ولكن المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال ذلك في غزوة الفتح، لما صلى بهم بمكة، وأما في حجه فإنه لم ينزل بمكة، ولكن كان نازلًا خارج وهناك كان يصلي بأصحابه، ثم لما خرج إلى مني وعرفة، خرج معه أهل مكة وغيرهم، ولما رجع من عرفة رجعوا معه، ولما صلَّى بمنى أيام مني صلوا معه، ولم يقل لهم:"أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر" ولم يحدد النبي صلى الله عليه وسلم السفر بمسافة، ولا بزمان وفيه أوضح دليل على أن سفر القصر، لا يتحدد بمسافة معلومة، ولا بأيّام معلومة. اهـ، نقلًا من حاشية التونسي لابن قاسم (4/ 132).
تنبيه: قوله "إذا كان على ظهر سير" فيه دليل على جواز الجمع بمجرد السفر، وإن لم يَجِد به، ولا خاف فوات أمر.
[قال القاضي: واختلف عن مالك على القول بالجمع، هل يجوز بمجرد السفر](1)، أو حتى يَجِدَّ به السيرُ، أو حتى يخاف فوات أمر، قال: وباشتراط جد السير قاله الليث، والثوري، وباشتراط الضرر، قاله الأوزاعي، وبمجرد السفر، قاله الجمهور من [الخلف](2).
تنبيه: هذا الجمع يختص بالسفر الطويل وهو مرحلتان سير الأثقال على الأصح (3).
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
في ن ب (خلف).
(3)
قال شيخ الإِسلام في الفتاوى (38/ 24): هذا مما اضطرب الناس فيه ثم ذكر الأقوال ومخرج كل قول، فقيل ثلاثة أيام وحجتهم قوله عليه الصلاة والسلام:"يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن"، وقد ثبت عنه في الصحيحين أنه قال:"لا تسافر امرأة مسيرة ثلاثة أيام إلَّا ومعها ذو محرم"، وقد ثبت عنه في الصحيحين أنه قال:"مسيرة يومين"، وثبت في الصحيح:"مسيرة يوم"، وفي السنن:"بريدًا"، فدل على أن ذلك كله سفر، وأذنه له في المسح ثلاثة أيام إنما هو تجويز لمن سافر ذلك، وهو لا يقضي أن ذلك أقل السفر، كما أذن للمقيم أن يمسح يومًا وليلة وهو لا يقتضي أن ذلك أقل الإِقامة، وأما الذين قالوا يومين اعتمدوا على قول ابن عمر وابن عباس، وما رُوي:"يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة في أقل من أربعة برد من مكة إلى عسفان" إنما هو من قول ابن عباس، ورواية ابن خزيمة وغيره له مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم باطل بلا شك عند أئمة أهل =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الحديث، وكيف يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم أهل مكة بالتحديد وإنما أقام بعد الهجرة زمنًا يسيرًا، وهو بالمدينة لا يحد لأهلها حدًّا كما حده لأهل مكة وما بال التحديد يكون لأهل مكة دون غيرهم من المسلمين، وأيضًا فالتحديد بالأميال والفراسخ يحتاج إلى معرفة مقدار مساحة الأرض وهذا أمر لا يعلمه إلَّا خاصة الناس.
وقال (11/ 20): تحديد مسافة القصر بثلاثة أيام أو سنة عشر فرسخًا لما كان قولًا ضعيفًا كان طائفة من العلماء ترى القصر فيما دون ذلك.
وقد أوضح شيخ الإِسلام تحديد السفر بقوله: مما بعد سفرًا في العرف أن يتزود له ويبرز في الصحراء
…
إلخ كلامه. الفتاوى (15/ 24). انظر: مجموع كلامه في الفهرس للفتاوى (83، 84/ 37).
