الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع
160/ 4/ 32 - عن عائشة رضي الله عنها: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب يمانية [بيض] (1)، لبس فيها قميص ولا عمامة"(2).
الكلام عليه من عشرة أوجه: والتعريف براويه سلف في الطهارة.
الأول: "الثوب" معروف، وقد تقدم الكلام عليه في الحديث السادس من باب جامع وكانت هذه الأثواب من قطن، كما سيأتي.
(1) زيادة من ن ب د.
(2)
البخاري في الفتح (3/ 135) فيه ذكر الأطراف، ومسلم (941)، ومالك (1/ 223)، وأبو داود (3151، 3152) الجنائز، باب: في الكفن، والترمذي (996) في الجنائز، باب: ما جاء في كفن النبي صلى الله عليه وسلم، والنسائي (4/ 35، 36)، وابن ماجه (1469)، والبيهقي (3/ 399، 400)، وعبد الرزاق (3/ 421، 422)، وأبو يعلى (4402، 4451، 4495)، وابن حبان (3037)، وأحمد (6/ 40، 192، 204، 214، 165، 118، 132، 93، 231، 264)، والمحلى لابن حزم (5/ 118).
الثاني: قولها "يمانية"، هو بتخفيف الياء على اللغة الفصيحة المشهورة، والأصل: يمنيّة بتشديد الياء [لكنهم]، (1) عوضوا عن الياء الألف فلا يجتمعان، وحكى سيبويه، والجوهري (2) لغة في تشديدها، وفي الصحيحين (3) أنها "سَحولية" أيضًا بفتح السين على الأكثر.
قال ابن الأعرابي (4) وغيره: هي ثياب بيض نقية، لا تكون إلَّا من القطن.
وقال ابن وهب: من قطن ليس [بجيد](5).
وقال ابن قتيبة: هي ثياب بيض، ولم يخصها بالقطن.
وقيل: السَّحولِيَّهُ: المقصورة، كأنها نسبت إلى السَّحولِ، وهو القصار، لأنه يَسْحَلُها، أي: يغسلها.
وقال الأزهري (6): هي بالفتح مدينة في ناحية اليمن يحمل منها ثياب يقال لها: سَحَولية.
وأما السُحُولِيَّة: -بالضم- (7)، فهي الثياب البيض.
(1) زيادة من ن ب.
(2)
انظر: مختار الصحاح (309).
(3)
انظر التعليق ت (2) ص (414).
(4)
انظر: تهذيب اللغة (4/ 306).
(5)
في ن ب د (بالجيد).
(6)
انظر: تهذيب اللغة (4/ 306)، والزاهر (128).
(7)
نسبة إلى الجمع، كما يقال: رجُل سُحُولي: إذا كان يبيع السُحُول =
وقيل: القرية بالضم أيضًا حكاه ابن الأثير في نهايته (1) في هذا الحديث.
الثالث: "بيض" وزنه في الأصل فعل بضم الفاء مثل حمر، ولكن أبدل من ضمة الياء كسرة كراهة [انقلاب](2) الياء واو.
فائدة: قيل: إن أصول الألوان أربعة، الإِبيضاض، والإِحمرار، والإِصفرار، والإِسوداد، وما عدا ذلك من الألوان يتشعب منها.
الرابع: قولها: "ليس فيها قميص ولا عمامة" حمله الشافعي والجمهور على أنه ليس في الكفن موجود، فلا [يستحب](3) ذلك.
وحمله، مالك وأبو حنيفة: على أنه ليس [معدود](4)، بل يحتمل أن يكون ثلاثة أثواب زيادة على القميص والعمامة ومثله قوله -تعالى-:{رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} (5)، فإنه يدل على أن ثم عمدًا إلَّا أنها غير مرئية، والتقدير بغير عمد مرئية لكم، ويحتمل أن
= أو يلبُسهَا كثيرًا. انظر: النظم المستعذب (1/ 128)، وغريب الخطابي (1/ 158)، والنهاية (2/ 347)، وتهذيب اللغة (4/ 305، 306).
(1)
النهاية (2/ 347). قال الزمخشري على قوله: "إن القرية اليمانية بضم السين" هذا خلاف ما أروي وأرى في الكتب المضبوطة. اهـ، من الفائق (1/ 159).
(2)
زيادة من ن ب د.
(3)
ما أثبت من ن ب د، وفي الأصل (يستحب).
(4)
في ن ب د (بمعدود).
(5)
سورة الرعد: آية 2.
يتناول الصفة والموصوف جميعًا وهو حمل ضعيف لعدم ثبوته في الحديث، بل يتضمن أن القميص الذي غسل فيه صلى الله عليه وسلم[(1)] نزع عنه عند تكفينه، ولا يتجه غير ذلك؛ لأنه لو كفن فيه مع رطوبته لأفسد الأكفان.
