الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الأول
143/ 1/ 28 - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر، يصلون العيدين قبل الخطبة"(1).
معنى قوله: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر" إلى آخره، أن فعل صلاة العيد قبل الخطبة سنَّة ثابتة إلى الآن لم تنسخ لأن فعله عليه الصلاة والسلام حجة بمجرده، وفعل الشيخين حجة، وإجماع أيضًا على قول بعضهم، عملًا بقوله عليه الصلاة والسلام:"اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر"(2) خصوصًا
(1) البخاري (963)، ومسلم (888) في صلاة العيدين، والنسائي (3/ 183)، والترمذي (531)، وابن ماجه (1/ 407)، وأحمد (2/ 12، 38، 71)، وابن خزيمة (1443).
(2)
أخرجه أحمد (5/ 382، 399، 385، 402) في الفضائل له (198)، والحميدي (449)، والترمذي (5/ 610)، وابن ماجه (1/ 37)، ومشكل الآثار للطحاوي (2/ 85). وقال: معناه عندنا، والله أعلم: أن يمتثلوا ما هم عليه، وأن يحذوا حذوهما فيما يكون منهما في أمر الدين، وأن لا يخرجوا عنه إلى غيره. اهـ محل المقصود منه.
إذا وقع الإِجماع على فعلهما من غير مخالفة لهما، فصار فعل الصلاة قبل الخطبة ثابتًا بالسنَّه والإِجماع عليه، فهذا معنى إضافة
فعلهما إلى فعله صلى الله عليه وسلم.
وقد قدمت الخطبة على الصلاة في صلاة العيدين في زمن بني أمية.
قيل: سببه أَنَّهم أحدثوا في الخطبة لعن من لا يجوز لعنه، فكان الناس إذا كملت الصلاة انصرفوا وتركوهم، فقدموا الخطبتين لذلك، حكاه القاضي عياض.
وقيل: فعلوا ذلك في كل صلاة لها خطبة، والصلاة مقدمة عليها إلَّا الجمعة وخطبة عرفة فإنهم أقروهما على ما هما عليه، وإنما قدموا الخطبة على الصلاة نظرًا إلى عدم تفويت الناس الصلاة، فأثروا تقديم الخطبة للمحافظة على الصلاة لمن يتأخر.
واختلفوا في أول من فعل ذلك:
فقيل: عثمان رضي الله عنه في شطر خلافته الآخر، وروي مثله عن عمر وليس بصحيح عنه (1).
وقيل: معاوية (2).
(1) قال العراقي: الصواب أن أول من قدم الخطبة على الصلاة مروان بن الحكم بالمدينة في خلافة معاوية كما ثبت ذلك في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري، وقد رجح ابن عبد البر في الاستذكار (10/ 19) أن عثمان أول من خطب قبل الصلاة في آخر خلافته. وانظر: مصنف عبد الرزاق (3/ 283، 284)، وابن أبي شيبة (2/ 171).
(2)
انظر: الاستذكار (10/ 20)، ومصنف عبد الرزاق (3/ 283).
وقيل: مروان بالمدينة في خلافة معاوية (1).
وقيل: زياد بالبصرة في خلافة معاوية (2).
وقيل: فعله ابن الزبير في آخر أيامه (3).
(1) قال ابن عبد البر في الاستذكار (10/ 21): وأما قول من قال: أول من قدم الخطبة مروان، فإنما أراد: بالمدينة وهو عامل عليها لمعاوية. اهـ.
(2)
ذكره في إكمال إكمال المعلم (3/ 34).
(3)
قال القاضي عياض: هذا هو المتفق عليه بين علماء الأمصار وأئمة الفتوى ولا خلاف بين أئمتهم فيه، وهو فعل النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين إلَّا ما روي أن عمر في شطر خلافته الآخر قدم الخطبة لأنه رأى من الناس من تقوته الصلاة وليس بصحيح. اهـ.
وقال ابن قدامة في المغني (3/ 376): لا نعلم فيه خلافًا بين المسلمين إلَّا عن بني أمية، قال: وعن ابن عباس وابن الزبير أنهما فعلاه ولم يصح عنهما. قال ولا يعتد بخلاف بني أمية لأنه مسبوق بالإِجماع الذي كان قبلهم ومخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة، وقد أنكر عليهم فعلهم وعد بدعة ومخالفًا للسنَّة.
قال ابن حجر في الفتح (2/ 451، 452): واختلف في أول من غير ذلك، فرواية طارق بن شهاب عن أبي سعيد عند مسلم صريحة في أنه مروان كما تقدم في الباب قبله، وقيل بل سبقه إلى ذلك عثمان، وروى ابن المنذر بإسناد صحيح إلى الحسن البصري قال:"أول من خطب قبل الصلاة عثمان، صلى بالناس ثم خطبهم -يعني على العادة- فرأى ناسًا لم يدركوا الصلاة ففعل ذلك" أي صار يخطب قبل الصلاة، وهذه العلة غير التي اعتل بها مروان لأن عثمان رأى مصلحة الجماعة في إدراكهم الصلاة، وأما مروان فراعى مصلحتهم في إسماعهم الخطبة، لكن قيل: إنهم كانوا في زمن مروان يعتمدون ترك سماع خطبته لما فيها من سب ما =
ثم وقع الإِجماع على خلاف ذلك والرجوع إلى فعله عليه الصلاة والسلام وصاحبيه.
وقد فرق العلماء بين صلاة العيد والجمعة بفروق.
أحدها: أن خطبة الجمعة شرط لصحة الصلاة، وشأن الشرط أن يقدم.
ثانيها: أن الجمعة فريضة، فأخرت ليدركها المتأخر، لا سيما ولا تقضى على وجهها بخلاف العيد.
ثالثها: للتمييز بين الفرض والنفل.
= لا يستحق السب والإِفراط في مدح بعض الناس، فعلى هذا إنما راعى مصلحة نفسه، ويحتمل أن يكون عثمان فعل ذلك أحيانًا، بخلاف مروان فواظب عليه، فلذلك نسبه إليه، وقد روي عن عمر مثل فعل عثمان، قال عاض ومن تبعه: لا يصح عنه، وفيما قالوه نظر، لأن عبد الرزاق وابن أبي شيبة روياه جميعًا عن ابن عيينة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن يوسف بن عبد الله بن سلام، وهذا إسناد صحيح. لكن يعارضه حديث ابن عباس المذكور في الباب الذي بعده، وكذا حديث ابن عمر، فإن جمع بوقوع ذلك منه نادرًا وإلَّا فما في الصحيحين أصح، وقد أخرج عن عبد الله بن يزيد نحو حديث ابن عباس وزاد "حتى قدم معاوية فقدم الخطبة" فهذا يشير إلى أن مروان إنما فعل ذلك تبعًا لمعاوية لأنه كان أمير المدينة من جهته، وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن الزهري قال:"أول من أحدث الخطبة قبل الصلاة في العيد معاوية" وروى ابن المنذر عن ابن سيرين أن أول من فعل ذلك زياد بالبصرة. قال عياض: ولا مخالفة بين هذين الأثرين وأثر مروان، لأن كلاًّ من مروان وزياد كان عاملًا لمعاوية فيحمل على أنه ابتدأ ذلك وتبعه عماله، والله أعلم. اهـ.
فإن قلت: لِمَ قدمت خطبة عرفة دون غيرها من الخطب المسنونة؟
فالجواب: أن الجمع في عرفة آكد منه في غيرها فبدأ بها ليدركه الناس بخلاف غيرها.
فائدة: الخُطبة هنا بالضم وأما خِطبة المرأة فبالكسر.