عند جمهور العلماء ما عدا الأحناف: السفر الطويل مبيح للقصر والجمع المقدر بالزمن: يومان معتدلان أو رحلتان بسير الأثقال ودبيب الأقدام، وقدرت ما بين جدة ومكة، أو الطائف ومكة، أو من عسفان إلى مكة وتقدر بالمسافة ذهابًا بأربعة برد، أو ستة عشر فرسخًا، وهذه تساوي بتقدير اليوم حوالي تسعة وثمانين كيلو متر على وجه التقريب، ويقصِّر حتى لو قطع تلك المسافة بساعة واحدة كالسفر بالطائرة والسيارة أو نحوها لأنه صدق عليه أنه سافر أربعة برد.
وعند الأحناف أن أقل ما تقصر فيه الصلاة مسيرة ثلاثة أيام السنة في البلاد المعتدلة، وتقدر بثلاث مراحل (96 كم). وقال ابن القيم: حيث قرر أن الجمع والقصر يكونان في مطلق السفر لا فرق بين طويله وقصيرة، وأنه لا يصح في التحديد شيء. اهـ. زاد المعاد (1/ 133)، وأعلام الموقعين (2/ 303).
فائدة: البريد العربي: 4 فراسخ يساوي (22176) متر، فمسافة القصر حوالي (88 كم)، وعند الأحناف حوالي (96 كم).
وقيل: لا. وبه قال داود [وأهل الظاهر](1).
تنبيهات:
أحدها: الجمع بالتقديم له شروط محل الخوض فيها كتب الفقه، وقد بسطتها في "شرح المنهاج"، و"التنبيه"، و"الحاوي"،
وغيرها، وكذلك الجمع بالتأخير له شروط مختلف فيها مبسوطة في هذه الكتب فراجعها (2).
(1) زيادة من ن ب د.
(2)
شروط جمع التقديم:
1 -
النية، أي عند الإِحرام بالأولى دون الثانية.
2 -
الموالاة بينهما فلا يفرق.
3 -
أن يكون العذر المبيح موجود عند افتتاحهما وسلام الثانية.
وشروط جمع التأخير شرطان:
1 -
النية، أي نية الجمع في وقت الأولى.
2 -
استمرار العذر المبيح إلى دخول وقت الثانية.
قال شيخ الإِسلام: لا يفتقر الجمع إلى نية عند جمهور أهل العلم، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأحد القولين في مذهب أحمد، وعليه تدل نصوصه وأصوله، قال: وهو الذي تدل عليه سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن عمل بأحد القولين لم ينكر عليه أيضًا كلام الشيخ رحمه الله في الموالاة، فإن قال إن كلام أحمد يدل على أن الجمع عنده هو الجمع في الوقت، وإن لم يصل إحداهما بالأخرى كالجمع في وقت الثانية إلى أن قال: والصحيح أنه لا تشترط الموالاة بحال، لا في وقت الأولى، ولا في وقت الثانية فإنه ليس في ذلك حد في الشرع. اهـ، من الفتاوي بتصرف (15، 16، 50، 51، 55، 104، 105/ 24)، (456، 457/ 21)، (231/ 25).
الثاني: اختلف العلماء في جواز الجمع بعذر المطر، فجوّزه الشافعي والجمهور في الصلوات التي يجوز الجمع فيها بشروط ذكرتها كتب الفروع، وخصه مالك بالمغرب والعشاء فقط (1).
الثالث: اختلفوا أيضًا في الجمع بعذر المرض، فمنعه الشافعي والأكثرون، وجوّزه عطاء، والحسن، وأحمد، والقاضي حسين،
والخطابي، والمتولي، والروياني، وهو قوي لأن المشقة في المرض [أشد](2) من المطر (3).
(1) سئل شيخ الإِسلام في الفتاوى (29/ 24) عن صلاة الجمع في المطر بين العشائين، هل يجوز من البرد الشديد؟ أو الريح الشديدة؟ أم لا يجوز إلَّا من المطر خاصة؟
فأجاب: الحمد لله رب العالمين يجوز الجمع بين العشائين للمطر، والريح الشديدة الباردة والوحل الشديد، وهذا أصح قولي العلماء، وهو ظاهر مذهب أحمد ومالك، وغيرهما، والله أعلم.
وقال (30/ 24): وذلك أولى من أن يصلوا في بيوتهم بل ترك لجمع مع الصلاة في البيوت بدعة مخالفة للسنَّة، إذ السنَّة: أن تصلى الصلوات الخمس في المساجد حماعة
…
إلخ كلامه.