وأما حديث ابن عباس في مسند أحمد، وسنن أبي داود، وابن ماجه أنه عليه الصلاة والسلام: "كفن في ثلاثة أثواب الحلة ثوبان وقميصه الذي مات فيه (2) فهو حديث ضعيف لا يصح الاحتجاج به، لأن يزيد بن أبي زياد أحد رواته تفرد به، ولا يحتج به لضعفه، لا سيما وقد خالف رواية الثقات.
واحتجت المالكية: بإعطائه عليه الصلاة والسلام القميص لابن أُبي ابن سلول وانفصلوا عن هذا الحديث بأنه قد قيل إنما
(1) زيادة من ن ب د.
(2)
أحمد (1/ 223)، وابن ماجه (1471)، والحديث ضعفه النوويّ كما في سنن ابن ماجه، وأيضًا الشوكاني في نيل الأوطار (4/ 42). قال أحمد شاكر في تعليقه: إسناده صحيح، المسند (3/ 289)، وأبو داود (عون المعبود)(3137).
قال المنذري: وفي إسناده يزيد بن أبي زياد، وقد أخرج له مسلم في المتابعات، وقد قال: غير واحد لا يحتج بحديثه، قال النووي: هذا الحديث ضعيف لا يصح الاحتجاج به، لأن يزيد بن أبي زياد مجمع على ضعفه سيما، وقد خالفت روايته رواية الثقات. اهـ. انظر ترجمة يزيد بن أبي زياد في: الضعفاء للعقيلي (4/ 378)، وابن حجر في التقريب (2/ 365)، وميزان الاعتدال (4/ 423).
أعطاه ذلك عوضًا عن القميص الذي كساه للعباس، لأن العباس كان بالمدينة فطلب له الأنصار ثوبًا يكسونه إياه، فلم يجدوا قميصًا يصلح عليه إلَّا قميص عبد الله بن أُبي فكسوه إياه، كما ذكره الخطابي في معالمه (1).
وقيل: أعطاه [لتطيب](2) قلب ابنه، وهو استدلال عجيب، فإنه لا نزاع في الجواز، بل لا يكره تكفينهما فيه عند الشافعية، خلافًا لأبي إسحاق الشيرازي في "نكته"، فإنه قال بها.
وحكى ابن القصار المالكي: أن القميص والعمامة غير مستحب عند مالك ونحوه عن ابن القاسم كقول الشافعي.
قال القاضي عياض (3): وهذا خلاف ما حكاه مقدمو أصحابنا:
(1) حديث إعطاء النبي صلى الله عليه وسلم قميصه لعبد الله بن أبي ورد من حديث جابر وفيه ذكر السبب وذلك أن العباس رضي الله عنه حينما أسر في بدر طلب له قميص فأعطاه عبد الله بن أبي قميصه، وهو عند البخاري (1270، 1350، 3008، 5795)، ومسلم (3174)، وابن حبان (3174)، والنسائي (4/ 37 - 38)، عبد الله بن عمر، البخاري (1269، 4670، 4672، 5792)، ومسلم (2777)، والنسائي (4/ 36)، وفي التفسير كما في تحفة الأشراف (6/ 173)، والترمذي (3098)، وابن ماجه (1523)، وابن حبان (3175، 3176)، والطبراني (17050)، وفيه أن الإِعطاء كان من طلب عبد الله بن عبد الله بن أبي، وورد من حديث أسامة بن زيد عند أبي داود (معالم السنن)(2967) للاطلاع على كلام الخطابي (معالم السنن)(4/ 275).
(2)
في ن ب (لطيب).
(3)
إكمال إكمال المعلم (3/ 80).
ابن القاسم وغيره عن مالك من أنه يُعمم ويُقَمّص ويدرج في ثلاثة أثواب فيكون خمسة [على ما](1) قاله بعض شيوخنا، وقد جاء عنه أيضًا لا بأس بالقميص في الكفن، ويكفن معه بثوبين فوقه، فهذا على قوله ثلاثة أثواب.
قال اللخمي المالكي: ولا يجاوز في الكفن سبعة فإنه سرف، والاثنان خير من الواحد لأنه أستر، والثلاثة خير من الأربعة، والخمسة خير من الستة، قال: فإن كانت السبعة مدارج من غير قميص، ولا عمامة فحسن.
وعند الشافعية: أن الزيادة على الخمسة مكروهة.
قالت المالكية (2): وعمامة الميت على حسب عمامة الحي.
رواه مطرف عن مالك: يجعل منها تحت لحيته ويترك منها قدر الذراع ذؤابة تطرح على وجهه، وكذلك من خمار [المرأة](3)، لأنه بمنزلة العمامة للرجل.
الخامس: يؤخذ من الحديث استحباب التكفين في ثلاثة أثواب [وقد](4) ثبت في الصحاح أنها كانت سوابغ.
قال العلماء: وأقل الواجب فيه ثوب واحد وما زاد مستحب.
وفي وجه عندنا: أن أقله ثلاثة، والأصح أن أقله ثوب ساتر للعورة فقط.
(1) في الأصل (كما)، وما أثبت من ن ب د والمرجع السابق.
(2)
انظر: المنتقى (2/ 8).
(3)
في المنتقى: الميتة.
(4)
في ن ب ساقطة.
وقيل: يعم جميع البدن.
وقال القرطبي في "شرحه": الوتر مستحب عند عامة العلماء، وكلهم مجمعون على أنه ليس فيه حد واجب، وفي هذا التعبير الأخير نظر.
السادس: فيه أيضًا إيجاب التكفين وهو إجماع، ومحله أصل التركة فإن لم يكن، ففي بيت المال أو على جماعة المسلمين.
السابع: فيه أيضًا كما قال الشيخ تقي الدين: أن الورثة لا يضايق بعضهم بعضًا في الزائد على الواحد الساتر لجميع البدن، ولا يتبع رأي من منع [من الورثة منه](1).
الثامن: فيه كراهة القميص (2) والعمامة في الأكفان وقد تقدم ما فيه.
التاسع: فيه الاقتداء بآثاره صلى الله عليه وسلم في حياته وموته.
العاشر: فيه استحباب التكفين في الأبيض وهو إجماع، وقد أمر به صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح في جامع الترمذي (3) وغيره، والتكفين
(1) في إحكام الأحكام (3/ 1/ 238)، هكذا:"منه من الورثة".
(2)
يدل على إباحة القميص في الكفن أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى عبد الله بن أبي قميصه ليكفن فيه. أخرجه البخاري (1270، 1350).
(3)
ولفظه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثابكم وكفنوا فيها موتاكم". انظر: الترمذي (994)، وابن ماجه (1472)، وأبو داود (3778) في الطب، باب: الأمر في الكحل، وفي اللباس، باب: في البياض، =
في غيره جائز، ومن أطلق عليه أنه مكروه فمعناه أنه خلاف الأولى، ولو كانت كلها حبرة لم يكره، لأنه عليه الصلاة والسلام كان يلبسها يوم الجمع والعيد.
ويكره المصبغات وغيرها من ثياب الزينة.
ويحرم تكفين الرجل في الحرير بخلاف المرأة، فإنه يكره لها فقط. ذكره مالك وعامة العلماء: التكفين في الحرير مطلقًا.
قال ابن المنذر (1): ولا أحفظ خلافه.
خاتمة: ثبت في صحيح مسلم (2) عن عائشة بعد روايتها لهذا الحديث: "أما الحلة فإنما يشبه على الناس فيها أنها اشتريت له ليكفن فيها، فتركت وكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية، فأخذها عبد الله بن أبي بكر فقال: لأحبسها حتى أكفن فيها نفسي، ثم قال: والله لو رضيها الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم لكفنه فيها، فباعها وتصدق بثمنها"، وفي رواية له:"أدرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في حلة يمانية كانت لعبد الله بن أبي بكر ثم نزعت عنه وكفن في ثلاثة أثواب سحولية يمانية ليس فيها عمامة ولا قميص".
= والبيهقي (3/ 245)، وإسناده صحيح، صححه الحاكم (1/ 354)، ووافقه الذهبي، والبغوي (5/ 314)، وأحمد (3426)، وقد ورد من حديث سمرة بن جندب عند النسائي (4/ 34)، والبيهقي (3/ 402، 403)، وصححه الحاكم (1/ 354، 355)، وأقره الذهبي وابن حجر في الفتح (3/ 108).
(1)
يراجع لما سبق في الأوسط (5/ 352، 362).
(2)
مسلم (941).
وفي كفنه عليه الصلاة والسلام روايات أخر ذكرتها في تخريجي لأحاديث الرافعي (1)، ولما ذكر الترمذي (2) حديث عائشة الذي ذكره المصنف، وقال فيه: حسن صحيح، قال: وقد روي في كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم روايات مختلفة وحديث عائشة أصح الأحاديث التي رويت في كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم (3).
(1) انظر: الاستذكار (8/ 179، 185، 205، 216) للاطلاع على جميع ما ورد في ذلك.
(2)
الترمذي (3/ 313).
(3)
في ن ب د زيادة (عليه أفضل الصلاة والسلام).