وقال (452/ 21): وأيضًا فإنه جمع بالمدينة للمطر، وهو نفسه صلى الله عليه وسلم لم يكن يتضرر بالمطر، بل جمع لتحصيل الصلاة في الجماعة، والجمع لتحصيل خير من التفريق والانفراد. انظر: حاشية الروض (2/ 402).
(2)
في ن ب (أشق).
(3)
قال الشيخ في الفتاوى (21/ 433): أنه يجوز الجمع بين الصلاتين إذا كان عليه حرج في التفريق، فيجمع بينهما المريض، وهو مذهب مالك وطائفة من أصحاب الشافعي
…
إلخ، وانظر: المبحث في =
وقال الترمذي (1) في آخر كتابه: ليس في كتابي حديث أجمعت الأمة على ترك العمل به إلَّا حديث ابن عباس في الجمع في
المدينة من غير خوف ولا مطر، وحديث قتل شارب الخمر في المرَّة الرابعة.
قلت: أمَّا الحديث الأول فقد عمل به ابن عباس، وقال لمن استعجله في صلاة المغرب، وقد بدرت النجوم: أتعلمني بالسنَّة
لا أم لك، رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء، قال عبد الله بن شقيق: فحاك في صدري من ذلك شيء فأتيت أبا هريرة فسألته، فصدَّق مقالته، فهذا يدل على أنه معمول به غير منسوخ (2).
= (292/ 22 - 14/ 24).
وقال ابن قاسم في الحاشية (400/ 2): وقال النووي وغيره: يجوز الجمع من أجل المرض وفاقًا لمالك وقال: يستدل له بحديث ابن عباس: من غير خوف ولا مطر، وقال أيضًا: قال شيخ الإِسلام، يجمع للمرض كما جاءت بذلك السنة في جمع المستحاضة فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بالجمع في حديثين، وانظر: التمهيد لابن عبد البر (12/ 211، 212، 214).
(1)
السنن (5/ 736).
(2)
فبدأ بذكر الروايات للحديث قال الترمذي قد روي من غير وجه عن ابن عباس فرواية جابر بن زيد، وهو أبو الشعثاء، رواها البخاري ومسلم وغيرهما، وأما رواية سعيد بن جبير فإنها هنا في الترمذي وفي صحيح مسلم وغيرهما، وأما رواية عبد الله بن شقيق -المشار إليها هنا- فإنها عند مسلم (705)، قال: خطبنا ابن عباس يومًا بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم، وجعل الناس يقولون: الصلاة الصلاة. قال: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= فجاء رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني، الصلاة الصلاة! فقال ابن عباس: أتعلمني بالسنَّة لا أم لك؟ ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، قال عبد الله بن شقيق: فحاك في صدري من ذلك شيء، فأتت أبا هريرة فسألته؟ فصدق مقالته.
اختلاف الألفاظ: قد جاء في رواية الموطأ (1/ 143): "في غير خوف ولا سفر". قال مالك: أرى ذلك كان في مطر، وورد أيضًا:"من غير خوف ولا مطر" و "غير خوف ولا سفر"، وانظر: تخريج الروايات والكلام عليها مستوفي في الفتاوى (72، 82/ 24) وفي مواضع من الفتاوى.
تخريج الحديث مختصرًا ومطولًا: البخاري (543، 562، 1173)، ومسلم (705)، والطاليسي (1/ 127)، وأحمد (1/ 285، 366)، والنسائي (1/ 290)، والترمذي (187)، وأبو داود (1210)، والبيهقي (3/ 166، 167)، وأبو عوانة (3/ 354)، والحميدي (470)، والطحاوي في المعاني (1/ 160)، وعبد الرزاق (4436)، وأبو يعلى (2401، 2396، 2531، 2678، 2751).
الاختلاف في معنى الحديث وتأويل العلماء له:
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم (5/ 218): وهذا الذي قاله الترمذي في حديث شارب الخمر هو كما قاله، فهو حديث منسوخ، دل الإِجماع على نسخه، وأما حديث ابن عباس فلم يجمعوا على ترك العمل به، بل لهم أقوال: منهم من تأوله على أنه جمع بعذر المطر، وهذا مشهور عن جماعة من الكبار المتقدمين؛ وهو ضعيف بالرواية الأخرى: من غير خوف ولا مطر، ومنهم من تأوله على أنه كان في غيم فصلى الظهر ثم انكشف وبان أن وقت العصر دخل فصلاها، وهذا أيضًا باطل، =
وأما الحديث الثاني: فحكى ابن حزم (1)[عن](2) عبد الله بن عمرو بن العاص أنه عمل به.
قال ابن المنذر: أجمع عوام أهل العلم على أنه لا يقتل إلَّا شاذًا من الناس لا نعلمه خلافًا (3).
= لأنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر، لا احتمال فيه في المغرب والعشاء، ومنهم من تأوله على تأخير الأولى إلى آخر وقتها فصلاها فيه، فلما فرغ منها دخلت الثانية فصلاها، فصارت صلاته صورة جمع وهذا أيضًا ضعيف أو باطل، لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل، وفعل ابن عباس الذي ذكرناه حين خطب، واستدلاله بالحديث لتصويب فعله، وتصديق أبي هريرة له، وعدم إنكاره صريح في رد هذا التأويل
…
إلخ كلامه.
للاستزادة والاطلاع على ما قيل في هذا، انظر: فتح الباري (2/ 23، 24)، ومعالم السنن (2/ 54)، ونيل الأوطار (3/ 360، 268)، وسنن الترمذي تعليق أحمد شاكر (1/ 357، 358)، والفتاوى الفهارس (36/ 423)(37/ 367، 368).
قال الشيخ عبد العزيز بن باز -حفظه الله- في تعليقه على فتح الباري (2/ 24): هذا الجمع ضعيف، والصواب حمل الحديث المذكور على أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلوات المذكورة لمشقة عارضة ذلك اليوم من مرض غالب أو برد شديد أو وحل ونحو ذلك، ويدل على ذلك قول ابن عباس لما سئل عن علة هذا الجمع قال:"لئلا يحرج أمته" وهو جواب عظيم سديد شاف، والله أعلم.
(1)
المحلى (3/ 148)، (11/ 130، 148، 168).
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
قال شيخ الإِسلام في الفتاوى: القتل عند أكثر العلماء منسوخ، وقيل =
الرابع: اختلف في الجمع للحاجة في الحضر من غير اتخاذه عادة فجوّزه ابن سيرين، وأشهب من أصحاب مالك (1).
والقفال الشاشي (2) الكبير من الشافعية، وحكاه الخطابي (3) عنه عن أبي إسحاق المروزي عن جماعة من أصحاب الحديث،
واختاره ابن المنذر، وهو ظاهر قول ابن عباس -وقد قيل له: لم جمع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة من غير خوف ولا سفر؟ -: أراد أن لا يحرج أمته.
ولم يعلله بمرض ولا غيره.
وقولي: "من غير اتخاذه عادة" كذا قيده النووي في "شرح [مسلم] "(4) وأشار به إلى ما يفعله طائفة من المبتدعة ببعض البلدان
من غير حاجة، فهو خرق إجماع منهم (5).
= محكم، وقيل هو تعزير. اهـ. انظر: الفتاوى الفهارس (1/ 450 - 367/ 2، 368)، وسيأتي زيادة بيان له إن شاء الله في باب حد شارب الخمر.
(1)
انظر: الاستذكار (6/ 33).
(2)
سبقت ترجمته.
(3)
انظر: معالم السنن (2/ 55).
(4)
زيادة من ن ب. انظر: شرح مسلم للنووي (5/ 219).
(5)
جاء عن عمر رضي الله عنه: أن من الكبائر الجمع لغير عذر بين الصلاتين، وذهب الجمهور إلى أن الجمع لغير عذر لا يجوز، وحُكي أنه إجماع. اهـ، من حاشيته الروض (2/ 401)، وانظر الفتاوى: الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر، والفهارس (37/ 85).